نظرات استشرافية في فقه العلاقات الإنسانية بين المسلمين وغير المسلمين

نظرات استشرافية في فقه العلاقات الإنسانية بين المسلمين وغير المسلمين

إعــداد
د. حسن بن محمد سفر
أستاذ نظم الحكم الإسلامي والقضاء والمرافعات الشرعية المشارك
بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة

مقدمـــة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد
فإن أمتنا الإسلامية تشهد في هذه الفترة العصيبة من حياتها تكالب الأعداء والمغرضين ضد نظامها وأخلاقياتها حيث يصمونها وأهلها بالإرهاب والترويع والعنف والتطرف والفكر الانتحاري . وعلى الرغم من أن هذه الافتراءات والاختلاقات غير صحيحة وتحمل مخططاً لأهداف أخرى يدحضها ما يزخر به تراثها العريق وتشريعاتها العادلة بالأدلة الدامغة التي تنفي تلك الافتراءات والأكاذيب المغرضة .
ومن هذا المنطلق تقوم هذه الدراسة في توضيح المشكل والملتبس في الأذهان على أسس شرعية وأدلة ونصوص تكشف عن سماحة الإسلام ووسطيته ، وعدله واتزانه ، وتأكيد حواره الحضاري مع الآخرين .
وقد أحسنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية صنعاً عندما دعت إلى تنظيم مؤتمر عالمي عن ( موقف الإسلام من الإرهاب ). ووجهت إلى انعقاده في عاصمتنا السياسية الرياض ، لكون هذه الجامعة تحمل رسالة عظمى ، وهي صرح علمي شامخ ذو أهداف تنويرية وتبصيرية لرسالة الإسلام ، تهدف إلى تقديم الصورة الصحيحة والمثالية التي جاء بها التشريع الإسلامي رعاية وعدلاً، وتسامحاً وحواراً ، ودعوة بالتي هي أحسن حكمة وموعظة .
لقد شُرفت بدعوة الجامعة الموقرة باشتراكي في تقديم بحث ضمن الأعمال العلمية لهذا المؤتمر ، وفي ركب الكوكبة الخيّرة من العلماء الأجلاء ، والمفكرين ، وطلاب العلم .
بحثي الذي اخترت عنوانه هو ( نظرات استشرافية في فقه العلاقات الإنسانية بين المسلمين وغير المسلمين ) .
وقد اقتضت طبيعته العلمية أن أقسمه إلى الترتيب المنهجي العلمي الآتي :
أولا - مصطلحات البحث ومفاهيمه الشرعية والقانونية :
جرت المنهجية العلمية عند أهل العلم أن يبدؤوا بتوضيح مفهوم ما يريدون التأليف والبحث فيه ومعناه من حيث المصطلح للعلم أو الموضوع الذي يكتبون فيه . ومن هنا وجب إيضاح بعض مصطلحات البحث وهي :
العنف :
في اللغة ضد الرفق ، وعنفوان الشيء أوله وهو في عنفوان شبابه أي قوته وعنفه مما يعني أن العنف ضد الرأفة متمثلاً في استخدام القوة ضد شخص آخر( ).
التطرف :
لغة من الطرف وهو عدم الثبوت على مرعى واحد . واصطلاحاً هو مجاوزة الاعتدال في الأمر ولزوم طرفه بعيداً عن جمهور الأمة ومنهجها الوسط( ).
الاعتدال :
لغة التوسط في الأمر ، واصطلاحاً هو لزوم التوسط في الأمر بعيداً عن الإفراط والتفريط( ) .
التسامح :
هو التجاوز والعفو ، وهو دعامة من دعائم العلاقات الإنسانية الإسلامية( ). والتسامح في الفكر الغربي من المفاهيم والمصطلحات التي ولدت في عصور الإصلاح الديني التي أعقبت القرون الدموية( ) .
وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن مفهوم التسامح مرتبط بالتعددية وقبول الاختلاف والسماح بحرية الرأي ، ثم يؤدي بعد ذلك إلى العفو والتجاوز( ).
الإرهاب :
كلمة تستخدم للرعب أو الخوف الذي يسببه فرد أو جماعة أو تنظيم سواء كان ذلك لأغراض سياسية أو شخصية أو غيرها( ) .
وقد عرّف مجمع الفقه الإسلامي الإرهاب بأنه " العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان : دينه ، ودمه ، وعقله ، وماله ، وعرضه . ويشمل صنوف التخويف والأذى ، والتهديد ، والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة ، وإخافة السبيل ، وقطع الطريق . وكل فعل يهدف إلى إلقاء العنف أو التهديد والرعب بين الناس وترويعهم وإلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق العامة والخاصة . وكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها "( ).
وهي لا شك تعريفات اجتهادية لكنها تؤدي إلى المفهوم العام للإرهاب .
ثانياً - الشمولية لأحكام الشريعة الإسلامية :
من المعلوم من أحكام الشريعة الإسلامية بالضرورة ومن خلال الاستقراء يتبين أن الهدف النهائي للإسلام هو هداية البشر إلى الصراط المستقيم والإيمان بالوحدانية والعمل الصالح . فقد أرسل  بالهدى ودين الحق كما قال تعالى :  هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ( ) .
فإذا تحقق هدف الإيمان بالله وقرن بالعمل الصالح عم الخير والسعادة والسلام البشر أفراداً وجماعات ،فإذا سادت شريعة السماء التي تحمل الحق والعدل والمساواة والحرية والكرامة وتقمع الظلم فإن الحرب والقتال والاشتباكات تكون استثناء . كما قال تعالى :  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ( ).
وعلى هذا فلا يمكن أن يكون هذا الأمر البغيض هو الأصل في العلاقات بين أمم الأرض وشعوبه التي يطلبها ويقيمها الإسلام بينه وبين غيره من الأمم ، إذ جميع من شملتهم رعاية الدولة الإسلامية من غير المسلمين تمتعوا بما حققته لهم الشريعة الإسلامية من مزايا وحقوق وحريات للمسلم دون تفضيل لبعضهم على الآخرين في الحقوق الأساسية الإنسانية .
ولهذا فإن العلاقة بين مختلف تجمعات الأمة الإسلامية وإن تعددت كياناتها السياسية هي السلام الذي تحققه مبادئ السماء وكفالة الإسلام لحقوق غير المسلمين . ويتجلى ذلك فيما يأتي :

أولاً - كفالة حقوق غير المسلمين :
جاء الإسلام الحنيف وفي جوهر مقاصده بقاء الإنسان ناهضاً بتبعاته يسعد بحياة آمنة لا يرى فيها ظلماً ولا هضماً . فالعدالة والإنصاف والقسطاس سمة الحياة في الإسلام ، والاستقامة ورعاية الحقوق وأداء الواجبات هي الأمل والعمل والسبــــيل والهدف ، وإن الإنسانيــــــة في مسيرتها عبر التاريخ في الزمان والمكان لم تعرف دعوة إلى العدل كما عرفتها في ظل الإسلام ليستقر المجتمع الدولي ويعيش في أمن وأمان( ). وتحقيقاً لمفهوم الأمن الشامل كفل الإســــــلام المعاملة الحسنة والرعاية الكريمة لغير المسلمين الذين يقيمون في دار الإسلام( ) على أن يكون لهم ما للمسلمين من حقوق ورعاية واهتمام وحماية، وعليهم ما على المسلمين من واجبات( ). فأصبح الأجنبي يتمتع بجميع الحقوق والأمان الذي يتمتع به المواطن المسلم ، وأصبح الجميع متساوين وحقوقهم مصانة وفي مقدمة ذلك أنفسهم وممتلكاتهم وأعراضهم ودينهم( ).

ثانياً - تميز الشريعة الإسلامية في كفالة حرية الاعتقاد :
في مجال العلاقات الدولية الإنسانية في شريعة الإسلام تميّزه في جعل حرية العقيدة لغير المسلمين أمراً مقرراً لأن الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه ذلك لأن الله خلق الناس جميعاً مختلفين في أديانهم وألوانهم وعاداتهم وتقاليدهم ولا يزالون كذلك إلى يوم الدين يؤكد ذلك أن القرآن الكريم أنزل سورة كاملة تحتوي على هذا المفهوم الشامل. قال تعالى:  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ  وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ( ) .

ثالثاً - التعايش مع الأديان الأخرى :
طالبنا الإسلام وفق أخلاقياته وسموّ نظرياته إلى معايشة الأديان الأخرى والتساكن معها مهما اختلفت لأن هذا الاختلاف بين الناس أمر حتمي قضى به خالق الناس لحكمة يعلمها هو جــــل وعلا . يؤكد ذلك قوله تعالى :  وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( ).
هذا وإن من السمات البارزة والمزايا الحميدة للإسلام أنه دين يعترف بالأديان السماوية الأخرى ، وأن نبي الإسلام محمداً  قد آمن بما أنزل على موسى وعيسى مما لم يحرفه اليهود ولا النصارى . كما قال تعالى :  آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنـــُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِـــهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ( ). كما أكد القرآن الكريم أن الذي أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام هدى ونور للناس . قال تعالى :  إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ( )
فأي تعايش وتساكن واعتراف أفضل مما جاءت به الشريعة الإسلامية( ) .

رابعاً - تميز الحكم الإسلامي بصيانة الحقوق والحريات :
تشير المعاملة الإسلامية لغير المسلمين في ظل دولة الإسلام الحق والقانون والحماية إلى تميز الحكم الإسلامي بصيانة الحقوق والأخلاق ودفع الظلم وإنجاز كل ما فيه خير للفرد والأمة في الحاضر والمستقبل . وبطبيعة الحال يشمل ذلك غير المسلمين ، فجعل النظام السياسي الإسلامي الحكم أمانة( ) .يجب تحقيق مفهوم العدالة فيها تطبيقاً وتنفيذاً شرعياً كما قال تعالى :  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْل ِ( ) .
ولا شك أن وجود السلطة القضائية المستقلة العادلة النـزيهة( ) لهو أكبر الضمانات لمحاكمة تتوافر لها عوامل الحيدة والنـزاهة والاستقلال( ) . ومن صور المساواة والعدالة في الحكومة التسوية في مجلس القضاء والاستماع إلى الخصم غير المسلم وعدم الضيق بهم والحنق عليهم( ) كما جاء ذلك في توجيهات النظم القضائية الإسلامية .
فمما سبق يتضح لنا أن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ أصول العلاقات الإنسانية بين المسلمين والأمم الأخرى وترسيخ احترام الحريات وذلك منذ أربعة عشر قرنا وعدم التضييق على المخالفين وإرهابهم وترويعهم وبذلك تندحر المقولة المزعومة والتي يتشدق بها الأعداء الحاقدون على نظم الإسلامي مرددين مقولة : إن الإسلام انتشر بالسيف ذلك أن الإسلامي انتشر عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن والمجادلة المقنعة والحوار الهادف البناء والتسامح في المعاملة ، ولم يعرف السيف إلا دفاعاً عن حرماته ومقدساته من أن تنتهك أو تمتهن من قبل أعداء الإسلام لأن الجهاد في الإسلام على ضربين :
الأول : جهاد الدفع ، حماية لمقدسات المسلمين وأوطانهم أن تسلب أو أن تهان أو أن تغتصب .
الثاني : جهاد الطلب كما حصل في الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والخلفاء الراشدين .
وكل هذا ليؤكد أن القواعد التشريعية الإسلامية في فقه العلاقات الدولية والتساكن والتعايش مع غير المسلمين قد سبقت كل قواعد القانون الدولي بأربعة عشر قرناً فيما يتعلق بالعلاقات الإسلامية ( ) . ومن مظاهر التميز في صيانة الحقوق والأخلاق ما منحته الشريعة الإسلامية من مزايا وأمان للأجانب في ظل الدولة الإسلامية .

خامساً - تمتع الأجنبي بالأمان :
جاء الإسلام بشريعة عادلة ونظم إنسانية تحترم الإنسان وتكرمه وتمنحه الرعاية والحماية والأمان . وقد أبان الفقهاء أن الأمان للأجنبي يتمثل في تحقيق الدولة الإسلامية الأمن والحماية لمن لجأ إليها( ) . وقد عرّفه فقهاء المالكية بأنه " رفع استباحة دم الحربي ، واسترقاقه وماله حين قتاله . مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما "( ) . وقد ضرب الإسلام أروع الأمثلة في تمتع الأجنبي بالأمان . قال الإمــــام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفســـــيره لقوله تبارك وتعالى :  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ( ) . والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب وطلب من الإمام أو نائبه أماناً أعطي أماناً ما دام متردداً في دار الإسلام وحتى يرجع إلى داره ومأمنه ووطنه( ) .
وقال الإمام القرطبي رحمه الله : " وقد كان المشركون يطلبون لقاء رسول الله  لأجل الكلام في الصلح وغيره من مصالح دنياهم ، وقد أجمع الفقهاء على أن من طلب الأمان لسماع كلام الله والتعرف على شرائع الإسلام يجب أن يعطاه ثم يرد إلى مأمنه للآية الكريمة ، وإن حكمها باق مستمر إلى يوم القيامة ، ولم يشرع الجهاد في الإسلام إلا لتمكين كل فرد من العالم من سماع كلام الله في أمن واطمئنان وحرية تامة "( ) . وقد قرر الإمام الفقيه الحسن البصري رحمه الله وكذا مجاهد رحمه الله أن هذه الآية من محكم آي الذكر الحكيم إلى يوم القيامة( ) .
ومن خلال هذه النصوص الشرعية والأقوال الفقهية يتضح كفالة الإسلام في تمتع المستأمن في المحافظة على نفسه وماله لكونه إنساناً ما دام محافظاً على الآداب والسلوك الإسلامي وفقه العلاقات الدولية وفهمه له ولم ينحرف عنه . ومما يزيد تمتع الأجنبي بالأمان في شريعة سيد الأنام  أن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا : إن المستأمن بمنـزلة أهل الذمة في دارنا إجماعاً ( ) .
وقد أشار الإمام السرخسي [ 483 هـ ت ] في المبسوط : " أن أموالهم صارت مضمونة بحكم الأمان فلا يمكن أخذها ، ولا تقيد حريتهم في الاعتقاد والتنقل والمسكن ، ولا يزج بهم في السجون وتجب رعاية هذا الأمان ما دام ساري المفعول "( ) .
ولا شك أن هذا التمتع إنما هو مصدر للرعاية الحقيقية التي منحتهم إياها الشريعة الإسلامية أكثر من القانون الدولي . وقد رتب الفقهاء على هذه الامتيازات أنه لا يجوز لدار الإسلام تسليم المستأمن إلى دولته دون الرجوع إليه ورضاه بذلك ولو على سبيل المبادلة بأسير مسلم( ) .
كما تظهر لنا سماحة الإسلام بصورة تدعو على الإعجاب والإكبار لعظمة هذه الشريعة الإسلامية ذات النـزعة الإنسانية إذا علمنا أنه يدعو ببر المستأمن ، والرفق في معاملته ؛ فهذا الفقيه الضليع الإمام الشيباني - رحمه الله - يقول : " لا بأس أن يصل المسلم الرجل المشرك قريباً كان أم بعيداً ، محارباً كان أم ذمياً، لحديث مسلمة بن الأكوع . قال : صليت الصبح مع النبي  فقال : هل أنت واهب لي ابنة أم قرفة ؟ قلت : نعم ، فوهبتها له ، فبعث بها إلى خاله حزن بن أبي وهب وهو مشرك وهي مشركة . وبعث رسول الله  بخمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا ، وأمر بدفعها إلى أبي سفيان بن حرب ليتولى توزيعها على المحتاجين من أهل مكة "( ) . فأي امتياز وتمتع للأجنبي في نظام أو قانون مثل الإسلام . فلم تكن نظرية بل كانت سلوكاً واقعياً في حياة المسلمين وفي صلاتهم وعلاقاتهم بغيرهم وهي جزء لا يتجزأ من العقيدة . وإن الخروج على العهود وعدم الالتزام( ) بها وتطبيقها يعد خيانة والله لا يحب الخائنين .

سادساً - الموفدون والديبلوماسيين :
الديبلوماسية هي " فنون وأساليب التعاون والتعامل بين الدول لتنظيم علاقاتها المختلفة من سياسية ، وتجارية ، وثقافية ، وعسكرية وعلمية , ولتسوية ما قد يطرأ من أزمات أو فتور يشوب هذه العلاقات ، صديقة كانت هذه الدول أم غير صديقة "( ).
وعَرَف الإسلام منذ بداياته نوعاً من هذه العلاقات مع ما كان يحيط به من قبائل ومجتمعات( ) . وقد تطورت العلاقات الديبلوماسية في الدول الإسلامية واتخذت وجهاً أكثر إشراقاً وتطويراً ، وأكثر رقياً بفضل ما وضعه لها النبي  من قواعد وآداب وصور متعددة من الحماية والرعاية والمحافظة على الموفدين والديبلوماسيين. كما رافقت العلاقات الديبلوماسية بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى صلات حضارية مهمة أسهمت في تقدم البشرية من مختلف الوجوه منها :
(1) الحماية للموفدين والديبلوماسيين :
اعترف العرب بقدسية الموفدين والديبلوماسيين أي مبعوثي الأمم( ) الأخرى. ولما جاء الإسلام بنظامه العادل وتشريعاته القائمة على الاحترام ، والمساواة، والكرامة الإنسانية شملت نظم الدولة الإسلامية الموفدين ، والسفراء، والديبلوماسيين الوافدين إليها بالأمان والسلام طوال مدة بقائهم في بلادهم حتى يعودوا مطمئنين إلى أوطانهم . كما عرف عن الدولة الإسلامية منذ تأسيسها ونشأتها الحرص التام على تمتع الموفدين ، والسفراء ، والديبلوماسيين بما يعرف في الاصطلاح الحديث المعاصر للقانون الدولي العام بقاعدة الحصانة الشخصية( ).
إذ من المعلوم في الفقه الإسلامي أن ثبوت الأمان للموفد من قومه ، أو دولته إلى بلاط الدولة الإسلامية نافذ المفعول بمجرد دخوله إلى الديار الإسلامية إذا ثبت أنه رسول موفد من قومه ولا يكلف إقامة البيّنة ، لذا اكتفى الفقهاء بالعلامة وهي أن يكون معه كتاب من حاكم بلاده . فإذا أخرج الكتاب فالظاهر أنه صادق والبناء على الظاهر واجب فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ، وهنا لا يتعرض لشخصه بسوء حتى يعود إلى بلاده ، لأن أمر القتال والصلح لا يتم إلا بالرسل فلا بد من تحقيق الأمان لهم لتحقيق الغرض من إرسالهم . فقد جاء في كتاب " السير الكبير " للإمام الفقيه محمد بن الحسن الشيباني أن " الولاة إذا ما لقوا رسولاً يسألونه عن اسمه ، فإن قال أنا رسول الملك بعثني إلى ملك العرب وهذا كتابه معي ، وما معي من الدواب والمتاع والرقيق فهديه إليه فإنه يصدق ولا سبيل عليه ، ولا يتعرض له ، ولا لما معه من المتاع والسلاح والرقيق والمال. وكذلك لو أن المسلمين أسروا مركباً في البحر ، وقال نفر من ركابها : نحن رسل بعثنا الملك فلا يتعرض لهم "( ) . وظاهر النص الفقهي أن الرسل سواء جاؤوا من البر أو البحر فهم آمنون مطمئنون لا يحسون بسوء ولا يتعرض لهم بأذى( ).
(2) عصمة دم الموفدين والديبلوماسيين :
وقد تناول الفقهاء - رحمهم الله - مفهوم الحماية والرعاية لهؤلاء فثبتت الأدلة الواضحة على العصمة لدماء الرسل والموفدين والديبلوماسيين وصيانة شخصيتهم من أي أذى حتى لو اختلفت وجهات النظر في المفاوضة معهم ، وتكلم المبعوث الموفد والديبلوماسي القادم إلى أرض الدولة الإسلامية بكلام لا يتفق مع احترام عقائد المسلمين مما يوجب قتله أو فشل المبعوثين السياسيين في القيام بمهمتهم ، فيظل لهم حق التمتع بالحماية والحصانة حتى يعودوا إلى بلادهم التي يأمنون فيها ولنا في رسول الله  القدوة والأسوة الحسنة في المعاملة الكريمة والحماية والرعاية العظيمة إذ لما قدم رسولا مسيلمة الكذاب ابن النواحة وابن أثال إلى النبي  فقد قال لهما : " أتشهدان بأني رسول الله ؟ قالوا : نشهد أن مسيلمة رسول الله ، فقال رسول الله  : آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلا رسولاً لقتلتكما "( ) ، فمضت السُنة أن الرسل لا تقتل( )، وعلى هذا نهج الحكام المسلمين وولاة أمر الدولة الإسلامية على مر السنين والقرون مسترشدين في ذلك سُنة المصطفى  .
ويروى عن أبي رافع مولى رسول الله  أنه قال : " بعثتني قريش إلى رسول الله  ، فلما رأيت رسول الله  ألقي في قلبي الإسلام ، فقلت : يا رسول الله ، إني والله لا أرجع إليهم أبداً ، فقال رسول الله  : إني لا أخيس بالعهد أي لا أنقض العهد ، ولا أحبس البرود أي الرسل ، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع "( ). قال الإمام الشوكاني : معنى هذا الحديث دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار يجب للمسلمين ، لأن الرسالة تقتضي جواباً يصل على يد الرسل فكان ذلك بمنزلة عقد العهد ، وحتى لا يؤول بأن الرسول  قد حبس الرسول أو أن إسلام رسول قريش كان خوفاً على حياته( ) . 
وقد سار على هذا النهج المحمدي الإنساني خلفاء وسلاطين وملوك وأمراء وعظماء حكام المسلمين في المحافظة على حماية الموفدين والديبلوماسيين . قال التابعي الجليل سعيد بن جبير : " جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب  فقال : يا خليفة المسلمين ، إن أراد الرجل منا أن يأتي بحاجة قتل ، فقال علي  : لا ، لأن الله تبارك وتعالى يقول :  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ  "( ) .
فقد استدل الصحابي الجليل خليفة المسلمين علي  بعدم جواز قتل المشرك القادم في حاجة إلى دار الإسلام بتلك الآية ، ومن الحاجات التي يقدم إليها المشركون لدار الإسلام تبليغ الرسائل ، ولقد نص الحنفية والشافعية والزيدية والحنابلة على أن الرسل لا تقتل( ) .
وما يكشف عن نبل الإسلام وكريم أخلاق السياسة للدولة الإسلامية احترامها للوضع القانوني الخاص بمبعوثي الدول الأخرى ، أنه في الوقت الذي كان يقابل فيه سفراء هذه الدول بالاحترام ويحاطون بالحماية الكاملة حتى ولو خرجوا على القواعد الدولية في مخاطبة رؤساء الدول كان سفراء الإسلام ورسل رسول السلام  إلى الدول غير الدول الإسلامية يعاملون كقاعدة عامة أسوأ معاملة ، من ذلك أن ملك الفرس خسرو قطع الخطاب الذي أرسله إليه الرسول  وداسه بأقدامه ونجا حامله من القتل بأعجوبة ، كما أن السفراء الذين أرسلهم الرسول  إلى أميري الغساسنة عوملوا أسوأ معاملة ، ومبعوث الرسول  إلى حاكم باسورا الروماني قتل على يد هذا الأخير( ).
وفي مقابل هذه المعاملة الوحشية والسلوك المشين أكرم الرسول  مبعوث المقوقس عظيم القبط وقبل هداياه ، وأكرم رسول هرقل . وقد أثرت هذه المعاملة الحسنة في بعض الرسل فدخلوا في الإسلام لما يرونه من حُسن المعاملة مما يدل على التسامح ، والأمان والرعاية التي جاء بها الإسلام وشموله وعدالته ووفائه بالعهود واحترامه للمواثيق وتكريمه للإنسان( ).
وقرر الإمام السرخسي أن " الرسل والمبعوثين لم تزل آمنة في الجاهلية والإسلام وهذا لأن أمر القتال والصلح لا يتم إلا بالرسل فلا بد من أمان الرسل لتوصل إلى ما هو المقصود "( ). فتأمين الرسل ثابت في الشريعة الإسلامية ثبوتاً معلوماً .

سابعاً - الإخلال بالأمن القومي وعقوبته الشرعية والقانونية :
في مقابل ما منح الوافد والديبلوماسي من حقوق وحماية ورعاية وأمان وتكريم فإن إخلاله بالأمن القومي للدولة الإسلامية يترتب عليه تبعات عقابية قاسية . فالأمن القومي للدولة الإسلامية هو عبارة عن " مجموعة مصالحها الحيوية ، فكل دولة تهتم بالحفاظ على تلك المصالح سواء أكانت سياسية أو اقتصادية ، أو ثقافية ، أو اجتماعية معنوية أو روحية أو أمنية ، كما أن مفهوم الأمن القومي هو العمل على مقاومة كل من يحاول مخالفة قواعد الأنظمة المرعية والتشكيك في مبادئ الدول وقيّمها "( ).
وقد أدركت الدولة الإسلامية في سياساتها الخارجية منذ نشأتها الأولى هذا الأمر وأعطته جل الاهتمام ، فزودت سفراءها بالتعليمات ، والسلوكيات والآداب التي ينبغي أن يتجملوا بها أمام الدول والهيئات والمؤسسات والمنظمات العالمية فمما أوصتهم به الديبلوماسية الإسلامية عدم التدخل في شؤون المرسل إليه ، وأمور مملكته ، والتحريض على الراعي والرعية ، أو أن يتصلوا بشخصيات مشتبه في أمرها لدى سلطات الدولة المرسل إليها لأن الديبلوماسي أو الوافد إلى دولة أخرى ينبغي أن يكون كما قال الملك الظاهر برقوق : " أعمى ، أخرس ، غزير العقل ، ثقيل الرأس "( ).
ولهذا أبان الفقهاء رحمهم الله ومنهم الإمام الفقيه الأوزاعي [ 88 - 157هـ ] أنه إذا صدر من السفير أو الديبلوماسي أعمال تخل بالقواعد والآداب المرعية في نظم الدولة الإسلامية ينبذ إليه على سواء - أي يعلم بسحب الأمان عنه – ويؤمر بمغادرة دار الإسلام طرداً أو ترحيلا أو إبعاداً ذلك لأن مهام وظيفة الوافد والديبلوماسي توجب عليه أن يطرق الوسائل المشروعة وإذا لم يلتزم بها كان للدولة( ) المعتمد لديها أن تعده شخصاً غير مرغوب فيه ، أو أن تطلب إلى دولته استدعاءه أو أن تعلّمه مباشرة عند الاقتضاء بمغادرة إقليمها . ومسلك الفقهاء المسلمين - رحمهم الله - هذا سابق لقواعد القانون الدولي الحديث المتفق عليها في اتفاقية فيينا التي جاء فيها في المادة الحادية عشرة في بند إنهاء حصانة الوافد و المبعوث الديبلوماسي أن " للدولة المعتمد لديها في أي وقت من الأوقات وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس بعثتها أو أي عضو من أعضائها أصبح شخصاً غير مقبول وغير مرغوب فيه"( ).
وهذا العمل يندرج تحت نظم الدولة الإسلامية وتشريعاتها التي تحرم الإخلال بالأمن والفوضى حفاظاً على بيضة الدولة الإسلامية وكيانها( ).

ثامناً - الوفاء بالعهد :
إذا أعطى المسلمون الأمان للحربيين وجب عليهم الالتزام بما يقتضيه عقد الأمان من عدم التعرض لمن ثبت له الأمان الخاص أو العام المؤقت أو المؤبد ما لم ينته أمانه إن كان مؤقتاً وإنما يجب الوفاء بالعهد مع الحربيين . فالمسلمون مطالبون بالوفاء بالعهود التي التزموا بها كما قال تعالى :  وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ( ) ، وقوله  :  وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ( ). ومما يدل على ضرورة الوفاء بالعهد ما ورد في بيان عظم الاعتداء على العهد والجناية عليه خلال مدته ما أخبرنا به النبي  حيث قال : " من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة "( ) .
فالحديث النبوي الشريف يدل دلالة واضحة على وجوب الوفاء بالعهد وحرمة الاعتداء على المعاهد ما لم ينقض عهده بناقض . وحرصاً على هذه المصداقية فإنه يلزم على المسلمين إذا اضطروا لإنهاء عقد الأمان قبل انتهاء وقته لخوف خيانتهم للعهد أن يعلمونهم بنقض عهدهم قبل قتالهم ولا يجوز الاعتداء عليهم حتى يبلغهم خبر النقض( ) عملا بقوله تبارك وتعالى :  وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ( ). وقد التزم المسلمون طيلة المسيرة الجهادية والأحوال الحربية مع المخالفين بالعهود والمواثيق والمعاهدات ، ولم تشهد العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية أي مبدء لنكث العهد والميثاق والإخلال بالعهود من قبل المسلمين حكاماً وقادة ومجاهدين ومعاهدين( ).

تاسعاً - المملكة العربية السعودية ومكافحة الإرهاب :
تنهج المملكة العربية السعودية التي اختار لها الله  أن تحتضن وترعى فوق أرضها وبين دفتي قلبها أشرف البقاع وأطهر الأماكن المقدسة الحرمين الشريفين ، بيت الله الحرام ومسجد رسوله سيد الأنام  نهجاً إسلامياً يطبق أحكام الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة ويحارب كل ما يخالفها فعلاً وسلوكاً وعملاً .
ولما كان الإرهاب والعنف بجميع أشكاله ، وبمختلف صوره ، والتطرف بمجاوزته الاعتدال ليس من الإسلام ، والإسلام بريء منه وقفت المملكة وأشقاؤها من الدول العربية موقفاً قاطعاً وحاسماً من ظاهرة الإرهاب وناشدت العالم أجمع لتقويض ظواهره ومكافحته( ).
كما لعبت دوراً مهماً في صياغة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ورأت أن ما يقوم به الإرهابيون من صور إجرامية وأفعال ترويعية وأخطار على الأمن والسلام العالميين يفوق أعمال المحاربين ، وهو ضرب من ضروب الإفساد في الأرض يطبق فيه على الجاني إزاء ذلك أعلى درجات عقوبة الحرابة . وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بياناً في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ أشار فيه أن المجلس " درس ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير ، وما ينشأ عنه من سفك للدماء وتخريب للمنشآت ، ونظراً إلى خطورة هذا الأمر وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة ، وإتلاف أموال معصومة ، وإخافة للناس وزعزعة لأمنهم واستقرارهم فقد رأي المجلس أن ما نجم عن هذا من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات ، وتخريب المنشآت ، فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعاً بإجماع المسلمين لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة وهتك لحرمة الأموال وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها . وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها وشدّد في ذلك . وإن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي والإسلام بريء منه "( ).
كما أكد علماء المسلمين في كل مكان عن شجبهم المطلق لما يرتكبه بعض المغامرين من جرائم إرهابية تسييء إلى الإسلام وتجعل المسلمين في كل مكان عرضة للانتقام والاضطهاد . وأكدوا في بيانات لهم صدرت عقب الأحداث الإرهابية التفجيرية أن من أعظم الكبائر المحرمة التي شددت الشريعة الإسلامية على حرمتها وأكدت على ضرورة اجتنابها سلب الأمن أو الراحة عن الناس وإرعابهم وإخافتهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين( ).
فالشريعة الإسلامية والقانون الدولي يتبرآن من الإفساد والإجرام كما تأباه الفطرة السليمة . فكل من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك ، فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد ، ولأن خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة( ).
فأي إفساد وإجرام وترويع وإرهاب للناس تحرمه الشريعة الإسلامية والقانون الدولي .

الخاتمــة :
من خلال هذه النظرات الإنسانية للعلاقات بين المسلمين في الدولة الإسلامية وغير المسلمين يتضح لنا :
أولاً : إن الإسلام نظام كامل وتشريع شامل يتناول شؤون الدين والدنيا دون انعزالية وفصل يقوم منهجه على نظام فريد ، قوي في البناء يقرر الصور المثلى والمنهج العادل في العلاقات الدولية الإنسانية والتي تقوم من المنظور الإسلامي على التعاون والتفاهم والحوار وتبادل النفع ورعاية الحرمات ، وكفالة الحريات .
ثانياً : تقوم علاقاته أيضاً على سلام البشرية وأمن الوجود الإنساني . فالعلاقات الإسلامية وسيلة للمسالمة والمهادنة والتعاون الدولي لخير الشعوب والدول والحكومات .
ثالثاً : الواقع التاريخي والسياسي يؤكد في جلاء وصدق ووضح أن الرسول  هو مؤسس قواعد وأُسس السلم بين الأمم في تعامل إنساني وحوار هادف بناء على واضح في الغايات والوسائل والأهداف .
رابعاً : تراعي العلاقات الإسلامية القيم والمبادئ المشتركة بين الأمم والشعوب والخصوصيات لكل جماعة ، فلا جنوح إلى التعصب والتطرف والتزمت والانغلاق في الإسلام بل الاعتدال والوسطية والتسامح ومراعاة الكرامة الإنسانية ، والتنوير الفكري بغية العيش بين الأمم والشعوب في سلام وأمان واستقرار وتعاون على الخير ونبذ للفرقة والشقاق والاختلاف .
والله الموفق ..

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك