شرعة الجار والقريب: من اجل المساهمة في تحسين العلاقات الانسانية

قاسم قصير

أهمية شرعة المواطن

يقول الدكتور أنطوان مسرّة في تعريف "شرعة المواطن":"إنها شرعة سلوكية، خلقية وعلائقية وتترض لممارسة وطنية. وانها تسعى للاجابة على سؤال: ماذا أفعل؟".

ليست تاليا هذه الشرعة مجرد اعلان مبادئ او توصيات او اقتراحات او رسم سياسات عامة. لهذه الشرعة طابع ثقافي تربوي في سبيل تحويل المبادئ والمعرفة والسياسات والتشريعات الى سلوك، ويقتضي تاليا دعم لهذه الشرعات من قِبل فاعليات المجتمع المعنية بالقطاع موضوع الشرعة".

اذن الشرعة حسب تعريف الدكتور مسرّة مجموعة من السلوكيات الخُلقية العلائقية التي تهدف لتطوير ممارسة الانسان-المواطن في المجتمع، سواء تجاه نفسه او تجاه غيره ومن اجل معالجة المشكلات التي تنتج عن الحياة المشتركة بين المواطنين في المجتمع الحديث سواء في المدن والقرى، ولأن القوانين لا تجيب دائمًا على كل القضايا والممارسات كان لا بد من وضع "شرعة المواطن" للمساهمة في بناء تطور المجتمع.

ونظرًا لأهمية العلاقة بين الجيران في المجتمعات المحلية كان لا بد من وضع ما سمي "شرعة الجار" لكي تشكل منطلقًا لتحسين العلاقة بين الجيران في عالمنا الحديث الذي يواجه الكثير من المظاهر المادية التي تبعد الناس عن بعضهم البعض وتجعل المصالح الفردية على حساب المصالح العامة.

تعريف الجار والقريب

يقول العلّامة السيد محمد حسين فضل الله حول تعريف الجار "إن هناك صورًا عديدة للجوار تتداخل في مصداق الجوار وتترتب عليها الكثير من الاحكام، والله سيحاسب عليها ... فهناك جوار العمل، وجوار السوق، وجوار الشارع، وجوار مقعد الدراسة، وجوار السيارة والطائرة، كما هناك جوار الأرض –مثلًا للجار حق الشفاعة- وجوار الأوطان ..." ووفقًا للمفهوم الاسلامي فقد فصّل في موضوع الجار فعرّفه أولًا "الجار أربعون دار من أربعة جوانب" وفي عصرنا الحالي هو في كل الاتجاهات افقيًا وعموديًا، أي أنه يشمل حيًّا كاملًا. ونفيًا لأي التباس فقد ورد في حديث عن الإمام علي(ع):"أكرم الجار ولو كان كافرًا".
اذن الجار هو من يقيم الى جانبنا سواء في الاطار السكني او في العمل او خلال التنقل من مكان الى آخر بأية وسيلة (سيارة، طائرة، حافلة ركاب...)، أو خلال الدراسة أو النزهة.

وعلى ضوء ذلك يقتضي معرفة حقوق الجار والجيران ووضع الاسس المناسبة للعلاقة بهم.

حب الجار في الاسلام والمسيحية

حب الجار في الإسلام

هناك العديد من الوصايا في الإسلام حول ضرورة حب الجار والشعور بالرحمة تجاهه، والأهمية القصوى لذلك. وحب الجار جزء أساسي لا يتجزّأ من الإيمان بالله وحبّه، لأنه في الإسلام لا إيمان حقيقي بالله ولا تقوى، دون حبّ الجار. يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه، أو قال: لجاره ما يحّب لنفسه".

ومع ذلك، فإن التلطف بالجار والتعاطف معه – وحتى أداء الصلوات المفروضة– ليست كافية، إذ  لا بدَ أن يصحب ذلك كرم وتضحية بالذات. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ  وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}(البقرة 2: 177). 

ويقول تعالى أيضاً:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(آل عمران 3: 92). ودون أن نعطي الجار ما نحبّه لأنفسنا، فإننا لا نكون محبّين بصدق لله أو للجار.

حب الجار في الإنجيل

لقد أوردنا كلمات عيسى المسيح عليه السلام حول الأهمية القصوى لحب الجار التي تأتي في المقام الثاني بعد حبّ الله:"هذه هي الوصية الأولى والعظمى./ والثانية مثلها. ’تحبّ قريبك كنفسك‘. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء"(إنجيل متّى 22: 38-40).

وأيضاً:"وثانية مثلها هي ’تحبّ قريبك كنفسك‘.ليس وصية أخرى أعظم من هاتين"(إنجيل مرقس 12: 31).

ويبقى أن نلاحظ أن هذه الوصية موجودة أيضاً في العهد القديم:

"لا تبغض أخاك في قلبك. إنذاراً تنذر صاحبك ولا تحمل لأجله خطيّة. /  لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحبّ قريبك كنفسك. أنا الربّ"(سفر اللاويين 19: 17-18).

وهكذا فإن الوصية الثانية، مثل الأولى، تطالب بالكرم والتضحية بالذات، و"بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء".

مشروع مقترح لشرعة الجار

1-  التوعية على أهمية الجار والجيران وتبيان أهمية الجار في الحياة إنطلاقًا من القواعد الدينية والاجتماعية والإنسانية.

2-  الإستفادة من القوانين التي تساعد في تنظيم العلاقة بين الجيران (لجان البنايات)، والقوانين التي ترعى حقوق الجيران على صعيد الأراضي والعقارات، قوانين السلامة العامة وكيفية حماية الحيّز العام (الشارع، الرصيف،...)

3-  دعوة البلديات والجمعيات الأهلية للتعريف بأهمية العلاقة بين الجيران والمساهمة في تعزيز هذه العلاقة وتمتينها بأشكال مختلفة من النشاطات.

4-  نشر النصوص الدينية والاجتماعية التي تعترف بالجار وكيفية العلاقة به.

5-  دعم تشكيل لجان الأحياء والمناطق التي تساعد على معالجة المشاكل وترتيب العلاقة بين الجيران.

6-  أما على صعيد بعض القواعد التي يمكن الدعوة لها على صعيد العلاقة بين الجيران فيمكن اقتراح ما يلي:

أ‌-عدم السماح بالتصرف بالأقسام المشتركة من الأبنية إلا بموافقة كل الجيران.

ب‌-إقامة أنشطة للتعارف بين الجيران.

ت‌-وضع قواعد حول العلاقة بين الجيران ومنها ترك كل ما يسبب الازعاج للجيران على أرض المنزل مما يزعج من في الاسفل إما بضرب الرجل بقوة على الأرض أو اللعب بالكرة داخل المنزل وكذلك رفع صوت التلفاز او "الاستريو"، وعدم ترك اكياس النفايات مفتوحة فتبعث رائحتها على الجيران. وعدم رمي الأوساخ في المصعد او على الدرج، وترك جر الأثاث من طاولات وكراسي وغيرها في  المنزل. عدم ادارة موتور المياه بعد منتصف الليل او عند الصباح الباكر او اطلاق أبواق السيارات والصراخ للنداء لأحد الأقارب.

ث‌-عدم السهر في الشوارع ورفع الاصوات والقيام بما يؤدي لازعاج الجيران.

ج‌-حماية الأرصفة ومنع الاعتداء عليها وكذلك المواقف العامة والساحات.

7-  القيام بحملة اعلامية مكثفة عبر وسائل الاعلام من تلفاز والصحف واذاعة ومواقع الالكترونية ولوحات كبرى في الشوارع للتعريف بأهمية الجار وكيفية االتعاطي معه.

8-  التعاون مع المؤسسات التربوية لشرح مفهوم الجار واسس العلاقة معه.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=5248

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك