تعريف التعصب المذهبي

تعريف التعصب المذهبي

أُخذت كلمة التعصب من العصبية ، و هي أن يدعوا الرجل إلى نصرة عصبيته ، و الوقوف معها على من يُناوئها ، ظالمة كانت أو مظلومة . و من معانيهما أيضا –أي التعصب و العصبية- المحاماة و المدافعة و النصرة .

و يكون ذلك على مستوى الأفكار و المشاعر ، و الأقوال و الأفعال .

و الشواهد الآتية تزيد ذلك وضوحا و إثراء .

أولها إنه عندما سئل المحدث أبو بكر بن عياش (ت 193ه ) : من السني ؟ ، قال: (( الذي إذا ذُكرت االأهواء لم يتعصب إليها )) . بمعنى أنه لا يميل إليها و لا ينصرها و لا يُؤيدها . و ثانيها ما قاله الحافظ ابن عبد البر الأندلسي (ت 463ه )، فإنه عندما ناقش بعض المسائل الفقهية قال : (( و هو أصل صحيح لمن أُلهم رشده و لم تمل به العصبية إلى المعاندة )) . بمعنى أن من العصبية الميل إلى الباطل ، و المعاندة فيه ، و عدم قبول الحق .

و الشاهد الثالث هو قول للمؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي(ت 597ه) ، يقول فيه : (( نعوذ بالله من العصبية ، فإن مصنف هذا الكتاب – هو أحد المحدثين- لا يخفى عليه أن هذا الحديث موضوع )) . فمن العصبية عنده أن يعتمد الإنسان على حديث يعلم أنه موضوع، انتصارا لأمر في نفسه ، فيترك الصحيح و يأخذ السقيم .

و الشاهد الرابع مفاده أن العلماء المسلمين استعملوا كلمة التعصب للمدح و الذم معا ، تُفهم من حسب سياقها في الكلام . فقال بعض علماء الجرح و التعديل : إن القاضي أبا الحسن محمد الرازي الشافعي (ت 338 ه ) كان متعصبا للسنة ناصرا لأهلها .

و قيل في الثري أبي منصور بن يُوسف البغدادي(ت460ه ) : (( كان صالحا عظيم الصدقة ، متعصبا للسنة )) .

و قال بعضهم في الحافظ الرحالة عمر بن علي الليثي البخاري (ت468ه): إنه كان مدلسا متعصبا لأهل الباطل .
و آخرها –أي الشواهد- حديث ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728ه) ، مفاده إنه قيل للرسول-عليه الصلاة و السلام-: أمن العصبية أن ينصر الرجل قومه في الحق ؟ ، قال : لا ، و لكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه في الباطل .

و بذلك يتبين أن التعصب على نوعين ، أولهما الانتصار للحق و هو ممدوح ، و ثانيهما الانتصار للباطل و هو مذموم . و النوع الثاني هو موضوع كتابنا هذا ، و هو التعصب للباطل لا للحق , و مقياسنا في ذلك هو النقل الصحيح –أي الكتاب و السنة- و العقل الصريح ، فما وافقهما فهو تعصب للحق، و ما خالفهما فهو تعصب للباطل .

و أشير هنا إلى أنه لا يُوجد تعصب واحد فقط ، و إنما هناك تعصبات كثيرة ، منها : التعصب الأسري ، و التعصب القبلي، و العصب العرقي ، و التعصب الجهوي ، و التعصب الحزبي ، و التعصب الديني –بين أبناء الأديان المختلفة- ، و التعصب المذهبي ، و يحدث بين مذاهب الدين الواحد ، و هو موضوع بحثنا هذا ، و قد تجلت مظاهره في مختلف جوانب الحياة عند المسلمين خلال العصر الإسلامي ، على مستوى المذاهب و الطوائف ، فما هي بداياته و تطوراته ؟ .

المصدر: http://www.hadielislam.com/arabic/index.php?pg=articles%2Farticle&id=30404

الأكثر مشاركة في الفيس بوك