رواد الاصلاح الحديث وتجديد الفكر الديني

لقد كان لرواد الاصلاح الحديث، من امثال محمد عبده والكواكبي ورشيد رضا وغيرهم، تطلعات واهداف جعلتهم بعيدين عن مسالك العلماء التقليديين. فقد وقفوا موقفاً مضاداً للنهج الذي خطّه الفقهاء والمفسرون التقليديون قديماً وحديثاً،

 

واتصفت اراؤهم بالجرأة والصراحة. فأهم ما امتازوا به هو أنهم دعوا الى تجديد النظر في الدين، ولم يتوقفوا عند حد فتح باب الاجتهاد بالمعنى التقليدي. كما انهم حوّلوا النص الى مرتع للنظر لدى جميع المدركين ليفيدوا منه ما يفهمونه دون التوقف عند حدود ما يقوله المفسرون والفقهاء وغيرهم من اصحاب الطرق التقليدية. وهم بهذا يعدون أنفسهم غير مرتبطين بالأخيرين لعدة اعتبارات كالتالي: 1ـ انهم على الاقل لا يعملون بالتقليد كما هو شأن غالب الفقهاء، بل يعدونه من اهم اسباب انحطاط الامة وتخلفها. ومن ذلك شهادة رشيد رضا على مقلدة الفقهاء بأنهم ساروا بطريق يخالفون فيه نصوص الايات وظواهرها، واستشهد على ذلك بما نقله الفخر الرازي عن احد شيوخه قائلاً: قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الايات فلم يقبلوا تلك الايات ولم يلتفتوا اليها وبقوا ينظرون الي كالمتعجب، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الايات مع ان الرواية عن سلفنا وردت على خلافها. ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الاكثرين من اهل الدنيا.  وقد اعتبر رشيد رضا ان هذه الظاهرة ظلت متفشية بقوة مع مرّ الزمن الى عصرنا هذا1 .

2ـ انكارهم للتنطعات والتدقيقات الفقهية، ومن ذلك ان الكواكبي في (ام القرى) اعتبر ان توسيع الفقهاء لدائرة الاحكام أدى الى تضييق الدين على المسلمين تضييقاً اوقع الامة في ارتباك عظيم، بحيث جعل المسلم لا يكاد يستطيع ان يعد نفسه مسلماً ناجياً لتعذر تطبيق جميع عباداته ومعاملاته تبعاً لطلبات الفقهاء المتشددين الاخذين بالعزائم. كما ضرب الكواكبي مثلاً بارزاً على التوسع المغالي في الآراء الكثيرة المتعلقة بالسواك، اذ جاء عن النبي (ص) قوله: >لولا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك<، فعلى هذا الحديث تشعبت الاراء واتسعت، حيث اخذ الفقهاء يبحثون عن نوع العود المستخدم في السواك وعن طوله وطريقة استعماله والامكنة والاوقات التي ينبغي فيها استخدامه وما الى ذلك من تفريعات منافية للمقصد الشرعي2 .

3ـ وهم اذ لا يعولون على الفقهاء بالتقليد، ولا يعملون بالتنطعات والتدقيقات الفقهية، فان لهم طرقاً معرفية عدة قاموا بممارستها.  ذ ويمكن تصنيفها الى طرق اربع رئيسة كالتالي:

الاولى: انفتاحهم على النص مباشرة دون وسائط الفقهاء عادة. فمثلاً شدد الكواكبي في (طبائع الاستبداد) على ضرورة فهم القرآن من غير تقييد، طبقاً لمسلمة كون الدين مبنياً على العقل، وانه لا بد من التبصر في مقاصده. فالقرآن الكريم من اوله الى اخره اذا ما لوحظت مقاصده وتفهم اسباب نزول آياته لا تجد فيه من حكم الا وتلقّاه العقل بالاجلال والاعظام دون حاجة للرجوع الى الغير ممن يعملون بالتوسعة والتدقيق، ومن ثم التشويش والتضليل3 .

كما طالب محمد عبده بقراءة القرآن وفهمه مباشرة بعيداً عن التفاسير التي حذّر منها. كذلك اعتبر رشيد رضا ان مسائل الدين البحتة من العبادات والحلال والحرام لا يُرجع فيها الى اراء الفقهاء، وانما تُسند الى الشرع من الكتاب والسنة مباشرة. أما المسائل الدنيوية كالقضاء والسياسة فهي مفوضة بأمر الله الى اولي الامر الذين هم رجال الشورى من أهل الحل والعقد، وما يقررونه يجب على حكام المسلمين تنفيذه وعلى الرعية قبوله4 . وهذا يعني - بحسب رأي هذا المفسر - انه سواء في القضايا الدينية البحتة، او القضايا الدنيوية فانه لا يصح الاعتماد على رأي الفقهاء. بل من حيث الدقة ان رواد الاصلاح اذ ينفتحون على النص مباشرة فانهم يميلون في كثير من الاحيان باتجاه الفهم المجمل. فهم كثيراً ما ينزعون على الدين نزعة الاجمال ولا يرضون بالتدقيقات والتنطعات التي ألفها الفقهاء واهل الاختصاص، بل يميلون الى اعتبار التدقيقات ليست صفة الدين ذاته، بل هي صفة الواقع لامكانية اختباره ومعرفة قضاياه بسهولة. وربما لهذا نجد مثلاً ان الكواكبي يصرح في (طبائع الاستبداد) بالاجمالية في عدد من العبارات، منها اعتباره ان الاسلام >وضع شريعة حكمة اجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان<. وعليه اعتبر ايات الاحكام لا تعدو عن مائة وخمسين آية، وفي محل اخر عدها لا تتجاوز المائة. وقد امتدح الطريقة التي يُفهم بها المعنى المتبادر باطمئنان مع النفور عن التوسع في البحث وعدم اعارة السمع للاشكالات، ومن ثم لا حاجة للتدقيقات والابحاث المسببة للتشديد. واكثر من هذا اكد على ضرورة التمسك بكل ما يقبل الاتفاق وترك غيره من الموارد التي تثير الاختلاف، عبر الاجتماع على ما نعلمه ونفهمه من النصوص والتخلي عن كل ما يرد من نقل مختلف حوله5 .

وشبيه بهذا الموقف ما أكده رشيد رضا في موارد الاخذ بالقطعيات وتقليص دائرة الاحكام والتكاليف، مؤيداً موقفه هذا بذكر شاهد من السيرة النبوية، وهو ان بعض الاعراب كان يجيء النبي (ص) من البادية فيسلم، فيعلّمه النبي ما أوجب الله وما حرم عليه في مجلس واحد فقط، فيعاهده الاعرابي على العمل به، فيقول النبي (ص): >أفلح الاعرابي إن صدق<. اذ يمثل هذا الشاهد لدى رشيد رضا اعظم اسباب قبول الناس بالاسلام، لكن >الفقهاء أكثروا التكاليف بآرائهم الاجتهادية حتى صار العلم بها متعسراً، والعمل بها متعذراً<. لذلك فقد تمسك بالمطالبة بكل ما هو قطعي بحيث يفهمه كل من عرض عليه النص، أما ما هو غير قطعي من الآيات الظنية الدلالة، واخبار الآحاد الظنية الرواية او الدلالة، فهي موكولة الى اجتهاد من تثبت عنده في العبادات والاعمال الشخصية، والى اجتهاد اولي الامر في الاحكام القضائية والمسائل السياسية6 .

الثانية: التمسك بمسلك السلف الاوائل قبل بروز الاختلاف ونشأة الفرق والمذاهب، ولو من خلال تحقيق بعض المتأخرين، وذلك في القضايا الغيبية والمسائل العبادية. واكبر الظن ان هذا المعنى الذي اتجه صوبه بعض الرواد المصلحين، كالذي يلاحظ بوضوح لدى محمد عبده ورشيد رضا، جاء كرد مناسب على الطريقة السائدة لدى العلماء والفقهاء الذين يذهبون مذهب التقليد للمذاهب المعروفة، سواء في الاصول او الفروع.

الثالثة: ممارسة النظر والترجيح بين الاراء العلمية الموروثة في الحالات التي لا يسعف الناظر النص ولا يجد طريقة اخرى تقربه الى التحقيق. الرابعة: الاعتماد على مصادر معرفية اخرى مستمدة من العقل والواقع. وهذا ما سنركز عليه الحديث كالتالي: لقد اعاد الرواد المصلحون العقل الى اطاره الطليعي كمصدر مهم للفهم والتوليد المعرفي، اذ كانوا على وعي من ان حصر المعرفة بالنص لا يجدي نفعاً. وبذلك عبّر الكواكبي في (ام القرى) من انه >اضحى المسلمون محتاجين للحكمة العقلية التي كادت تجعل الغربيين ادرى منّا حتى في مباني ديننا<. وأكد بأن ميزة الدين الاسلامي كونه مبنياً على العقل المحض، وبالتالي انه >افضل صارف للفكر عن الوقوع في مصائد المخرفين، وانفع وازع يضبط النفس من الشطط، واقوى مؤثر لتهذيب الاخلاق، واكبر معين على تحمل مشاق الحياة، واعظم منشط على الاعمال المهمة الخطرة، واجل مثبت على المبادئ الشريفة، وفي النتيجة يكون اصح مقياس يستدل به على الاحوال النفسية في الامم والافراد رقياً وانحطاطاً<7 .

كذلك فبنظر هؤلاء المصلحين يعتبر الواقع مصدراً رئيساً للمعرفة لا غنى عنه. فمحمد اقبال عبّر عن هذا المصدر في (تجديد التفكير الديني في الاسلام) بالتجارب والملاحظات والخبرات، بل ورأى ان هناك اتجاهاً تجريبياً عاماً للقرآن يتبدى من خلال ما يستهدفه من ضرورة التأمل للطبيعة، مؤكداً بأن النظر في الكون والآفاق والانفس، وكذا الوقوف على أخبار الأولين، هي من مصادر المعرفة الانسانية بحسب القرآن الكريم. أما مرجعية الواقع بنظر الكواكبي فانها تشمل مختلف الميادين، بما فيها الواقع الغربي، وكذا التجارب الحضارية والحاجات الاجتماعية وجميع اصناف الثقافة المعتمدة على الموضوعات الخارجية؛ كالعلوم الاجتماعية من الحقوق والسياسة والاقتصاد والفلسفة العقلية والتاريخ القومي والجغرافي والطبيعي والسياسي والادارة الداخلية والحربية8 .

واذا كان البعض من الرواد المصلحين ابدى انه لا يعمل بغير الكتاب والسنة، كالذي نراه لدى محمد عبده وتلميذه رشيد رضا، فلأن هذه التصريحات اتت كرد على مسلك الفقهاء المقلدين الذين وضعوا النصوص المباشرة من الكتاب والسنة خلف اظهرهم. وهو ما يتبين مما ذكره رشيد رضا نقلاً عن محمد عبده بأن شيخاً من اكبر الشيوخ سناً وشهرةً في العلم قال في مجلس ادارة الازهر على مسمع الملأ من العلماء: >من قال انني اعمل بالكتاب والسنة فهو زنديق<، يعني انه لا يجوز العمل الا بكتب الفقهاء. فردّ عليه محمد عبده قائلاً: >من قال انني اعمل في ديني بغير الكتاب والسنة فهو الزنديق<.

صحيح ان هذين العَلَمين يعملان بالكتاب والسنة كمختصين لا يختلفان من هذه الناحية عن اصحاب الاختصاص الديني، الا انهما لم يتوقفا عند هذا الحد، بل اضافا الى ذلك مصدراً معرفياً هاماً مستمداً من الواقع، الى الحد الذي عملا فيه على تأويل النص لصالح الواقع، او ترجيح مطالب هذا الاخير على الاول، سيما اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حجم ضغط الحاجات الزمنية التي صادفتهما. ويكفي ان نعلم بان رشيد رضا قد رجّح العلوم الكونية على الفقهية والكلامية في فهم القرآن، وانه اعتبر ادخال العلوم الطبيعية اهم اركان التفسير والعمل بهدي القرآن لامتلائه بذكر آيات الله في خلق السماوات والارض. الامر الذي دعاه الى الجمع بين العلمين الكوني والديني9 . كل ذلك مما له دلالة على ما للواقع من مرجعية معرفية تأسيسية لفهم النص. على ان تمسك الرواد المصلحين بالواقع كمصدر رئيسي واساسي للمعرفة قد جعلهم يبعدون أنفسهم عن الممارسة التقليدية لدى المفسرين والفقهاء. وهي الممارسة التي تمعن النظر في النص عبر غور معالمه اللغوية والالتزام بصورها الحرفية، او من حيث الارتباط غير المباشر بالنص عبر آليات التقليد التي لجأ اليها الفقهاء المتأخرون التابعون للأئمة الاوائل. فعلى عكس ذلك لجأ المصلحون الى التعامل مع النص؛ تارة بالتأويل والتوجيه بحسب ما تفرضه المعرفة المستوحاة من الواقع، واخرى من حيث اعتباره مجملاً يحتاج الى التفصيل المستمد من النظر الى هذا الواقع واعتباراته، كالنظر الى تجارب المجتمعات والتأثر بميادين العلم. وبالتالي فقد جعل المصلحون من الواقع اداة لفهم النص؛ مبعدين أنفسهم في ذلك عن التدقيقات اللغوية التي يوليها كل من المفسرون والفقهاء جلّ اهتمامهم. هكذا جعل الرواد المصلحون من الواقع اداة موظفة لدورين في علاقته بالنص:

دور التفصيل: وهو الدور الذي أُعتبر فيه النص مجملاً لا يحل اجماله عادة بالطرق التقليدية من التحليل اللغوي، بل بفعل ما يقدمه الواقع من تفصيل. ومن ذلك ما اشار اليه محمد عبده وهو بصدد تفسيره لاية اختلاف الناس: (كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)، معلقاً عليها بقوله: أنا لا اعقل كيف يمكن لأحد ان يفسر الاية وهو لا يعرف احوال البشر، وكيف اتحدوا، وكيف تفرقوا؟ وما معنى تلك الوحدة التي كانوا عليها؟ وهل كانت نافعة أم ضارة؟ وماذا كان من آثار بعثة النبيين فيهم. لقد اجمل القرآن الكلام عن الامم، وعن السنن الالهية، وعن آياته في السماوات والارض، وفي الافاق والانفس، وهو اجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علماً، وأمرنا بالنظر والتفكر، والسير في الارض لنفهم اجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالاً، ولو اكتفينا من علم الكون بنظرة في ظاهره، لكنا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده لا بما حواه من علم وحكمة.

ثم ان محمد عبده، وهو بصدد تبيان حاجة المفسّر الى التعرف على الواقع والكشف عن دور القرآن لهداية البشر جميعاً، اعتبر ان من الواجب على المفسّر ان يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوة من العرب وغيرهم، ذلك لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وبالتالي كيف يفهم المفسّر ما قبّحته الايات من عوائدهم على وجه الحقيقة إن لم يكن عارفاً بأحوالهم وما كانوا عليه؟ ثم انه استند الى ما روي عن عمر بن الخطاب بقوله: >إنما تنقض عُرى الاسلام عروة عروة اذا نشأ في الاسلام من لا يعرف الجاهلية<، حيث بيّن ان المراد من ذلك أن من نشأ في الاسلام ولم يعرف حال الناس قبله فانه سيجهل تأثير هدايته وكيف ان الله تعالى غيّر احوال الناس واخرجهم من الظلمات الى النور >ومن جهل هذا يظن ان الاسلام أمر عادي، كما ترى بعض الذين يتربون في النظافة والنعيم يعدون التشديد في الامر بالنظافة والسواك من قبيل اللغو، لأنه من ضروريات الحياة عندهم، ولو اختبروا غيرهم من طبقات الناس لعرفوا الحكمة في تلك الأوامر وتأثير تلك الاداب من أين جاء<. فهذا هو دور الواقع في تفصيل ما يجمله النص.

دور التوجيه والتأويل: وهو الدور الذي يغلب أثره عند ربط النص بمباحث العلوم الطبيعية، وكذلك ميادين السنن الكونية والاجتماعية. وقد قام محمد عبده بتبرير ادخال العلوم الطبيعية في الفهم والتفسير من خلال تأويله لاية (يتلو عليهم اياته) مفسراً اياها بأنها عبارة عن بيان الايات الكونية والاستفادة منها والاعتبار بها. وان الكواكبي عدّ المباحث العلمية الحديثة هي تبيان للاعجاز القراني، حتى اخذ يعدد الكثير من الايات التي لم يعرف مضمونها الحقيقي الا بفعل المكتشفات الحديثة10 .

يظل ان الجمع والتوفيق بين العلمين الكوني والديني كان يشوبه الكثير من التعسف في التأويل لصالح الواقع والنظريات العلمية. فمثلاً قام محمد عبده بتحميل العديد من الايات ما لا تحتمله من معاني التفسير العلمي مما جعله عرضة للنقد. ومن ذلك انه فسر سورة الفيل تفسيراً قائماً على المكروبات والجراثيم، فجوّز ان تكون الطير الوارد ذكرها في السورة عبارة عن بعض الحشرات كالبعوض والذباب، كما وجوّز ان تكون الحجارة هي جراثيم بعض الامراض. كما جوّز رشيد رضا اعتبار الجراثيم المرضية (المكروبات) نوعاً من الجن11 . كذلك قام الكواكبي، هو الاخر، بتأويل وتوجيه عدد من الايات طبقاً لما ساد من نظريات وحقائق علمية، كحدوث الجدري الذي اصاب اصحاب الفيل بالمكروب (وارسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل)، وامتلاء الكون بالاثير وانه اصل مادة الحياة (ثم استوى الى السماء وهي دخان)، وان القمر منشق من الارض (أفلا يرون أنّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها) (اقتربت الساعة وانشق القمر)، وكالاخبار عن المركبات البخارية والكهربائية (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون)، وكذا الاخبار عن إمساك الظل او التصوير الشمسي (ألم ترَ الى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً)، وايضاً تطور الكائنات الحية تبعاً لنظرية داروين (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين).. والكواكبي لا يجد في كل ذلك ما يخالف اصلاً دينياً كما هو الجاري لدى الفقهاء والمفسرين التقليديين12 .

مع هذا نشير الى ان للمصلحين دوراً في التعامل المعاكس لما قدمنا؛ وذلك بجعلهم مقاصد النص ومبادئه العامة تتخذ اطاراً من التوجيه لمفاصل المعرفة المستمدة من الواقع. وبالتالي فان العلاقة بين النص والواقع لديهم مزدوجة، فالمعرفة المستمدة من كل منهما تؤثر على الاخرى. لكن بشكل عام يمكن القول بأن الرواد المصلحين حفظوا للنص مقامه ليس في التكوينات الجزئية مثلما هو الحال لدى الفقيه؛ وانما في التوجيه الكلي باعتباره مصدراً للهداية والارشاد.

 

.................

هوامش

1-   محمد رشيد رضا: تفسير المنار، دار الفكر، الطبعة الثانية، ج8، ص169.

2-  الكواكبي: ام القرى، ضمن الاعمال الكاملة للكواكبي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الاولى، 1995م، ص326ـ327.

3-  طبائع الاستبداد، ضمن الاعمال الكاملة للكواكبي، ص508.

4-   الاعمال الكاملة للامام محمد عبده، حققها وقدم لها د. محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 1980م، ج3، ص286.

5-   ام القرى، ص282.

6-   تفسير المنار، ج11، ص262.

7-   ام القرى، ص302. وطبائع الاستبداد، ص508.

  8- محمد اقبال: تجديد التفكير الديني في الاسلام، ترجمة عباس محمود، لجنة التأليف والترجمة في القاهرة، الطبعة الثانية، 1968م، ص21.

 9-  المنار، ج4، ص44.

 10   المنار، ج4، ص222.

 11-  المنار، ج3، ص96.

 12-  ام القرى، ص302. وطبائع الاستبداد، ص454.

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/tanweer/19741.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك