التنور التقني .. مفهومه وسبل تحقيقه

د. ماهر إسماعيل صبري

د. محب محمود كامل

 

 

لا ينكر أحد أن العصر الذي نعيشه هو بحق عصر التقنية حيث ساد العالم خلال السنوات الأخيرة موجة من النشاط التقني القائم على نشاط علمي مكثف وصلت تلك الموجة إلى حد الثورة التقنية التقنية التي شملت جميع ميادين الحياة على كوكب الأرض بل تعددت حدود كوكب الأرض إلى غيره من الكواكب الأخرى في هذا الكون الفسيح .

 

تأتي التقنية كل يوم بجديد ن وقد يتناسى الإنسان في غمرة انبهاره بما حققته له تطبيقات تلك التقنية من رفاهية أنها سلاح ذو حدين وأن لها وجه آخر بغيض، يظهر هذا الوجه عندما يتعدى علماء وخبراء التقنية الحدود الأخلاقية في بحوثهم، كما يظهر أيضاً حينما يسيء الإنسان استخدام تلك التقنية فيستخدمها في غير موضعها ولغير الهدف الذي صممت من أجله .

 

يبقى الإنسان في حيرة بين إيجابيات التقنية وسلبياتها خصوصاً في عالمنا العربي الذي يعد مستهلكاً شرهاً للتقنية غير مشارك في إنتاجها غير متقن للغتها، غير مدرك لأبعادها غير آبه بوجهها الآخر، وينظر السواد الأعظم من الأفراد في عالمنا العربي إلى التقنية على أنها إيجابية دائماً، لذا فهم يتصورون أن اقتناء الأجهزة الحديثة والبحث عن كل ما يستجد منها لهو الدليل على التقدم التقني ومسايرة العصر ومن ثم نرى هؤلاء الأفراد يتبارون في اقتناء الأحدث والأغلى من تلك الأجهزة بل ويتفاخرون بذلك بعضهم أمام بعض في الوقت الذي يجهل بعضهم أبسط قواعد تشغيل تلك الأجهزة وحدود استخدامها مما يجعلهم يسيئون استخدامها أو يتخطون بها الحدود الأخلاقية التي لا ينبغي تجاوزها .

 

وإذا كانت الثورة التقنية آتية لا محالة وإذا كان تأججها أمر لا مفر منه فإن على المجتمعات العربية أن تتخلى عن دور المتفرج وعن دور المستهلك لتشارك فعلياً في صناعة تلك التقنية ولن يكون ذلك إلا بسعي تلك المجتمعات لإكساب أفرادها قدراً مناسباً من الوعي والحس التقني الذي يمكنهم من فهم لغة التقنية ن والتعامل معها على النحو المرغوب وترسيم حدود استخدامها بما يحقق أعلى قدر من الاستفادة وبما يقيهم آثار الوجع الآخر ( البغيض ) لها وهذا هو ما يعرف بالتنوير أو التنور التقني .

 

 

مفهوم التنور التقني

 

ظهر مصطلح التنور التقني ( technological liceracy ) في مطلع الثمانينات تقريباً من القرن العشرين حيث أشارت الأدبيات إلى ظهور هذا المصطلح لم يكن إلا رد فعل طبيعي واكب الثورة التقنية التي بدأ تأججها خلال النصف الأخير من القرن الفائت ذلك التأجج الذي بلغ ذروته مع مطلع القرن الحادي والعشرين .

 

وقد تباينت الآراء في تحديد معنى التنور التقني حيث ذهبت بعض الآراء إلى أن هذا المصطلح يصعب تعريفه على نحو إجرائي دقيق، فيما ذهبت بعض الآراء الأخرى إلى إمكانية تعريفه من خلال تحديد سمات أو صفات الشخص المتنور تقنياً ( characteristics of Tichnologically literat person ) بينما اجتهدت بعض الآراء الأخرى في وضع تعريف محدد لهذا المصطلح .

 

يمكن تعريف التنور التقني على المستوى اللغوي بتعريف تلك الكلمتين المكونتين لهذا المصطلح وفي هذا الإطار نرى أن كلمة تنور، ( Literacy  ) كلمة قديمة تعني معرفة القراءة والكتابة أو محو أمية الفرد والأصل اللغوي لها مشتق من الفعل ( تنور ) أو استنار ( استضاء ) ولا عجب في ذلك فالحكمة تقول ( إن العلم نور ) وقديماً كانوا يصفون الشخص الذي يعرف القراءة والكتابة بأنه متنور، لكن مع تطور العلم والتقنية لم يعد هذا المصطلح بمعناه القديم كافياً لوصف الشخص القادر على التعامل مع تلك المستحدثات والتفاعل معها ومن ثم كان لابد من ظهور مجالات جديدة للتنور، كالتنور العلمي، والتنور التقني وغيرها أما كلمة ( تقني ) (Tichnological  ) التي تمثل الشق الثاني من المصطلح فهي مشتقة من كلمة تقنية وهي الترجمة العربية لكلمة ( تكنولوجيا ) ومع أن بعض الدول العربية تستخدم الكلمة المعربة بلفظها الأجنبي ( تكنولوجيا ) فإن البعض الآخر من تلك الدول يفضل استخدام الترجمة العربية للكلمة الأجنبية وهي ( تقنية ) والأصل في كلمة تكنولوجيا أنها كلمة لاتينية مكونة من مقطعين المقطع الأول (تكنو) ( Techno ) بمعنى حرفة أو صنعة والمقطع الثاني ( لوجي ) ( Logy ) بمعنى فن أو علم وتشير بعض الأدبيات إلى أن المقطع الثاني، الكلمة هو ( لوجيك ) ( Logic ) بمعنى منطق وسواء كان هذا أو ذاك فإن الكلمة كاملة تعني ( علم أو فن الحرفة ) أو ( علم أو فن الصنعة ) أو ( منطق الحرفة أو الصنعة ) والمرادف لكلمة تكنولوجيا في اللغة الإنجليزية هي ( Technique ) بمعنى تقنية أو تقانة حيث يعرف هذا المصطلح بأنه علم تطب % 25 EDق المعرفة في الأغراض التطبيقية والعملية بطريقة منظمة .

 

 وعلى ضوء ما سبق فإن مصطلح ( التنور التقني ) يعني ببساطة شديدة محو أمية الفرد التقنية أي تزويده بالحد الأدنى من المعارف والمهارات والاتجاهات التي تمكنه من التعامل مع تطبيقات التقنية الحديثة والمستحدثة والتفاعل معها إيجابياً بما يحقق أقصى استفادة له ولمجتمعه وبما يرسم له الحدود الأخلاقية والاجتماعية لاستخدام تلك التطبيقات والآثار السلبية التي قد تعود عليه وعلى مجتمعه عند تجاوز تلك الحدود وحول هذا المعنى دارت العديد من التعريفات الاصطلاحية للتنور التقني .

 

ويشير ميللر إلى أن مصطلح التنور التقني أكثر حداثة من مصطلح التنور العلمي ( Scien tific literacy ) الذي تمتد بذوره التاريخية إلى مدى أطول وأعمق ويتفق ذلك مع وجهة النظر القائلة بأن التنور التقني ينتمي في نشأته وأصله إلى التنور العلمي حيث كان مجالاً فرعياً منه ثم تمايز عنه في مجال مستقل منذ قرابة عقدين من الزمان كرد فعل مباشر لتطور التقنية وتأجج ثورتها ويبدو أن وجهة النظر هذه منطقية وكيف لا ؟ والعلاقة بين العلم والتقنية علاقة تلازمية حتمية حميمة، ويعرف ميللر التنور التقني بأنه ( القدرة على فهم تطبيقات العلوم والهندسة ودورها في حل المشكلات الواقعية في حياة الفرد اليومية ) حيث أشار إلى أن مستوى الفهم المقصود هنا هو الحد الأدنى من الفهم الذي يمكن الفرد من توظيف التقنية توظيفاً فعالاً نافعاً له ولمجتمعه وفي الإطار ذاته يميز ميللر بين ثلاثة مستويات لخبرة الفرد التقنية هي : المستوى الأول ويشير إلى غير المتنور تقنياً (Tichnologically Illiterate  ) ويشمل كل من لا يملك الحد الأدنى من التنور التقني، والمستوى الثاني يشير إلى المستوى المتوسط من التنور التقني وينتمي إليه كل من يملك الحد الأدنى من التنور التقني ( Minimal Tichnology )، المستوى الثالث ويشير إلى المستوى العالي المتقدم من الخبرة التقنية ( Higher Level of Tichnology ) ويضم الفنيين والخبراء والمتخصصين في هذا العلم .

 

ولسنا نهدف بالطبع من التنور التقني في عالمنا العربي إعداد جيل من خبراء التقنية، لكن ما نقصده هنا هو تزويد الفرد العربي بقدر مناسب يمثل الحد الأدنى من الخبرات التقنية التي تمكنه من التعامل والتفاعل بأمان وفعالية مع تطبيقات تلك التقنية .

 

ويتفق هانسن وفرولش مع ما ذهب إليه ميللر حيث أشار إلى أن التنور التقني هو ( القدرة على اختيار واستخدام وعرض وتقويم التقنية المناسبة على نحو دقيق ) ويشتمل مجال التنور التقني وفقاً لذلك على المفردات والمصطلحات التي ينبغي لعامة الناس معرفتها لكنه لا يشمل بالطبع المعلومات الفنية التفصيلية الدقيقة التي يجب أن يعرفها فقط المتخصصون في التقنية .

 

أما لودا فيرى أن التنور التقني مصطلح متعدد البعاد يتضمن بالضرورة القدرة على استخدام التكنولوجيا بعد عملي ( Practical Dimension ) والقدرة على فهم القضايا الناتجة عن التقنية واستخدامها ( بعد مدني أو ميداني أو حضري ) ( Civic Dimension ) وإدراك وتقدير معنى التقنية وأهميتها ( بعد ثقافي )  ( Cultural Dimension ) وقد يرى البعض أن التنور التقني يرادف التنور الحاسوبي ( الكمبيوتري ) ( Computer Literacy ) لكن هناك اختلاف واضح بين المصطلحين وفي هذا الإطار يعرف جين التنور الحاسوبي ( الكمبيوتري ) في معجم مصطلحات الحاسوب ( Dictionary of Computer ) بأنه ( المعرفة الواسعة عن كيفية استخدام الحاسوب في حل المشكلات وتنمية الوعي بوظائف البرمجيات والمكونات وفهم التضمينات المجتمعية للحاسوب ) وهذا لا يعني أن التنور الحاسوبي يتطلب دراسة فنية تفصيلية دقيقة لكل ما يتعلق بتقنية الحاسوب فذلك أمر يتولاه الخبراء والمتخصصون في هذا المجال لكنه يعني الحد الأدنى من المعرفة والمهارة في التعامل مع تلك التقنية .

 

 ويشير هيوماكي إلى ضرورة التفرقة بين التنور الحاسوبي والتنور التقني ذلك ان التنور التقني هو الإطار العام الذي يتعدى حدود تقنية الحاسوب إلى غيره من التقنية الحديثة والمستحدثة الأخرى حيث يجب على المجتمعات وخصوصاً مؤسسات التعليم الانتقال من التنور الحاسوبي إلى التنور التقني بمعناه العام .

 

ويتداخل مصطلح التنور التقني مع مصطلحات أخرى مثل : الثقافة التقنية (Tichnological  Culture  ) والتربية التقنية (Tichnologicay  Education    ) حيث يستخدم البعض هذه المصطلحات على نحو مترادف لكن ثم فارق بينهما يمكن تحديده بإيجاز شديد في أن مفهوم الثقافة التقنية أكثر اتساعاً وشمولاً من مفهوم التنور التقني، ذلك لأن مفهوم الثقافة متسع بطبيعته والفارق بين الثقافة التقنية، والتتور التقني هو فارق في الدرجة وليس فارق في النوع إذ أن المصطلح الأول يشير إلى مستوى متقدم من الخبرات التقنية، بينما يشير المصطلح الثاني إلى الحد الأدنى من تلك الخبرات، أما مفهوم التربية التقنية فيعني العملية التي تستهدف تزويد الفرد بمجموع الخبرات ( المعارف، المهارات، الاتجاهات … إلخ ) التقنية اللازمة لتنويره وتثقيفه تقنياً وبذلك يمكن القول أن الثقافة التقنية تمثل مستوى أعلى لا يصل إليه الفرد ما لم يمتلك الحد الأدنى من الخبرات التقنية 0 أي ما لم يكن متنور تقنياً ) وأن السبيل الوحيد إلى تنوير الفرد وتثقيفه تقنياً لا يكون إلا من خلال التربية التقنية .

 

 

خصائص التنور التقني :

 

يمتاز التنور التقني بعدة خصائص من أهمها :

 

§  أنه يصعب تحديد مفهومه بشكل مطلق كما يصعب تحديد مستوياته، ذلك لأن مواصفات الشخص المتنور تقنياً تختلف من بلد لآخر، ومن وقت لآخر في البلد الواحد، فعلى سبيل المثال نرى أن استخدام الحاسوب في بعض الدول النامية يعد نوعاً من الترف والرفاهية التقنية، في حين يمثل استخدامه في بعض الدول المتقدمة جانباً أساسياً مثل تعليم الكتابة والقراءة في عالمنا العربي .

 

§  لا يمكن تحقيق التتنور التقني في مدى قصير من الزمن فهو من الأهداف البعيدة المدى التي يلزم لتحقيقها وقتاً طويلاً، حيث يتوقف الوقت المستغرق على المستوى المراد بلوغه من التنور التقني والخبرات اللازمة له .

 

§  ليست المؤسسات التعليمية هي الوحيدة المسئولة عن تنوير الأفراد تقنياً في أ] مجتمع حيث يمكن لهؤلاء الأفراد اكتساب خبرات تقنية مفيدة خارج نطاق هذه المؤسسات مثل ما يتعلمه الفرد من أسرته أو ما يتعلمه من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .

 

§  يتغير التنور التقني بتغير الزمن فما كان يمثل قمة التقنية منذ عشر سنوات أصبح الآن من مخلفات التقنية، ويرجع ذلك إلى تراكمية العلم والتقنية والتطور المستمر والمتلاحق فيهما .

 

§  يتأثر التنور التقني للفرد في أي مجتمع من المجتمعات بالتطورات العلمية العالمية كما يتأثر كذلك بالعوالم المحلية من حيث طبيعة الحياة في المجتمع والقيم والعادات والتقاليد والمشكلات التي تعترض المواطن في أمور حياته اليومية .

 

§  ليس التنور التقني حكراً على المشتغلين بالتقنية ( الأخصائيين ) فالمواطن العادي الذي لا يتخذ التقنية ميداناً لتخصصه لا يكتمل إعداده للمشاركة المثمرة في مجريات أمور مجتمعه بدون التربية التقنية التي تكسبه القدر المناسب من التنور التقني .

 

§  ليس التنور التقني في نظم التعليم مسئولية منهج دراسي محدد، ولا يمكن تحقيقه من خلال درس ـو وحدة تعليمية أو حتى مقرر تعليمي متخصص بل يمكن تحقيقه من خلال دمج الخبرات التقنية المناسبة في محتوى جميع المناهج على اختلاف تخصصاتها كل حسب طبيعة موضوعاته .

 

§  لا يمكن لمعلمي تخصص واحد القيام بكل العمل لتحقيق أهداف التنور التقني بل عن كل المعلمين أياً كانت تخصصاتهم وكل من له صلة بتربية الفرد عموماً لهم أدوارهم في تحقيق تلك الأهداف .

 

 

أبعاد ومجالات التنور التقني :

 

يخلط البعض بين أبعاد التنور التقني ومجالاته، لكن ثمة فارق بينهما فأبعاد التنور التقني ( dimensions of Tichnological literacy ) تعني أوجه  أو جوانب التعلم التي يجب أن يكتسبها الفرد لكي يكون متنوراً تقنياً أما مجالات التنور التقني (dimensions of Tichnological literacy ) فتشير إلى الميادين المختلفة للتقنية وتطبيقاتها .

 

وفي إطار الحديث عن مجالات التنور التقني تجدر الإشارة إلىة أن هذه المجالات تتعدد بتعدد مجالات التقنية عموماً فهناك تقنيات المعلومات وهناك تقنيات الاتصالات وهناك تقنيات التعليم والحاسبات والفضاء، والتقنيات الحيوية وتقنيات الهندسة الوراثية والطاقة والتعدين، والزراعة والصناعة والبنوك والمعاملات المالية والمواصلات والدواء والعلاج والتقنيات الطبية وغير ذلك من مجالات التقنية التي يجب على الفرد العادي امتلاك الحد الأدنى من الخبرات حولها لكي يكون متنوراً تقنياً .

 

وإذا كانت هذه هي مجالات التنور التقني فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أن أي نوع من الخبرات ينبغي إكسابها للفرد كي يكون متنوراً في تلك المجالات ؟ والإجابة على هذا السؤال تشير إلى أبعاد التنور التقني تلك الأبعاد التي يمكن تحديدها على ضوء مفهوم التنور التقني الذي ورد سابقاً، وعلى ضوء سمات أو خصائص الشخص المتنور تقنياً والتي يمكن إجمالها في أن هذا الشخص يجب أن يكون قادراً على ما يلي :

 

1.         فهم طبيعة التقنية وطبيعة علاقتها بالعمل من ناحية، وبالمجتمع من ناحية أخرى .

 

2.         متابعة التطورات المتلاحقة والمستمرة في شتى مجالات وميادين التقنية .

 

3.         فهم القضايا الناتجة عن تفاعل العلم والتقنية والمجتمع، وتحليل أسبابها ونتائجها واتخاذ القرارات المناسبة حيالها .

 

4.     معرفة المبادئ والمفاهيم والنظريات العلمية التي قامت عليها التطبيقات التقنية ومعرفة المعلومات الخاصة بتركيب هذه التطبيقات وقواعد التعامل معها واستخدامها .

 

5.     استخدام التطبيقات التقنية الموجودة في حياته اليومية لرفاهيته وحل مشكلاته وذلك بأسلوب صحيح يحقق الفائدة له ولمجتمعه ويحافظ على تلك التطبيقات .

 

6.         إتقان المهارات العملية والعقلية اللازمة للتعامل مع الأجهزة والمواد التقنية .

 

7.         تحديد الحدود الأخلاقية لاستخدام التقنية، وفهم الآثار الاجتماعية والشرعية والقانونية المترتبة على تخطي تلك الحدود .

 

8.         إتقان لغة التقنية، وفهم الحد الأدنى من تلك اللغة والتعامل بها .

 

9.         الوعي بأهمية التقنية في حياة البشر وتقدير دورها في رفاهيتهم .

 

10.     الوعي بأوجه الآخر للتقنية والأضرار التي تترتب على سوء استخدامها .

 

 

وعلى ضوء تلك الصفات يمكن إجمال أبعاد للتنور التقني فيما يلي :

 

البعد المعرفي :

 

يشمل البعد المعرفي ( COGNITIVE  DIMENSION ) المعلومات اللازمة لفهم طبيعة التقنية وخصائصها ومبادئها وعلاقتها بالعلم والمجتمع، والقضايا الناتجة عن تفاعلها مع العلم والمجتمع كما يشمل المعلومات الأساسية حول تطبيقات التقنية وطرق التعامل معها، وحدود استخدامها هذا إلى جانب تصويب الأفكار والمفاهيم البديلة ( الخاطئة ) لدى الأفراد حول التقنية وتطبيقاتها .

 

البعد المهاري :

 

يشمل البعد المهاري ( العملي ) (DIMENSION PRACTICAL  ) المهارات العقلية والعملية والاجتماعية اللازمة للتعامل مع التقنية، وتطبيقاتها .

 

البعد الاجتماعي :

 

يشمل البعد الاجتماعي ( SOCIAL DIMENSION ) الآثار الاجتماعية السلبية والإيجابية على الأفراد والمجتمعات التي تنتج عن التقنية وتطبيقاتها للعادات والتقاليد الاجتماعية الخاصة بأي مجتمع .

 

البعد الأخلاقي :

 

يشمل البعد الأخلاقي ( ETHICS DIMENSION ) ترسيم الحدود الأخلاقية للتعامل مع التقنية وتطبيقاتها والالتزام بتلك الحدود وعدم تجاوزها وحسم القضايا الجدلية والشرعية والقانونية التي قد تنتج عن تجاوز تلك الحدود وينبغي الاهتمام بأخلاقيات التقنية ( TEHCNOLOGY ETHICS ) على مستويين هما :

 

المستوى الأول : وهو مستوى إنتاج التقنيات وبحوث تطويرها وهو خاص بالعلماء والباحثين في مجال التقنية.

 

المستوى الثاني : وهو مستوى استخدام التطبيقات التقنية في مجالات الحياة اليومية وهذا المستوى خاص بالأفراد العاديين الذين يستخدمون التقنية وهو ما يجب التركيز عليه في إطار التنور التقني .

 

 

التنور التقني في برامج التعليم النظامي وغير النظامي :

 

يعد هذا العصر حقاً هو عصر التقنية ومن يتخلف عن اللحاق بهذا العصر ولا يشارك بفاعلية فيما يحدث فيه من تطورات متلاحقة من اكتشافات علمية وابتكارات تقنية لن يكون له وجود يذكر فيه، حيث أصبحت القوة فيه للعلم والتقنية، والكلمة لمن يملك ناصية التطور التقني، لذلك لابد من تضمين أبعاد التنور التقني في برامج التعليم النظامي وغير النظامي بهدف تحقيق التنور التقني للجميع .

 

 فضلاً عن ذلك، فإن هناك أسباب أخرى تدعو إلى الاهتمام بهذا الأمر، نطرحها من خلال الإجابة على سؤال مهم وهو لماذا التنور التقني للجميع ؟

 

ذلك أن التنور التقني أصبح ضرورة لجميع أفراد المجتمع لعدة أسباب من أهمها : ـ

 

ـ التسارع المذهل في الاكتشافات العلنية والابتكارات التكنولوجية

 

 لقد عم المجتمع العالمي المعاصر ثورة علمية تقنية جعلته يتسم بالتسارع المذهل في الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية التي يمثل أحد مداخل القرن الحادي والعشربن، فهناك تسارع في المواصلات والاتصالات والاتصال بالقمر الصناعي وإنتاج الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة النووية ن وإنتاج أجهزة ومعدات أكثر تطوراً مثل الصناعة بمساعدة الكمبيوتر والحاسبات الآلية، وابتكار أجهزة تقنية لها القدرة على توليد صور ثلاثية الأبعاد كما أصبحت كثير من السلع تعتمد على إنتاج المعارف ومعالجتها وتخزينها ونقلها والاستفادة منها .

 

 ـ الطبيعة الاقتحامية للتقنية

 

تقتحم التقنية المجتمعات سواء كانت تلك المجتمعات في حاجة إليها أو غير مرغوب فيها، وذلك بسبب نما تقدمه من سلع وخدمات جديدة أو بما تولده من حاجة إلى سلع جديد أو خدمات، وما تقدمه من ابتكارات جديدة كل يوم تتسم بجودة الأداء وربما تتسم بالرخص وقد تكون أصغر حجماً أو تكون أقل استهلاكاً للطاقة مما يولد الحاجة إليها ويتزايد الطلب عليها .

 

ولا يستطيع أي مجتمع من المجتمعات في عصر التقنية أن يستغني عن ما تنتجه في كافة المجالات وبصفة خاصة في مجال الاتصالات والحاسبات الآلية والمعلومات فإن أي مجتمع يحتاج إلى تنمية وأي تنمية تحتاج إلى تقنيات حديثة، ولذلك فإن المجتمع يجب أن يعد أفراده للتعامل مع هذه التقنيات حتى يستطيع أن يلحق بركب التقدم .

 

ـ تأثير التقنية على العمالة

 

أظهرت العديد من الدراسات والبحوث إلى أن أي تقدم تقني يساهم في تقليل الحاجة إلى العمالة اليدوية، سواء كانة هذا في مجال الزراعة أو الصناعة وينتظر أن تقل الحاجة إليهم وتكتفي بما يعادل 10% فقط من مجموع العمال، وحتى هؤلاء سيكون معظمهم من العمال ذوي المهارات العالية أو الفنيين وقد أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في كندا إلى أن 420 ألف كندي عاطل عن العمل، في حين توجد أكثر من 600 ألف وظيفة شاعرة تطلب مهارات علمية وتقنية لا تتوفر في هؤلاء العاطلين عن العمل .

 

ولا يختلف الأمر كثيراً في العالم العربي عن هذا الوضع، فبينما تزداد البطالة توجد وظائف شاغرة تحتاج إلى عمالة ماهرة تملك القدرة على التعامل مع التقنيات الحديثة، ومن هنا تبرز أهمية التنور التقني كمطلب ضروري لتحقيق أهداف التنمية الوطنية .

 

الحاجة المتزايدة إلى الحديث والجديد

 

نظراً لأن التقنية الجديدة عادة ما تكون أكثر تقدماً وأكثر تعقيداً فقد أدى ذلك إلى حاجة أفراد المجتمع إلى كل ما هو جديد أو حديث والتخلص من القديم وهذا الجديد أو الحديث من تقنيات مختلفة يحتاج إلى أفراد لديهم قدرة على التعامل مع هذه التقنيات الحديثة .

 

الحاجة إلى المعلوماتية

 

اصبح العصر الحالي يسمى بعصر المعلوماتية حيث زاد الطلب كثيراً على المعلومات ومع سهولة الاتصال اللحظي أصبح للمعلومات قيمة عالية سواء لحل المشاكل أو للتبادل واصبح كثيراً من الأجهزة والمعدات في الدول المتقدمة وكثير من الدول النامية يعتمد على أجهزة استشعار وتحكم وتشغيل دون تدخل الإنسان ولكن بالاعتماد على المعلومات المنقولة التي تعمل بذكاء ووصل الأمر الآن إلى حشد تشخيص الأعطال بواسطة هذه الأجهزة الذكية بما يطلق عليه الذكاء الاصطناعي الذي يحاول تقليد تصرف الإنسان .

 

تحتاج كل هذه المستجدات والمستحدثات إلى فرد لديه تنور تقني يستطيع التعامل معها والاستفادة منها دون خوف أو تردد بل والمشاركة في إنتاجها إن أمكن ذلك .                

 

 

التنور التقني لبرامج التعليم النظامي :

 

في ضوء الاهتمام العالمي والمحلي بالتنور التقني في التعليم العام والجامعي ظهرت العديد من الدراسات والبحوث التي استهدفت التعرف على واقع التنور التقني في برامج التعليم العام والجامعي ومن هذه الدراسات:

 

1) دراسة ميللر التي أجريت في عام 1980 بالولايات المتحدة الأمريكية واستهدفت التعرف على مستوى التنور التقني عند الطلاب في التعليم الإلزامي وعند الشباب (25 سنة ) وعند من هم أكبر ( 65 سنة ) في المجتمع الأمريكي وقد تم قياس التنور التقني من خلال بعض المجالات الرئيسة التي ينبغي أن يشتمل عليها محتوى التنور التقني وهي : الفهم العام لبعض المصطلحات التقنية كالإشعاع وكيفية عمل الهدف والقبول العام لبعض الأفكار التقنية مثل فكرة أن إطلاق الصواريخ تسبب تغييرات في المناخ .

 

وقد أشارت النتائج إلى انخفاض مستوى التنور التقني لتلاميذ التعليم الإلزامي والشباب ( 25 سنة ) وكذلك لمن هم في سن ( 65 سنة) فأكثر، كما توصلت النتائج إلى أن سنوات  التعليم الإلزامي لا تمد التلاميذ بالمعرفة التقنية المطلوبة للتنور التقني وأن المجتمع الدولي والمحلي بهما العديد من المشكلات والقضايا التي تلزم الفرد بأن يلم الحد الأدنى من المعرفة والفهم التقني المطلوب للتنور التقني فإذا لم يعرف المواطن ويفهم طبيعة الإشعاع فإنه لا يستطيع أن يشارك بإيجابية في مناقشة عن تصريف نفايات الطاقة النووية وأكدت الدراسية على ضرورة أن تهتم سنوات التعليم الإلزامي من الحضانة إلى المدرسة الثانوية بالتعليم التقني ن وذلك لبناء القاعدة الأساسية اللازمة للتنور التقني للطلاب في المدارس .

 

2) على المستوى العربي أجريت العديد من الدراسات والبحوث استهدفت تقويم واقع التنور التقني في مناهج العلوم وبرامج إعداد المعلمين ومدى تناولها للقضايا ذات الصلة بالعمل والتقنية والمجتمع ومن هذه الدراسات ما يلي : ـ

 

   أ‌)    دراسة عبدالحكيم بدران 1991 م والتي استهدفت التعرف على مدى مواكبة مناهج العلوم بدول الخليج العربية لمعطيات التطور العلمي والتقني .

 

  ب‌)   دراسة عبدالمنعم حسن 1991 م التي استهدفت التعرف على مدى معالجة كتب العلوم بالمرحلة الثانوية بدولة الإمارات العربية المتحدة لجوانب التفاعل بين العلم والتقنية والمجتمع .

 

  ت‌)   دراسة مدحت النمر 1991م التي استهدفت التعرف على مدى تناول كتب العلوم بالمرحلة الإعدادية والثانوية في مصر للقضايا ذات الصلة بالعلم والتقنية .

 

  ث‌)   دراسة مصطفى عبدالسمبع 1994م التي استهدفت تحديد مستوى إدراك عينة من معلمي الرياضيات بالمملكة العربية السعودية لبعض متغيرات المرتبطة بالمنهج التقني .

 

    ج‌)       دراسة عبدالله الحصين 1994م التي استهدفت تحديد مستوى فهم الطالبات السعوديات بكليات البنات للمظاهر الاجتماعية للعلوم والتقنية .

 

  ح‌)    دراسة عالية العطيات 1999م التي استهدفت التعرف على مستوى فهم طالبات كلية التربية للبنات بتبوك للقضايا ذات العلاقة بالعلم والتقنية والمجتمع واتجاهتهن نحو تطبيقات التقنية الحديثة .

 

  خ‌)    دراسة آمال محمد محمود 1999م التي استهدفت التعرف على مستوى التنور التكنولوجي لدى معلمي العلوم ( كيمياء، أحياء، فيزياء ) بالمرحلة الثانوية العامة ( أثناء الخدمة ) .

 

وقد توصلت هذه الدراسات إلى النتائج التالية :

 

·    إن مناهج العلوم ركزت بصورة كبيرة على النواحي النظرية الأكاديمية للعلم المتمثلة في المبادئ والنظريات والقوانين وأهملت التعامل مع التقنية .

 

·        إن معظم كتب العلوم لم تعالج الموضوعات العلمية الحديثة والتقنية المتطورة .

 

·        إن المناهج لم تحقق المعايير المنهج الحديث وهي : إدخال التقنية المتطورة ومشكلات الإنسان والبيئة في الحياة المعاصرة .

 

·    تدني مستوى معلمي العلوم والرياضيات في المعرفة التقنية، أي ليس لديهم المستوى المطلوب للتنور التقني الذي يمكنهم من مواجهة التغيرات العلمية والتقنية .

 

وقد أكدت جميع هذه الدراسات والبحوث على أهمية تضمين أبعاد التنور التقني والقضايا ذات العلاقة بالعلم والتقنية والمجتمع في برامج التعليم العام والجامعي إعداد أبناء المجتمع التقني المتطور وذلك من خلال إيجاد ما يلي : 

 

·        أن يمتد التعليم التقني من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة .

 

·        أن يتكامل التعليم التقني في بعض أنشطته على المعلومات والاتجاهات المرتبطة بمتطلبات العمل والوظيفة في المستقبل .

 

·        أن يرتبط التعليم التقني بأنشطة حل المشكلة ( PROBLEM SOLVING  ) لإعداد الفرد المتنور تقنياً الذي لديه المعرفة والفهم للتقنية .

 

 

 

التنور التقني في برامج التعليم النظامي :

 

في ضوء الاهتمام بالتنور التقني على المستوى العالمي والمحلي فلا يمكن للتعليم في العالم العربي أن يبقى بمناهجه ونظمه وفلسفته بمنأى عن هذه التطورات التي تحدث في العالم وعن النمط الجديد للحياة الإنسانية وصولاً إلى مستقبل افضل ولن يتأتى ذلك إلا بالاهتمام بتضمين التنور التقني في برامج التعليم النظامي في عالم يموج بالتغيرات وتتدفق فيه المعلومات والاختراعات والاكتشافات كل يوم .

 

وإن كنا نتحدث هنا عن التقنية فإنه لا يمكن فصلها عن العلم والمجتمع فالتقنية وثيقة الصلة بالعلم وهما على علاقة تفاعلية معاً ومع المجتمع .

 

ومن هنا ظهرت الحاجة إلى  تضمين القضايا ذات العلاقة بالعلم والتقنية والمجتمع في برامج التعليم النظامي، وقد أجرى كل من ( BYBEE AND MAU 1986 ) دراسة استهدفت التعرف على القضايا العالمية ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع والتي يمكن أن تشكل جزءاً أساسياً في مناهج العلوم حيث استخدما استبيان شمل 262 متخصصاً في التربية العلمية ( 70% منهم يحملون درجة الدكتوراة ويمثلون 41 دولة ) لتحديد أهم القضايا العالمية ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع التي ينبغي تضمينها في مناهج العلوم وقد توصلت الدراسة إلى عدد من القضايا العالمية ترتبط بمستقبل العلاقة بين العلم والتقنية والمجتمع وهذه القضايا هي :

 

w        الجوع ومصادر الغذاء في العالم والنمو السكاني .

 

w        نوعية الهواء والغلاف الجوي .

 

w        المصادر المائية .

 

w        صحة الإنسان ومرضه .

 

w        نقص الطاقة .

 

w        استخدام الأراضي .

 

w        المواد الخطرة والمصادر المعدنية .

 

w        المفاعلات النووية .

 

w        انقراض النباتات والحيوانات .

 

w        تكنولوجيا الحرب .

 

وقد توصلت الدراسة بضرورة أن تحتل تلك القضايا العالمية وما تتضمنه من مشكلات في مناهج العلوم بالمراحل التعليمية المختلفة النسب الآتية ك المرحلة الابتدائية 10% ن المرحلة المتوسطة 15% والمرحلة الجامعية 25% .

 

ويمكن تضمين أبعاد التنور التقني وقضاياها ذات الصلة بالعم والتقنية والمجتمع من خلال ثلاثة مداخل هي :

 

v    مدخل الإدماج : ( الموضوعات المتعددة ) وذلك عن طريق دمج أو تشريب أبعاد التنور التقني وقضاياه ضمن المناهج الدراسية المختلفة أو ربط محتواها بقضايا ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع ويوضح الشكل ( 1 ) نموذجاً لهذا المدخل .

 

v    مدخل الوحدات الدراسي : وذلك عن طريق تضمين وحدة دراسية تتضمن قضية أو اكثر من القضايا ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع مثل قضية التلوث أو انقراض الحيوانات والنباتات في بعض المناهج مثل منهج الأحياء أو الجغرافيا .

 

v    المدخل المستقل : ويتناول تدريس أبعاد التنور التقني وقضاياه ذات العلاقة بالعلم والتقنية والمجتمع كمنهج دراسي مستقل يمكن أن يسمى ( المنهج التقني ) .

 

 

التنور التقني في برامج التعليم غير النظامي :

 

يمكن تحقيق التنور التقني لجميع أفراد المجتمع من خلال الاهتمام بإعداد برامج التعليم غير النظامي في مجال التقنية والقضايا ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع وتقديمها من خلال ما يلي :

 

o       وسائل الإعلام المختلفة : المسموعة والمرئية والمقروءة .

 

o       الندوات والمحاضرات العامة .

 

o       الأنشطة المختلفة للجمعيات الأهلية والنوادي .

 

o       إصدار كتيبات علمية مبسطة تتناول القضايا ذات الصلة بالعلم والتقنية والمجتمع .

 

المرجع : مجلة العلوم والتقنية، تصدر عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية  - العدد 55 رجب 1421هـ

 

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك