التصوف بالغرب الإسلامي .. صفحة السياسة وهامش الثقافة

قد عرفت ظاهرة التصوف بالغرب الإسلامي انتشارا واسعا منذ القرن الهجري الثالث مع مدرسة ابن مسرة،

وما لبث أن تطور من صفته الساذجة البسيطة الملتصقة بالزهد والتقشف والإنزواء في الجبال والكهوف، إلى حركة –أو لنقل كما قال ابن خلدون- إلى علم حادث في العلوم الشرعية، له أفكاره ونظرياته وتياراته، وإن كانت في أغلب الأحيان غير متجانسة نظرا للطابع الذاتي الذي يميز هذا العلم، فكل ذات هي تيار صوفي مستقل، وفي سبيل إضاءة عتمة هذه القضية ولو جزئيا، أتطرق في هذه المداخلة إلى بعض المفاهيم الصوفية قصد التنبيه إلى إشكالية تداخلها، ثم بعد ذلك الوقوف عند تعريف التصوف باعتباره مصطلحا أدبيا ودينيا، بالبحث عن أصوله ونشأته، حيث يتبدى لنا أنه يتشكل من عدة تيارات مختلفة في العصرين المرابطي والموحدي، سواء تعلق الامر بالتصوف الاسلامي أم بالتصوف اليهودي.

لا يخفي على كل من نبش في الفكر الصوفي بالغرب الإسلامي وجود مادة مهمة من هذا التراث، وإن كانت الكثير من مصادره لازالت مخطوطة، ومنها ما هومفقود، وهي تحكي ثورة الصوفي المنزوي في هامش الحياة السياسية، الغارق في بحر تأملاته وسعيه الذؤوب للاتحاد مع المطلق. وتحكي تبادل الأدوار بين الهامش والصفحة، بين الثقافة المعاكسة والثقافة الحاكمة.

 

1- مفاهيم صوفية.

إن دراسة الفكر الصوفي عامة، تفترض بداية وضع حدود بين مفاهيمه الكثيرة، والتي تتداخل حينا وتستغرق بعضها البعض أحيانا أخرى، وتترادف أحايين أخرى، ولهذا كان لزاما الوقوف عندها بغية إنارتها باعتبار ذلك مدخلا لهذه المداخلة:

 

أ- الطريقة.

تعتبر الطريقة في النظم الإجتماعية تجسيدا للمنهج في المجال الديني على شكل تنظيم هرمي لإتباع ذلك المنهج تحت توجيه وإشراف رائد ملهم، يدين له أتباعه بالتعظيم والتبعية الفكرية والروحية[1]، وفي مجال التصوف هي عبارة عن مجموعة أفراد يتبعون شيخ الطريقة، ويخضعون لنظام دقيق في السلوك الروحي، ويحيون حياة جماعية يتخللها إجتماعات دورية في مناسبات معينة، ويقصدون مجالس الذكر والعلم بصورة منظمة في الزوايا والربط[2]، إلا أن هذا المفهوم أحيانا يختلط بمصطلحات أخرى، فمثلا "في المغرب تعني الزاوية الطريقة"[3].

 

ب- الزاوية.

عرف ابن مرزوق الزاوية في مسنده بأنها "تلك المواضع المعدة لإرفاق الواردين وإطعام المحتاج من القاصدين[4]، ويطلق أهل الشرق على الزاوية "الرباط" أو الخانقاة[5]، ومن هنا نجد تداخل آخر بين المفاهيم، حتى أننا نجد في بعض الإطلاقات أن الزاوية أعم من الرباط[6].

 

ج- الرباط.

يعرف الفقهاء الرباط بكونه عبارة عن احتباس لنفس في الجهاد والحراسة[7]، ويعرفه المتصوفة بأنه عبارة عن الموضع الذي تلتزم فيه العبادة[8]، واستخدمت كلمة الرباط في المجتمع المغربي علما على الأبناء الذين رابط أسلافهم أو كانوا رؤساء زوايا على اعتبار استمرار الصفة عن طريق الوراثة[9].

ومما سبق نجد أن خصيصة المكان في كل من المفهومين: "الزاوية" و"الرباط" تزيد من قوة التداخل بينهما، وأما الطابع الجهادي للرباط فيجعله يتداخل مع مجموعة من المصطلحات الشائعة في مجال الجهاد مثل: المحرس لحراسة الثغور؛ الحصن؛ القلعة؛ البرج أو المنظرة المستعملة للمراقبة؛ القصر. وأما خصيصة الرباط التعبدية فإنها تجعله يختلط مع مفهوم إسلامي آخر هو المسجد.

وبتأمل هذه المفاهيم قد لا نلوي إلا على فكرة واحدة مفادها أن هناك تداخلا كبيرا بين هذه المفاهيم الصوفية، ولعل ذلك راجع إلى ما قاله ابن خلدون من أن هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة[10]، فلم يتسن الوقت الكافي لتتبلور مفاهيمه بشكل دقيق، وكذلك إلى كونه ساحة انصهار المتناقضات، فهناك الغلو في الدين، والتساهل فيه، وهناك طابع الإنخراط في المجتمع والإنزواء عنه، والحرب والسلم، والتشدد والتسامح... وهذا التداخل بين المفاهيم، ارخى بظلاله على التداخل داخل المفهوم الواحد، وهو بالضبط ما عرفه مفهوم التصوف من صعوبات في التعريف؛

 

2- تعريف التصوف.

لم يستطع الدارسون لعلم التصوف أن يتفقوا عند تعريف محدد وواضح له، فتعددت التعاريف بتعدد وجهات النظر، الشيء الذي جعل الدكتور حسن جلاب[11] يقول بإن هؤلاء الدارسين أوصلوا عدد التعاريف إلى ألف تعريف واردة في كتب التصوف والطبقات، وارتبطت هذه التعاريف بتحديد أصل التصوف ومصدره، فهناك من يقول بالأصول الإسلامية، وهناك من يقول بالأصول غير الإسلامية ويشتقون الكلمة من "سوفيا" اليونانية التي تعني الحكمة، أو من "جيمنوسوفيا" الحكيم الهندي، ومن الصوف الذي كان المسيحيون الرهبان يلبسونه. وأما الذين يردوه إلى أصول إسلامية، فسنكتفي ببعض التعاريف:

 

أ-ابن سينا.

يفرق ابن سينا بين الزاهد والعابد والعارف، يقول: "عن الزاهد هو المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها، والعابد هو المواظب على القيام بالعبادات من صلاة وصيام وقيامها وغيرها، أما العارف فهو ذلك الإنسان المنصرف بفكره إلى الله مستديما لشروق نور الحق في سره"[12]، والنتيجة التي توصل إليها ابن سينا هي اجتماع الزهد والعبادة في التصوف وليس وجود التصوف في الزهد أو العبادة وحدهما، فكل صوفي زاهد وعابد، وليس كل زاهد أو عابد صوفي، فالتصوف اسم جامع لمعاني عديدة كالفقه والزهد والنسك والعبادة وغيرها من المعاني التي تندرج تحت التصوف.

 

ب-أبو القاسم القشيري.

يقول: "ولا يشهد لهذا الإسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس والظاهر أنه لقب ومن قال اشتقاقه من الصفا أو من الصفة فبعيد من جهة القياس اللغوي قال وكذلك من الصوف لانهم لم يختصوا بلبسه"[13].

 

ج-ابن خلدون.

يقول: "والأظهر إن قيل بالإشتقاق أنه من الصوف وهم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس  فاخر الثياب إلى لبس الصوف"[14].

 

د- الجنيد.

يقول: "التصوف أن يميتك الحق عنك ويحييك به "[15].

هـ-عبد القادر الجلاني الحسني.

يقول: "التصوف هو الصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق"[16].

و-التصوف اليهودي.

 

يعتبر التصوف ظاهرة تعبدية عالمية عرفته العديد من الديانات والثقافات، بحسب خصوصياتها ومرجعياتها، ويعتبر المصطلح الصوفي العبري "وبقوت" ويعني بالضبط "المشاركة والإلتصاق والعشق" أكثر مما يعني الإتحاد والحلول لا غير"[17]، كما هو الشأن عند المسلمين، والتصوف اليهودي هو الذي يعرف بـ "القبالا" يصل بواسطة "دبقون" إلى درجة أسمى، وذلك بتحقيق أمر إعادة بناء الوجدانية الإلهية التي دمرتها الخطيئة الأولى، وبإعادة التناغم الكوني (والشامل)، وهذه نفسها ترتبط –عندهم- بمجيء المخلص المنتظر[18].

ملاك الأمر؛ كل تعريف من هذه التعاريف غير قادر على الاحاطة بالمفهوم وتحقيق تعريف شامل.

 

3-نشأة التصوف

للحديث عن نشأة التصوف، يجب أن ننظر إليه بشكل شمولي يفرق فيه بين الشق المعجمي المعياري للمصطلح باعتباره فكرة عرفتها الإنسانية منذ وجودها على الأرض، فمثلا يقول عز وجل في القرآن الكريم: "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا"[19]، فقد فسر ابن كثير هذه اللآية بقوله: "يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم، لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا منهم فلجؤوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم"[20]، ويضيف القرآن الكريم في نفس السورة: "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته و يهيئ لكم من أمركم مرفقا"[21].

ودونما حاجة للإسترسال في إيراد مثل هذه الآيات والأمثلة، فإن الشق المهم من التصوف عندنا هو تلك الظاهرة العامة التي عرفتها الدولة الإسلامية متمثلة في العكوف على العبادة والإنقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والإنفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان عاما في الصحابة والسلف[22]، فكانت النشأة الأولى للتصوف نقيا من الشوائب لم يخالفه زيغ ولا شطط وذلك لأن هؤلاء العلماء من السلف كانوا ملتزمين بالكتاب والسنة[23]، ولم يعرف صورته الملموسة باعتباره اتجاها قائم الذات إلا في القرن الهجري الثاني، حيث برز على الساحة بشكل قوي، باعتباره حركة دينية إصلاحية ردا على ما آلت إليه الأوضاع تاريخئذ، فقد فشا الإقبال على الدنيا، وجنح الناس إلى مخالطتها[24] وكذا لخروج الإسلام عن حدود البيئة الصحراوية التي نشأ فيها، وما ترتب عن ذلك من عوامل المثاقفة مع تلك الأمم التي كانت على حظ كبير من الفلسفة والعلم والحياة الروحية العميقة[25]، فاختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية أو المتصوفة[26]، واستمر هذا التيار إلى القرن3هـ وما بعده، فدخل مرحلة أخرى سميت بالطريقة، والتي أفرغت من مضمونها الأيديولوجي لتنقلب إلى مشيخات كان لها دور في عملية التخدير الإجتماعي كالإيمان بالأولياء والسادة والأدعية[27].

وكغيرها من القضايا الإسلامية فقد كان للمستشرقين رأي في نشأة هذا التصوف، فأرجعه المستشرق "نلكسون" إلى نزعة الزهد التي سادت القرن الهجري الأول في المجتمع الإسلامي نتيجة عاملين هما: المبالغة في الشعور بالخطيئة، والخوف الشديد من العقاب في الآخرة[28]، وهو رأي يمكن أن نستشف منه دور الحياة الروحية ونزعة الإيمان في نشأة التصوف، الشيء الذي يدفعنا لطرح السؤال حول العوامل الأخرى لنشأته، لنجد أنفسنا –كغيرها من اللحظات- أمام دور السياسة في ذلك، فعلى المستوى نظام الدولة الإسلامية الداخلي، فقد كثرت الفتن الداخلية التي بدأت بمقتل الخليفة عثمان بن عفان، وقيام الحروب الاهلية بين أنصار علي وأنصار معاوية، وكذا حين أصبحت الخلافة وراثية محصورة في أسرة واحدة[29]، ولهذا رفض الزهاد الإستبداد الأموي واحتجاجهم السلبي على تنكيلهم بخصومهم وقتلهم للمسلمين ومنهم آل البيت[30]، بالاضافة إلى اتساع رقعة العالم الاسلامي ودخول الكثير من العادات والتقاليد الغريبة عن الإسلام، وتخلي المسلمين تدريجيا عن كثير من أمور الدين، الشيء الذي أدى ببعض المسلمين إلى إيثار حياة العزلة والعبادة تورعا وابتعادا عن الإنغماس في الفتن السياسية.

وأما على المستوى الإجتماعي، فقد تفاحش التمايز الطبقي بازدياد الطبقة الحاكمة ثراء، وفقر الفئات الإجتماعية[31]، وظهور حياة البذخ والترف، وهو تغيير كبير عما عهدته الأمة الإسلامية في عهد الرسول والخلفاء الراشدين، فقد فتح المسلمون بلدانا كثيرة وغنموا من وراء ذلك غنائم كثيرة، مما أدى إلى ظهور ثراء في المجتمع الإسلامي مقترنا بحياة الترف وما يستتبع ذلك من انحرافات[32]، وقد كان –كذلك- للعامل الإقتصادي دور كبير في نشاة التصوف، فحين يرى المعدم للمال والنعمة في يد غيره يشعر بالحرمان، ومن تم يلجأ إلى التصوف محدثا نفسه أنه وإن كان قد حرم من نعيم الدنيا فعليه بنعيم الآخرة[33]، وإن كان هذا العامل في نظري غير دقيق، يقلل من شأنه وجود متصوفين كثر أغنياء، وهو عامل ردده العديد من الباحثين، وإن كنت أرى أن وجوده ضروري، لكن بشرط أن ينظر إليه باعتباره عاملا واحدا من عدة عوامل تتجتمع لتفسير قضية نشأة التصوف.

إلى حدود هذه النقطة-أي القرن 3هـ- لازال التصوف عبارة عن ظاهرة أساسها هو الزهد في متاع الدنيا الناتج عن رد فعل حيال الازمة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والنفسية التي عرفتها الدولة الإسلامية، لكن الذي يهمنا هو ذلك التحول من السلوك العملي الصرف الذي نجده في الزهد، إلى تعامل السلوك مع النظرية أي الإنتقال من التطبيق إلى التنظير، و يحدد د. حسن جلاب أسباب هذا الإنتقال[34]:

ü       الخلوص إلى مفاهيم نظرية وفلسفية بعد تأمل دام من منتصف القرن الأول إلى القرن الثاني هجري.

ü   التطور الفكري الذي عرفته آخر القرن الهجري الثاني والقرنين الهجريين الثالث والرابع بازدهار الترجمة وتلاقح التراث الفكري العربي بالتراث الفكري لشعوب وأمم اخرى (اليونان...)".

وإذا يممنا وجهنا شطر الاندلس، نجد أن التصوف الأندلسي قد انطلق مع ابن مسرة (269هـ/318هـ) في نهاية القرن الهجري الثالث وبداية القرن الهجري الرابع، "وهو اتجاه تميز بنزوعه نحو التلفيق الذي يجمع الزهد إلى آراء ونظريات فلسفية ذات أصول غنوصية إشراقية وأفلاطونية محدثة"[35]، وأضاف المستشرق الإسباني آسيي بلاسيوس أن الطابع التلفيقي في فكر ابن مسرة القائم على تبني آراء ما يعرف بأمبادوقليس المنحول[36]، وبعد ذلك انتشرت مدرسة ابن مسرة في مختلف الأمصار وطعمت بأفكار أخرى شيعية وأخرى شاذة.

وأما في المغرب فقد ظهر التصوف في العصر المرابطي، باعتباره نتيجة للتغيرات التي عرفها المجتمع بالإنتقال من عيش بسيط بدوي يغلب عليه الزهد في عهد عبد الله بن ياسين، إلى حياة الدعة والمجون في عهد علي بن يوسف[37]، وكذا إلى تفاقم الظروف وظهور الأزمات، وهذا السبب الأخير، كان محط اهتمام الباحثين الأوربين، فقد اعتبر "لوبينياك" أن الظاهرة الصوفية جاءت كرد فعل ضد الفشل الذي منيت به ثورات الخوارج، بينما عزا "ألفرد بل A.bel" ذلك إلى العقلية المغربية المجبولة على الإعتقاد بثنائية قوى الخير والشر[38]، واما "بالنثيا" فلم يكلف نفسه عناء البحث في عوامل نشأة التصوف المغربي في العصر المرابطي، واعتبره مجرد استمرار لحركة ابن مسرة التي ذاع صيتها في الأندلس منذ النصف الثاني من القرن الثالث هجري[39].

وبغض النظر عن كون الأزمة عامل ضروري في ظهور التصوف في المغرب، فإن عوامل أخرى تظافرت معها، فعلى المستوى السياسي، احتكر اللمتونيون والمالكية الحكم، مما أجج تدمر المتصوفة المنتمية للشعب، وعلى المستوى الإجتماعي ظهور التفاوت الطبقي بين الساسة والوجهاء وكافة الشعب، وكذا ظهور الأمراض والأوبئة والمجاعات...

وظاهرة التصوف أو علم التصوف، منذ نشأته انقسم الباحثون والكتاب فيه إلى فئات ما بين مؤيد ومعارض، فالقائلون بإيجابياته يعتبرونه منهجا روحيا يصقل الذات ويطهر النفس، ويعمق العقيدة، وهو الملاذ الوحيدة للبشرية والمنقذ لها مما تعانيه من تخمة حضارية غلبت المادة على الروح، وأما القائلون بسلبيته فيحملونه مسؤولية ما آلت إليه الأمة الإسلامية من تأخر وانحطاط[40]، وظهرت على مر التاريخ عدة تصانيف منها:

ü       لمع الصوفية لأبي نصر السراج.

ü       قوت القلوب  لأبي طالب المكي.

ü       حلية الأولياء   لأبي نعيم الأصبهاني

ü       طبقات الصوفية  لأبي عبد الرحمان السلمي.

ü       صفوة التصوف  محمد بن طاهر المقدسي.

ü       إحياء علوم الدين  الإمام الغزالي.

اختلاف تعاريف التصوف وما خلفه من تعدد عوامل نشأته كان دافعا في ظهور العديد من التيارات الصوفية التي كانت تعبر عن خلفيات سياسية ودينية واجتماعية معينة منحت تميزا يسمح لها بان تشكل تيارا وذلك على مر تاريخ التصوف المغربي، الذي قسمه علال الفاسي إلى أربعة عصور: العصر الأول يتمثل في عهد أبي مدين والعصر الثاني من عند أبي مدين وعبد السلام بن مشيش إلى أواخر القرن السادس إلى زمن الشاذلي في القرن السابع هجري، والعصر الثالث من زمن الشاذلي إلى عهد الجازولي من القرن السابع إلى القرن التاسع الهجري والعصر الرابع والأخير من عهد الجزولي إلى يومنا هذا من القرن التاسع إلى القرن الرابع الهجري"[41]، وسنحاول التطرق إلى التيارات الصوفية في العهدين الأول والثاني-لدى علال الفاسي-.

 

4-التيارات الصوفية

كما أسلفنا بدأ التصوف على شكل ظاهرة زهد من لدن السلف الصالح، ثم بعد ذلك تحول في القرن الثالث الهجري إلى حركة  قائمة الذات تنظر ومنتظمة في طوائف وطرق يحكمها نظام خاص، "ومن أوائل هذه الطرق "السقطية" نسبة إلى السقطي، و"الجنيدية" نسبه إلى "الجنيد" و"النورية" نسبة إلى أبي الحسن النوري[42].

وفي القرن الهجري الخامس، ظهرت عدة طرق صوفية لا تزال تمتد فروعها إلى يومنا هذا في كل بقاع العالم الإسلامي ونذكر منها: "الجيلانية" نسبة إلى عبد القادر الجيلاني، وكان شعاره "الفقيه من عمل بفقهه"، والطريقة الرفاعية التي انتشرت في مصر وشمال إفريقيا وكان شعارها "الفناء في محبة الله" والطريقة "الأحمدية" نسبة إلى أحمد البدوي وشعارها "التصوف جهاد وعبادة" والطريقة "البرهامية" نسبة إلى إبراهيم الدسوقي، والطريقة "الشاذلية" نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي وتعرف طريقته بالمنهج الوسيط والصراط المستقيم[43] .

وإذا ركزنا النظر في التصوف المغربي –وهذا مقصودنا ومبتغانا- فقد عرف المغرب عدة تيارات ومدارس سنية حددها الدكتور حسن جلاب[44] في:

ü       من الجنيد إلى أبي أبي مدين (تـ 594هـ).

ü       من أبي مدين إلى الشاذلي (تـ656هـ).

ü       من الشاذلي إلى الجزولي (تـ 870هـ).

ü       ما بعد الجزولي.

ü        

أ-التيارات الصوفية في العهد المرابطي

بدأ التصوف في العهد المرابطي ساذجا سنيا، بعيدا عن كل القضايا الفلسفية وكذا الحسابات السياسية، وأكتفى في بعض أشكاله مجاهدة النفس والزهد أمثال: ابن عميرة، وابن فرند، وطور آخرون هذه المجاهدة في النفس إلى جهاد ضد النصارى والمتربصين بالإسلام من خلال المرابطة على الثغور أمثال الإمام الصدفي، ووقف آخرون على "إحياء علوم الدين" للغزالي يستلهمون مبادئه دون التعمق فيها ومدارستها أمثال: أبي يعزى، أبي الفضل بن النحوي، وأبي عبد الله الدقاق، وابن سعيد الصنهاجي، وأبي مدين شعيب...[45]، وأهم ما ميز هؤلاء هو ارتكازهم على الكرامة الصوفية والبركة، والتشديد على الجانب الأخلاقي... والنزوع إلى السلام، وعدم معارضة السلطة معارضة صريحة[46]، وهذا التيار الصوفي السني الساذج كان له كبير الدور في التصوف المغربي، وكان له دور كبير في خلق تيارين:

الأول: مساندة كتاب الإحياء.

وأولهم تلميذه ابن العربي أول العربي الذي أدخل كتابه إلى المغرب، فعرف انتشارا واسعا، حتى أن ابن القطان لاحظ وجود تيار مناصر للغزالي بالرغم من أوامر الإحراق الصادرة عن الفقهاء وأمير المسلمين سماهم بالغزالية[47]، ومن أشهر الأعلام الذين تبنوا أفكار الغزالي بعده: ابن العريف الصنهاجي وأبو الحكم بن برجان.

الثاني:التيار الداعي إلى إحراق الإحياء، و يتزعمه كل من:

ü       قاضي القضاة بقرطبة ابن حمدين.

ü       فقهاء قرطبة.

ü       أمير المسلمين.

ü       فقهاء المغرب.

و يمكن إضافة تيار ثالث انتقد الإحياء دون أن يدعو لإحراقه[48]، ومن أقطابه:

ü       ابن الوليد الطرطوشي (تـ520).

ü       ابن علي المهدي.

ü       ابن الألبيري(تـ537هـ).

بعد هذا التيار السني الساذج، ظهر تيار آخر سني لكنه مشحون بأفكار فلسفية غريبة عن الثقافة الإسلامية، وعرف ذروته مع ابن عربي تلميذ الغزالي، فقد تأثر الأول بالتراث اليوناني كفلسفة أفلاطون وأرسطو ومؤلفات ابن سينا أخوان الصفا[49]، ويمكن أن نقسم هذا التيار إلى اتجاهين إثنين:

الأول: اتجاه معتدل تبني أفكار الغزالي المبنية على مجاهدة النفس والميل إلى العلوم الباطنية والزهد في كل شيء... وقد ظل هذا الإتجاه معارضا للسلطة معارضة سلمية إصلاحية ولم يتبن العنف والثورة، وتميز بارتكازه على قاعدة المذهب المالكي، ويأتي في طليعته ابن العريف الصنهاجي صاحب كتاب "محاسن المجالس" وأبو الحكم بن برجان، وفيما بعد تبنى الإتجاه نفسه ابن حرزهم، وطريقة ابن العريف (481هـ/535هـ) الصوفية تنتهي إل الجنيد كطريقة الغزالي مع اختلاف في السند[50] فطريقته إذن سنية جنيدية تقوم على الزهد في كل شيء ما عدا الله، وتعتبر المقامات والأحوال مفيدة للسالك في أول الطريق قصد الوصول إلى شهود عين الحقيقة[51] ويميز ابن العريف بين:

ü       العالم ويتعلق بالأعمال .

ü       المريد ويتعلق بالاحوال.

ü       والعارف ويتعلق بالأحوال.

وقد أثار ابن العريف إشكالية أثارها الغزالي في كتاب "العلم" من كتاب "إحياء علوم الدين" وهي وجود علم ظاهر... وعلم باطن أو الحقيقة أو الدين في معناه السليم. وقال بإن العلم الحقيقي هو من القائلين بوحدة الشهود وفيها إقرار بالوحدانية والشهود والفناء[52]، وأما ابن برجان -تلميذ بن العريف- فقد كان غزالي المغرب[53]، اشتهر بالتفسير بالإشارة وباتجاهه الصوفي السني[54]، ويمثل تيارا يوازي بين أجنحة المريدين ويكبح جماح المتطرفين[55]. على الرغم من الطابع السلمي لتيارهما السني، فإنهما أوذيا من طرف المرابطين، فقد أرسلهما ابن الأسود مقيدين إلى مراكش.

وأما الإتجاه الثاني من التيار الفلسفي فيتزعمه أبو القاسم بن قسي صاحب كتاب "خلع النعلين" الذي عبر من خلاله عن أفكاره الداعية إلى العنف وعصيان ولي الأمر، وهو من أتباع الطائفة الشودية التي تبنت التصوف المتفلسف وتنسب إلى الشوذي، ونورد فيما يلي بعض عناصر هذا التيار:

1- أبو الحسن أحمد بن قسي (تـ546)، كان بحصن أركش الواقع على نهر لكة من أعمال شريس، وقد ثار بهذا الحصن ونواحيه آخر الدولة المرابطية وسمى أصحابه بالمرابطين[56]، وقد ثلبه المؤرخون بأبشع الصفات من خلال –مثلا- كتاب "المعجب" ورد له الإعتبار ابن العربي في شرح كتابه "خلع النعلين" وذلك لإلتقائهما في الفلسفة الإشراقية وحركته تستند على فكرة المهدوية[57]، بل و إن بعض التراجم أكدت أنه لم يكن من أصل عربي إسلامي بل ينحدر من أصل مسيحي من مدينة شلب[58]، وذلك لمحاولة إعطاء ثورته أبعاد أخرى تصوغ كل الحلول التي من شأنها أن تقبر ثورته.

2- أبو عبد الله الشودي الذي جعلته قطب الدين القسطلاني من تلامذة الحلاج للشبه الموجود بين المذهبين، وردها آخرون إلى مدرسة ابن مسرة[59] .

ولأفكار ومبادئ هذا التيار، فقد استحق أن يقذف بوابل من الفتاوي والمواقف من لدن الفقهاء والعلماء و المفكرين.

 

ب- التيارات الصوفية في العهد الموحدي

هكذا وقفنا على المحنة التي عاناتها التصوف على العهد المرابطي بتياراته السني الساذج والسني المتفلسف السلمي والسني المتفلسف المتشدد، لكنه في العصر الموحدي عرف انتعاشا ملحوظا، وظهر أعلاما كبار ، ففي هذا العصر انتهت زعامة مدرسة ألميرية الصوفية إلى عبد الله الغزال شيخ محي الدين ابن عربي كبير صوفية الأندلس، والذي سيترك ما كان عليه ابن العريف من قول بوحدة الشهود للمناداة بوحدة الوجود ووضع أسس فلسفية صوفية أخرى تذكرنا بمذهب ابن مسرة[60]، وقد أحسنت الدولة الموحدية استغلال هذا التيار الصوفي خصوصا ذلك المندفع للجهاد، لمحاربة النصارى والجهاد، فظهرت العديد من الطوائف ومنها: الطائفة البونية والتي يعتبر أبو مدين والرفاعي من شيوخها، وطائفة اليحاسني ويعتبر أبو محمد صالح دفين مدينة آسفي من شيوخها وكذا الطائفية الشاذلية، ولعل ما يميز أعلام التصوف الموحدي أنهم نهلوا من تصوف ابن مسرة واتجاهه الصوفي التلفيقي[61]، ونورد فيما يلي بعض أعلام التصوف في العهد الموحدي:

1-   أبومدين شعيب الأنصاري الأندلسي المعروف بالغوث، والذي انتهت إليه مدارس الغزالي والجيلاني وأبي يعزى: أقطاب الشرق والغرب، و قد اعتمد أبو مدين الطريقة الأخلاقية، فمدرسته تطرح إشكالا لا تفسير له إلا بالرجوع إلى خصوصية البيئة المغربية وظروفها السياسية  ذلك أن هذه المدرسة قد أثمرت اتجاهين مختلفتين أشد الاختلاف[62].

الإتجاه الأول: محي الدين بن عربي الذي توسع في فلسفة التصوف، وقال بوحدة الوجود، وصرح بأقوال الباطنية في كتبه الكثيرة التي تبلغ المئات وأشهرها وأخطرها: "الفتوحات المكية" و"فصوص الحكم"[63]، وعرف كذلك بقاعدة خطيرة في النبوة والولاية، فهو يقول بتفضيل الولي على النبي من حيث كونه وليا أفضل منه حيث كونه نبيا، ومن هنا كانت ولاية النبي أفضل من نبوته ونبوته أفضل من رسالته[64]، وبناء على أفكاره هذه أفتى العلماء بأنه زنديق وملحد أمثال:  بدر الدين بن جماعة، والبلقيني، وابن تيمية، وبدر الدين البقاعي(تـ885) صاحب كتاب "مصرع التصوف" أو "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" وجلال الدين السيوطي، ونعمان خير الدين الآلوسي، وغيرهم.

الإتجاه الثاني: الشيخ عبد السلام بن مشيش(622هـ) وأبو محمد صالح الماجري (ت631هـ)، وهما يمثلان التصوف السني السلمي، خلافا التصوف الإشراقي لإبن عربي، وهو أمر عجيب على الرغم من أن هؤلاء كلهم طلبة لشيخ واحد.

2-       ابن سبعين الأندلسي(ت669هـ).

تبنى ابن سبعين الطريقة الإشراقية، وكان دائم الإنتقال للطريقة الاخلاقية، ومن مؤلفاته: "بد العارف" و"الرسالة الفقيرية"، وبأفكاره هاته عاش رحالة، تسبقه أفكاره أينما حل وارتحل، وتسبقه معها استعدادات الفقهاء للتخلص من إقامته إلى جوارهم، فقد غادر الأندلس سنة 640هـ، واستقر بسبتة وأقام بها زاوية، لكن أفكاره جعلت "ابن خلاص" يطرده، فشد الرحال إلى بجاية، ومنها إلى تونس حيث تصدى له فيها الفقيه "السكوني" متهما إياه بالزندقة، فواصل المسير إلى مصر ومنها إلى مكة المكرمة.

3-   ابن دهاق إبراهيم بن يوسف الأوسي المعروف بابن المرأة (تـ611)، كان في مالقة وانتقل إلى مرسية له عدة كتب منها: "شرح الأسماء الحسنى" و"شرح محاسن المجالس".

4-       محمد بن علي بن أحلى الأنصاري(تـ645هـ) وأصله من لورقة.

5-       هذا بالإضافة إلى متصوفة آخرين امثال:

ü       أبو يعزى ينور (تـ572هـ).

ü       محمد بن علي بن حرزهم.

ü       أبو الحسن الشادلي (تـ656).

ü       الششتري (تـ668هـ).

صحيح أن العلاقة بين الموحدين والصوفية كانت أحسن من نظيرتها بينهم وبين المرابطين، فقد ظهرت خلافات بينهم مع السلطة على عهد يعقوب المنصور، لكن الباحثين قللوا من شأنها نظرا لطغيان التقارب الفكري والعلمي والهدف الإصلاحي للطرفين، وقد عمقت هزيمة العقاب هذه العلاقة المتميزة-على خلاف ما كان متوقعا- من خلال ظهور نشاط صوفي مغربي واضح ومتميز، نهج –على المستوى الفكري- نهجا قريبا من المشروع الموحدي، حينما يعمل قدر الإمكان على تخليص الفكر الصوفي من الطابع التواكلي الإشراقي الذي علق به، كما ساهم –على المستوى الإجتماعي والسياسي- في دفع الخطر الخارجي الذي بدا وكأن الدولة الدولة الموحدية في طور ضعفها لم تعد قادرة على مواجهته، فطغى من تم على التصوف المغربي البعد العملي واتجه أقطابه مثل ابن مشيش و الشاذلي وأبو محمد صالح إلى تعميق قيمة الجهاد وإعلاء فضيلة الرباط على الثغور والسواحل[65].

هكذا إذن عرفت التيارات الصوفية في العهد المرابطي صراعا مع السلطة، نتج عنه هجوم من لدن الفقهاء والعلماء والساسة، وفي الهد الموحدي الذي كان في أغلب الأحيان تقارب بين الساسة والمتصوفة على خلفية تقارب المشاريع الفكرية والسياسية، لكن العلماء والفقهاء كان لهم دائما موقف معادي، وذلك لعدة أسباب يمكن أن نجملها فيما يلي:

أ-تجرؤهم عل الفقهاء، يقول ابن سبعين في الفقيه: "وأما الفقيه فهو صالح الأصل فاسد الفرع، صادق الجنس كاذب النوع يتكلم من عند نفسه ويقيس اليوم بأمسه، ويفتي السائل و يترك نفسه في رتبة المسؤول، ويزعم أنه يفهم كلام الرسل وخير الرسل، ويعلل دينه ويتممه برأيه واجتهاده... ويدفع اليقين بالجهل ويفعل فعل أبي جهل بحجب نور الله تعالى بالفروع المعللة ويتصرف فيهم بغير الكتب المنزلة، ويصد الناس عن موارد الشريعة وريحانها ويحضهم على حميمها وغسلينها، ويقر عن التحقيق ويترك أهله ويمشي على ضلال ويركب جهله فاخرج من سجنه يا أخي "[66]، ويقول كذلك في الأشعرية:" وعلم الأشعرية فاسد الأصل قبيح الفرع لا نتيجة له من حيث هو علم وإنما نتيجته من أجل ما وضع لما وضع... الأشعري لا حقيقة لمذهبه من حيث هو، ولو صمت أخلص له والتوبة أليق به"[67].

ب- تبنيهم أفكارا شاذة، ومنها:

-    مخالفة الشرع من خلال تحليل الخمر ونكاح أكثر من أربع، وسقوط التكاليف الشرعية على المكلف إذا بلغ درجة العلماء وإنكار الحديث...[68]

-          الحلول والإتحاد.

يرى هؤلاء المتصوفة أنه يجوز رؤية الله في صورة البشر، كأن يحل في شيخ أو ملك أو صورة جميلة، ويجوز حلوله في جميع الموجودات حتى الكلاب والخنازير والنجاسات و غيرها[69].

وبغض النظر عن صحة ما أورده المناهضون للتيار الصوفي من أسباب لتصويغ هجمتهم الشرسة عليه، فقد ظهر بعد ذلك إتجاه من العلماء يعادي المتصوفة، ومن بينهم:

ü       ابن الجوزي (تـ578هـ) في كتابه "تلبيس إبليس".

ü       ابن تيمية (تـ728هـ) في كتابه "مختصر الفتاوي مصرية".

ü       البقاعي (تـ885هـ) في كتابه "مصرع التصوف".

ü       عبد الرحمان بن إسماعيل (تـ665هـ).

ومن المحدثين نجد-مثلا- : عبد الرحمان الوكيل في كتابه: "هذه هي الصوفية".

 

ج-التيار الصوفي اليهودي

لا أحد ينكر دور اليهود في الإرتقاء بالثقافة العربية، لا سيما في الأندلس، وكغيرهم من العرب فقد تأثروا بكتب ومباديء ابن عربي والغزالي، ومن أوائل الذين تأثروا بالغزالي "يهودا اللاوي" وكان أكثر اليهود تحمسا إلى تعاليم الشيخ[70]، ثم ظهر بعد ذلك "بحيا بن بقودا" اليهودي الأندلسي، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الحادي عشر ميلادي، من العلماء...الذي كان له في المعارف التي لها إرتباط كبير بالتصوف الإسلامي، وعرف بكتابه المشهور: "الهداية إلى فرائض القلوب"[71].

وظهر كذلك تيار يحمل أفكار عقلانية باطنية، وعناصر التصوف الفلسفي، مع موسى بن ميمون (ق12م) وخصوصا في كتابه "دلالة الحائرين"[72]، وهذا بالإضافة إلى العديد من كتب التصوف اليهودي[73] :

ü       "الزهد" لـ"إسحاق بن غياث"، وهو معاصر لـ "بحيا".

ü       "انكشاف الأسرار وظهور الأنوار" لـ"يوسف بن عقنين (ولد1135م)" معاصر ابن ميمون.

ü       "كفاية العابدين" ل"أبراهام بن موسى بن ميمون".

وظهر كذلك تيار لأبي العافية معاصر أبراهام بن موسى بن ميمون، وهو متنور من أصل أندلسي، وهو نوع من التصوف معروف بـ "متنبئ" شديد التعقيد، ومن عناصره بلوغ حالة الوجد بواسطة التركيز الذي يعتمد طريقة ترديد الذكر بتكرار عبارات معينة في إيقاع معين وبتركيب الحروف وتقليبها[74].

 

خاتمة.

التصوف ظاهرة وفكر عرفتهما الثقافة الإسلامية كغيرها من الثقافات الأخرى، ووقع تبادل وتأثر وتأثير بين هذه الثقافات، وفي الحضارة الإسلامية وجد أولا في شكله البسيط مع كبار الصحابة والسلف الصالح والتابعين حتى القرن الثاني الهجري حين عرفت الدولة الإسلامية تحولات جذرية على المستويات: السياسية والإقتصادية والإجتماعية، فتحول إلى حركة لها تياراتها وأفكارها.

وفي الغرب الإسلامي، كانت بدايته الفعلية مع مدرسة ابن مسرة بالأندلس في القرن الهجري الثالث، ثم دخل إلى المغرب في القرن الخامس هجري في العصر المرابطي، فبعد أن كان ساذجا إنسجاما مع الحياة البدوية في عهد عبد الله بن ياسين، تحول إلى فكر له تيارات في عهد علي بن يوسف بن تاشفين: التيار السني السلمي يتزعمه كل من ابن العريف وابن برجان، والتيار السني المتفلسف الإشراقي المتشدد يقوده ابن قسي، وعموما فهذا الفكر الصوفي بتياراته لقي معارضة من الساسة والفقهاء والعلماء، وأما في العصرالموحدي فقد كان هناك تقارب بين الفكر الصوفي والفكر الموحدي الشيء الذي أثمر تعاونا تمثل في الجهاد المشترك دون أن نغفل بعض نقط التوتر بين الجانبين.

و أما التيار اليهودي فقد تأثر بعيون الكتب الصوفية كأعمال الغزالي ومحي الدين بن عربي، لكنه لم يندمج فيها اندماجا كليا، وإنما كانت محركا له لخلق فكر صوفي يهودي منسجم مع الخلفيات الدينية لليهود.

 

 

د.عبد الجليل شوقي

كلية اللغة العربية بمراكش

المملكة المغربية

 

..................

المصادر و المراجع

*القرآن الكريم،رواية ورش.

1- أبو محمد صالح: المناقب و التاريخ، المجلس البلدي لمدينة آسفي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، النشر العربي الإفريقي،1990م.

2- بحوث في التصوف المغربي, حسن جلاب، المطبعة والوراقة الوطنية، ط1، مراكش، 1416هـ/1995م.

3- التصوف في مصر والمغرب، منال عبد المنعم جاد الله، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997م.

4-  تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، دار الفكر.

5- الخطاب الصوفي: مقاربة وظيفية، محمد مفتاح، مكتبة الرشاد، ط1، 1997م.

6- دراسات مغربية في التراث، حسن جلاب، المطبعة والوراقة، ط1، مراكش، 1998م/1419هـ.

7-  الدولة المرابطية: قضايا وظواهر، حسن جلاب، المطبعة والوراقة الوطنية، ط1، مراكش، 1416هـ/1995م.

8- محاضرات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المحاضرة السادسة: "زهد الصالحين و تفلسف المتصوفة"، محمد شريف الزيبق، موسم1993م/1994م.

9-  المغرب والاندلس في عهد المرابطين، إبراهيم القادري بوتشيش، دار الطليعة، ط1، بيروت، 1993م.

10- مقدمة ابن خلدون، دار القلم، ط7، بيروت، 1989م/1409هـ.

11- يهود الأندلس والمغرب، حاييم الزعفراني، ترجمة أحمد شحلان، مرسم الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، 2000م.

 

 

 


[1] التصوف في مصر و المغرب .منال عبد المنعم جاد الله. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1997م. ص123.

[2] نفسه.ص125.

[3] نفسه.ص128.

[4]  المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا الحسن. ابن مرزوق. عن الخطاب الصوفي:مقاربة وظيفية. محمد مفتاح. مكتبة الرشاد. ط1. 1997م.ص33.

[5]  التصوف في مصر و المغرب .منال عبد المنعم جاد الله.ص128.

[6]  الخطاب الصوفي.محمد مفتاح.ص38.

[7]  المسند. ابن مرزوق.عن "الخطاب الصوفي.محمد مفتاح".ص32.

[8]  نفسه.ص33.

[9]  التصوف في المغرب و مصر. منال عبد المنعم.ص 128.

[10]  مقدمة ابن خلدون. دار القلم. ط7. بيروت. لبنان. 1989م/1409هـ.ص467.

[11]  دراسات مغربية في التراث. د.حسن جلاب . المطبعة و الوراقة. ط1. مراكش.1998م/1419هـ.ص251-252.

[12]  التصوف في مصر و الغرب.منال عبد المنعم.ص118.

[13]  مقدمة ابن خلدون.ص467.

[14]  نفسه.ص467.

[15]  التصوف في مصر و المغرب.منال عبد المنعم.ص116.

[16]  الغنية، عبد القادر الجلاني.عن"التصوف في مصر و المغرب.منال عبد المنعم.ص116."

[17]  يهود الأندلس و المغرب، حاييم الزعفراني، ترجمة أحمد شحلان ، مرسم الرباط، مطبعة النجاح الجديدة،2000،ص212.

[18]  نفسه.ص212.

[19]  القرآن الكريم:سورة الكهف،آية 10.

[20]  تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، دار الفكر، ج3، ص1121.

[21]  القرآن كريم: سورة الكهف، الآية16.

[22]  مقدمة ابن خلدون.ص467.

[23]  محاضرات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. المحاضرة السادسة:"زهد الصالحين و تفلسف المتصوفة".محمد شريف الزيبق. موسم1993م/94م. ص180.

[24]  مقدمة ابن خلدون، ص467.

[25]  أبو العلا العقيقي، عن"النصوف في مصر و الغرب، منال عبد المنعم،ص121.

[26]  مقدمة ابن خلدون،ص467.

[27]  دراسات مغربية في التراث،د.حسن جلاب،ص256.

[28]  التصوف في مصر و المغرب،منال عبد المنعم،ص122.

[29]  نفسه.ص256.

[30]  دراسات مغربية في التراث، د.حسن جلاب،ص255.

[31]  دراسات مغربية في التراث،د.حسن جلاب،ص255.

[32]  التصوف في مصر و المغرب، منال عبد المنعم،ص122.

[33]  نفسه،ص123.

[34]  دراسات مغربية في التراث،د.حسن جلاب، ص255/256.

[35]  أبو محمد صالح: المناقب و التاريخ، المجلس البلدي لمدينة آسفي، كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، النشر العربي الإفريقي،1990م،17.

[36]  نفسه، ص17.

[37]  الدولة المرابطية:قضايا و ظواهر،د.حسن جلاب، المطبعة و الوراقة الوطنية، ط1، مراكش، 1416هـ/1995م،ص256.

[38]  المغرب و الاندلس في عهد المرابطين، إبراهيم القادري بوتشيش،دار الطليعة،ط1، بيروت،1993م، ص125.

[39]  نفسه، ص336.

[40]  بحوث في التصوف المغربي,د.حسن جلاب، المطبعة و الوراقة الوطنية،ط1، مراكش، 1416هـ/1995م، ص134.

[41]  التصوف في مصر و المغرب، منال عبد المنعم،ص126.

[42]  التصوف في مصر و المغرب، منال عبد المنعم،ص123.

[43]  نفسه،123.

[44]  دراسات مغربية في التراث، ص257.

[45]  المغرب و الأندلس، إبراهيم بوتشيش،ص130/131.

[46]  نفسه،ص131.

[47]  الدولة المرابطية، د.حسن جلاب،ص244.

[48]  الدولة المرابطية، د.حسن جلاب،ص544.

[49]  المغرب و الأندلس، بوتشيش إبراهيم،ص132.

[50]  بحوث في التصوف المغربي،د.حسن جلاب، ص27.

[51]  الدولة المرابطية،د.حسن جلاب،ص258/259.

[52]  نفسه،ص259.

[53]  بحوث في التصوف المغربي، د.حسن جلاب،ص27.

[54]  الدولة المرابطية،د.حسن جلاب،ص256.

[55]  المغرب و الأندلس، بوتشيش إبراهيم،ص168.

[56]  الخطاب الصوفي، محمد مفتاح،ص279.

[57]  المغرب و الأندلس، بوتشيش إبراهيم،ص164.

[58]  المغرب و الأندلس، بوتشيش إبراهيم،ص169.

[59]  الخطاب الصوفي، محمد مفتاح،ص278.

[60]  الدولة المرابطية، د.حسن جلاب،ص263.

[61]  أبو محمد صالح،                      ،ص17.

[62]  أبو محمد صالح،                            ،ص23.

[63]  محاضرات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. المحاضرة السادسة:"زهد الصالحين و تفلسف المتصوفة".محمد شريف الزيبق،ص186.

[64]  نفسه،ص177.

[65]  أبو محمد صالح، ص24.

[66]  بد العرف، عن "الخطاب الصوفي،محمد مفتاح،ص282."

[67]  بد العرف، عن "الخطاب الصوفي،محمد مفتاح،ص282."

[68]  الخطاب الصوفي ، محمد مفتاح، ص283.

[69]  الخطاب الصوفي ، محمد مفتاح، ص283.

[70]  يهود المغرب و الأندلس، حاييم الزعفراني، ص215.

[71]  يهود المغرب و الأندلس، حاييم الزعفراني، ص218.

[72]  يهود المغرب و الأندلس، حاييم الزعفراني، ص219.

[73]  يهود المغرب و الأندلس، حاييم الزعفراني، ص219/220.

[74]  يهود المغرب و الأندلس، حاييم الزعفراني،ص221.

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/derasat/62456.html

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك