الإشعاع الروحي للشيخ أحمد العلوي على الغرب
الإشعاع الروحي للشيخ أحمد العلوي على الغرب
يونس إريك جوفروا
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين
أبدأ بهذه المقولة للشيخ العلوي التي تلخص بجدارة الكلام الذي سيأتي:
«أنا نفس مجردة من كل شيء, فالروح تحتاج إلى لسان, إلى أذنين, إلى عينين, إلى يدين. إنني أبحث على جسد . لو أعثر على جماعة تترجم عنِّي بعالم الغرب , لاحتارالعالم في عدم وجود أي شيء يفرق الإسلام عن الغرب»
كما يدل عليه عنوان المقالة , سأتكلم بالأساس على الدور الروحي للشيخ أحمد العلوي بالغرب . لن أتثاقل في دوره الرسمي بفرنسا عند حفل افتتاح المسجد الكبير بباريس عام 1926, الشيخ العلوي قام بأول خطبة الجمعة و صلى بالمؤمنين مما يجعل هذا من أكبر الرموز.
في مقدمة الموضوع , يجب أن نلفت النظر إلى الاهتمام المبكر عند الشيخ العلوي بالغرب و ذلك نابع من تفتحه الفكري الهائل للثقافات و الديانات و الفلسفات الأخرى . هذا التفتح يميز المجدِّدين و سيأتي الكلام عنه فيما بعد. من هذا المنطلق, الشيخ العلوي كان قرين بالمسلمين الأوائل الذين درسوا الفكر اليوناني و الهندي الخ... كان من سلالة السلف الصالح و لكن كمجدِّد , بالفعل جدَّد نظرته إلى العالم الذي يحيط به , بقدر ما كان ينتقد الماديات العمياء التي كانت تغري الغرب , كان في المقابل يتتبع تطورات العلم الحديث بشكل مقارن بالمصلحين كمحمد عبده و رشيد رضا الخ... لست أرى شخصياً أي فرق بين أكبر المشايخ الصوفية و كبار المصلحين.
الشيخ العلوي كان كذلك متفتح على الفلسفات الأخرى مثل فلسفة بركسون التي تتركز على الحدس و الإلهام , هذه المفاهيم تنتمي كلياً إلى المصطلحات الصوفية كالكشف و الإلهام و لذلك ليس بالعجيب أن يكون للشيخ اهتمام بهذه الفلسفة و كانت له زيادة على ذلك فضولية متلهفة لكل الديانات بما أنه كان يمتلك الرؤية الكاملة التي يهبها القرآن إذا قُرِأَ و فًهِمَ جيِّداً. إن المصطلح القرآني للدِّين القيِّم يعبِّر بكل وضوح عن هذا الدين البدائي, دين آدم الذي أغصانه الديانات التاريخية.
كانت للشيخ العلوي معرفة جيِّدة بالمسيحية, كان يتذوق خصوصاً إنجيل يوحنَّا و رسائل بولس. و نعلم كذلك أنَّه ذهب أبعد من ذلك إذ بحث عن شكل من التفاهم بين المسلمين و المسيحيين بشيء من الجرأة و هذا مما جعل الإنتقاذات تتهاطل عليه و لكن لم يرى نفسه أنه سيوفَّق في ذلك بل بالعكس كان يطلب من المسيحيين التخلِّي عن التثليث و كان يندد التصرف المتجرئ للمبشرين, لا بد من التركيز على هذا, لأن بعض المصلحين كانوا يعتبرونه متفتح أكثر من اللازم على التيارات الفكرية و قابل النفوذ بالنسبة للروح الغربية و هذا ليس سهلاً كما يظهر لنا. سوف نرى المغزى الباطني الذي أدى اهتمامه بالمسيحية, فمهما كان إنه بالمؤكد شعر سريعا بدوره المسبق في نشر الإسلام الروحي بالغرب.
ظهور هذا الاهتمام لأول مرة بدأ عند انتشار الطريقة العلوية بأوربا و خاصة لما أقيمت فيها زوايا للعبادة و الذكر. كان الفقراء العلويين ابتداء من 1920 الرواد و السابقين للهجرة إلى أوربا و كذلك تأقلمهم السريع فيها و هذا بفضل الميزة التجديدية الذي كانت تتميز بها التعاليم العالمية للشيخ العلوي, زاويتان أقيمتا بباريس و مرسيليا.
نملك شهادات للويس ماسينيون و ريني غينو أو عبد الواحد يحيى تخص زاوية باريس و لكن هذا الأخير لم يزورها مباشرة. كانت في بداية الأمر مخصصة لعرب و بربر إفريقيا الشمالية, هؤلاء يعتبرون أول نواة للطائفة المسلمة المهاجرة في فرنسا إذ يعتبرون بهذا الصدد الرواد الأوائل, يقول لويس ماسينيون أنهم كانوا يهتموا بالعمال الآخرين لرفع مستواهم الفكري و الروحي. من جهة أخرى شيدت زوايا بهولندا و خاصة بالمملكة المتحدة التي احتضنت أربعة عشر زاوية في الثلاثينات و التي شيدها بالأخص بحَّارة من اليمن و الصومال و توجد وثائق تدل على ذلك في زاوية مستغانم.
إشعاع الشيخ العلوي كان قويا لدرجة أنه أصاب الكثير من الأوربيين سواء كانوا مستشرقين أو مسلمين أو زوار عاديين, كلهم أكدوا على الجاذبية التي كانت تنبعث من الشيخ. فيما يخص شهادات المستشرقين أقتصر على اثنين منهم...أربيري مثلاً يعترف أن قداسة الشيخ تذكرنا بالعهد الذهبي للمتصوفة في القرون الوسطى و رغم ذلك يقول في كتابه المسمى " التصوف " أنه لم يعد هناك صوفية حقيقيين بعد الجنيد و ابن العربي و يعتقد أن التصوف بدأ بالانحطاط بعد القرن الثالث عشر ميلادي و ها هو الآن يصرح أنه يوجد ولي عارف في القرن العشرين جدير بأكبر المشايخ في القرون الوسطى, حتى مارتن لينجز أو أبو بكر سيراج الدين في كتابه " ما هو التصوف ؟ " قارن الشيخ العلوي بالجنيد البغدادي سيد الطائفة.
هناك كذلك أوغستان برك أبو المستشرق الفرنسي المعروف جاك برك المتوفى سنة 1995, فأوغستان برك جالس الشيخ العلوي من 1921 حتى وفاة الشيخ سنة 1934, كان متأثر بشخصية الشيخ و كتب مقالاً مطولاً عنه يمدح فيها كمالية الشيخ, رأى فيه ولي الله من العهد القديم و رجل معاصر في آن واحد ذو رؤى بعيدة المدى.
يجب التركيز على أن الكتب العلمية التي تنشر حاليا حول التصوف ما زالت تتكلم عن الجاذبية التي كانت تنبعث من الشيخ, بعد أكثر من سبعين عاما من وفاته نستطيع أن نأخذ بعين الاعتبار أثره الحاسم في الغرب و الذي مازال في الانتشار كموجة تردد إلى يومنا هذا.
لنعود إلى موضوعنا و لنتكلم عن إشعاع الشيخ على المعتنقين الدين الإسلامي, فكلمة الاعتناق غير لائقة لأن الشخص الذي يأتي من دين موسى أو دين عيسى "عليهما السلام" أو حتى من ديانات أخرى ما يفعله هو إلاَّ امتداد طريقه إلى الإسلام, يستكمل دينه و لا ينكر أي شيء. معظم الأوربيون الذين تأثروا بالشيخ العلوي كانوا فنانين و مفكرين, ليسوا كلهم معروفين و لكن أحدهم السيد بروبست - بيرابن الذي كان أستاذاً بمدينة قسنطينة و الذي صار مقدماً للطريقة العلوية في العشرينات و الثلاثينات يتكلم عن مستشرقين و رحَّالة صاروا من الفقراء العلويين.
أبدأ بالحديث عن المعتنقين الفرنسيين المقيمين بإفريقيا الشمالية مثل أوجين تايار الذي كان مترجما بمحكمة تونس و لكن الأكثر شهرة هو جوستاف هنري جوسو أو عبد الكريم في الإسلام و الذي توفي عام 1951 , كان فناناً تشكيلياً و كاتباً, كان من بين الرواد المتجرئين لاعتناق الإسلام, يتحدث أوغستين برك عن إسلام عبد الكريم جوسو ويقول أن إسلامه هو عبارة عن رد فعل الروح ضد الحضارة الاصطناعية, يقول أيضاً أن هذا الإسلام الصوفي احتضن أوربيين راغبين في نهضة إلى ما هو وراء الطبيعة, فهؤلاء لم يجدوا في بعض من العاطفية الكاثولكية, و أقولها أمام إخواني المسيحيين, غذاء روحي حقيقي. يجب الإضافة كذلك أن المسيحية التي تقدم نفسها كرسالة حب و بِّر, كانت تستمد نفوذها من الاستعمار. المسئول الأول في مسجد باريس السيد دليل أبو بكر كتب أخيراً أن " عدد المعتنقين للإسلام الذين سُجِّلوا استجابوا لنداء التصوف و بفضل العمل الذي تقوم به زاوية مستغانم" هذا التطور بدأ في حياة الشيخ العلوي و لكنه استمر بعد ذلك.
جاذبية الشيخ العلوي لعبت دوراً كبيراً في اجتذاب الباحثين عن الحقيقة و المقيمين في أوربا, حلقة الوصل الأساسية لهؤلاء هو بلا محالة الشيخ عبد الواحد يحيى المعروف برينيه غينو الذي يعتبر وجهة لا مناص منها, كان في بداية أمره من الماسونيين, حاذى في باريس مختلف الأوساط الباطنية ثم اعتنق الإسلام عام 1912 ثم أخذ بعد ذلك الطريقة الشاذلية, كتب عن ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا و عن مختلف العقائد الروحية التي بالنسبة له, لها جميعاً عمقاً مشتركاً. أقام بالقاهرة عام 1930 حيث واصل مراسلاته و عمله الفكري. لعب دور الشيخ المفكر و ليس الشيخ الروحي أو المربي, كان ينصح بالمراسلة جميع الأوربيين الذين يبحثون عن طريقة, توفي عام 1951 في القاهرة. يظهر أنه لم يتوافد أبداً على الزاوية العلوية في باريس رغم كلامه عنها, عاش في سطيف بالجزائر عام 1915 و لكنه اكتشف أهمية الشيخ العلوي عند وجوده بالقاهرة فهناك أخذ لنفسه شيخاً من الشاذلية و من المحققين, الشيخ علِّيش.
الأوربيون الذين اعتنقوا الإسلام أو يكادوا اعتناقه, كانوا في بحث عن إسلام باطني أو روحي أكثر مما هو ظاهري, كانوا ذي حاجة إلى مصدر تلقيني حيًّ و سهل الاتصال به. الشيخ عبد الواحد يحيى بعث عدد لا بأس به منهم إلى مستغانم لأنها كانت مصدر رباني من جهة و من جهة أخرى الجزائر ليست بعيدة عن فرنسا و لأنها كانت فرنسية في ذلك الزمان. و لكن من الوهلة الأولى نلاحظ أن الشيخ عبد الواحد يحيى كان يخشى أن تنفتح الطريقة العلوية على الأوربيين ما يمكن أن يكون في نظره سبب الانحراف. هناك من جانبه شيء من التناقض , لأنه دخل الإسلام و من القاهرة كان يبعث بالأوربيين إلى مستغانم و لي بهذا الخصوص نادرة شخصية: جد و جدة زوجتي تراسلوا مع الشيخ عبد الواحد يحيى في العشرينات, هذا الأخير كان يقول لهم أن لا يتركوا التقاليد المسيحية و أن ينتظروا. كان يظن أن الكنيسة ستشهد عن قريب نهضة روحية, انتظروا سنين عديدة مع كثير من الأوربيين و في عام 1932 قال لهم أن النهضة المعتزمة ميئوس منها. في ذلك الزمان كان عدد الأوربيين المسلمين ضئيل, فكان يجب إذن خلق إطار جديد.
مع فريتجوف شوان أو عيسى نور الدين أحمد المتوفى سنة 1998, أخد التأثير التلقيني للشيخ أحمد العلوي منعطفا ً خاصاً و نقطة تحول لا جدال فيها ففريتجوف شوان فنان سويسري ألماني, اعتنق الإسلام بباريس و لبس كباقي المعتنقين في ذلك الوقت اللباس الإسلامي التقليدي لجماليته الروحية و لأنه في نظره منبع البركة, فشرع بعدئد في البحث عن الشيخ المربي. في نوفمبر 1932 التقى بفقير يمني بمرسيليا نصحه بأن يذهب إلى مستغانم لرؤية الشيخ العلوي الذي سمع الكلام عنه من قبل و حتى الشيخ عبد الواحد نصحه بزيارته. عند وصوله إلى الزاوية بمستغانم, كان يومها الشيخ العلوي مريض, لم يقابل شوان إلا مرتين, فأخد شوان إذاً العهد. أما ترسيمه مقدماً والإجازة التي حصل عليها لتلقين الأوراد العلوية في جميع أقطار أوربا فقد أجازه بها الشيخ عدة بن تونس. بحساسيته الغينونية أي بانتسابه الفكري لغينو, نشر التعاليم العلوية بلوزان بسويسرا حيث تجاذب إليه الكثير من المثقفين و الكتاب و المترجمين و الأساتذة الجامعيين...في سنة 1987 استقر بالولايات المتحدة. شوان كتاباته غزيرة و قلمه قوي, أعطى صورة جديدة للدين العالمي في كتابه المسمى " من الأحادية الاستعلائية للأديان" و عمل على ترك بصمة قوية على بعض الأوساط المسيحية.
و فيما يلي بعض أسما ء المنتسبين لشوان ذوي أهمية:
تيتوس إبراهيم بوخارث المتوفى سنة 1984 المعروف بأعماله الخاصة بالفن و العمارة الإسلامية, كان من المباشرين لأعمال الصيانة و التجديد لمدينة فاس القديمة.
ميشال محمد فالسان المتوفي سنة 1974 و كان في الأصل دبلوماسي من رومانيا مقيماً بباريس, كان أول الدارسين لكتابات الشيخ الأكبرمحي الدين ابن عربي في الغرب و أعماله ما تزال إلى الآن في انتشار واسع. شغل منصب مدير دراسات الأديان من 1961 إلى 1974 و كان شيخ طريقة مستقلة بباريس.
مارتن لينقز أو أبو بكر سيراج الدين, من بريطانيا المتوفى في الثاني عشر من مايو سنة 2005 عن عمر يناهز 96 سنة. مدير معهد المخطوطات العربية سابقاً بلندن, كان قريباً من الشيخ عبد الواحد يحيى بالقاهرة. كتابه المسمى "ولي صالح مسلم في القرن العشرين" ساهم كثيراً في التعريف بالشيخ العلوي بالغرب. كان أحد الممثلين لطريقة شوان الذي عددهم لا يتجاوز اثنان.
الآخر هو سيد حسين نصر من أصل إيراني هاجر إلى الولايات المتحدة بعد الثورة الإيرانية, أستاذ جامعي و كاتب من التيار التقليدي, معروف جداً, من الممثلين البارزين للإسلام بأمريكا.
في عهد مشيخة الشيخ عدة بن تونس, أخد شوان استقلاله بصفة قطعية و هذا مما جعل بعض المنتسبين له يوبخونه, فأسس طريقته الخاصة مصرحا أنه الوريث الوحيد لسِّر الشيخ العلوي رغم أن هذا الأخير كانت له الصلاحيات الروحية و التلقينية لتأهيل أكثر من فقير صوفي. العمل الذي يقوم به المجدد في الإسلام يكون على جميع المستويات و في كل جوانب الحياة, إذ أن أغلبية الأوربيين المسلمين الرافضين لحضارة الغرب المعاصرة, أبوا أن يروا في الشيخ العلوي إلاَّ ولي الله آت من القرون الوسطى, يقول شوان عيسى نور الدين أحمد : " نستطيع أن نقارن واحد من هؤلاء الأولياء بالصالحين في القرون الوسطى أو بنبي من بني إسرائيل. كيف لنا أن ننسى ذلك الظهور المؤثر الآتي من الماضي, هذا الشيخ المسِّن الرقيق و المتمكِّن كأنه خرج من التوراة أو القرآن؟...كانت تنبعث منه بضعة من رائحة الماضي الطاهرة, زمان سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ". إهـ
نستطيع أن نتفهَّم هذه الرغبة في التماس الدين القيِّم في غربٍ عايش التصنيع و الحرب العالمية الأولى و خيبة الأمل في هذا العالم و فقدان القِيَّم الأخلاقية...و لكن لهذه الأسباب, محا الأوربيين الجانب المعاصر للشيخ العلوي كما ذكر ذلك أوغستين برك بل كان للشيخ شاغل اندماجه في المجتمع و انسجامه في عصره و ذلك بلا شك ميزة كل شيخ مربي متحقِّق.
الطرق المتفرعة عن العلوية في البلاد العربية
التأثير التلقيني و العقائدي للشيخ العلوي ما زال إلى الآن يصيب عدد كبير من الغربيين المعتنقين للدين الإسلامي عن طريق الطرق المتفرعة عن العلوية المنتشرة في البلاد العربية, من بينها الطريقة المدنية التي أسَّسها الشيخ محمد بن خليفة المدني و التي بدورها تفرعت منها طرق أخرى و كذلك الطريقة الهاشمية التابعة للشيخ محمد بن الهاشمي التلمساني الدمشقي التي تفرعت منها هي الأخرى عدة طرق. الكثير من المثقفين و الجامعيين الأوربيين ينتسبون إلى هذه الطرق التي يمثلها في بعض الأحيان أشخاص من أصل أوربي. يبقى ديوان الشيخ العلوي مصدر التنشيط و السماع
و الحاصل, إن السبب الرئيسي لتأثير الشيخ العلوي على الغرب تمثل في خاصيته العيسوية, كل الغربيين ذوي الثقافة المسيحية الذين اقتربوا الشيخ العلوي, أصيبوا بذهول لشبه وجهه بصفة خاصة و هيئته بصفة عامة بالمسيح عيسى عليه السلام كما يتصوره عادة العقل الغربي كما جاء ذلك مثلاً في مذكرات طبيبه الخاص مارسيل كاريه. أمَّا عبد الكريم جوسو فقد كتب أنَّ للشيخ وجه جميل يشبه وجه المسيح الحنون و المتأثر بالآلام
هذه الإشارات المتعددة أدَّت بميشال محمد فالسان إلى كتابة مقال عن الخاصية العيسوية للشيخ, إذ تكلم عن المقام العيسوي للشيخ فقال :" للطريقة التي ينتمي إليها الشيخ, ما عدا الدور العادي في إطاره الإسلامي...لها الفضل في إنشاء الحضور الفعَّال للتصوف كطريقة تلقينية إلى تخوم العالم الغربي و حتى داخل منطقة التأثير الأوربي على العالم الإسلامي, كان لها أن تعَّبِر من خلال كيفية تناسب الاتصال الفعلي و الحقيقي و الفعَّال مع الحساسية الفكرية في الغرب ". أمَّا بالنسبة للسيِّد شودكييفتز فقد قال :" إن الجاذبية القوية التي مارسها الشيخ العلوي على بعض الأوربيين الذين انخرطوا في طريقته و التي لعبت دوراً مهِّماً في نشر التصوف في فرنسا و في بلاد أوربية أخرى, تؤكد على المعادلة بين سِمَة الولاية التي كان يمثلها و بين طبيعة المحيط الذي وُجدَ فيه ليمثِل التصوف ". إهـ
يتضح لأفهامنا حينئذ إهتمام الشيخ بالدين المسيحي, يجب توضيح شيء عقائدي: حسب التصوف, يرث الأولياء من أمة النبي محمد صلى الله عليه و سلَّم علوم الأنبياء ما قبل البعثة المحمدية من خلال الخاصية الجمعية للنبِّي صلى الله عليه و سلَّم الذي يحصي جميع المميزات النبوية السابقة, فوليٌ ما يصير في فترة ما أو طول حياته نوحِياً أو إبراهيمياً أو موسوياً أو عيسوياً, يستطيع في المقابل أن ينتقل من وراثة نبيٍّ إلى وراثة نبيٍّ آخر. هذه الوراثة تتفاعل كالوراثة التناسلية التي تطبع بمزاج محدد و قابل للظهور كلٌ من التصرف والأخلاق المتميزة للوليّ.
عرف التصوف كذلك أولياء موسويون, فمثل موسى عليه السلام لمَّا نزل من جبل سيناء, تراهم كذلك يحجبون وجوههم الساطع بالنور الوهاج حتى لا يُعمي أو يَقتل من كان أمامهم. أولياء آخرون, عيسويون هذه المرة, لهم كرامات في إحياء الموتى كما فعل ذلك عيسى عليه السلام. نجد عقيدة الوراثة النبوية غير مصَّرحة في كتب الصوفية الأوائل و لكن نجد صياغة واضحة في كتب الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي. للملاحظة, التأثير العيسوي بقي حاضراً عند خلفاء الشيخ العلوي بمستغانم, نذكر على سبيل المثال النص الجميل للشيخ عدة بن تونس "عيسى روح الله" و كذا وجود الشيخ خالد بن تونس بأوربا و دوره الرائد في الحوار الإسلامي المسيحي...بالنسبة لشوان فهو كذلك كان تحت التأثير, فاسمه في الإسلام الشيخ عيسى و أطلق على طريقته اسم الطريقة المريمية دلالة على مريم العذراء.
بفضل برَكَتُهُ, شارك الشيخ العلوي بسعة في انفتاح الغرب على الإسلام, مهَّد بذلك بروز إسلام المعرفة و الحكمة والمحَّبة بأوربا. أغلبية المعتنقين للإسلام الذين أحصاهم الغرب منذ عشرات السنين إلى الآن, لم يسلموا بناءاً على الدعوة الوهَّابية رغم البترو - دولارات التي تتهاطل على القارَّة و لكن بناءاَ على ما هو أساسي و جوهري من العبادة الروحية الكاملة التي يتمتع بها التصوف.