اخلاقيات التحرر من التعصب

اخلاقيات التحرر من التعصب

* د. يوسف القرضاوي
ومن التعصب الذي ينبغي أن نحذر منه: التعصب للفئة أو الحزب أو للجماعة التي ينتسب إليها المسلم، تعصباً يجعله ينتصر لها بالحق وبالباطل على نحو ما قاله العرب في الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قبل أن يعدل رسول الله (ص) مفهوم الجملة، ويعطيها تفسيراً جديداً يتفق مع قيم الإسلام.
ومن التعصب للجماعة أو الحزب، أن يضفى عليها من الصفات ما يشبه القداسة أو العصمة، فكل ما تقوله فهو حق، وكل ما تفعله فهو جميل، وكل ما يصدر عنها فهو صواب، وكل تاريخها أمجاد، وكل رجالها ملائكة!
وهذا ليس بصحيح فكل جماعة قامت لنصرة الإسلام وتجديده في العقول والأنفس والحياة والمجتمع، ليست أكثر من مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، وهي في اجتهادها تصيب وتخطئ، وهي مأجورة على كل حال أصابت أم أخطأت، فلكل مجتهد نصيب، ولكل امرئ ما نوى.
ومن مظاهر هذا التعصب: أن لا يذكر لجماعته أو لحزبه، إلا المزايا والحسنات، ولا يذكر للجماعات الأخرى إلا العيوب والسيئات، وأن يعظم رجال مجموعته مهما يكن فيهم من تقصير أو قصور، ويحقر رجال الآخرين مهما يكن فيهم من سمو في العلم والعمل.
والإسلام يوجب على المسلم، أن يكون عدلاً مع مَن يحب ومَن يكره، يقوم لله شهيداً بالقسط ولو على نفسه، ولا يخرجه غضبه عن الحق، ولا يدخله رضاه في الباطل، ولا تمنعه الخصومة من الشهادة لخصمه بما فيه من خير، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) النساء: 135.
وقال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة: 8.
ومن مظاهره: أن يفرح بأخطاء الآخرين، وقد يشنع بها، ويضرب بها الطبل، في حين يتعامى عن أخطاء فئته وجماعته، وإذا اعترف بها حاول أن يهون منها، ويعتذر لها، ويدافع عنها.
ومن مظاهر التعصب: المبالغة في المحافظة على الأشكال التنظيمية للحزب أو للجماعة، كأنها أمور تعبدية، حتى يضحى ـ في بعض الأحيان ـ بمصلحة الدعوة الإسلامية، والأمة الإسلامية، كيلا تخدش الصورة التنظيمية.
وهذا خطأ شنيع في الفهم، فالأشكال التنظيمية (وسائل وأدوات) تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، وليست (أصناماً تعبد) أو غايات تقصد لذاتها، كما يفهم ذلك من تصرفات بعض الغلاة في احترام التنظيم!
ومن الضروري هنا: التنبه والتنبيه على جملة من الأخلاقيات التي نراها لازمة للدلالة على التحرر من اسر التعصب حقاً، ومن الواجب لفت النظر إليها والتذكير بها، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
ومن هذه الأخلاقيات: أن ينظر إلى القول لا إلى قائله، وان تكون لديه الشجاعة لنقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والترحيب بالنقد من الآخرين، وطلب النصح والتقويم منهم، والاستفادة مما عند الآخرين من علم وحكمة، والثناء على المخالف فيما احسن فيه، والدفاع عنه إذا اتهم بالباطل، أو تطول عليه أحد بغير حق.
المصدر:
http://www.balagh.com/youth/7l0sz116.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك