الخطاب المذهبي ومآلاته

فهد السلمان

الخطاب المذهبي الذي بدأ يسود المنطقة بشكل متفاقم، منذ أن افتتحه المالكي في العراق في اختيار توقيت إعدام صدام حسين بدلالاته الديماغوجية، ثم توظيف ذات الخطاب ضمن معظم سياسات أحمدي نجاد البراغماتية لكسر طوق عزلته، وصولا إلى حماقات الرئيس السوري، واستخدامه له في حربه ضد معارضيه كغطاء أخير لجسد الدولة التي مزقتها سياساته، وانتهاء بصب زيت هذا الخطاب على نار الخلافات المطلبية بدخول حزب الله إلى ساحة الصراع السوري، وما تلا ذلك من ردود أفعال، فاقمت من ارتفاع حدته. حتى أصبحت المنطقة برمتها على فوهة بركان لا أحد يعرف متى وكيف سينفجر؟ ولا إلى ماذا سينتهي.

هذا الخطاب بلغته الحادة، وتوظيفاته القذرة التي لا تُؤدّي إلا إلى إيقاظ الفتنة.. ما كان ينبغي العبث به، أو إدخاله ضمن أدوات اللعبة السياسية لو كان لدى هؤلاء الساسة ما يكفي من الحكمة لإدراك المجاهيل التي سيؤول إليها، لأن رفض محصول هذا الغرس بعد فوات الأوان مثلما حدث مع المالكي بمراجعاته لا يُمكن أن يعيد حياكة النسيج الممزق، ولا أن يعيد ترتيب الأوراق المبعثرة في عواصف المذهبية، كما أن محاولة الاستدراك بعد فوات الأوان أيضا بالبحث عن الذرائع أو جرجرة المبررات من كل حدب وصوب، وتمليح النوايا كما فعل نصرالله في خطابه الترقيعي لا تلغي الوقائع، ولن توقف زحف ردود الأفعال، لأن ما يتجرعه الجمهور من الشحن الطائفي ليس مجرد لون على سطح الثوب يمكن غسله بالماء والصابون وأنواع المطهرات ليعود كما كان، خاصة عندما لا يقبل السلوك الذي يحدث على الأرض لدى الطرف الآخر، أن يُترجم بأي تفسير يمكن أن يمسحه بخرقة حسن النية..

لذلك فمهما تغنّى بعض الأطراف بوجود معارضين لهم من نفس طيفهم - كما فعل نصرالله في خطابه الأخير- لنزع هذه التهمة عن أنفسهم أو فصيلهم، فإن حالة الاحتقان الطائفي التي جسدتها تلك السلوكيات والأحداث بكل مندرجاتها لن تطفىء ذلك السعير المضطرم ما لم ينبرِ لها العقلاء ليعيدوا توثيق عقالها.

ولعل وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني، وحديثه أثناء حملته الانتخابية، وفي مؤتمره الصحفي بعد إعلان فوزه برئاسة الجمهورية الإيرانية، وتأكيده على حرصه على إقامة أفضل العلاقات مع المملكة على وجه التحديد وكافة جيرانه، وهو يعرف حتما حرص المملكة ودول الخليج على لغة الاعتدال وتجنب الخوض في مياه الطائفية الآسنة.. أقول : لعله وبشيء من الخطوات المنتظرة منه على الأرض، أن يدلق قليلا من الماء البارد على تلك الفتنة الضارية، التي كان سلفه أحد أبرز من حملوا عود ثقابها، ليقلل من أوزارها، وتبعاتها، أملاً في أن يرتفع الدخان الأبيض مقابل تلك الأدخنة السوداء التي لم يتوقف سخامها للأسف عند حدود سورية حيث يتم ترويضها هناك لاستخدامها كورقة لعب أخيرة في كوتشينة الصراع بين السلطة والمعارضة، وإنما بدأت تلوث أجواء جوارها اللبناني تحديدا، والمنطقة برمتها. وهذا هو دور عقلاء الأمة إن كان بقي ثمة مجال للعقل..

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=23253

الأكثر مشاركة في الفيس بوك