الإعلام الفضائي في مرمى الانفلات!

إنجي الطوخي

 

في إطار المنافسة المحتدمة بين أكثر من 600 فضائية عربية ws_satellite_vii_1024x_opt.jpeg مجانية تبثها أقمار «عرب، نايل، نور» سات؛ لجذب المشاهد والاستحواذ على حواسه، تقع كثير من هذه الفضائيات في أخطاء مهنية فادحة أهمها التغاضي عن المصداقية والتثبت من المعلومات لصالح أسبقية البث، ما أفضى إلى سقوط كثير من هذه الفضائيات في مرمى الانفلات الإعلامي.. واتفق عدد من الإعلاميين على أن تفضيل السبق وغلبة الإثارة على الحقيقة، وعدم التمييز بين الآراء والحقائق من أهم العوامل التي أسهمت في انتشار هذا الانفلات الذي خلق حالة من الجدل العقيم. «الوعي الإسلامي» سألت المعنيين بهذه الظاهرة وجاءتكم بالتفاصيل.

 

سامي الشريف: رؤوس الأموال أبعدت الإعلام عن المهنية والشفافية

 

«الإعلام العربي عامة والفضائي على وجه الخصوص يعاني حالة انفلات غير مسبوقة».. بهذه الكلمات بدأ د .سامي الشريف، الرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري والأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، مشيرًا إلى تعدد أسباب هذا الانفلات قائلاً: السبب الرئيس هو تحكم رأس المال في إنشاء العديد من القنوات الفضائية دون ضوابط، إضافة إلى إطلاق منابر إعلامية خاصة تخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال بعيدًا عن المهنية والشفافية. وفي ظل غياب القوانين التي تحكم الإعلام العربي- خصوصًا المصري- حدثت البلبلة في الشارع الذي شهد انقسامًا حادًا في الرأي حول أسلوب التعامل مع ما يحدث في الوطن.

 

ميثاق الشرف

 

وأشار إلى أن ضبط إيقاع الأداء الإعلامي ليس صعبًا، مؤكدًا أن العالم المتحضر سبقنا في معالجة الانفلات من خلال منظمات المجتمع المدني، ومن خلال التزام الإعلاميين بأداء دورهم بشكل مهني يخدم مصالح الجمهور أكثر مما يخدم مصالح الجهات التي يعملون لصالحها؛ لذلك ينبغي خضوع الوسائل الإعلامية لمواثيق شرف تحرص على ما يخدم صالح الجمهور والدولة دون أن تمس مناخ الحرية.

 

وطالب الشريف أن تكون هناك مواثيق شرف أكثر تفصيلاً من الصياغات الإنشائية العامة، وأن يكون من يقوم بوضعها إعلاميون يتميزون بالخبرة والنزاهة والموضوعية، ولا يكون هناك أي تدخل من جانب الحكومات حتى يتم التطبيق وضمان الاستقلالية، وتلك المواثيق يتم الاحتكام إليها في حالة خروج أحد المنابر الإعلامية عن الالتزام بالمسؤولية المهنية.

 

مجلس وطني

 

بدورها، أكدت الإعلامية سميحة دحروج، رئيسة قناة النيل للأخبار، أن الإعلام المصري يعتبر أبرز مثال على حالة الانفلات الإعلامي التي انتشرت في الشهور الأخيرة وسادت أيضًا الفضاء العربي، مشيرة إلى أن الإعلام المصري تجسد فيه الانفلات الإعلامي ليس فقط في المجال السياسي بل في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والإخبارية، فيكفي ما فعله التأجيج الذي مارسه الإعلام الرياضي قبل مباراة الناديين الأهلي والمصري في مدينة بورسعيد، والذي انتهى بكارثة دامية راح ضحيتها أكثر من 70 شابًا مصريًا، كل ذلك بسبب بعض الإعلاميين الرياضيين الذين نفثوا سمومهم في عقول الشباب المتحمسين، وأججوا عواطفهم، وبعد وقوع الكارثة نصبوا أنفسهم قضاة وبدأوا في إلقاء الاتهامات على الجميع؛ لدرجة أنهم صنعوا حالة من الغضب الشعبي تجاه محافظة كاملة وهي بورسعيد.

 

وتضيف: هؤلاء الإعلاميون رفعوا درجات الغضب الكروي بدرجات غير مسبوقة دون وعي منهم أن السبب الحقيقي هو وجود عناصر مشاغبة بين المشاهدين، مؤكدة أن الإعلام لم يكن منصفًا خلال تلك الحادثة، حيث استمر عدد كبير من الإعلاميين في اتهام الشعب البورسعيدي بأنه المتسبب في تلك الحادثة، حتى انفجرت جماهير المدينة في النهاية وخرجوا في مظاهرات عنيفة نتيجة العزل الشعبي الذي كان السبب الرئيسي فيه هو الإعلاميين الذي حادوا بتغطيتهم عن الحقيقة ووقعوا في فخ التأجيج والانفلات.

 

وطالبت بأن يكون هناك مجلس وطني للإعلام في كل دولة عربية وبإشراف جامعة الدول العربية يطلق ميثاق شرف لا يقيد حرية التعبير، إنما يكون إحدى الأدوات المساهمة في تنظيمه وتصحيح مساره.. موضحة أن من ضمن الحلول المطروحة وجود جهة محايدة تحكم أداء وسائل الإعلام بعيدًا عن البرلمان والحكومة، مشيرة إلى الضرورة القصوى لوجود ميثاق شرف مفعَّل يتم الاحتكام إليه في حال خروج أحد الإعلاميين عن قواعد ومعايير الأداء المهني والمتمثل في الموضوعية وعدم التحيز. 1_opt.jpeg

 

انفلات فضائي

 

أما الإعلامي أمين بسيوني، فشرح مصطلح الانفلات قائلاً: قبل أن نتحدث عن ظهور الانفلات الإعلامي في العالم العربي كظاهرة يجب أن نعود إلى الوراء، إلى الوضع السائد قبل ظهور الإعلام الخاص، حيث كان الإعلام الأرضي الحكومي هو الأوحد والمسيطر على المشهد، فكانت كل دولة تمتلك مجموعة من القنوات التلفزيونية والإذاعية يقتصر بثها على حدود الدولة ذاتها؛ أي إن تلفزيون المملكة يقتصر بثه على المملكة، وتلفزيون مصر يقتصر تغطيته على حدود مصر، وهكذا في تونس كان موجّهًا للشعب التونسي ولبنان والكويت وبقية الدول العربية، وكانت عملية الإرسال مقيدة بأوامر الحكومات، ولم يكن هناك مجال للانفلات الإعلامي في ظل هيمنة جهة واحدة على البث، لكن وبعد ركوب الإعلام للفضاء أصبح الإرسال لكافة القنوات الفضائية سواء كانت خاصة أو حكومية للعالم العربي كله، وأصبح العرب قادرين على رؤية بعضهم البعض في نفس التوقيت، وبلا حدود أو موانع أو رقابة.

 

ويشير بسيوني إلى أن كل الأسباب السابقة كانت السبب الرئيسي في انتشار القنوات الخاصة التي تخطت مستويات الرقابة في القنوات الحكومية، ومن هنا بدأ مصطلح الانفلات الإعلامي في التبلور؛ لأن الإعلام الخاص هو إعلام استثماري في المقام الأول يريد تحقيق الربح والمكسب العالي من خلال الإعلانات التي تأتي للقناة التي لديها جمهور كبير، بعيدًا عن المصداقية أو المعايير التي يدرسها الإعلاميون في كلياتهم، فلجأت غالبية القنوات الخاصة إلى الإثارة في المحتوى المقدم وخاصة المجال السياسي، وافتقاد حديث البعض في هذه القنوات للمسؤولية، إضافة إلى طرح أفكار حادة ساهمت بشكل غير مباشر في نشر الفتنة السياسية.

 

ويؤكد أن التهافت الكبير بين القنوات الخاصة على جذب الإعلان هو السبب الأكبر في ظهور مصطلح الانفلات الإعلامي، حيث صار الاعتراض على الخطاب الإعلامي الذي تعرضه تلك القنوات من حيث الشكل أو المضمون دون تأثير أو فائدة.

 

واعتبر بسيوني أن أفضل الحلول في الوقت الحالي لتلك الظاهرة هو الرجوع مجددًا إلى مبادئ تنظيم البث الفضائي قائلاً: كان يدرس في جامعة الدول العربية منذ 5 سنوات مبادئ تنظيم البث الفضائي والتي اتفق عليها مجلس وزراء الإعلام العربي، وتلك المبادئ سارية على كل المنطقة العربية بلا استثناء.

 

وحول عدم تفعيل تلك المبادئ يقول: بعض الإعلاميين لديهم حساسيات من أي شيء يكون صادرًا عن الحكومات والذي يتم وصفه سريعًا بأنه نوع من الوصاية والرغبة في السيطرة من قبل الحكومات على الإعلام، وهو نفس ما حدث مع مبادئ تنظيم البث الفضائي التي اعتبرها البعض نوعًا من فرض الحماية وتكميم الأفواه، فتمت مهاجمتها بشكل منعها من الظهور أو التفعيل.

 

المصدر: دار الإعلام العربية

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك