بين الشِّيعة والمعتزلة العلاقة الملتبسة وتاريخ الخلاف الفكري
أضافه الحوار اليوم في
قاسم جوادي(*) - ترجمة، محمّد عبد الرزاق
تمهيد
من المسائل التي تثار حول الشيعة _ إلى جانب عشرات التُّهم التي انهالت عليها خلال العصور التاريخية _ مسألة تأثرها بأفكار المعتزلة في المذاهب الكلامية وفقدانها الاستقلالية في هذا المجال. وسوف نرى، من خلال هذا البحث، كيف يثبت عكس ذلك، فضلاً عن نفي الادّعاء نفسه، بمعنى أن المعتزلة أنفسهم هم الذين أفادوا من الفكر الشيعي وتأثروا به.
بداية، سنرصد آراء بعض المفكرين المسلمين من معتزلة وأشاعرة، إضافة إلى جملة من الغربيين، وذلك من خلال المسار التاريخي للموضوع. وسيتضح كيف أن التشيُّع بوصفه تياراً، وقف بوجه المعتزلة ومنذ بداياتهم الأولى في مختلف المجالات، ما قد يجعل الباحث يعزو توجيههم للتهمة السابقة إلى تلقيهم هزائم على يديه. وسنبرهن من خلال البحث على تأثر المعتزلة بالشيعة. وهنا علينا أن نذكِّر بمسألتين:
1- إنهُ لا نقاش في أصل التأثر والتأثير، فإن جميع الأفكار في المجتمع، وبمختلف أطيافها، ستخضع لمرحلتي التأثر والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر. لكنّ موضوعنا يُعنى بما هو فوق التأثر المتقابل الطبيعي، أي مؤثرات الاتجاه العام في علم الكلام الشيعي.
2- إن مرادنا من المعتزلة هو ذلك المذهب الذي أسس من قبل "واصل بن عطاء" في أوائل القرن الثاني (وذلك لأن بعض الباحثين قد ينسب تاريخ الاعتزال لعهد عثمان أو الإمام علي × وغير ذلك مما هو خارج عن بحثنا).
إدِّعاء تأثّر الشيعة بالمعتزلة
لعل "الخيّاط المعتزلي (م/300 هـ) هو أول القائلين([1]) بتأثر الشيعة بالمعتزلة؛ حيث يقول في كتابهِ الانتصار:
أمَّا جملة قول الرافضة فهو: "إن الله عز وجل ذو قد وصورة وحد يتحرك ويسكن ويدنو ويبعد ويخف ويثقل... هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرَّأت منهم، فأمّا جملتهم ومشايخهم مثل هشام بن سالم وشيطان الطاق وعلي بن ميثم وهشام بن الحكم وعلي بن منصور والسكاك فقولهم ما حكيت عنهم"([2]).
ويقول في عبارة أخرى: "فهل على وجه الأرض رافضي إلاّ وهو يقول "إنّ للهِ صورة، ويروي في ذلك الروايات ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم إلاّ من صحبت المعتزلة فقال التوحيد، فنفتهُ الرافضة عنها"([3]).
ثم يذكر في مقابل ذلك أفكار المعتزلة، وهي عبارة عن:
"إن الله واحد ليس كمثلهِ شيء، لا تدركهُ الأبصار ولا تحيط بهِ الأقطار وأنه لا يحول ولا يزول ولا يتغير ولا ينتقل، وإنه الأول والآخر والظاهر والباطن وإنه في السماء إله وفي الأرض إله، وإنه أقرب إلينا من حبل الوريد، وما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا، وإنه القديم وما سواه محدث، وإنه العدل في قضائهِ، الرحيم بخلقهِ، الناظر لعبادهِ، وإنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعبادهِ الكفر ولا يريد ظلماً للعالمين... وهذهِ الأقاويل الأمة مجمعة عليها مصدقة قول المعتزلة فيها"([4]).
ومن الطريف أن يدَّعي إجماع الخوارج والمفوضة والجبريين والمشبهة والإخباريين وكأنهُ لا يوجد نزاع بين الإخباريين والمعتزلة، ولا شيء من الأزمات التي دارت في عصر المأمون والمعتصم والواثق. وكذلك نفي الخلاف بين حسن البصري وواصل، وأن يقول: ليس من أحد سوى الشيعة انحرف في معتقداته، حيث إن الادعاء يفرض تصديق الأمة جمعاء لكلام المعتزلة، أما الشيعة فلها طريق منحرف عن ذلك!
وكان أبو الحسن الأشعري ثاني شخص، بعد الخياط، ينسب ذلك للشيعة _ لكن ليس بتلك الجرأة _ فكتب يقول:
"الفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أنّ ربهم ليس بجسم ولا بصورة، ولا شبيه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قول من متأخريهم وأوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه"([5]).
ثم أعقب الاشعري ابن تيمية فواصل، في هذا الموضوع، وقال فيه:
"ولكن في أواخر المئة الثالثة دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة كابن النوبختي، صاحب كتاب الآراء والديانات، وأمثاله، وجاء بعد هؤلاء المفيد بن النعمان وأتباعهُ، ولهذا نجد المصنفين كالأشعري لا يذكرون عن أحدٍ من الشيعة إنهُ وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم، وإنما يذكرون عن قدمائهم التجسيم وإثبات القدر وغيرهِ، وأول من عرف في الإسلام إنهُ قال إن للهِ جسم هشام بن الحكم"([6]).
وقد كرر هذا الكلام من المعاصرين "أحمد أمين":
"بعض الشيعة يزعم أن المعتزلة أخذوا عنهم، وأن واصل بن عطاء من المعتزلة تلميذ لجعفر الصادق، وأنا أرجِّح أن الشيعة هم الذين أخذوا من المعتزلة تعاليمهم"([7]).
الحوار الداخلي: