التسامح وغفران الماضي: هل هذا من المستحيلات؟!!
محمود الزهيري
ماالذي يجعلني أكرهك, وأكره رؤيتك , ولا أتمني لقائك حتي في الطريق ؟!!
بل ماالذي يجعلني أتمني لك الأذي وأرجو لك الضرر ؟
بل لماذا أتمني في أحيان كثيرة أن أقتلك , أو أتمني لك المصائب والهزائم والنكبات ؟
ومن الذي جعلك عدو لي , ولماذا هذا العداء , ومن أجل ماذا وما الهدف من هذه الكراهية وهذا العداء ؟
الأمر بهذه الصورة المرعبة لابد وأن تكون له خلفيات مرعبة كذلك , وإلا لماذا الدعوة والتحريض علي كراهية الأغيار , وإلا مامعني الكراهية , والحقد , والغلول , والبغضاء , والحسد والضغائن , بل والإذدراء , بل السب والشتم , والقذف والتحقير , بل والتعدي بالضرب والقتل إن لزم الأمر , وما صاحبه من إستحلال أموال وأعراض وممتلكات الأغيار, ولكن إلي متي ستظل الأمور تسير في هذا الأتجاه الخطأ بدون وعي أو إدارك لحقيقة الواقع المعاش وما تصاحبه من تغيرات في جميع الأمور الحياتية والمعاشة علي المستوي الدولي والإنساني بصور مباشرة دون حاجة لوصاية من أفراد علي أفراد أو جماعات علي جماعات , بل لقد تطور الأمر وحبل الوصاية المربوطة علي أعناق الدول من دول أخري منذ عهد الرق الدولي والإستعباد , قد إنقطع , وأصبح لايسمح به أن يستخدم حتي لإستخدام القطط والكلاب كرقيق , بل وسائر الحيوانات المسـتأنسة والبرية بصفة عامة , الأمر الذي يدلل علي الإرتفاع بشأن وإنسانية الإنسان في تعاملاته مع الحيوانات بصفة عامة , فمابالك بالتعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان المنتسب لأب واحد وأم واحدة ؟!!
والذي يؤرقني هو ماوصلت إليه النزاعات والصراعات الدينية القديمة في التاريخ الإنساني بين المنتسبين للأديان السماوية , والتي قامت في جميعها علي خلفية الحروب الدينية المقدسة , وتم نسبة هذه الحروب والصراعات إلي الأديان السماوية , علي معتقد جازم وراسخ بأن الله كان دائماً وراء إزكاء وإشعال تلك الصراعات الدينية , وأن إرادته العليا المقدسة هي صاحبة الدور الفاعل والفعال في تحريك هذه الصراعات , ومن ثم إنتصر كل فريق متصارع ومتحارب إلي نصوصه الدينية الحاملة حسب مفهومه وتفسيره وتأويله لتلك الصراعات والحروب التي هي من وجهة نظره حروب وصراعات دينية مقدسة , كان الغرض منها هو إرضاء الله أو الرب الغاضب علي فئة , أو جماعة ومن ثم فقد سلط فئة أو جماعة أخري علي محاربة الجماعات الأخري التي هي علي الباطل المطلق والكفر البواح , وذلك في تصوير مخزي لطبيعة الإله الخالق الباري الرحمن الرحيم , ومن ثم كانت أنهار الدماء الإنسانية تسيل بغزارة لإرضاء الإله أو الرب , وكانت الجثث وأشلاء الجثث موزعة في ساحات الوغي والحرب والقتال لتأكل منها النواسر , ومايتبقي فهو للدود والتراب , حتي يجف المتبقي منها لتكون هباءاً منثوراً للريح والتراب , أو لصفير الرياح ساكن , وكأنها تقول أصبحنا أثراً بعد عين , أو لتترك تلك الصراعات ورائها العجزي وأصحاب العاهات والأرامل والأيتام بسبب من تفسيرات الحروب والصراعات الدينية تفسيرات دينية تدعي القدسية والطهارة العلوية الإلهية الربانية , والأدهي والأمر أن تكون التفسيرات والتأويلات من ورائها إرادة الإله أو الرب !!
فهل من الصعوبة بمكان أو زمان أن تنتهي تلك الأفكار والمفاهيم العتيقة في الماضي والتاريخ والإلتفاف حول القيم والمعني الإنسانية العليا البعيدة عن لعن الآخر أو إذدراؤه أو التحقير من شأنه ومن شأن معتقده , والكف عن لغة القتل والقتال وصولاً بالسلام الفردي والإجتماعي والدولي إلي غايته العليا وهي الإنسان , مع حفظ حق كل دولة في رد العدوان أو تأمين سلامة مواطنيها بتسليحهم بالقوة والعتاد للحفاظ علي توازنات القوي من الحسد الخارجي الذي يريد إستلاب مقدرات وخيرات أي دولة من الدول أو إستلاب أراضيها , وإنتهاك حرية الوطن والمواطن ؟!!
إن التسامح وغفران الماضي ورد الحقوق المغتصبة هي بداية الطريق للوصول إلي بر السلام والأمن بداية من الفرد والمجتمع والدولة وصولاً للمجتمع الدولي , من خلال المعرفة الكاملة التي لابد وأن تؤدي حتماً للعفو والتسامح الكامل , وذلك في نظرتها الفلسفية , التي يزاملها ولايصح أن ينفصل عنها الإقرار بالأخطاء التاريخية الشنيعة المبنية علي دعائم الكراهية والبغض , والمؤسسة علي أسس القتل وأعمال الإستلاب والنهب في سبيل إعلاء القيم المقدسة حسب معتقد كل فريق !!
إن مجتمعاً لاينهض علي أساس , ليس من قبول الآخر , بل علي أساس من مسامحته , وغفران ماضيه وأخطاؤه لايمكن أن ينهض بأي حال بالتطورات الإنسانية والحضارية , وسيظل ساكناً في كهوف العصور البدائية ممسكاً بحرابه وسهامه متحيناً الفرصة لإقتناص من يصادفه , أو من يمر من أمامه حيث تنعدم لغات التواصل , وتتسدد كل سبل السلام , ويضحي الصراع أبدياً , ليس له من ثمة بارقة أمل في إنهائه مادام كل فريق يعتصم بالإرادة الإلهية العليا في تفسيراته وتأويلاته , وكأنه في حالة حلول للإرادة البشرية محل الإرادة الإلهية العلوية المقدسة , ومن هنا يستمر الصراع وتتزايد وتائر التعصب ومن ثم الكراهية واللعن والإذراء بإعتبارها شحنات لزيادة قدر الكراهية والتعصب الذي يتوالد عنه إدارة الصراعات والحروب الدينية علي خلفيات إلهية ربانية مقدسة في المفهوم من التفسير والتأويل للإرادة السماوية !
فهل سيتم التسامح وغفران الماضي عما تم من صراعت بشرية أراد لها أصحاب المصالح أن تكون دينية تم سربلتها برداء الدين فيما تم نسبته للحروب بإسم الحروب الصليبية المقدسة , او الفتوحات الإسلامية الموسومة بالجهاد المقدس ؟!!
أعتقد أن الأزمة قد بدأت بالفعل من بداية كتابة هذه السطور وحتي الإنتهاء منها , لأنه لايوجد من يريد أن يناقش ويتفاهم , بل يوجد من يريد أن ينابذ ويتحارب , والطريق إلي ذلك سهلاً ميسوراً , حيث عصا التكفير مرفوعة , وسيف القتل مشهراً !!
فهل التسامح وغفران أخطاء الماضي , والإقرار بتلك الأخطاء والإعتراف بها في مواجهة كل طرف , يمثل مستحيلاً من المستحيلات ؟!!