نحن والسلفيون...قليل من المُكاشفة والمراجعة

  عريب الرنتاوي

ما حدث في الزرقاء من مواجهة دامية بين قوات الأمن والسلفيين، ليس سوى فصل واحد أخير، في مسلسل متعدد الحلقات...بداياته الأولى تعود للحرب الباردة، زمن التحالف غير المقدس ضد "السوفييت" في أفغانستان، أو ضد ما كان يسمى بلغة تلك الأزمان "الخطر الشيوعي"...ذهب "السوفييت" وانقشع "الخطر الشيوعي"، ولم نسلم شأننا في ذلك شأن دول المنطقة من تهديد "العائدون من أفغانستان" والذين تناسلوا بعد حين، لتتشكل منهم ظواهر "العائدون من سراييفو" و"..من غروزني" إلى آخر "المعزوفة".

وفي عودة سريعة إلى التاريخ القريب، تستوقفنا محطة حرب تموز في المسلسل المذكور إياه,...يومها تداعت دول الاعتدال وأجهزتها وأذرعتها، للعمل بالنصيحة الذهبية التي حملها إلى اجتماعات الرباعية العربية، ناطقون باسم المحافظين الجدد في "مدن الرمل والملح"، وتقتضي كما أفصح عنها "سيمور هيرش" في "النيويوركر"، بإعادة توجيه – Redirection – التيار السلفي لمواجهة "الخطر الشيعي"، المتجسد هذه المرة، في محور طهران وحلفائها في المنطقة، وهو المحور الذي أطلقت عليه تسميات عدة، أشهرها "الهلال الشيعي"، وضم في صفوفه إلى جانب إيران، كل من سوريا وحزب الله وحركة حماس وإلى حد ما، تيار الإخوان المسلمين الأعرض في المنطقة.

لقد ترتب على "استراتيجية إعادة التوجيه" تلك، رفع أطواق العزلة والملاحقة عن التيارات السلفية في عدد من الدول العربية "المعتدلة"...لقد نظر المخططون وصنّاع القرار في هذه الدول، إلى هذا التيار كـ"حليفٍ" قائم أو محتمل...أفسحوا له "المنابر" ليشن من على صهوتها هجماته اللاذعة ضد "الروافض" وحلفائهم والمتواطئين معهم...لقد أعفوهم من مقتضيات "قوانين المطبوعات والنشر" واشتراطاتها الثقيلة...لقد درّبوهم وسلّحوهم في بعض الساحات، لتكون مواجهتهم مع "محور طهران" مسلحة أيضـاً، وليس بـ"الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة فحسب"...لقد رأينا انتعاشاَ لهذا التيار في مصر والأردن، وفي "نهر البارد" زمن "فتح الإسلام"، وفي قطاع غزة عبر ائتلاف حمائلي / فصائلي مدعوم من بعض الدوائر الأمنية الفلسطينية" الأكثر تورطاً في عرض الخدمات وبيعها والإتجّار بها.

الأردن لم يكن اسثناء لهذه القاعدة، لم يخرج عنها، وكانت لنا حوارات من موقع المختلف، مع بعض المتورطين في تبني هذه السياسة وترجمتها، ولطالما واجهتنا صعوبة في فهم التناقض القائم بين اعتبار "القاعدة" مصدر التهديد الأساسي للأمن الوطني الأردني من جهة، وتقديم الدعم أو التساهل على الأقل، مع المدرسة السلفية بمختلف تياراتها من جهة ثانية.

لقد كان الرهان منعقداً على أن هذا "التيار" لن يزيد عن كونه مجموعة من "الدراويش" وأن أدواته ووسائله سلمية، وأنه سيخدم لا محالة هدف احتواء النفوذ الإخواني وتجفيف منابع الدعم السياسي والمعنوي لحماس وحزب الله...لقد انتشر هذا "التيار" وكسب مواقع جديدة واحتل مساحات ازدادت اتساعاً باستمرار، في ظل "زواج عرفي" بُني على مصالح انتهازية وحسابات ضيقة.

وكان لتداخل الحركة السلفية، وبالأخص، جناحها الجهادي، مع "البنية العشائرية" في الأردن، أثر في تمكين هذا التيار وإضعاف قدرة الدولة بأجهزتها المختلفة على مواجهته والتصدي له، تماماً كما يحصل في اليمن وفي مناطق القبائل الجزائرية وعلى الحدود القبلية المشتركة بين أفغانسان والباكستان وفي قطاع غزة (الحمائل بدل العشائر في الحالة الغزاوية)...لقد بتنا أمام "اتفاق جنتلمان" أو "تفاهمات ضمنية غير مكتوبة"، تقضي بتمكين هؤلاء من القيام بوظيفتهم خدمة للهدف المشترك في التصدي للمحور إياه، "محور إيران وهلالها الشيعي"، نظير امتناعهم عن "اللعب بورقة الأمن والاستقرار"...وكان الاعتقال من نصيب من كَسَر هذه المعادلة، أو خرج على التفاهمات، وهي حالات محدودة وتذكر بالاسم على أية حال.

ولا نستبعد أبداً، أن تكون بعض "الغرف السوداء" قد قرأت "الانتشار السلفي" من منظور "المنابت والأصول"...ومقابل "فلسطنة" الحركة الإخوانية، المدينية والمنبثقة من رحم الطبقة الوسطى، ربما يكون هناك من استمرأ "أردنة" الحركة السلفية، باعتبارها تجسيداً لـ"فقه البداوة"، في مسعى لا تخفى مراميه على أحد، ويهدف إلى"أدلجة" الانقسام المجتمعي وتأبيده.

لقد ترتب على ذلك وجود "بؤر" و"جيوب" نفوذ لهذا التيار، لا تخطؤها العين، ولم تكن بعيدة أبداً عن "تحقيقات الصحافة" وتقارير مراكز الدراسات الدولية ذات الصلة، ويدهش الزائر لبعض مراكز الدراسات في هامبورغ ولندن وباريس وواشنطن، بأن الباحثين المختصين، يعرفون هذه البؤر بالاسم، ويعرفون عن بنيتها الثقافية والسكانية والاجتماعية، الشيء الكثير....والأهم من كل هذا وذاك وتلك، أن مرور الزمن يجعل "التعاطي" مع هذه البؤر، أكثر كلفة وصعوبة...خصوصا حين يُساء قراءة الرسائل الحكومية الموجّهة لهذا التيار، وآخرها الإفراج عن عدد منهم في توقيت متزامن مع تحويل أوراق شباب "الدوّار" إلى أمن الدولة.

ما حصل في الزرقاء، ليس سوى ثمرة مرّة لما سبق لبعض المسؤولين والدوائر أن زرعوا...أياديهم أوكت وأفواهم نفخت...ليس سوى "الحنجلة" التي هي "أول الرقص" وللمسلسل بقية.

المصدر: http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=22185

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك