مفهوم السلام والحروب لدى الشعوب!

المهندس طوني عبد النور

أستاذ في الجامعة اللبنانية

 

تتقاتل أحيانا” الأمم فيما بينها، وتتناحر الشعوب على أراض وممتلكات فانية، فيما بعض الدول المتعادية تتصارع وتتحارب لتبتلع أراض مجاورة أو لتفرض عقوبات على جيرانها من الدول. فتتداعى جهود السلام وتتعاظم الأعمال الحربية، والإنسان يتفنن بقتل أخيه الإنسان مدعيا” تارة بأنه عدو وطورا” بأنه إرهابي! هل فقد الإنسان شعوره الإنساني ورزح تحت عدوانيته الفتّاكة؟! أم استشرى فيه توقه الى القتل والتدمير

مظهرا” فيه قوة زائفة لا تلبث أن ترتد عليه ويلات وكوارث طبيعية تطيح به وبكل من دعم أعماله اللا إنسانية؟! يخبرنا التاريخ الباطني أن أولى الكوارث الطبيعية بدأت زمن قارة أطلنطس حينما عمد الإنسان آنذاك الى قتل بني جنسه ليظهر تفوقه عليه من حيث المقدرات الباطنية التي استخدمها سلبا” موجها” إياها نحو النواحي المادية عوض أن تكون له مساعدة على تفتحه الروحي. مما أثار الطبيعة من حوله التي سجّلت جميع أعماله السوداء، فحدثت زلازل وبراكين دمّرت القارة بأكملها بعدما رغدت بأزمان ذهبية طوّر خلالها الإنسان كيانه الباطني ساعده على ذلك تواصله مع الطبيعة التي أحسن استغلالها من حيث التنظيم وكيفية البناء وحسن الجوار مع إخوانه.

لكن بدأ العد العكسي لهذا التطور والعودة الى الحضيض عندما أصبح القتل هواية لدى الإنسان كما يحدث اليوم في بلدنا ودول أخرى.

هل سوف يتعظ الإنسان مما حدث سابقا” حينما دمّر قارة برمتها؟! أم سيتابع بارتكاب السلبيات ليدمر جهودا” جبّارة سعت لبناء حضارة الإنسان التي ارتكزت على إقامة جسور تواصل بين الإنسانية جمعاء؟!

للأسف الشديد إن ما يحكم الشعوب هو منطق القوة العسكرية الإرهابية، بينما منطق العقل المبني على التفاوض لبلوغ العدل والمساواة يكاد يكون مغيّبا”. وإن تواجد نراه تحكمه مصالح خاصة أو هو ينطلق من مفهوم الغالب والمغلوب، وبالتالي التفاوض لن يؤدي الى سلام عادل بل الى هدنة هشة تنشأ بعدها حروب دامية أشد ضراوة

وقساوة وعنفا”من سابقتها.

سبب ذلك يعود بالدرجة الأولى الى أن الإنسان فقد إنسانيته وبات يميل الى استعمال وحشيته التي لا زالت مسجلة في وعيه الباطني مما قد يعرضه لاحقا” الى الانحدار الى الدرك الحيواني عقابا” له على ما اقترفه من أعمال إجرامية. فيفقد

بالتالي مقدرة التحول من بشري الى إلهي ليصبح حيوانا” مفترسا” يفترس الوحوش، والوحوش الضارية تفترسه تكفيرا” عما اقترفه من أعمال إجرامية.

والجدير ذكره انه منذ ما تحارب الإنسان مع أخيه ألإنسان ابتدأت العصور السوداء على الأرض ولا زالت مستمرة، ريثما يعي الإنسان الخطأ الذي يرتكبه بحق نفسه ويكبله بسلاسل اللاوعي والجهل. وهذا لن يحدث دون ألم ومعاناة توقظ الإنسان الى

السلبيات التي يرتكبها عمدا” أم دفاعا” عن النفس. فالحرب وإن أكسبت المنتصر مكاسب مادية لكنها بالمقابل تؤدي لخسارته مقدرات باطنية وروحية عليه أن يكتسبها. فالحرب يجب ألاّ توجه تجاه أي فرد أو مجتمع أو بلد، بل فقط تجاه وحشية وشراسة

الإنسان التي هي نتيجة سلبيات النفس وذلك من أجل ربح مغانم روحية لا تقدر بثمن. لكن إنساننا لا يستطيع أن يرى أبعد مما تتيحه له عيناه فقد أغلق منافذ حواسه الباطنية والّه المادة وأقام لها عرشا” وتاجا” بحيث أصبحت لديه ملاذه الأخير. لذلك بات

عبدا” لها َيقتل وُيقتل من أجلها، بينما المفروض أن تكون له مساعدة على اختبار ما تمّ اكتشافه في عوالم الحقيقة المكوّنة لأبعاد وعيه…

وهذا لن يتحقق في القريب العاجل طالما الإنسان لا يزال بعيدا” عن خفايا ذاته وخبايا نفسه. السبيل الوحيد لولوج هذا العالم المسالم المهادن، تجنب ارتكاب السلبيات ثم العمل الدؤوب والمثابرة على تفتيح الباطن من اجل النهل من خيراته ليقينا من شرّ الحروب التي يقيمها الإنسان لاوعيا” على غيره مما يصعّب ولوج عالمه الباطني…

قد يتساءل البعض منا لماذا الإنسان توّاق للحرب أكثر من السلم؟!

المحاضر عن السلام مها راجي أجاب عن هذا السؤال في إحدى محاضراته المتلفزة:” عندما يتكلمون عن الحرب هنالك العديد من الأسباب والتفسيرات التي تؤدي لاندلاع الحروب، لكن من اجل إيجاد وصنع السلام لا يتواجد دافع واحد لحصوله”.بكل بساطة لأن الإنسان لا يحيا بسلام مع ذاته،فهو لا يتوانى عن شنّ الحروب عليها عوض أن يكون على وئام وتفاهم وانسجام معها. بينما الحرب الواجب على كل واحد منا أن يخوضها لبلوغ سلامه الداخلي هي حرب تشن على سلبيات النفس

إنها حرب ضروس تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، منها سلاح الفكر الإنساني ليقضي على كل جهل وفراغ وسلبية في النفس البشرية،وصواريخ الذكاء لتدمّر مواضع العناد والتشبث بالرأي، كذلك يستخدم في هذه الحرب المقدسة طيران المحبة لتحتضن

كل ضغينة أو اعتداء نتعرّض له. قل إنها حرب مسالمة لا تدمر لتؤذي بل لتبني جسور تواصل بين النفس البشرية والذات الإنسانية مما يؤهل الإنسان لبلوغ سلامه الداخلي، ويؤسس لتحقيق السلام العالمي الذي نسعى لتحقيقه من خلال تدمير سلبيات

النفس وتحقيق التواصل مع الذات. كل ذلك يحصل دون استخدام لأي سلاح حربي تستخدمه الجيوش، فقط السلاح الوحيد الذي يجب على كل إنسان أن يرفعه هو سلاح المحبة والوعي ضد الجهل والحقد والقتل. لعلنا بذلك نحقق أمنية الخالق بعودة أبنائه إليه ليختبروا السلام الحقيقي، سلام المعرفة…

كتاب الإنسان (منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء-الإيزوتيريك في بيروت) ذكر ما يلي:

” أيها السلام-

رمز الغبطة السماوية ومفتاح النور،

سلّم الحق وحديث الصمت،

إني أسمع نداءك،

إني أسعى إليك،

إني في توق لملاقاتك في ذاتي.

أيها السلام الأكبر!

خذ بيدي لأصل الى سلامك.

فالسلام الحق… منبعه الذات العليا يتدفق الى النفس ليضفي عليها صفاء” ونقاء”، هو حكمة قول وتصرف مضمخ بالمحبة الإنسانية التي لا تفرق بين دين وآخر ولا بين عرق ولون.همه الوحيد جعل الإنسان يحيا بوئام وطمأنينة

من خلال تواصله مع بقية الشعوب لتعود البشرية الى أصلها النوراني حيث كانت أخوية جامعة لا مجال للتحارب والتصارع ضمنها، بل معاناة من أجل بلوغ السلام الحق، السلام الذي ينبع من الخالق ويشع أنوارا” تحي خلائق الوجود…

المصدر: http://www.lebaneseinisrael.com/X/?p=23422

الأكثر مشاركة في الفيس بوك