لماذا يغيب التجديد عن مذاهبنا؟

تركي الدخيل

كلما اعتبرنا الاختلاف ميداناً لتكرير العداوات وبعثها من مرقدها، كلما جعلنا من تراثنا ومصادر علومنا آفة!

التنوع في الطوائف الإسلامية كان يمكن أن يكون مصدر ثراء معرفي للإنسان. لو لم يكن ميداناً للتناحر والتقاتل!
 
اهتمام المعتزلة بالعقل.. عناية السنة بالأسانيد.. حرص الصوفية على الروحانيات.. كل تلك الطوائف لها إيجابياتها وسلبياتها. ولم يكن انتماء الفرد لطائفة سبباً لإلغاء الآخر.
 
الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، رغم انتمائه الصميم لأهل السنة، غير أنه يثني من دون أي غضاضة على أي مختلف معه في المذهب، فهو امتدح ابن الفارض الشاعر الصوفي الشهير مدحاً بليغاً. ولكن هذا التراجع في تصنيف الناس بحيث لم تعد تذكر إلا المثالب، وهذا الإلغاء لقيمة التنوع الطائفي يجعلنا نشعر بأننا لا نتقدم إلى الأمام بقدر ما نعود إلى الوراء.
 
تشكّلت الطوائف والمذاهب تاريخياً ضمن صراعات سياسية بناءً على تأويلات بشرية، كل طائفة قرأت النصوص الدينية، واصطحبت معها أدواتها لإجراء التأويل أو الاستنباط أو الاستدلال والاستشهاد. حين تبلغ أي حضارة مستويات إنسانية عالية تتجاوز الانتماء الطائفي الضيق لتنفتح على الطوائف مستفيدة ومقتبسة. المسيحية في أوروبا استطاعت أن تنفتح على بعضها البعض. والحروب الطاحنة بين البروتستانت والكاثوليك قدّم درساً للإنسانية والبشرية، لهذا تجاوزت أوروبا الصراعات بعد أن غرقت بالدم.
 
كما أن الطوائف في البداية كانت متحركة ومتجددة وليست جامدة، يقول المفكر الجزائري محمد أركون: "ينبغي العلم بأن تسميات من نوع أهل السنة، شيعة، معتزلة، أهل الحديث، أهل الرأي، جهمية، كانت تدل في البداية على مواقف فكرية متحركة لا جامدة، ولا ثابتة على عكس ما نتوهّم. لقد كانت تدل على مواقف متغيرة طبقاً لرهانات الصراعات الدائرة على مسألة الحقيقة الدينية.. وكذلك طبقاً للقرب المستشعر به والمستبطن اعتقاديا داخل وعي كل مسلم".
 
هذه العزلة الكبيرة بين الطوائف الإسلامية حوّل الطوائف إلى قبائل متناحرة ومتضادة ومتعاركة، وذلك لسببين، أولهما جمود الطائفة وعدم تجديد الفكر داخلها، مع أن هناك محاولات لتجديد الطائفتين من قبل مفكرين كبار. السبب الثاني أن تسييس الطوائف قد زاد بسبب استخدام السياسي للديني وتوظيفه له في معاركه ونزاعاته!
 
بآخر السطر؛ لابد من الانفتاح بين المسلمين جميعاً والعيش في العصر لا التاريخ، وأن تكون الطائفة متصالحة مع العصر ومع التجديد وألا تتجمد ضمن مفاهيم تاريخية وتبقى عليها وتسجن جميع أتباعها المصلحين.

المصدر: http://www.okhdood.com/?act=artc&id=10925

الأكثر مشاركة في الفيس بوك