هل يفلح الحوار المتوسطي في تفعيل الحوار المغاربي؟
سعيد الكحل
ذانعقد بالمغرب نهاية الأسبوع الأول من أبريل 2006 أول اجتماع للحلف الأطلسي خارج تراب الدول الأعضاء الـ 26 . ويكرس هذا المؤتمر الأهمية الإستراتيجية التي يحظى بها المغرب والتي سبق للمسئولين الأمريكيين أن صنفوه ـ المغرب ـ باعتباره "الحليف الأكبر خارج دائرة البلدان الأعضاء في المنظومة الأطلسية" . ويشمل هذا الاجتماع التنسيقي ، بالإضافة إلى الأعضاء الأصليين في حلف " الناتو" ، سبعة بلدان من الضفة الجنوبية للمتوسط ، وهي : مصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا بالإضافة إلى إسرائيل . ويأتي هذا الاجتماع في إطار تعزيز خطوات التنسيق الأمني والعسكري والسياسي بين أعضاء الناتو وبلدان الحوار المتوسطي ضمن ما يعرف بـ «الحرب على الإرهاب» ، خصوصا وأن التقارير الاستخباراتية تفيد أن منطقة الساحل جنوب الصحراء تحولت إلى قواعد لاستقطاب وتدريب العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة ؛ ومن ثم التخطيط للقيام بعمليات إجرامية داخل الدول الأوربية . ما يهمنا ، نحن المغاربة ، من قبْل هذه المؤتمرات ومن بَعْدها ، هما قضيتان أساسيتان : صيانة وحدتنا الترابية وضمان أمننا واستقرارنا . إنهما قضيتان مترابطتان ، كل منهما تستلزم الأخرى وتشرطها . لهذا فنجاح " الحوار المتوسطي " يظل رهينا بمدى قدرة حلف الناتو على إنجاح " الحوار المغاربي" والتأسيس لتنسيق فعال بين دوله ، خاصة المغرب والجزائر . إذ لا يخفى على أحد أن الجزائر تشكل العقبة الوحيدة في وجه أي حوار أو تنسيق بين دول المغرب العربي ، بسبب عدائها المزمن لوحدة المغرب واستقراره . هذا العداء الذي تمارسه بأشكال ووسائل مختلفة تنطلق من الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي لانفصاليي البوليساريو ، ولا تنتهي بإغراق الحدود الشرقية بأفواج المهاجرين السريين الذين يكلفون خزينة المغرب ، في إيوائهم وترحيلهم ، مئات الملايين من الدولارات . إن وضعية أللاستقرار التي تخلقها الجزائر في المنطقة ستجعل كل الجهود التي يبذلها حلف الناتو في حربه ضد الإرهاب ، تبوء بالفشل . وهذا ما تؤشر عليه التصريحات الرسمية الجزائرية من كونها غير معنية بالمؤتمر الذي سيستضيفه المغرب حول الهجرة السرية . فالأهداف المتوخاة من " الحوار المتوسطي" كما أوضح الأمين العام المنتدب أليساندرو مينوتو ريزو ، تتمثل في إقرار الأمن بين البلدان المعنية ، والإرادة السياسية الحقيقية لمجابهة التحديات المشتركة وضرورة اعتماد الحوار والتعاون . فهل ستتجاوب الجزائر مع الإرادة الدولية في إقرار الأمن واعتماد الحوار ؟ طبعا مهما حاولت الجزائر الحفاظ على عناصر التوتر في المنطقة تحت ذرائع شتى ، فإن الأخطار التي باتت تشكلها العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة أو المتعاطفة معها ، ليس فقط على البلدان المغاربية ، والجزائر أولى ضحاياها ، بل وأساسا على الدول الأوربية ، ومن خلالها على الأمن الدولي ؛ تلك الأخطار ستجعل الولايات المتحدة ، ومن خلفها أوربا ، تعي ضرورة حمل الجزائر على حوار جدي وبناء مع المغرب حول القضايا المشتركة . أما المغرب فلم يدخر جهدا في تقديم الحلول الممكنة لإبعاد المنطقة من حافة الانفجار . إنها ، للأسف الشديد ، قاعدة عامة تحكم الخلافات بين الدول العربية . إذ صارت هذه الأخيرة عاجزة عن حل أبسط الخلافات بين بعضها ، فأحرى أعوصها . والمسألة ليست وليدة الغزو العراقي للكويت ، بل تعود إلى ظروف سابقة أحدثتها الحرب الباردة والتجاذبات التي طبعتها . وكان العداء الجزائري للوحدة المغربية يتغذى على الصراع الإيديولوجي ويفشل كل المحاولات التي بذلتها الجامعة العربية أو بعض الدول العربية الشقيقة من أجل إنهاء الصراع . جل الخلافات بين الدول العربية لا تنتهي إلا بتدخل القوى الأجنبية ، بغض النظر عن طبيعة ذلك التدخل . لهذا فالصراع الذي تخوضه الجزائر ضد المغرب لن يشذ عن القاعدة ، وسيستدعي تدخلا خارجيا حالما تدرك تلك القوى الأجنبية أنه صار عبئا عليها ، بل وعرقلة في وجه مصالحها الحيوية . من هنا ستكون الحرب على الإرهاب عاملا قويا في تشكيل حلف سياسي ، أمني وعسكري تتجاوز فيه الدول المغاربية خلافاتها وتنخرط بكل جدية لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية . وإلى ذلك الحين ،فالأمر بالنسبة للمغرب ، يقتضي اعتماد كل الوسائل المشروعة لضمان أمنه وصيانة وحدته ، بدءا من التوظيف الإيجابي لملف اتفاقية الصيد البحري ، وانتهاء بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية وكذا الجهات أو الأشخاص ذوي الاعتبار سواء في أوربا ، أو في الولايات المتحدة الأميركية لطرح القضية الوطنية في أبعادها القانونية والسياسية وكذا بعدها الإنساني بسبب ما يتعرض له مواطنونا المحتجزون بمخيمات تندوف من صنوف التعذيب . وما الإدانة التي أصدرها رئيس المجلس الأميركي لأسرى الحرب المغاربة في موضوع لقاء كوفي أنان بالانفصالي محمد عبد العزيز إلا واحدة من المبادرات التي ينبغي تثمينها ودعمها بهدف إبراز طبيعة الجرائم البشعة التي ترتكب ضد المحتجزين .