الحديث الشريف بين منع السلف وعبث الاستشراق

في البداية يجب الاعتراف بما قدمه علماء الاستشراق، للتراث الاسلامي من خدمات جليلة ؛سواء بالحفظ عليه ام بطبعه ونشره، وبالخصوص في مجال تحقيقه، ونشر ثقافة البحث الموضوعي والتحليل المنطقي . ويجب الانتباه جيدا وعدم التغافل فيما يظهر من اراء ونظريات وما يطرحوه من افكار غير صحيحة او معارضة لصحيح الاسلام فيغلب عليها استسقائها من مصادر السلف التي تعج بالمتناقضات والتحريفات والتاويلات وكذلك فان اساس الكثير من الاساءات للرسالة اولمقام الرسول (ص) فان منطلقاتها لاتخلوا من مناحي المصادر الاسلامية بما تضمنته حتى الصحاح والمسانيد من طامات منافية ليس فقط للذوق والاخلاق بل والشريعة ايضا استجابة لما تمليه مصالح سياسية لمدرسة السقيفة -وهذا منهج لايزال ساريا لحد عصرنا الحاضر من تبعية رجال الدين والمؤسسات الدينية للسلطة السياسية وتوجيهها وفق المصالح وعند الطلب - .ولكن ذلك لايعني خلوص نية الكثير من المستشرقين في ما كتبوه عن الاسلام وعقائده وقادته حيث تبقى رواسب الماضي في المشاعر وعلى الاخص منهم من كان يكتب مندفعا من غايات متطرفة او مدفوعا من قبل مؤسسات استعمارية لاجل الدس والتحريف وفصل الامة عن دينها .. حيث نجح كثير من المستشرقين في العصور المتأخرة في التأثير على عقول بعض المسلمين، فانخدعوا بكتاباتهم ودراساتهم حول الإسلام، وهماً منهم أنها قامت على الموضوعية والحياد والإنصاف والتجرد في البحث العلمي، ومن ثم اقتفوا آثارهم، ورددوا دعاواهم التي لم يقيموا عليها أي بينة، بل زادوا عليها من أنفسهم، وكل هؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم باسم البحث والمعرفة وحرية النقد، وهم أبعد ما يكون عن العلم الصحيح والبحث القويم والنقد النزيه .

وبذلك جاءت كتابات هذا الفريق من تلامذة المستشرقين وأذنابهم حول الإسلام عموماً والحديث النبوي خصوصاً لا تقلٌّ - إن لم تكن قد فاقت - كتابات المستشرقين في إثارة الشبه والتشكيك في مصادر الشريعة الإسلامية، فكانت تلك الكتابات في حقيقتها ما هي إلا مرآة وصدى لروايات السلف ولأفكار المستشرقين التي تأثروا بها .

وكان من هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده، ثم تلاه " أحمد أمين في كتابه" فجر الإسلام " الذي عقد فيه فصلاً خاصاً أتى فيه بأفكار وآراء حول الحديث، انظر دفع اباطيل د.مصطفى محمود في انكار السنة النبوية للدكتور.عبد المهدي عبد القادر، وهي لا تخرج في جملتها عن أفكار وآراء المستشرقين من غير أن ينسبها إليهم , ثم تسلم الراية بعدهم محمود أبو رية الذي ألف كتابه " أضواء على السنة المحمدية "، فنشر فيه مزاعم واتهامات حول الحديث النبوي، وخلط بين ما قاله من سبقه من المستشرقين، ومن سار على منهجهم من المسلمين، فجاء كتابه مزيجاً من مختلف الآراء التي قيلت للتشكيك في الحديث النبوي ورجاله، وإظهار السنة بمظهر الاختلاف والتناقض والتحريف .

وكان غرضهم من ذلك التشكيك في الحديث النبوي كمصدر ثانٍ من مصادر التشريع الإسلامي، عن طريق الطعن في حجية السنة، وإثارة الشبه حولها حتى يترك العمل بها من قبل المسلمين .

ومن هذه الشبه التي رددها أذناب المستشرقين قولهم : " لوكانت السنة ضرورية لحفظها الله كما حفظ القرآن في قوله تعالى :(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ولأمر النبي (ص) بكتابتها كما أمر بكتابة القرآن " مجلة المنار (9/515) .. وهنا يستبين مكرهم وخبث دسهم وان كان معتمدا في الاساس على مرويات معممي مدرسة السقيفة لتبرير ماقام به ابو بكر من حرق مصنفات الحديث انظر تذكرة الحفاظ للذهبي وكذلك منعه روايته انظر رواية ابن ابي مليكة .. واقتفى اثره عمر ابن الخطاب بمنع رواية الحديث وحتى التحجير على الصحابة كي لايبثوا السنة في الامة ففي خلافة عمر جمع الرواة من الصحابة، ابن مسعود وابا حذيفة وابا الدرداء وعقبة بن عامر وقال " ما هذه الأحاديث التى أفشيتم عن رسول اللــه فى الآفاق؟ أقيموا عندى واللــه لا تفارقنى ما عشت ". وفى رواية اخرى ان عمر حبس ابن مسعود وابا الدرداء وابا مسعود الأنصارى وقال " اكثرتم الحديث عن رسول اللــه". ثم أطلقهم عثمان فيما بعد. وقال عُمر لأبى هُريرة " لتتركن الحديث عن رسول اللــه أو لألحقنك بأرض دوس ". وقد سافر جماعة من الصحابة فى عهد عُمر للعراق فقال لهم عُمر وهو يودعهم: " أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا لا، قال إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوى بالقرءآن كدوى النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فقال " إنى كنت أريد أن أكتب السُنن وانى ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كُتبا فاكبوا عليها وتركوا كتاب اللــه، وانى واللــه لا اشوب كتاب اللــه بشئ أبدا

 

احراق عمر للحديث الشريف

وروى القاسم ان عمر جمع ما كُتب من أحاديث فأحرقها وقال " واللــه لا أجعلها مثناة كمثناة أهل الكتاب، إنه قرءآن فحسب ". ولم يجرأ أبوهريرة على الرواية فى عصر عُمر، ولكن بعد موت عُمر طفا ابوهُريرة للسطح واخذ فى الرواية ويعترف قائلا " إنى محدثكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عُمر لضربنى بالدُرة ". وقال " ما كُنا نستطيع ان نقول قال رسول اللــه حتى قُبض – أى مات – عُمر ". ثم إستمر يقول " اكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعُمر حى ؟ أما واللــه إذن لأيقنت أن الدُرة ستباشر ظهرى، فإن عُمر كان يقول " إشتغلوا بالقرءآن فإن القرءآن كلام اللــه

 وقولهم في الحديث الذي يقول فيه النبي (ص): (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)، وما كان (ص) يوصي به اصحابه ويؤكده عليهم من تدوين حديثه لان لايصدر منه (ص) الا الحق .. في ارد على من كان يطعن بشرعية حديثه من المنافقين كم يجمع السلف من سؤال عبدالله بن عمروابن العاص للنبي(ص) من تشكيك البعض من الصحابة بشرعية حديثه فقال له (ص) اكتب فوالله لايصدر مني الا الحق .. وهذا ما تؤكده مصادر السلف نفسها .. فقد ساله عبد الله بن عمرو ابن العاص ايكتب حديثه فاشار النبي (ص) الى شفتيه وقال لعبدالله :(اكتب فولذي بعثني بالحق لايخرج من هاتين الا الحق) او (حدثوا ولا حرج) مسند احمد والخطيب البغدادي في تقييد العلم عن النبي(ص) وذلك لقوله عزوجل (وما ينطق عن الهوى *ان هو إلا وحى يوحى) النجم:3-4وعلى الاطلاق فلم يكن صحيحاً ما زوروه من نهى النبي (ص) عن كتابة السنة، ولأمر بتدوينها كما دون القرآن، ولا يمكن أن يدع نصف ما أوحي إليه بين الناس بغير كتابة، ولا يكون حينئذ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كاملة إلى أهلها، ولماذا ترك الصحابة نصف الوحي ولم يدونوه، فبإهمالهم له يصبحون جميعاً من الآثمين " أضواء على السنة المحمدية .ونرجع ونؤكد انه لم يهمل من الصحابة من كان قادرا على الكتابة من كتابت الحديث النبوي بدليل ان ابن ابي قحافة نفسه جمعماكتبه من احاديث عن النبي(ص) فاحرقها من رواية السيدة عائشة كما احرق ماجمعه الصحابة من احاديث .. وانه لولا نهي عمر من رواية وتدوين الحديث لما بلغ به لكذب الى ارقام فلكية وكلا يزور ويكذب حسب هواه .. وهنا سؤال خطير يستحق النظر والتمحيص وهو لماذا منع ابن الخطاب تدوين وبث الحديث الشريف وفي المقابل فسح المجال امام مسلمة اهل الكتاب من نشر الاسرائيليات والخرافات وحتى القص في المسجد النبوي الشريف بل وجلوس ابن الخطاب تحت منبر كعب الاحبار اليهودي وهو مشغوفا ومتفاعلا بمروياته قائلا له : حدثنا ياكعب وخوفنا ياكعب انظر حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني وغيره من مصادر السلف المعتبرة .. حيث تفشت الاساطير والاسرائيليات في التراث الاسلامي حتى بلغ انه لايميز بينها وبين الحديث النبوي عن طريق ابي هريرة واضرابه انظر شيخ المضيرة للشيخ ابو رية

وجواباً على هذه الشبه نقول : إن الله عز وجل كما أراد لهذه الشريعة البقاء والحفظ، أراد سبحانه أيضاً ألا يكلف عباده من حفظها إلا بما يطيقون، صحيح أن العرب كانوا أمة أمية، وكان يندر فيهم الكتبة، وكانت أدوات الكتابة عزيزة ونادرة، حتى إن القرآن كان يكتب على جريد النخل والعظام والجلود، وقد عاش النبي (ص)بين أصحابه بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة، وهذا لايعني سقوط التكليف من تدوين السنة الشريفة .. والا لماذا دونت في زمن الخليفة عمر ابن عبد العزيز في عام 99 هجرية بعد ان عبث فيها بكثرة الكذب والتحريف والطمس .. ؟! وهل كان ابن عبد العزيز بتدوينه للسنة اثما؟

ولكن الملاحظة الدامغة لدعاوى وبدع البعض، هو انه (ص) كان يامرهم دائما، ان يقتدوا به ويعملوا وفق ما يرونه يؤديه ويقوم به ويمتثلوا ما يقوله، لأن السنة تشمل جميع أقواله وأفعاله وأحواله وتقريراته (ص)، صحيح فقد كان الكثير من الصحابة امي، لذلك كان عدد الكاتب ليس كثيراً، لكن تحريق ماكتب من الحديث ومنع الصحابة من نشره، فتح الباب على مصراعيه امام الوضاعين والكذابين خدمة الاغراض دنيوية ولاغراض تعصبية ولامور سياسية .حتى غدى صحيح الحديث من سقيمه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود كما يقول الامام الاوزاعي

ومن الأسباب التي حالت دون تدوين وحفظ السنة أيضاً أن السنة كانت متشعبة الوقائع والأحداث وفيها التقنين وكشف الكثير من الحقائق التي تتنافى ومناهج مدرسة السقيفة فلا يمكن جمعها كلها بيقين ووضعها في متناول الامة لانها تميط الثام عن كثير من المخالفات وتفصح عن كثير من المواقف المتباينة بل والمتناقضة لاوامره وتعاليماته .

وحيث يركز معممي مدرسة السقيفة على ان جمع الحديث او السنة في الكتب قبل استحكام أمر القرآن كان عرضة لأن يُقبِل الناس على تلك الكتب، ويدعوا القرآن، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها عن طريق الرواية، وبعض الكتابات الخاصة، وهذه وغيرها مجرد شبهات وتبرير وتمحل لاتصمد امام الدليل .

أضف إلى ذلك أن القرآن يختلف عن السنة من حيث صياغته وأنه متعبد بتلاوته، معجز في نظمه ولا تجوز روايته بالمعنى، بل لا بد من الحفاظ على لفظه المنزل، فلو ترك للحوافظ فقط لما أمن أن يزاد فيه حرف أو ينقص منه، أو تبدل كلمة بأخرى، بينما السنة المقصود منها المعنى دون اللفظ، ولذا لم يتعبد الله الخلق بتلاوتها، ولم يتحداهم بنظمها، وتجوز روايتها بالمعنى، وفي روايتها بالمعنى تيسير على الأمة وتخفيف عنها في تحملها وأدئها .

وقد بلَّغ (ص) الدين كله وشهد الله له بهذا البلاغ فقال سبحانه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) المائدة :67، ووجود السنة بين الأمة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم فيه أبلغ دلالة على تبليغ الرسول (ص) إياها لأمته وبالتالي لم يضع نصف ما أوحاه الله إلى نبيه (ص) كما زعم الزاعمون -، بل الجميع يعلم أن بعض الصحابه كانوا يتمتعون بحوافظ قوية، وقلوب واعية، وذكاء مفرط، مما أعانهم على حفظ السنة وتبليغها كما سمعوها، مستجيبين في ذلك لحث نبيهم (ص) لهم بقوله : (نظر الله امرءاً سمع مني مقالة فحفظها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع) رواه الترمذي وغيره .

واخيرا فقد تم ما أراده النبي (ص) من حفظ السنة وتبليغها، ويكون بذلك (ص) قد بلغ دين الله عز وجل كاملاً ولم ينقص منه شيئاً .. حيث قوض الله سبحانه من حفظ السنة، من عبث العابثين ورد كيد الماكرين، عن طريق ائمة الهدى وعدل الكتاب المبين .

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/derasat/75219.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك