التطرف الديني ليس له مذهب

عبدالله الأيوبي

ارتفعت في الآونة الأخيرة نبرة الخطاب الرسمي تجاه الخطب الدينية التي يرى فيها هذا الخطاب أنها تحمل تهديدا للوحدة الوطنية وتستخدم مفردات لغوية تساعد على تأجيج الاحتقان الطائفي الذي تعيشه البحرين كجزء من مناخ عام يلف معظم المجتمعات العربية والإسلامية، ومن حيث المبدأ كان يفترض من الجهات الرسمية المسئولة عن مراقبة أداء المرافق الدينية من جوامع ومساجد وغيرها، أن تعي مدى الخطورة التي يشكلها الخطاب الديني المتطرف على النسيج المجتمعي البحريني، حيث حفل المسرح البحريني بأصناف عدة من هذا الخطاب واسهم في إحداث شرخ في البنيان الوطني، مما اسهم في تأجيج الطائفية في المجتمع خاصة بعد تفجر أحداث فبراير من العام الماضي.
فالجهات الرسمية المسئولة عن مراقبة هذا الخطاب كانت دائما تتعامل مع الخطابات المتطرفة بشيء من الخجل والمجاملة أحيانا، أو كمن لم يسمع ولم ير شيئا أحايين أخرى، هذا التعامل شجع الكثير من ممتطي منابر الخطابة الدينية على التمادي في استخدام مفردات لغوية ليس من الصعب على الإطلاق معرفة ما يعنيه وما يقصده هذا الخطيب أو ذاك، ونحن هنا لا نتحدث عن موقف هذا الخطيب أو ذاك من مسألة سياسية أو حقوقية أو خدمية، فهذه أمور طبيعية في مجتمعات تعج بالنشاط والحركة، وإنما المعنية بالدرجة الأولى تلك المفردات التي تزرع الشقاق وتبث السموم في المناخ الوطني.
فليس من الصعب على الجهات المسئولة التي رفعت نبرة خطابها الموجه لخطباء الجوامع والمساجد، ليس صعبا عليها أن تضع يدها على تلك الخطب التي تؤجج الاحتقان وتحرض على الكراهية بين فئات ومكونات الشعب البحريني، ولكن هذه الجهات لم تفعل ذلك الأمر الذي ينم عن عدم أخذها على محمل الجد ما يمثله خطاب التطرف من خطر على البنيان الوطني وعلى العلاقات بين مكونات الشعب البحريني، فإصلاح ما يفسده الخطاب المتطرف، ليس بالأمر الهين أو رخيص الثمن، ذلك أن تشظي البنيان الوطني له عواقب وخيمة على مستقبل الوطن والشعب معا.
التعامل مع خطاب التحريض وبث الكراهية بين مكونات الشعب البحريني يجب أن يتغير وأن يتجرد أيضا من الانتقائية، فالعبرة ليست بالمكان الذي يخرج منه هذا الخطاب ولا بانتماء وشخصية الخطيب نفسه، وإنما في محتوى هذا الخطاب وما إذا كان يحمل في طياته تحريضا على الكراهية وتشهيرا واستهزاء بمعتقدات هذا المكون أو ذاك أو دعوة فئة ما الى مناصبة أخرى العداء، مثل هذا الخطاب لايزال يصدح من على بعض منابر الخطابة الدينية من دون أن تتحرك الجهات المسئولة خطوة واحدة إلى الأمام على طريق وضع حد لهذا الاستهتار بمصالح شعب البحرين.
هذا التقاعس عن مواجهة خطاب التطرف وبث الكراهية والتحريض الطائفي شجع المتطرفين وجعلهم يتمادون ويواصلون استخدام تلك المفردات التي «تحذر» الجهات الرسمية من بثها عبر المنابر الخطابية الدينية وأنها، أي تلك الجهات، لم تعد «تستحمل» السكوت عن مثل هذه الممارسات، فالمتطرفون يعرفون جيدا طبيعة تعاطي تلك الجهات مع الخطاب الذي يصدر عنهم، ويدركون جيدا أنهم في مأمن من أن تطولهم أي إجراءات تحول بينهم وبين استمرارهم في بث سموم ذلك الخطاب.
من المهم أن تعي الجهات المسئولة مخاطر التقاعس عن اتخاذ إجراءات تحد من انتشار خطاب التطرف الديني وبث الكراهية من على منابر الخطابة الدينية، ذلك أن هذه المنابر هدفها بالدرجة الأولى إصلاح العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد والعمل على ترميم البيت وإصلاحه، وليس العكس، فما يفعله هذا الخطاب يتناقض تماما مع الأهداف التي من أجلها أقيمت الجوامع والمآتم التي من أجلها اكتسب رجل الدين احترام مختلف فئات المجتمع بغض النظر عن اتفاقهم مع آرائه ومعتقداته أو اختلافهم مع تلك المعتقدات.
سيكون الوقت متأخرا جدا إذا ما تمكن خطاب التطرف الديني من إيجاد أرضية صلبة له للوقوف عليها ومواصلة مشروعه التهديمي والتخريبي، وستكون أيادي الجهات المسئولة شبه مغلولة أو مشلولة أو عاجزة عن الوصول إلى رأس هذا الخطاب، حينها سيكون الثمن الذي سنكون مطالبين بدفعه ثمنا باهظا جدا وقد نجد أنفسنا عاجزين حتى عن التفكير في كيفية توفيره ومن ثم دفعه، فحين ينجح الخطاب المتطرف في هدم وتقطيع العلاقات بين مكونات المجتمع البحريني، عندها لن يكون هناك وطن واحد وشعب واحد وأرض وسفينة واحدة تجمع على ظهرها أبناء البحرين، بل ان الصورة ستكون قاتمة جدا وكئيبة، فالوقت لتدارك الوقوع في ذلك المستنقع الآسن مازال فيه ما يكفي، بشرط أن يكون التعامل مع خطاب التطرف الديني تعاملا وطنيا جامعا وليس انتقائيا.

المصدر: http://www.akhbar-alkhaleej.com/12640/article/57906.html

الأكثر مشاركة في الفيس بوك