حوار المذهب: ضحايا الصراع

علي سعد الموسى

ابتداء، أسجل شكري واعتزازي بكل هذه الكوادر الوطنية التي استطاعت في شاهد غير مسبوق من قبل أن تدير بكل كفاءة واقتدار حشدين متزامنين مكاناً وتوقيتاً في مهمتين مختلفتين: الأول إدارة هذه الحشود من الملايين في أعظم ساعة ذروة من العام بأكمله في المسجد الحرام، والثاني، على بعد أمتار من جوار الحشد الأول، وفيه كانت المهمة إدارة وصول عشرات الوفود الرسمية من زعماء العالم الإسلامي إلى قاعة قمة التضامن بكل ما تحتاجه العملية من الدقة الأمنية في شتى مناحي الأمن المختلفة. بالمناسبة، وللمقارنة، احتاجت لندن في اليوم الأول من الأولمبياد إلى خدمات 25 ألف متطوع (عدا الجانب الرسمي) لإدارة حشود لا تصل للمليون، يتوزعون على 26 نقطة أولمبية في شتى أنحاء المدينة المترامية.
جوهر الحديث اليوم، هو اقتراح خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، بإنشاء مركز لحوار المذاهب في العالم الإسلامي، وهي النقطة التي لاقت تصفيقاً واسعاً في كلمة الملك الافتتاحية. وإذا ما أردنا أن نكون على قدر النوايا الملكية وعلى مقدار استشعار خطورة ما ذهبنا إليه في تناحرنا المذهبي على طول الخريطة الإسلامية فإن المسألة تبدو في أن نكون أكثر صدقاً وتجرداً مع هذا الاقتراح الجوهري. وخذ من المثال أن زعيماً إسلامياً بارزاً لدولة إسلامية كبرى لم يكتف بالتصفيق حين نهض، أيضاً، لتحية المبادرة. هو ذات الزعيم الذي تنثر دولته رياح المذهبية في الجيوب المتغلغلة من خريطة العالم الإسلامي، مثلما هو ذات الزعيم الذي تخصص دولته خمس مواردها من أجل تعميق هذه الفرقة المذهبية. ولكي نكون أكثر صدقاً وصراحة: ففي المقابل، مازالت أذني تسمع صدى دعوة إمام المسجد – هنا – الذي ينثر أيضاً رياح دعوته على كل الفرق والملل والنحل. والخلاصة بجملة مباشرة أن تسعين بالمئة من المسلمين ضحايا للنسبة الباقية من السياسيين أو من المتطرفين باسم الدين. السواد الأغلب لا علاقة له بتشيع هذا الفريق أو (تسنن) الآخر. والبدهي أن السياسي والمتطرف لا يعرفان ما كان حقيقة لا جدال حولها ولا يشبها شيء سوى طلوع الشمس وغروب القمر: لم يثبت خلال التاريخ البشري أن فرقة ألغت الأخرى من الوجود، أو أن مذهباً مسح المذهب المقابل من الخريطة. على العكس، تزداد المذاهب والفرق قوة حين تشعر بالحصار وتزداد ضراوة حين تستشعر المقاومة. وفي العقود الثلاثة الأخيرة زادت أدبيات الردح أضعاف ما كانت في 400 1سنة. تداخلت أهداف السياسة البحتة مع الدين وأحياناً في تحالفات بالغة الغرابة لا تظهر سوى انتهازية السياسة. خذ المثال في الحلف – الإيراني السوري – لتعرف أن الدين بريء من هذا الإقحام: دولتان بإيديولوجيتين متناقضتين.. وتفكيك هذه المفردات يشرح كل القصة.

المصدر: http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=13125

الأكثر مشاركة في الفيس بوك