حزيران.. سلام الهزيمة وهزيمة السلام!

جواد البشيتي

41 سنة انقضت ولم ينقضِ بعد يوم 5 حزيران 1967، وكأنَّ العرب في "نظام مرجعي"، بحسب "النسبية الخاصة" لآينشتاين، "يتمدَّد" فيه الزمن، فيَعْدِل "اليوم" في "الساعة العربية" عشرات السنين الأرضية!

إنَّه اليوم الأطول في التاريخ العربي كله، وليس في حديثه فحسب؛ وقد يستمر، ما دام الزمن عندنا أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، عشرات أخرى من السنين. وليس أدلَّ على ذلك من أنَّنا لم نُعْلِن رسمياً بعد الخامس من حزيران من كل سنة يوماً عربياً للهزيمة، التي يكفي أن نتصوَّرها، أو نصوِّرها، على أنَّها هزيمة عسكرية صرف، أو في المقام الأوَّل، حتى نقيم الدليل على أنَّنا ما زلنا أمَّة مهزومة، تطلب مزيداً من الهزائم، وتعدُّ لها ما استطاعت من قوَّة وقوى!

حتى "النصر" في أكتوبر 1973 لم يعط من النتائج إلاَّ ما يُثْبِت ويؤكِّد أنَّه كان قطرة في بحر الهزيمة الحزيرانية. ولقد عرَّفه المصريون خير تعريف إذ هتفوا في مظاهرة شعبية: "النصر، النصر، اسْتَعَدْنا سيناء وفَقَدْنا مصر!".

في ذكراها السنوية الحادية والأربعين، والتي ليست بذكرى؛ لأنَّها ما زالت واقعاً نعيشه، ويؤثِّر في كل أوجه حياتنا، ويُمْعِن هدماً في إرادتنا السياسية الحرَّة المستقلة، هل نقول إنَّ السلام العربي مع إسرائيل هو وحده الحقيقة الواقعة، وإنَّ الدول العربية قد أثبتت أنَّ "السلام" و"استمرار الاحتلال الإسرائيلي" ليسا بالأمرين المتناقضين؟!

إنَّ أحداً من ذوي العقول السياسية السليمة لا يمكنه أن يزعم أنَّ قرار مجلس الأمن الرقم 242 قد نُفِّذ ولو جزئياً، فما "أعيد" إلى العرب من أرض لهم احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 إنَّما هو خير دليل على أنَّ هذا القرار الدولي الشهير ما زال حبراً على ورق، ولو كره المزيِّفون.

إنَّكَ لا تستطيع أن تزعم أنَّكَ قد استعدت ما كنتَ تملك من قبل إذا ما أفْقَدتكَ "شروط الاستعادة" الجوهري والأساسي من "حقوق الملكية"، فما هي أهمية أن تملك شيئاً، أو أن تستعيد ملكيته، إذا ما حيل بينكَ وبين حقِّكَ في إظهار وتأكيد ملكيتكَ له؟!

ولقد أثبتت تجربة إنهاء الاحتلال في قطاع غزة أنَّ غياب الاحتلال وحضور السيادة هما أمران متَّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه، فغياب السيادة، أو ضعفها، إنَّما هو استمرار للاحتلال، على نحو ما، وفي طريقة ما.

وإذا ما اتَّخذنا "السيادة" مقياساً نستطيع القول إنَّ ما "تحرَّر" من أرض عربية احْتُلت في حرب حزيران 1967 لم يتحرَّر بعد. أمَّا إذا أردنا "الموضوعية" في الحُكم على ما يقال ويُزْعَم فلا مناص لنا من أن نقول إنَّ إسرائيل قد أخرجت مستوطنيها وجنودها من قطاع غزة لتُركِّز وتُكثِّف احتلالها في معبر رفح بجانبيه، فإسرائيل الحزيرانية هي التي تُحْكِم قبضتها على المعبر، وتمنع إعادة فتحه وتشغيله. ولو كان الواقع غير هذا لتجرَّأ العرب في الخامس من حزيران 2008 على إزالة بعضٍ من "آثار العدوان" من خلال فتح المُغْلَق عربياً من هذا المعبر، الذي لا يمكن فهم استمرار العرب في إغلاقه إلاَّ على أنَّه مشاركة عربية واضحة ومباشرة في ما يُرتَكب من جرائم في حقِّ "الجنس البشري" في قطاع غزة.

لقد بدأوا السير زاعمين أنَّ الغاية هي "إزالة آثار العدوان" الذي وقع في الخامس من حزيران 1967، فكانت النتيجة التي نراها في الذكرى الحادية والأربعين للعدوان والهزيمة هي إزالة كل أثر للالتزام القومي العربي في القضية التي كانت، في الشعر الرسمي العربي، قضية العرب الأولى.

وها هو واقع الهزيمة الحزيرانية الممتدة المستمرة يتحدَّى كل دولة عربية أن تَنْتَزِع منه اعترافاً بأنَّها قد استعادت، أو استعادت فعلاً وحقَّاً، الأرض التي احتلتها منها إسرائيل، والتي قد تصبح، مستقبلاً، شبيهة بـ "مزارع شبعا"، التي لا نعرف من أمرها إلاَّ أنَّها أرض عربية احتلتها إسرائيل التي تزعم أنَّها لا تعرف لمن تعيدها، إذا ما فكَّرت في إعادتها!

عمَّا قريب، أي بعد بضعة أشهر، ستأتي إسرائيل والولايات المتحدة بدليل يُقْنِع حتى الحجر بأن لا سلام غير السلام الذي يوافق واقع الهزيمة الحزيرانية، والذي يسمَّى، إسرائيلياً، "السلام في مقابل السلام".

أمَّا العرب فسيأتون بمزيد من الأدلة على أنَّ السلام مع إسرائيل يمكن أن يأتي على شكل "معجزة" في عالم السياسة، أي أنَّه يمكن، ويجب، أن يتحقَّق ولو لم تلبِّ إسرائيل شروطه الأولية والأساسية. سيكون "معجزة"؛ لأنَّه سيقوم على ركنين: بقاء الاحتلال، ما ظهر منه وما استتر، واتِّخاذ "اللا حل" حلاًّ نهائياً للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني.

إنَّ "الهزيمة الحزيرانية" توشك أن تَلِد "السلام الحزيراني"!

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=136514

الأكثر مشاركة في الفيس بوك