حوار السلام والأمان
قال علي بن المغرة الأثرم:
حدثنا إبراهيم بن المهدي:
أنه ولي إمرة دمشق أعواماً لم يُقطع فيها على أحدٍ طريقٌ، وحُدثت أن الآفة في قطع الطريق من دعامة ونعمان ويحيى بن أرميا اليهودي البلقاوي، وأنهم لم يضعوا يدهم في يد عاملٍ، فكاتبتهم، فتاب دعامة، وحلف النعمان بالأيمان أنه لا يؤذي مهما وليتُ، وطلب ابن أرميا أماناً ليأتي، ويُناظر، فأجبته، فقدم شابٌّ أشعر أمعر في أقبية ديباج، ومنطقةٍ، وسيفٍ محلّى، فدخل على الخضراء، فسلم دون البساط.
فقلت: اصعد.
قال: إن للبساط ذماماً، أخاف أن يلزمني جلوسي عليه، وما أدري ما تسومُني.
قلت: أسلم، وأطع.
قال: أما الطاعة فأرجو، ولا سبيل إلى الإسلام، فما عندك إن لم أسلم؟.
قلت: لا بد من جزية.
قال: أعفني.
قلت: كلا.
قال: فأنا منصرفٌ على أماني، فأذنت له، وأمرتهم أن يسقوا فرسه، فلما رأى ذلك دعا بدابة غلامه، وترك فرسه.
وقال: لن آخذ شيئاً ارتفق منكم، فأحاربكم عليه. فاستحييت وطلبته، فلما دخل قلت: الحمد لله، ظفرت بك بلا عهدٍ.
قال: وكيف؟.
قلت: لأنك انصرفت من عندي، وقد عُدت.
قال: شرطك أن تصرفني إلى مأمني، فإن كان دارك مأمني، فلست بخائفٍ، وإن كان مأمني أرضي، فردني.
فجهدت به أن يؤدي جزية على أن أهبه في السنة ألفي دينارٍ، فأبى، وذهب، فأسعر الدنيا شرّاً، وحمل مالٌ من مصرَ، فتعرّض له، فكتب النعمان إلي، فأمرته بمحاربته، فسار النعمان، ووافاه اليهودي في جماعته، فسأله النعمان الانصراف، فأبى.
وقال: بارزني، وإن شئت، برزت وحدي إليك وإلى جندك.
فقال النعمان: يا يحيى، ويحك أنت حدَثٌ قد بُليت بالعجب، ولو كنت من أنفس قريش لما أمكنك معارّة السلطان، وهذا الأمير هو أخو الخليفة، وأنا ـ وإن افترقنا في الدين ـ أحب أن لا يُقتل على يديّ فارس، فإن كنت تحب السلامة، فابرز إليّ، ولا يُبتلى بنا غيرنا، فبرز له العصر، فما زالا في مبارزة إلى الليل، فوقف كل منهما على فرسه متكئاً على رمحه، فنعس النعمان، فطعنه اليهودي، فيقع سِنان رمحه في المِنطقة، فدارت، وصار السنان يدور معها، فاعتنقه النعمان، وقال: أغدراً يا ابن اليهودية؟!.
فقال: أو محاربٌ ينام يا ابن الأمة؟.
فاتكأ عليه النعمان، فسقط فوقه، وكان النعمان ضخماً، فصار فوقه، فذبح اليهودي، وبعث إلي برأسه، فاطمأنت البلاد.
المصدر: سير أعلام النبلاء (10/ 557 ـ 559).