برامج حوارية دون نكهة

سعيد محمود

 

السياسة، قضية العصر بالدرجة الأولى، وأحياناً، مركب شهرة، ونافذة للتباهي والظهور والانتشار. وعلينا أن نقر أن الكثيرين ممن فشلوا في مناحٍ اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو طبية أو فنية أو رياضية.. وجدوا في السياسة ساحة سهلة للمبارزة، وراحوا يؤسسون الأحزاب ويخوضون الانتخابات في هذا البلد أو ذاك. أكثر من ذلك، نرى، أحياناً، أن الكثير من الشخصيات التي برزت في ميادين الاقتصاد والرياضة والفن.. أرادت أن تكلل مشوارها الناجح بالخوض في غمار السياسية سواء عبر الترشح للبرلمان أو حتى الترشح لمنصب وزاري، بل بعض الشخصيات رشحت نفسها في الانتخابات الرئاسية.
ولعل تفسير ذلك معروف، فالسياسة، بطبيعة الحال، تجلب الهيبة والسطوة والنفوذ والتأثير على قيادة المجتمعات والدول والشعوب، لذا، تهفو إليها قلوب الكثيرين من أصحاب المطامح الكبرى. وحين يتم التزاوج بين السياسة والمال والدين، كما في حالة الأحزاب الإسلامية، بالتأكيد أن ذلك سيجد لنفسه التعبير البليغ والفاقع على الصعيد الإعلامي أيضاً، والراهن المصري يعد النموذج الأمثل لمثل هذا الطموح أو التوجه. 
ولئن كان الإعلام هو رئة المجتمع وسلطته الرابعة، والمرآة التي تعكس صخب الحياة، ففي رأيي أن السيطرة عليه من قبل بعض رجال الدين المتشددين أو من قبل الرأسمال المتوحش، تعني أن حرية التعبير إما في غرفة الإنعاش تحتضر، أو أنها ماتت تماماً، ذلك أن فرض الرأي الواحد، كما كان حال الإعلام الرسمي العربي، يقصي التعدد والتنوع جانباً، ويحافظ على لون واحد لا طعم له ولا رائحة.
لطالما كانت القضايا الاجتماعية ملجأ الإعلاميين العرب، ومنجاهم من مقصات الرقابة وسُلطة الأجهزة الأمنية. هكذا اعتقدوا، نتيجة لفهم مسطح لمهمة الإعلام. أو هكذا أرادوا، خوفاً من قطع الأرزاق والأعناق في آن واحد! بعض الإعلاميين، قدموا مسوخاً من برامج حوارية أرادوها ناجحة من خلال بهارات بنكهة اجتماعية خالية من أي دسم قد يضر بصحة أو مشاعر المسؤولين.
في النهاية، لم تجذب تلك البرامج أحداً من الجمهور نظراً لابتعادها عن الواقع الاجتماعي والسياسي. ربما نجحت فقط في تعبئة ساعات البث، والحفاظ على أعناق وأرزاق معديها، غير أن تلك البرامج بقيت منسية، ذلك أن الابتعاد عن الجرأة والخوف من الجهر بالمسكوت عنه أدى إلى توقف الكثير من البرامج التي اتسمت بنبرة خافتة، ولم تقتحم ميادين الحياة الصاخبة والحادة والصدامية.
في عصر الفضائيات، اتجهت الكثير من الحكومات العربية إلى رفد الفضاء العربي بالبرامج الدينية، بل أكثر من ذلك، انتشرت المئات من القنوات الدينية والتي جاء الكثير منها دون المستوى المطلوب والملائم لتقديم الفكر الديني. لكن الموضوع لم يتوقف عند المنحى الرسمي، بل إن الكثير من التيارات والأحزاب الدينية التي تملك إمكانيات مالية ضخمة راحت، بدورها، تؤسس قنوات جديدة تروج لأهدافها، وتلمع صورتها. هنا، كانت البرامج والمحطات، متلونة بحسب سياسات القائمين عليها. 
في السنوات القليلة الماضية، ظهرت علينا نماذج من السياسيين، لم يكن بمقدور أحد تخيلها. أضف إلى ذلك طوفان المحللين السياسيين الذين أصبحوا مدعاة للسخرية والتندر من قبل أبسط المُشاهدين، وأدنى المُتلقين ثقافة. 
ففي دمشق، مثلاً، إثر نجاح مهنة ما، كنت ترى على الفور انتشارها العجيب كالوباء. هكذا اجتاحت دمشق حمى (الشاورما)، كما اجتاحها طاعون (الستالايت). الوضع نفسه، نجده الآن على كافة الفضائيات العربية، إنه طوفان السياسة. ينابيع كامنة انفجرت، وأصوات ارتفعت.. بالتأكيد، سيأتي يوم، تنتهي فيه موضة السياسة الرائجة هذه الأيام. لكن حتى ذلك اليوم، ستتحفنا الفضائيات العربية ببرامج سياسية وسياسيين يتهافتون للظهور على الشاشة، ويتكاثرون كالوباء، والفضائيات بدورها، تستثمر هذه الرغبة، وتأتي بهم في كثير من المرات للعراك، لا لتوضيح قضية سياسية ملتبسة.
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك