المنتدى الأول لتحالف الحضارات
المنتدى الأول لتحالف الحضارات :
رضوان زيادة
كنت من المشاركين في المنتدى الأول لتحالف الحضارات الذي عقد في مدريد في الفترة ما بين 15 – 16 يناير /كانون ثاني 2008 في إطار مبادرة تحالف الحضارات، حيث اجتمع عدد لا بأس به من رؤساء الدول ورؤساء الوزارة و القادة السياسيون وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني والمؤسسات، وذلك من أجل دراسة وسائل مواجهة خطر القطبية المتزايد بين دول وثقافات العالم ، على السلام والأمن الدوليين، ومن أجل دراسة تطوير الطرق الجديدة من أجل التفاهم المتعدد الثقافات على المستوى الدولي كما نصت الدعوة الرسمية .
وقد تم تعريف المنتدى في وثائقه على أساس أنه حدث ذو منظور عملي بشكل واضح، وعلى أنه سيوفر للمشاركين منصة دولية لا سابقة لها من أجل التعاون بشأن تطوير المبادرات المشتركة. إلى جانب عقد نقاشات رفيعة المستوى حول الاتجاهات الحالية للعلاقات بين مختلف الثقافات والديانات. وقد تضمن المنتدى جلسات عمل تركز على قضايا محددة تم فيها دراسة بدء تنفيذ المبادرات الجديدة. كما خلق مساحة للوفاق بين الوكالات الحكومية والمنظمات الدولية وممثلي المجتمع المدني الذين يعملون ويلتزمون بالحوار متعدد الثقافات والديانات، لكي يستطيعوا تقاسم أفضل لممارساتهم ووضع خطة عمل مشتركة حيز التنفيذ.
ولد تحالف الحضارات عندما قام رئيس الحكومة الأسبانية زاباتيرو بطرح المبادرة في سبتمبر /أيلول 2004، خلال فترة جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة التاسعة والخمسين، وانضم رئيس الوزراء التركي فيما بعد إلى المبادرة كمشارك في رعايتها، وتبناها الأمين العام للأمم المتحدة في 14 يوليو /تموز 2005، وأصبحت المبادرة منذ ذلك الحين مبادرة للأمين العام للأمم المتحدة . وقد حظيت المبادرة على تأييد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع، وهذا ما عكسته الوثيقة النهائية للقمة الدولية المنعقدة في 2005. ثم تعزز التحالف خلال وقت قصير كأداة مفيدة لمحاولة تصحيح الفهم السلبي المتبادل الذي يبدو أنه قائم بين العالم الغربي وبين العالم العربي-الإسلامي، وهو المناخ الذي استغله وزاده سوءاً المتطرفون في كل المجتمعات. لهذا السبب ظهرت الحاجة إلى تكوين تحالف واسع يقاوم الاتجاه نحو التطرف ويحول دون وقوع المزيد من التدهور في العلاقات بين المجتمعات. تتحمل الحكومات واجب عدم البقاء مكتوفة الأيدي وهي ترى أن الهوة تزداد اتساعا. من اللازم إبراز القيم المتقاسمة وعلى هذا الأساس يجب تكوين خطوط عمل مشتركة في مجموعة من مجالات العمل السياسي.
اعتبر المنتدى أن قضايا عدم التفاهم المتزايد تتغذى من ظواهر متعددة، مثل:
ازدياد سوء الوضع الاقتصادي والسياسي غير العادل بكل وضوح.
قلة التفاهم المتبادل، وقد كانت إحدى أوضح انعكاساته وأحدثها أزمة الرسوم الكاريكاتورية.
القدرة على التلاعب في الظاهرتين التي تتمتع بها بعض الحكومات، وبوجه خاص بعض المجموعات المتطرفة التي تحاول بهذه الطريقة تبرير الأعمال التي تتسم بالعنف.
لقد كان التركيز على أن تحالف الحضارات لا ينحصر في مسألة واحدة. بل هو مبادرة للأمين العام للأمم المتحدة وعلى ذلك فإنه يتسم بصبغة متعددة الأطراف وبالعالمية. يهدف التحالف، كمهمة متقاسمة، إلى قيام كل الحضارات بالمشاركة في هذه المهمة. على هذا الأساس يجب أن يتمثل الهدف في العثور على خطوط عمل مشتركة من أجل:
تعزيز الفهم المتبادل بين مختلف الحضارات
محاولة مقاومة تأثير تلك العناصر التي تشجع عدم التسامح.
رفع توصيات بالإجراءات العملية التي تساعد على الحد من المخاطر التي تؤثر على الاستقرار العالمي ومن المخاطر الناتجة عن هذه الاتجاهات المتطرفة.
تنمية فكرة أن الأمن لا ينفصل وأنه لا غنى عن التعاون العالمي للأمن والاستقرار والتنمية.
لقد حاولت مبادرة تحالف الحضارات نقل ممارسة التأمل وتصميم الأنشطة العملية التي سبقت المبادرة إلى محفل عالمي المستوى، وهذا المحفل يتمتع بسلطة وشرعية لا يمكن استبدالهما من أجل مواجهة هذه المسائل: منظمة الأمم المتحدة. وقد اعتبر المنتدى أنه حتى إطلاق المبادرة كان قد تم التطرق إلى موضوع حوار الحضارات من خلال منظور نظري أكثر. لقد كانت هذه الجهود جهوداً ثمينة ويجب الاستمرار في العمل فيها، ولكن كان من اللازم القيام بخطوات جديدة موجهة نحو النشاط المشترك. يرغب تحالف الحضارات في التركيز على البعد السياسي، مع تسهيل أن يتم إعداد التوصيات التي تتسم بالطابع العملي الواضح والتي من الممكن أن تتبناها الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني في مجموعها مقارنة بمبادرات سابقة، يهدف تحالف الحضارات إلى تكوين وفاق واسع على المستوى الدولي بشأن مشروع أنشطة محددة تتسم بالطابع السياسي .
ولذلك جرى دعوة هذا العدد الكبير من السياسيين والمسؤولين الرسميين الذي شاركوا في أنشطة المنتدى وفي ورشاته المختلفة . و من أجل بدء تنفيذ مبادرة تحالف الحضارات، قام الأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر /أيلول2005، بتعيين مجموعة رفيعة المستوى مكونة من20 شخصية تنتمي إلى أصول جغرافية مختلفة.وقد ركز التفويض الذي وجهه الأمين العام للأمم المتحدة إلى المجموعة رفيعة المستوى على ثلاث نقاط هي:
عرض تقييم للتهديدات الناشئة بالنسبة للسلام والأمن الدوليين، وبوجه خاص القوى السياسية والاجتماعية والدينية التي تنمي التعصب،
التعرف على الأنشطة الجماعية، وذلك على مستوى المؤسسات وعلى مستوى المجتمع المدني، من أجل التطرق إلى هذه الاتجاهات،
القيام قبل نهاية سنة 2006 برفع توصية ببرنامج عمل قابل للممارسة للدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني بهدف تشجيع إيجاد تفاهم أفضل بين المجتمعات. عقدت المجموعة رفيعة المستوى خلال مزاولتها لأعمالها خمس اجتماعات: بالما دي مايوركا )نوفمبر /تشرين ثاني 2005، و الدوحة في فبراير /شباط 2006 ،ثم في داكار مايو/أيار 2006 ، و نيويورك في سبتمبر /أيلول 2006 ، وأخيراً في اسطنبول 12-13 في نوفمبر /تشرين ثاني 2006 . وقد تصادف اجتماع الدوحة مع أزمة الرسوم الكاريكاتيرية.
في الاجتماع الأخير للمجموعة رفيعة المستوى، الذي عقد في اسطنبول في نوفمبر /تشرين ثاني 2006، أنهت المجموعة أعمالها وقدمت تقريرها الختامي إلى الأمين العام للأمم المتحدة في حضور رئيس الحكومة الأسبانية ورئيس الوزراء التركي. فيما بعد، وفي 18 ديسمبر /كانون أول، قدم أمين عام الأمم المتحدة للمجتمع الدولي التقرير مع توصياته، فاتحاً مرحلة جديدة من التحالف الذي نتواجد فيه. يشمل تقرير المجموعة رفيعة المستوى مجموعة من المبادئ الرائدة، وتتمثل في:
المنظور المتعدد الأقطاب.
الحاجة إلى إعادة تعزيز دولة القانون والهيكل المتعدد الأطراف.
الاحترام الكامل لحقوق الإنسان تحت أي ظرف من الظروف.
مبدأ الديمقراطية.
التنديد بالإرهاب في كافة أشكاله.
يعترف التقرير من ناحية أخرى بالدور المهم الذي يمثله الدين في العلاقات بين الغرب وبين العالم العربي-الإسلامي، وذلك على الرغم من أنه يستبعد أن يكون الاختلاف من حيث الاستيعاب المتبادل ناتجاً عن عناصر دينية. وهكذا فإن التقرير يشير إلى أن مسائل سياسية هي الموجودة بالأساس خلف الاستيعاب السلبي الذي يظهر في بعض الأحيان في العالم الإسلامي تجاه العالم الغربي، وذلك مثل:
النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي اكتسب طابعاً رمزيا،ً وعلى ذلك فسيكون من الصعب تحقيق تقدم في تنمية أهداف التحالف إذا لم يتم في نفس الوقت إحراز تقدم في الحل السياسي لهذا النزاع الذي يدوم الآن لمدة عدد من الحقب.
الوجود العسكري للدول الغربية في الأراضي الإسلامية.
الكيل بمكيالين في تطبيق تعددية الأطراف وفي الدفاع عن حقوق الإنسان.
كما يعترف تقرير المجموعة رفيعة المستوى بأن الوضع الصعب الذي يتواجد فيه العالم الإسلامي لا يمكن نسبه إلى التدخل الخارجي فقط. هناك جدل بين القوى التقدمية وبين القوى الرجعية، ويزداد وعي هذه المجتمعات يوماً بعد يوم بالنتائج الناتجة عن التسلط والاستبداد والخنوع في عالم يزداد اعتماده على بعضه البعض ويزداد انفتاحاً يوما بعد يوم.
من بين التوصيات السياسية التي يضعها التقرير تجدر الإشارة إلى التوصيات التالية:
إعداد كتاب حول النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
المساندة الصريحة للمعاهدات الدولية ("International Compacts") بشأن العراق وأفغانستان.
الحاجة إلى تنمية مشاركة للأحزاب السياسية التي لا تتسم بالعنف في العملية السياسية في العالم الإسلامي بصورة كاملة، وذلك بغض النظر عن كونها أحزاب دينية أو غير دينية.
كان تفويض المجموعة رفيعة المستوى يشتمل على أن التقرير كان يجب أن يجمع إجابات العمل المحددة. لهذا السبب فإنه وفي جزئه الثاني يجمع مجموعة عريضة من التوصيات الموضوعية حول أربعة مجالات حددتها المجموعة رفيعة المستوى، وهي: التعليم، الشباب، الهجرة ووسائل الإعلام. توجه هذه التوصيات بالأساس إلى الحكومات وإلى المنظمات الدولية وإلى المجتمع المدني.
أحد المظاهر الأساسية في التقرير ما يتعلق بآلية المتابعة المناطة إليها متابعة بدء تنفيذ هذه التوصيات والقيام بوجه خاص بإكساب المبادرة الاستمرارية. يوصي التقرير بما يلي:
قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين مندوب سامي لتحالف الحضارات، يتولى السهر على بدء تنفيذ التحالف.
عقد منتدى سنوي لتحالف الحضارات على أساس مبادئ التحالف تشارك فيه الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص بصورة اختيارية.
إيجاد صندوق للتحالف وأمانة مساندة للمندوب السامي . وعلى ذلك ابتدأ المنتدى الأول لتحالف الحضارات بكلمات للمندوب السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، جورج سامبايو و رئيس وزراء تركيا ورئيس الحكومة الإسبانية و الأمين العام للأمم المتحدة .
ثم تتابعت الجلسات التي حملت عناوين مختلفة ، كتحالف الحضارات: إدارة التنوع في عصر العولمة. ثم تحديات سياسية في طريقها إلى حوار الثقافات.
ثم انقسم المشاركون إلى جلسات العمل التي شملت :
تحالف الحضارات والفاعلون الدوليون ،إنشاء مركز الإعلام لتحالف الحضارات: التربية الاعلامية ، دور القادة والجماعات الدينية في تحفيز الأمن المشترك، استعمالات مجددة لوسائل الاعلام لتشجيع التفاهم بين الثقافات.
في اليوم التالي تتابعت لجلسات العمل المتزامنة التي حملت محاور وفئات مشاركة جديدة : الحوار بين الثقافات وبين الديانات: رؤية الشباب، تفادي النزاعات، الدين والسياسة في المجال المحلي، آليات ردود الفعل السريعة لدى وسائل الإعلام، نحو التزام للقطاع الخاص بتحالف الحضارات – كيف يمكن للشركة أن تستفيد من تفاهم أكبر بين الثقافات والعكس.
ثم اختتم اللقاء بجلسة ختامية تضمنت شرح المبادرات التي انبثقت عن المنتدى وتصور للمستقبل .
لابد من تسجيل عدد من الملاحظات على المنتدى ، الذي ترجم إلى العربية على أساس أنه " محفل" ، ولم تكن الترجمة موفقة فقد كنت أفضل كلمة المنتدى عن المحفل لأنها تحمل دلالات سلبية في اللغة العربية .
لحظت من خلال مشاركتي تركيز الجانب السياسي على الثقافي بشكل كبير، وقد نصت الوثيقة التأسيسية في الحقيقة على ذلك ، لكن المشاركين السياسيين غالباً ما ركزوا على استعراض الجانب التجميلي من سياساتهم متجنبين أخطائهم أو كوارثهم على مستوى السياسة المحلية والتي تنعكس بشكل أو بآخر على موضوع تحالف أو حوار الحضارات .
كان هناك خلط مفاهيمي كبير بين مفهومي حوار الأديان وحوار الحضارات بحيث جرى اعتبارهما كمفهوم واحد أو أنهما يؤديان إلى معنى واحد .
مع نبالة جمع هذا الحشد الكبير من السياسيين إلا أن حوار الحضارات إذا كان له أن يتم فإنه غالباً ما يكون بشكل عفوي وليس بحاجة إلى ان يقرر السياسيون على أن عليهم أن يقوموا بحوارٍ بين الحضارات ، بل إنهم أحياناً كثيراً ما يفسدون أكثر مما يصلحون .
المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=867&lang=ar