تقارير دولية ترصد بدء ظاهرة الاحترار العالمي

نادية الدكروري

الملاريا والكوليرا يعودان... والدول النامية تتحمل فاتورة المخاطر

«الاحترار العالمي الذي يحدث منذ سبعينيات القرن العشرين، تسبب في 140 ألف حالة وفاة سنوية إضافية منذ عام 2004»، كانت هذه السطور الأولى في تقرير منظمة الصحة العالمية، أكتوبر 2012، عن العلاقة بين التغير المناخي والصحة؛ كأحد التأثيرات المتوقع حدوثها في العديد من دول العالم خلال السنوات القليلة القادمة.

كثير من الأمراض والأوبئة – كالملاريا، وحمي الضنك، وفيروس غرب النيل - يتوقع العلماء انتشارها مع تصاعد مؤشرات التغير المناخي. وستتأثر البلدان التي تملك بنى تحتية ضعيفة، كالدول النامية، أضعاف الدول الأخرى؛ ما دفع العديد من المنظمات الدولية لرصد التأثيرات الصحية لظاهرة التغير المناخي.

«أطلس للتأثيرات الصحية لظاهرة تغيرات المناخ»، أطلقته منظمة الصحة العالمية أخيرًا بالتعاون مع هيئة الأرصاد العالمية، ليوضح تأثير الظاهرة على تغيير التوزيع الجغرافي للأمراض، التي تشكل عبئًا وخطرًا على الأمن الصحي للمجتمعات، في إشارة واضحة لتنامي الاهتمام بالآثار الصحية المتوقعة من التغيرات المناخية.

ألقى الأطلس، في صفحاته الـ 68، الضوء على مجموعة من الأمراض وثيقة الصلة بالتغيرات المناخية التي تزيد من انتشارها وحدة تأثيرها، وتصدرت الملايا، والكوليرا، والتهاب السحايا، وحمى الضنك المتصدع، قائمة الأطلس للأمراض المتأثرة بالتغيير في المناخ، مع توضيح كيفية استخدام المعلومات المناخية للحد من تفاقم المشكلات الصحية والتأهب لها.

المناخ تغير بالفعل

على مدى السنوات الخمسين الماضية، تسببت الأنشطة البشرية، كإحراق الوقود الأحفوري، في إطلاق كميات من ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة تكفي لحبس المزيد من الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، ومن ثم تؤثر في المناخ العالمي. وبحسب بيانات الحكومة البريطانية عام 2008، يوجد ارتفاع في درجة حرارة العالم بمقدار 0.75 درجة سلسيوس خلال المائة عام الماضية، و خلال السنوات الـ 25 الماضية تسارع معدل الاحترار العالمي بأكثر من من 0.18 درجة سلسيوس.

وأفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، بحدوث زيادة شبة مؤكدة في وتيرة ارتفاع درجات الحرارة اليومية، وزيادة الموجات الحارة في مدتها، وحدتها في القرن الحادي والعشرين؛ ما يلزم تقديم خدمات مناخية لمساعدة صانعي القرارات وهيئات الصحة العامة للاستعداد لتغير أنماط الظواهر المناخية.

الحر الشديد

ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في حدوث وفيات بعد الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بين كبار السن؛ ففي صيف 2003 سجلت أوربا 70 ألف حالة وفاة إضافية أثناء موجة حر؛ ما أدى لإنشاء مشروع الحرارة في أوربا (EUROHEAT)، الذي حدد كميًّا آثار الحرارة على الصحة في المدن الأوربية، والخيارات المتاحة لتحسين استعداد نظم الصحة وتصديها لآثار موجات الحرارة.

ترتفع مستويات العوامل المُمرضة في الهواء والمُسببة للحساسية والربو، المصاب به ما يقرب من 300 مليون شخص يتوقع زيادتهم طرديًّا مع زيادة درجات الحرارة. كما تتسبب العواصف الرملية والترابية في مشكلات بالتنفس، كأحد الأمراض غير المعدية التي يتأثر انتشارها بالتغيرات المناخية.

ومن المرجح، بحسب توقعات علماء المناخ، حدوث تغير في أنماط هطول الأمطار بما يؤدي لانخفاض إنتاج الأغذية الأساسية بمقدار 50% بالمناطق الأشد فقرًا في بعض البلدان الأفريقية بحلول عام 2020؛ مايزيد من معدل انتشار أمراض سوء ونقص التغذية.

أمراض المناخ المعدية

يمكن للظروف المناخية المتغيرة التسبب في إطالة فصول انتقال الأمراض التي تنتقل عدواها عبر المياة أو الحشرات والقواقع، وغالبًا ما تصاحب الأمراض المعدية حالات طقس متطرفة كالفياضانات والجفاف. وتنتشر الأوبئة في ظل فقدان البنية الأساسية كالمستشفيات والخدمات الصحية كحال بلدان العالم النامي.

يساور العلماء قلق من زيادة مخاطر الأمراض المنقولة عن طريق المياة، مثل الكوليرا وداء البريميات، بعد ارتفاع درجات الحرارة وتغير بقاء العوامل المُمرضة للإنسان؛ ما دفع عددًا من المنظمات الدولية - كمنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية - لتبني مبادرات بشأن بعض الأمراض التي يتوقع تحولها إلى وباء تأثرًا بالتغير المناخي.

«البريميات»،أحد الأمراض المعدية التي دشن المجتمع الدولي عام 2010 شبكة العمل البيئية العالمية لرصدها علميًّا، والحد من تزايد عدد الإصابات السنوية، والتي تقدر بمليون و700 ألف سنويًّا و123 ألف حالة وفاة بسبب التقلبات المناخية المتوقعة. وشهد العقد الأخير زيادة عالمية في عدد الحالات المصابة بداء البريميات، في ظل وجود ظواهر طقس قاسية كالفيضانات؛ ما يشير إلى تأثر المرض بالأوضاع البيئية وتزايد حالات الإصابة به.

الملاريا شبح الاحترار

«الملاريا»، المرض الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، ينتقل من خلال بعوض «الأنوفيلة»، الذي ينمو و يزدهر في أوضاع مناخية محددة؛ ففي درجات الحرارة الساخنة وزيادة سقوط الأمطار تُهيأ مواقع إضافية لتكاثر البعوض. وشهد عام 2010 ما يقدر بـ 216 مليون حالة إصابة بالملاريا، و655 ألف حالة وفاة معظمهم من الأطفال الأفارقة دون الخامسة.

ووفقًا لتقرير الملاريا العالمي عام 2011، لاتزال الملاريا منتشرة في 106 بلاد في العالم الاستوائي وشبه الاستوائي، و35 بلدًا في أفريقيا الوسطي. وتتوقع حكومة المملكة المتحدة، في تقارير رسمية، إسهام التغيرات المناخية في زيادة أعداد السكان المعرضين لمخاطر الإصابة بالملاريا في أفريقيا بما يزيد عن 80 مليون نسمة في منتصف العقد المقبل. وأوضح تقرير للبنك الدولي تسبب التغيرات المناخية عام 1970 في تضاعف الإصابة بالملاريا في كولومبيا.

يقترن ظهور الملاريا بظاهرة دوائر «النينو» (عندما ترتفع درجات الحرارة وتحدث فيضانات مفاجئة) في بعض البلدان؛ منها الهند وفنزويلا.

في محاولة جادة للتصدي لانتشار مرض الملاريا، دشن «المركز الأوربي للتنبؤات متوسطة المدى للطقس» مشروعًا للإنذار المبكر بالتعاون مع «المعهد الدولي لبحوث المناخ»، يجمع بين التنبؤات بهطول الأمطار الموسمية والسكان ومعلومات الرقابة الصحية. واستطاع المشروع التنبؤ بهطول الأمطار وتوفير مهلة تزيد على أربعة أشهر عن الإنذارات السابقة بقدوم وباء الملاريا؛ ما يتيح وقتًا إضافيًّا لتخصيص موارد لشبكات البعوض للوقاية من الملاريا.

الكوليرا وباء من جديد

نحو مليوني شخص يموتون سنويًّا بسبب أمراض الإسهال، والكوليرا أكثر الأشكال حدة لمرض الإسهال التي تنقلها المياه الملوثة، والظواهر الجوية المتقلبة كالأعاصير والزلازل، التي تسبب اضطرابًا في نظم المياه واختلاط مياه الشرب بالنفايات؛ ما يزيد من خطر الإصابة بالكوليرا وانتشارها في أماكن عديدة على مستوى العالم.

ما يخص المنطقة الأفريقية، يقطن مرض التهاب السحايا مساحات كبيرة ممتدة من السنغال إلى إثيوبيا، وبإمكان المرض خلال عدة أسابيع قليلة الوصول لما يقرب من 88 ألف حالة، كما حدث عام 2009 وكان معظمها في نيجيريا؛ فالتهاب السحايا مرض شديد العدوى تسببه بكتريا تكون طبقة رقيقة حول المخ والحبل الشوكي.

سرعة انتشار وباء التهاب السحايا دفع المجتمع الدولي لتدشين مبادرة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالمخاطر البيئية المسببة لالتهاب السحايا عام 2007، التي أدركت مدى تأثير العوامل المناخية طيلة الخمسين عامًا الماضية على تفشي المرض. يعتزم شركاء المبادرة زيادة استخدام المعلومات المناخية للحد من عبء أوبئة التهاب السحايا في أفريقيا، وترتكز مجهودات المبادرة حاليًا على التنبؤ بمخاطر التهاب السحايا على المدى القصير لتحسين التصدي لحالات انتشار المرض ومراقبته ومكافحته.

حمى الضنك المتصدع

تنتقل حمى الضنك المتصدع أو «حمى تكسير العظام» عن طريق بعوض «الزاعجة» (يشبه أعراض الإنفلونزا ويتسبب في نزيف داخلي قاتل)، ويُعد أكثر مرض فيروسي ينتقل بسرعة في العالم، بواقع 50 مليون مصاب و15 ألف حالة وفاه سنويًّا. وقد تؤدي التغيرات المناخية، كما أوضحت مؤشرات تقارير منظمة الصحة العالمية، إلى إصابة ملياري شخص بحمى الضنك بحلول ثمانينيات القرن الحادي والعشرين.

المدن الاستوائية وشبة الاستوائية، المناطق الأكثر جذبًا لحمى الضنك، توفر بيئة مناسبة لتكاثر بعوضة «الزاعجة»، وتدعم كثافة السكان معدلات انتقال العدوى. ويمارس المناخ تأثيرًا قويًّا على تزايد انتشار حمى الضنك؛ فالمناخ الأكثر دفئًا يُعد موطنًا مثاليًّا لتكاثر بعوض الحمى. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، تتزايد حمى الضنك تزايدًا كبيرًا في مناطق كثيرة من العالم، في ظل غياب لقاح فعال ضدها.

وبعيدًا عن الأمراض المعدية، تكفي جرعة مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية لإصابة طفل ذي بشرة بيضاء بسرطان الجلد. والتعرض الطويل للأشعة يساهم في الإصابة بإعتام عدسة العين وإلحاق الضرر الشديد بقرنية وعدسة وشبكية العين.

وأوضحت إحصاءات منظمة الصحة العالمية تضاعف عدد حالات سرطان الجلد الخبيث كل سبع سنوات، على مدى الأربعين عامًا الماضية.

مع الاحترار العالمي، يزيد خطر تفاقم الوضع في ثقب طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية – اكتشف عام 1985 - وتتنامى الأدلة التي تشير إلى أن زيادة مستويات الأشعة فوق البنفسجية يعزز من خطر الأمراض المعدية، بالحد من فعالية اللقاحات المعالجة لها.

من هم الضحايا؟

سكان البلدان النامية، الأكثر تضررًا من التأثيرات الصحية لظاهرة التغير المناخي. في ظل غياب البنية التحتية المجابهة لوقوع الظاهرة، وضعف المنشآت الصحية.

والمناطق الأسرع تأثرًا بالمخاطر الصحية للظاهرة: سكان المناطق الساحلية والمدن الكبرى الساحلية والجبال والمناطق القطبية؛ ما يجعل ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الظاهرة في هذه المناطق أولوية قصوى. أما الأطفال وكبار السن والمصابون باعتلالات صحية، فهم الفئات الأسرع تأثرًا بالمخاطر الصحية للتغيرات المناخية.

«كييك» نموذجًا للتصدي

بدأت الحكومة الكندية مبكرًا في التفاعل مع التأثيرات الصحية للتغيرات المناخية؛ فبدأت وزارة الصحة الكندية في إطلاق برنامج للتكيف مع التأثيرات المتوقعة من الظاهرة، وكانت «كييك» واحدة من عشر مقاطعات كندية اتخذت خطوات فعلية نحو التصدي للمخاطر الصحية للاحترار العالمي منذ عام 2003؛ بدعم من الشبكة الكندية لبحوث التكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية.

يتوقع الخبراء بحلول نهاية القرن، تعرُض «كييك» لزيادة في درجات الحرارة بنسبة 2 إلى 3 درجات مئوية في فصل الصيف؛ ما دفع لإعداد نظم إنذار مبكرة بموجة الحرارة، وبدأت مجالس المحافظات في تطبيق خطط بشأن التكيف مع تغير المناخ عام 2006 بتأييد من سكان المقاطعة.

عمد البعض الآخر إلى وضع مجموعة توصيات لصانعي القرار لمجابهة المخاطر الصحية للتغير المناخي؛ على رأسها زيادة تدريب المهنيين الصحيين، وتنظيم مشاريع للتعليم الشعبي لطرق الحماية الشخصية أثناء موجات الحر، وتوفير تدابير اقتصادية لتشجيع تنفيذ مبادرات مختلفة لتخفيف آثار موجات الحر، وتحسين المعارف المتصلة بالتهوية داخل المنازل، ووضع مبادئ توجيهية جديدة لإدارة مراكز الرعاية الصحية للتعامل مع موجات الحر. لمواجهة نواقل الأمراض المعدية خلال موجات الحر، عمدت «كيبك» إلى إطلاق توصيات لصانعي القرار بضرورة مواصلة البحث عن طرق للتحكم في منشأ نواقل الأمراض المعدية من الحيوانات وتنفيذ تكنولوجيات وقائية لمنعها وتفهم طبيعتها، وتنفيذ وصيانة أنظمة للمراقبة المتكاملة لموطن النواقل التي تشكل مخاطر جديدة مع تغير المناخ.

المصدر: http://www.alarabimag.com/Article.asp?Art=12341&ID=297

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك