الأقلية ذات الصوت العالي و مأزق السلام

ماجد حسانين

أشرت من قبل إلى التشابه بين الجماعات اليهودية المتطرفة (الصهيونية) و الجماعات الإسلامية المتطرفة (الصهيوإسلامية)- ( أسميها صهيوإسلامية لسببين الأول ليقيني أنهم بتطرفهم يخدمون الأهداف الصهيونية و الثاني لأني أريد أن أميز بينهم و بين الجماعات الإسلامية التي لا تدعو إلى العنف. فلا يتم التعميم )- و رأينا كيف أنها تتشابه جميعاً في أيديولوجية التعصب و التطرف و الهيمنة و في الأساليب و التنظيم ، بل ذهبت لأبعد من ذلك في توضيح إشتراكهم في الأهداف عن غير قصد.
الغريب أن الصهاينة اليهود منهم و الإسلاميين لا يمثلون إلا صوت الأقلية في مجتمعاتهم بل و على الصعيد العالمي ، فلماذا هم أعلى صوتاً مقارنةً بالأغلبية المسالمة المعتدلة التي ترفض التطرف و التعصب و الحروب و الصراعات؟
دعونا نحاول معاً الإجابة على ذلك التساؤل في نقاط تقارن بين التنظيمات المتطرفة من ناحية و التنظيمات المعتدلة - إن وجدت – من ناحية أخرى.
1- التنظيم الجيد و الإنتشار و التجنيد و التوسع.
تتميز التنظيمات المتطرفة بحسن التنظيم حيث تتبنى فى الغالب تشكيل تنظيمي هرمياً يضم في جوانبه كوادر مهنية من وظائف شتى و لكل مهمته التى يؤديها لصالح التنظيم. أماعلى الجانب الآخر فالأغلبية من المعتدلين ليسو منظمين و ليسوا مبالين و إن وجد تنظيم يمثل صوت معتدل فهو في الغالب يضم شرذمة من المثقفين أو الصحفيين أو العاملين في المجالات الفكرية و الثقافية ، و لذلك فإن تنظيماتهم تفتقر إلى كوادر مهنية متخصصة من مهندسن و تقنيين و عمال و فلاحين و تجار و غيرها من المهن التي تسهم بشكل كبير في العمل على تأسيس قواعد متينة لأي تنظيم من خلال التطوع بمجهوداتهم المهنية و خبراتهم لخدمة أهداف المنظمة.
تتميز التنظيمات المتطرفة بإمتلاك جهاز منظم يعمل على تجنيد الأعضاء الجدد و ذلك عن طريق إختراقهم و تخللهم في الطبقة الشعبية مما يسهل لهم عملية التجنيد لتوافر عنصر الثقة المسبقة ، مقارنة بالشرذمة المثقفة التي تدعو إلى الإعتدال فالعامة ينظرون إلى المثقف أو المفكر و كأنه من طينة أخرى و دائمى الشك و الريبة به و بدوافعه ، و المفكرين أنفسهم غالباً ما يفشلون في التواصل مع العامة و غالباً ما يصابون بالإحباط فيستسلمون لواقعهم بل و قد يبدأون في النظر بتعالي على الآخرين مما يكون له رد فعل أكثر سوءاً و هكذا يدور منظمي الصوت المعتدل في دوائر و متاهات.

2- توحيد التصورات (إستغلال الدين كأيديولوجية)
بعد مناقشة النقطة الأولى يتبادر إلى الذهن سؤال ، لماذا إستطاعت المنظمات المتطرفة النجاح في التنظيم بالرغم أنهم أقلية؟
من الأسباب الرئيسية لنجاح أي منظمة هو إتفاق المؤسسين و الأعضاء على التصورات و الأهداف و القيم التي بنيت عليها تلك المنظمة. و في الوقت التي تسعى مؤسسات و منظمات الصوت المعتدل إلى صياغة تلك الأهداف بعد مناقشات و إجتماعات و إختلافات في التصورات و إنقسامات و إنسحابات. حتى و إن إتفقوا فإنهم مازالو عليهم مهام محاولة توصيل الفكرة إلى الناس و الترويج لها و إقناعهم بها و محاولة نحتها بالأذهان لجذب أعضاء و ناشطين.
نجد على الجانب الآخر ان لدى مؤسسي و منظمي و أعضاء المنظمات المتطرفة المرتبطة بدين معين مهمة في غاية السهولة فلقد وحدوا تصوراتهم حول الدين و نجحوا في تطويع بعض التعاليم الدينية لتبدوا موائمة لأفكارهم و ذلك كان من شأنه إيجاد المناخ الملائم لبلورة سياسات تعد مقدسة و لا يمكن مناقشتها أو الجدل فيها من جانب الأعضاء أو المجندين ، و يعمل المتطرفين على صقل صورتهم في أعين و عقول البسطاء الناس بأنهم يمثلون المتدين المثالي الذي يحظى برضا الرب المطلق. فهم لا يحتاجون إلى دعاية فالناس - خاصة من أتباع الديانتين - أساساً مشبعة دينياً منذ الصغر و التغرير بهم من خلال قراءة بعض النصوص الدينية في غاية السهولة. حيث أن تلك النصوص معروفة لهم ، سمعو بها في أماكن أخرى و من أشخاص يثقون بهم ، و فوق ذلك كله فإن الكثير منها مقدس و ليست بكلام بشر.
ثم تأتي محاولاتهم لتفسير عدم إتباع الناس لهم كأنه خروج عن طاعة الله و عدم العمل بأوامرهم معصية!!
و السؤال الآن لماذا لم تنجح نخب المعتدلين في فعل الشئ نفسة و لي ذراع الدين ليستغل في ترويجهم لأفكارهم على أساس أنه يوفر أرضية سهلة؟
الإجابة عن ذلك السؤال تطول و قد تدخلنا في متاهات تستدعي البعض إلي إتهامي بمعاداة الأديان و لذلك فسوف أترك الإجابة لحكم القارئ المتبحر في الدين ليعطينا فكرة عن كمية النصوص التى تدعو إلى الحرب و القتال و العنف مع الآخرين أو الأغيار أو المخالفين للدين مقارنة مع آيات أو نصوص التسامح و الإعتدال. المقارن غير منصفة فللأسف فإن الصراع العقائدي متأصل فى النصوص و لذلك فمن السهل تطويعها لتخدم الجانب المتطرف أكثر من المعتدل.
و مع ذلك فإن هناك بعض المحاولات و خاصة من الجانب الحكومي - الذي ذاق مرارة التطرف - للتأكيد على قيم التسامح و قبول الآخرين ، و لكن ممثلوا الحكومات الدينين قد فقدوا مصداقيتهم للأسف بين جموع الشعوب و خاصة على الجانب العربي بسبب ممارسات الحكام و إضطهادهم لشعوبهم و فسادهم مما أفقدهم تلقائياً و اتباعهم أية مصداقية.

3- الأهداف (الصبغة الدينية و الوطنية و النزعات العرقية و العنصرية)
لا تعتمد الجماعات و المنظمات المتطرفة على إشعال الصراع الديني ديني و الديني لاديني فحسب بل و تتعداه لإستغلال الشعارات الوطنية و النعرات العرقية و النزعات العنصرية فنجد أن القاسم المشترك بين كل حركات اليمين المتطرف قامت على أحد تلك العناصر الأربعة إن لم يكن عليها جميعاً، فنجد أمماً تتحدث عن نقاء الدم و أخرى يطلقون على انفسهم الشعب المختار او خير شعوب الارض و الكارثة أن كلهم لديهم نصوص واضحة و براهين دامغة مما يستحيل معها النقاش ، و إن حاولت أن تقنع أحد الإسلاميين أن مقولة أننا خير أمة أخرجت للناس قد لا تستدعي بالضرورة أن علينا محاربتهم حتى يتبعوا ديننا؛ نظر إليك شذراَ و تركك و هو يلعنك أو يستغفر لك الله إن كان طيب القلب.

4- التمويل (هل يستطيع أن يقف أحد أمامهم؟)
لا تخلوا أي ديانة من التعاليم التي تدعوا إلى الوحدة و التعاون و إنفاق المال للصالح و الحد من الإسراف و التبذير و لكن من يقرر ذلك الصالح؟
لقد إتخذت الجماعات الدينية المتطرفة منهجاً لإبتزاز الأغنياء لدفع مبالغ مالية و دعمهم مادياً مقابل أن يتركوه بسلام إذا كان غير شديد الإيمان أو أن يغدقوا عليه بالدعاء و البركات إذا كان مؤمناً يعطي عن طيب خاطر. و الكثيرين يدفعون لهم لإتقاء شرهم كنوع من الأتاوة ، و في بعض الحالات شديدة التطرف يقوم أعضاء التنظيم بتحليل سرقة أموال من هم على غير دينهم و إستباحة ممتلكاتهم بل و دمائهم إذا ما أبدوا إعتراض.
إن قضية التمويل ليست أهم القضايا فتلك الجماعات - و على الرغم من ثرائها- تستطيع العمل و الإستمرار بأقل التكاليف و بتطوع أعضاءها المؤمنين تماماً بأهداف المنظمة و المستعدين لإعطاء النفيس و الغالي لنصرتها حيث في نصرتها نصرة للدين و ذلك العمل التطوعي يعطيهم شعور قوي بالرضاء الذاتي و النقاء خاصة لإيمانهم أن من سيلقون عليهم المديح ليسوا فقط أمرائهم و رابيهم بل و إلههم. فهم كمغسولي الدماغ منومين و تزداد الحالة سوءاً إن كان بعضهم على درجة عالية من الثقافة – غالباً دينية و أحياناً علمية - مما يجعلهم يعتقدون أنهم قد جمعوا الحقيقة كاملة بلا إنتقاص فلديهم العلم الرباني و العلم الإنساني الأرضي و هؤلاء للأسف ليس لهم شفاء أو ليس منهم رجاء.

5- الإستعداء و الإستضعاف ( دعوى الإضطهاد)
من الملاحظ أن معظم الحركات المتطرفة قد قامت في ظل الإضطهاد ، فالإضطهاد و التتفرقة و التضييق على الحريات يخلق حالم من الحنق الجماعي. ذلك الحنق الذي تستغله الحركات العنصرية لتحوله إلى آداة لخدمة أغراضها و التي قد تتسم بالنبل في عيون للمطالبين بها و المغالاة في عيون الآخرين. و إن خفت حدة ذلك الإضطهاد بدون تحقيق الأهداف كاملة ، يسعى قادة التنظيمات إلى إختلاقه بشتى الوسائل المباشرة و عير المباشرة ، و لكم هي فرحة قادة التنظيمات المتطرفة كبيرة حينما يقع عدوان على أتباعهم فيستغلونه أمثل إستغلال ، فتشتد حدة الصراخ و العواء و تنشط مجهودات التجنيد.
في الجزء الثاني سأتناول الإرهاب و التحالفات الإستراتيجية و التوغل و الإنخراط في مؤسسات المجتمع المدني

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=33530

الأكثر مشاركة في الفيس بوك