دراسة القرآن الكريم عند المستشرقين في ضوء علم نقد ((الكتاب المقدس))

دراسة القرآن الكريم عند
المستشرقين في ضوء علم
نقد ((الكتاب المقدس))

تأليف
أ.د. محمد خليفة حسن

المحتويات

تمهيد
أولاً: اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء علم نقد الكتاب المقدس
ثانياً: ملاحظات ونتائج وتوصيات

تمهيد
تناولت الدراسات القرآنية عند المستشرقين عدداً كبيراً من الموضوعات المرتبطة بالقرآن الكريم من منظور استشراقي يختلف كثيراً عن وجهة النظر الإسلامية. وعلى الرغم من أن معظم موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين يدور حول شبهات استشراقية عن القرآن الكريم فإنه من الممكن حصر هذه الموضوعات وتقديمها في صورة علمية تعكس الاهتمام العلمي الاستشراقي بالقرآن الكريم، وتفيد في التعرف على أهم مجالات الدراسات القرآنية عند المستشرقين، واتجاهات موضوعات الدراسات القرآنية، كما أنها تفيد في رصد تطور الدراسات القرآنية عند المستشرقين في شكل مستقل داخل إطار الدراسات الإسلامية، أو في شكل مقارن داخل إطار مقارنة الأديان، بخاصة مقارنة الكتب المقدسة في الأديان حيث إن جانباً كبيراً من هذه الدراسات يهتم بمقارنة موضوعات قرآنية بموضوعات توراتية، أو بموضوعات من العهد القديم، أو العهد الجديد وذلك لأن عدداً كبيراً من المستشرقين متأثر بالخلفية اليهودية النصرانية، ويطرح الموضوعات القرآنية من منظور يهودي نصراني.
ومن أهم الموضوعات التي سيتم تناولها في هذا البحث الموضوعات المهتمة بمجال استشراقي مهم، وهو ما يُسَمَّى ((تاريخ القرآن)) والذي تأثر فيه المستشرقون بتاريخ العهد القديم وتاريخ العهد الجديد، أو ما يسمى ((تاريخ الكتاب المقدس)) وبالمنهج الذي تم تطويره في الغرب لنقد ((الكتاب المقدس)) بعهديه القديم والجديد.
ومن الموضوعات التقليدية دراسة القرآن الكريم كمصدر للدين الإسلامي؛ ومصدر للشريعة الإسلامية، ومصدر للعبادات والمعاملات في الإسلام، ومصدر للأخلاق في الإسلام. كما اهتم فريق من المستشرقين بعمليات تأصيل لمسميات وتقسيمات القرآن الكريم مثل مصطلحات القرآن، وسورة، وآية، وبسملة. وعالج بعضهم موضوعات القراءات القرآنية، وظاهرة التكرار في القرآن.
ومن مجالات الدراسات القرآنية عند المستشرقين الاهتمام بالموضوعات اللغوية والأسلوبية، ومن أهمها موضوعات: البلاغة، والإعجاز القرآني، ولغة القرآن الكريم، والأسلوب القرآني، وغريب القرآن، أو ما يسمى عند المستشرقين بالألفاظ الأجنبية في القرآن الكريم، أو ((الدخيل السامي)) وغير السامي في القرآن الكريم. والدراسات حول معاجم القرآن الكريم.
واهتم المستشرقون بقصص الأنبياء في القرآن الكريم، وعقدوا مقارنات لكثير من هذه القصص بما يقابلها في أسفار العهد القديم والعهد الجديد. واهتم المستشرقون أيضاً بالموضوعات المرتبطة باليهودية والنصرانية، وبالتصور القرآني للديانتين، وبالنقد القرآني لهما.
وقد نالت ترجمة معاني القرآن الكريم جانباً كبيراً من اهتمام المستشرقين حيث ناقشوا قضايا ترجمة معاني القرآن الكريم، وصعوبات الترجمة، كما قام عدد منهم بعمل ترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى كل اللغات الأوروبية. وكذلك اهتم المستشرقون أيضاً بدور القرآن الكريم في حياة المسلمين، وتأثيره في الاجتماع والتمدن الإسلامي، ودوره في بناء الحضارة الإسلامية وفي التربية والسلوك الإسلامي.
وقد غلب على هذه الموضوعات القرآنية المتعددة عند المستشرقين عدة اتجاهات من أهمها:
1 – اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء علم نقد الكتاب المقدس Biblical Criticim.
2 – اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء المنهج التنصيري.
3 – اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء المنهج المقارن.
4 - الاتجاه المرتبط بترجمات معاني القرآن الكريم.
وسيتم التركيز في هذا البحث على الاتجاه الأول في تصنيف موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين نظراً لاتساعه، وتأثيره الشامل على الدراسات القرآنية، ولكونه أيضاً الاتجاه المُوَلِّد لأهم الشبهات الاستشراقية حول القرآن الكريم. وسنعتمد في هذه الدراسة من الناحية الوصفية والمسحية لأعمال المستشرقين على موسوعة نجيب العقيقي ((المستشرقون)) التي تقع في ثلاثة أجزاء باعتبارها أشمل عمل موسوعي عربي في أعمال المستشرقين.
أولاً: اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء علم نقد الكتاب المقدس Biblical Criticism
تأثر المستشرقون في دراستهم للقرآن الكريم بالمناخ العلمي والفكري الغربي، وبمنهجية البحث العلمي السائدة في الغرب، وذلك باعتبار المستشرق ابن بيئته العلمية والثقافية، وبالضرورة لابد وأن يتأثر بالمعطيات المنهجية، وبأصول البحث العلمي التي تطورت داخل إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد عكف على درس الإسلام والقرآن فريقان من المستشرقين. الفريق الأول يتكون من رجال دين وعلماء دين تقليديين منتمين إلى الكنيسة الغربية على اختلاف مذاهبها، ورجال دين يهود ينتمون إلى الحركات والمذاهب الدينية اليهودية المنتشرة في الغرب. وهذا الفريق من المستشرقين متدين وملتزم دينياً، ودراسته للإسلام وللقرآن دراسة مرتبطة بأهداف ومصالح ديانته، يهودية كانت أو نصرانية، ويغلب عليها الطابع الدفاعي الجدلي ضد الإسلام والقرآن الكريم( ).
أما الفريق الثاني، فيضم مجموعة من العلماء العلمانيين المنتمين إلى حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعات، والمؤسسات، ومراكز البحوث الغربية، والذين طبقوا على الإسلام والقرآن الكريم المناهج العلمية المرتبطة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية متأثرين في دراسة الدين عموماً بمناهج البحث الاجتماعية، والأنثروبولوجية، والنفسية، والفلسفية، بالإضافة إلى ما تم تطويره من علوم دين مستقلة مثل علم مقارنة الأديان، وعلم تاريخ الأديان، وعلم الظاهرة الدينية لتكوِّن مجموعة جديدة من علوم الدين إلى جانب علم الاجتماع الديني، وعلم أنثروبولوجيا الدين وتاريخ الدين، وجغرافية الدين، وعلم النفس الديني، وفلسفة الدين علاوة على الاهتمام بدراسة الأدب الديني، والفنون الدينية، والأخلاق الدينية، أو بمعنى آخر، دراسة الدين في علاقته بالأدب، والفن، والأخلاق( ).
وقد تأثر المستشرقون بكل هذه الاتجاهات العلمية التي تطورت لدراسة الدين وما يسمى بـ ((الظاهرة الدينية)) داخل إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد استعاروا المنهج في العلوم الإنسانية والاجتماعية لدراسة الإسلام والقرآن الكريم مقلدين في ذلك، وبشكل حرفي، التطبيق المنهجي لهذه العلوم في دراسة اليهودية والنصرانية، وفي دراسة النصوص الدينية المقدسة في اليهودية والنصرانية. وقد نتج عن هذا في مجال الدراسة النقدية للنصوص الدينية ما أصبح يسمى منذ القرن الثامن عشر الميلادي بعلم ((نقد الكتاب المقدس)) The Science of Bibilical Criticism. وقد تفرع هذا العلم حسب أقسام ((الكتاب المقدس)) إلى علمين: علم نقد العهد القديم Old Testament Criticism، وعلم نقد العهد الجديدNew Testament Criticism ، واشتهر بشكل خاص داخل إطار علم نقد العهد القديم ما يسمى بعلم نقد التوراة Torah Criticism أو Pentateuchal Criticism علم نقد الأسفار الخمسة، كما سمي أيضاً بالنقد العالي Higher Criticism( ). وتطبيقاً لهذه الاتجاهات في دراسة نصوص العهدين القديم والجديد على القرآن الكريم تطور عند المستشرقين ما يمكن تسميته بنقد القرآن الكريم. والحقيقة أنه ليس كل المستشرقين المهتمين بالدراسات القرآنية قد طبقوا اتجاهات نقد ((الكتاب المقدس)) على القرآن الكريم، وذلك لصعوبة هذه الاتجاهات النقدية المتخصصة، وحاجة المتخصص فيها إلى التأهل في عدد من العلوم مثل معرفة اللغات والآداب السامية، ومعرفة العلوم الإنسانية والاجتماعية ومناهجها، ومعرفة اتجاهات نقد ((الكتاب المقدس)).
ونظراً لهذه الصعوبات فقد انفرد عدد قليل جداً من المستشرقين بالسيطرة العلمية والمنهجية على هذه الاتجاهات، وكوّنوا فريقاً خطيراً من المستشرقين تخصصوا في دراسة النص القرآني في ضوء علم ((نقد الكتاب المقدس)). وبالضرورة جمع هؤلاء المستشرقون بين تخصصين أساسيين التخصص في دراسات العهدين القديم والجديد، والتخصص في الدراسات الإسلامية، وعلى الأخص الدراسات القرآنية.
ويكوِّن هؤلاء المستشرقون مدرسة علمية استشراقية متخصصة في نقد القرآن الكريم من خلال استخدام مناهج نقد ((الكتاب المقدس)). ويأتي على رأس هذه المدرسة مؤسس علم ((نقد الكتاب المقدس)) في الغرب المستشرق يوليوس فلهاوزن (1844–1918) الذي يمكن اعتباره في الوقت نفسه مؤسس ((نقد القرآن الكريم)). وقد جمع فلهاوزن بين التخصص في نقد العهد القديم، والتخصص في الإسلام والقرآن الكريم. وهو في الوقت نفسه مؤسس نظرية تعدد مصادر التوراة، والتي طبقت على كل أسفار العهد القديم والعهد الجديد. وقد التقط فلهاوزن نظرية تعدد المصادر من النقد القرآني للتوراة، ومن التراث النقدي الإسلامي المستند إلى النظريات القرآنية في نقد التوراة، وأهمها نظريات التحريف، والتبديل، وتعدد المصادر( ).
ومن الموضوعات التقليدية في نقد العهد القديم التي حاول هذا الفريق من المستشرقين تطبيقها على نص القرآن الكريم البحث فيما يُسمى بتاريخ النص، والنقد النصي، والنقد المصدري المعتمد على نظرية فلهاوزن في تعدد المصادر، والمسائل المرتبطة بالبنية الأدبية للنص من حيث وحدة البنية، أو تعددها للانطلاق منها إلى وحدة التأليف، أو تعدد المؤلفين( ). والنظر في البنية اللغوية والأسلوبية للقرآن الكريم، والبحث عن المواقف الحياتية في النص Sitz im Leben (الموقع في الحياة). هذا بالإضافة إلى طرح التساؤلات المرتبطة بالنقد التاريخي والجغرافي، والطرح الاجتماعي والأنثروبولوجي، والإشكاليات الفلسفية والأخلاقية.
ومن أهم المستشرقين المتخصصين في القرآن الكريم والدارسين له على أسس منهجية مرتبطة بعلم نقد العهد القديم، أو علم نقد الكتاب المقدس، المجموعة التالية التي نرتبها ترتيباً تاريخياً يسمح بمعرفة تطور هذه المدرسة في ألمانيا وبريطانيا، وظهور ممثلين لها في بعض المدارس الاستشراقية الأوروبية الأخرى:
1 - المستشرق الألماني هـ. إيفالد H.Ewald (1803-1875):
تخصص هـ. إيفالد في فقه اللغة العربية على يد دي ساسي (1758-1838) وعُين أستاذاً لفقه اللغة في جوتنجن، وأسس مع المستشرق فلايشر أسس دراسة اللغة العربية في ألمانيا. واشتهر إيفالد أيضاً بتعمقه في اللاهوت البروتستانتي فجمع بين التخصص في فقه اللغات السامية، ونقد العهد القديم، واللاهوت( ). وهي أهم تخصصات المستشرقين الألمان البروتستانت الذين اكتشفوا أهمية فقه اللغات السامية في فهم ((الكتاب المقدس))، واللاهوت النصراني. ومن أهم أعماله كتاب: ((قواعد اللغة العربية)) بالألمانية في مجلدين (ليبزج 1831-1833)، وفهرس المخطوطات الشرقية، والعروض العربية (رونشفيج 1825)، وشعر علي بن أبي طالب (الصحيفة الشرقية لفيينا العدد 2، 192)، وعديّ بن زيد (العدد 3، 54 من الصحيفة نفسها)، وترجم ((فتوح أرمينيا وبلاد ما بين النهرين)) للواقدي (جوتنجن 1827).
وقد تتلمذ عليه يوليوس فلهاوزن مؤسس علم نقد الكتاب المقدس والذي خلفه في جوتنجن، وقام بنشر أعماله بعد موته.
وقد استفاد إيفالد من منهج المستشرق الفرنسي أنطوان سلفستر دي ساسي عالم فقه اللغة الذي أرسى مبدأ الفصل بين معطيات الماضي العلمية ومتطلبات الحاضر أو العالم الراهن حتى لا يتأثر البحث العلمي بالقبول اللاشعوري بالآراء الشائعة، والنداء بضرورة الشك في التركيبات والتعميمات السهلة كشرط ضروري لبناء تركيبات أعلى جديدة على أساس علمي سليم. وأرسى دي ساسي أيضاً مبدأ الانفصال عن اللاهوت، أي انفصال المنهج العلمي عن اللاهوت( ). وقد طبق هذا في الدراسات التاريخية وانتهى إلى تطبيق منهج النقد التاريخي على الكتب المقدسة اليهودية والنصرانية. كما طبقه المستشرقون على الدراسات الإسلامية في القرن التاسع عشر. وقد اشتمل النقد التاريخي للعهدين القديم والجديد على نقدين: نقد النص من حيث النسخ المتعددة، وتحقيقها وتصحيحها فيما عُرف بالنقد النصيTextual Criticism ، ونقد مادة هذه النصوص والذي عُرف بالنقد العالي Higher Criticism.
وانطلاقاً من النقد الذي أرساه دي ساسي تأسس اتجاه المستشرقين في الدراسات القرآنية، وكان إيفالد، التلميذ المباشر لدي ساسي مع المستشرق فلايشر أول من طبق هذا المنهج المستمد من نقد العهد القديم على الدراسات الإسلامية والقرآنية. ولعل أهم إنجاز إيفالد في هذا الخصوص تأسيسه لمدرسة نقدية في الدراسات الإسلامية والقرآنية من أبرز أعضائها تلميذاه تيودور نولدكه (1836-1930) ويوليوس فلهاوزن (1844 - 1918).
2 - تيودور نولدكه Th. Nöldeke (1836-1930):
تلميذ إيفالد فقد تعلم عليه اللغات السامية، والفارسية، والتركية، والسنسكريتية في جامعة جوتنجن. ثم أكمل دراسته في جامعات ليبزج، وفيينا، ولايدن، وبرلين. وهو أستاذ اللغات السامية والتاريخ الإسلامي بجامعة جوتنجن (1861) وأستاذ التوراة واللغات السامية والسنسكريتية في جامعة كييل (1864). وأستاذ اللغات الشرقية في ستراسبورج، تتلمذ عليه عدد من كبار المستشرقين مثل زاخاو، وبروكلمان، وياكوب، وشوالي( ).
ويعدّ نولدكه بحق مؤسس الدراسات النقدية عن القرآن الكريم متأثراً بمنهجية دي ساسي وإيفالد. وهو صاحب تأثير كبير على المستشرقين من بعده في دراسة القرآن الكريم.
ويظهر التأثر بعلم نقد العهد القديم عند نولدكه في دراسته للقرآن الكريم في الأعمال التالية:
أ - رسالته للدكتوراه وعنوانها ((أصل وتركيب سور القرآن)) (1856-1860). وقد نال عليها جائزة مجمع الكتابات والآداب في باريس (1858). ويظهر من عنوان الرسالة تأثير المنهج في نقد العهد القديم. وهو منهج يقوم على دراسة المصدر أو المصادر، والبنية الأدبية للنص. ومن الواضح أن اهتمام نولدكه بتطبيق منهج نقد العهد القديم علي القرآن الكريم قد بدأ منذ إعداد رسالته للدكتوراه، وقد عين فيما بعد أستاذاً لنقد التوراة في جامعة كييل (1864)، فجمع بهذا بين التخصص في نقد التوراة ونقد القرآن( ).
وقد أعاد نولدكه النظر في رسالته للدكتوراه مرتين فقد أعاد كتابتها من أجل الحصول على جائزة مجمع الكتابات والآداب في باريس، ثم أعاد النظر فيها مرة ثانية، وقام بترجمتها من الفرنسية إلى الألمانية معطياً لها عنواناً جديداً يربطها أكثر بالمنهج في نقد العهد القديم فقد حمل الكتاب المنشور في جوتنجن عام 1860 عنوان: ((تاريخ النص القرآني)) من خلال البحث في تاريخ السور والآيات القرآنية. وقد اشتغل على هذا الكتاب المصدر في موضوعه عدد من المستشرقين فقد جدده المستشرق شوالي Schwally بعد تحقيقه والتعليق عليه في مجلدين نشر (ليبزج 1909-1919)، كما قام المستشرق برجشتراسر والمستشرق بريتسل بنشر الجزء الثالث منه في ليبزج 1926 - 1935، ثم أعاد طبعه منقحاً عام 1938. وهكذا يمكن القول بأن هذا الكتاب استغرق ما يزيد على ثمانين عاماً من العمل المتواصل بين تأليف وزيادة، وتنقيح، وتصحيح وترجمة، وذلك منذ إعداده كرسالة دكتوراه عام 1856م وحتى نشر برجشتراسر وبرتسل للجزء الثالث منه عام 1938 مع ملاحظة التطور الذي أدخل على العنوان من عنوان الرسالة ((أصل وتركيب سور القرآن)) إلى عنوان الكتاب ((تاريخ النص القرآني)).
ويشير العنوان المختار للكتاب إلى تطبيق تام لمنهج نقد العهد القديم على القرآن الكريم، فمدرسة نقد العهد القديم اهتمت بمسألة الوصول إلى تاريخ نصوص العهد القديم بداية بتاريخ النص التوراتي، وانطلاقاً إلى تحديد تواريخ لنصوص العهد القديم الأخرى.
وقد تحول كتاب نولدكه هذا إلى مصدر أساسي لكل الدراسات الاستشراقية عن القرآن الكريم. ويؤكد الدكتور محمد توفيق حسين هذه الحقيقة بقوله: ((وكتاب نولدكه وتلامذته هو الأساس لكل الدراسات اللاحقة في الموضوع، ويتضمن الخطوط العامة الجوهرية لمنهج المستشرقين في الدراسات القرآنية... وكل ما ينشر من كتب ومقالات عن القرآن يعتمد على الخطوط الجوهرية العامة لمنهج نولدكه وتلامذته الذي أصبح يُعرف بـ ((مدرسة نولدكه للدراسات القرآنية)) وقد اعتمدت المقالات الأساسية عن القرآن الكريم في دائرة المعارف البريطانية، ودائرة المعارف الإسلامية، ودائرة معارف بوردا الفرنسية على التعريف بالقرآن وفقاً لمنهج نولدكه الساعي إلى البحث عما يسمى بـ ((مصادر القرآن)). وهو هدف استشراقي يسعى إلى وضع تاريخ للقرآن، كما تم وضع تاريخ للتوراة ولبقية أسفار العهد القديم( ).
وتتضح خطورة منهج نولدكه المعتمد على نظرية المصادر الخاصة بالعهد القديم في أن الادعاء بأن القرآن له تاريخ يؤدي بالضرورة إلى ادعاء آخر بأن الإسلام دين له تاريخ، ومر بمراحل نشأة وتطور مثله في ذلك مثل الأديان الوضعية، وأن العقيدة الإسلامية عقيدة متطورة في التاريخ. وهذه الفكرة هي محور كل الكتابات الاستشراقية التي استخدمت مصطلح ((تاريخ)) مع القرآن الكريم ومع الإسلام مثل بعض العناوين الاستشراقية الشائعة: ((تاريخ القرآن))، ((تاريخ الإسلام))، تاريخ العقيدة الإسلامية، تطور العقيدة الإسلامية، تاريخ النص القرآني، أصل سور القرآن.. وغيرها من العناوين الاستشراقية الدالة على النشأة والتطور للنص القرآني، وللإسلام عقيدة وشريعة.
وهكذا تتبلور نظرية نولدكه في أن القرآن له تاريخ كنص، وبالتالي فالدين المعتمد على هذا النص دين تاريخي له نشأة وتطور انعكست في العقيدة والشريعة. وبشكل أكثر حدة تسعى نظرية نولدكه ومدرسته إلى القول بتعدد مصادر القرآن، ومن ثم الحكم بأن القرآن ليس وحياً كما يعتقد المسلمون.
وتعدّ نظرية نولدكه أخظر نظريات الاستشراق على الإطلاق. فهي تهدف إلى رفض الوحي القرآني، ورد القرآن الكريم إلى مصادر إنسانية لتحقيق الهدف الأكبر وهو إثبات تطور الإسلام وعقيدته. وقد اعتبر هذا الهدف الأساسي لكل الدراسات الاستشراقية حول القرآن الكريم. وهو هدف مرفوض إسلامياً رفضاً مطلقاً.
نقد منهج مدرسة نولدكه:
وقد وقع نولدكه ومدرسته في عدة أخطاء منهجية بعضها أخطاء استشراقية تقليدية، وبعضها مرتبط بنظرية المصادر في حالة تطبيقها على القرآن الكريم.
والخطأ الأول هو خطأ التعميم الذي وقع فيه المستشرقون، ومن بينهم نولدكه. وهذا الخطأ المنهجي الاستشراقي ينبع من الاعتقاد في أن ما ينطبق على اليهودية والنصرانية ينطبق بالضرورة على الإسلام، وأن ما ينطبق على النصوص الدينية المقدسة في اليهودية والنصرانية صالح للتطبيق على الإسلام، وذلك في تجاهل تام ومقصود لاختلاف طبيعة الإسلام عن اليهودية والنصرانية، واختلاف طبيعة القرآن الكريم عن طبيعة العهد القديم والعهد الجديد. ويخلط المستشرقون عادة بين خطأ التعميم وخطأ الإسقاط، أي إسقاط وضع الديانتين السابقتين ووضع كتبهما المقدسة على وضع الإسلام والقرآن الكريم. وتشير طبيعة الإسلام والقرآن إلى اختلاف جوهري فالقرآن الكريم ليس له تاريخ، وليس هناك في حالة القرآن الكريم ما يمكن أن نُسميه بتاريخ النص القرآني. وزمن الوحي القرآني لا يكوِّن تاريخاً. وهذا الزمن محصور بين بداية الوحي ونهايته، وهي فترة لا تسمح بتكوين تاريخ للقرآن الكريم يمكن أن نقابله بتاريخ التوراة، أو تاريخ العهد القديم، أو تاريخ العهد الجديد. فزمن الوحي لم يتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً وهي فترة تلقِّي الوحي في بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي المقابل نجد أن تاريخ النص التوراتي يقترب من ثمانمائة عام محصورة بين زمن نزول الوحي على موسى عليه السلام في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وزمن إخضاع هذا الوحي للكتابة والتدوين على يد عزرا الكاتب في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. وهي فترة طويلة جداً تحوَّل فيها الوحي التوراتي من وحي مكتوب إلى روايات شفوية انتهت إلى عملية تحرير وتدوين في القرن الخامس قبل الميلاد. فنحن هنا أمام نص له تاريخ تغير فيه شكل النص من نص مكتوب إلى نص شفوي على مدى ثمانية قرون سمحت بكل أنواع التحريف والتبديل قبل أن تخضع الروايات الشفوية لعملية تحرير وتدوين على يد عزرا الكاتب( ). وهناك قول يهودي مأثور يشير إلى هذا التاريخ الطويل للنص وهو يؤكد على أهمية عمل عزرا في تاريخ النص التوراتي حيث يقول بأنه إذا كان موسى (عليه السلام) هو الذي تلقى الوحي التوراتي فإن عزرا هو الذي دوَّنه وثبَّته( ). وما ينطبق على التوراة ينطبق على بقية أسفار العهد القديم. فكل سفر له تاريخه الطويل كنص قبل إغلاق العهد القديم، وتثبيت نصوصه. وهي عملية انتهت في القرن الثاني قبل الميلاد فيصبح تاريخ العهد القديم كنص يصل إلى ما يقرب من اثني عشر قرناً من الزمان. أما بالنسبة للعهد الجديد فلكل إنجيل من الأناجيل الأربعة تاريخه كنص وعلاقته بنصوص الأناجيل الأخرى( ).
إذن، لا وجه للمقارنة على الإطلاق بين نصوص العهد القديم والعهد الجديد والنص القرآني فيما يتعلق بمسألة تاريخ النص إذ لا توجد فترة زمنية فاصلة بين زمن نزول الوحي وحفظه وتدوينه فقد استغرق نزول الوحي القرآني وحفظه وتدوينه ثلاثة وعشرين عاماً، وهي لا تمثل تاريخاً على الإطلاق لأنها هي نفسها فترة نزول الوحي القرآني. وقد تمت هذه العملية في ضوء وعي وإدراك إسلامي قوي بما حدث لكتب الوحي السابقة من عمليات تحريف وتبديل، وتحذير قرآني وتذكير مستمر بوضع التوراة والإنجيل حتى لا يقع المسلمون في الخطأ نفسه. وقد كونت الآيات القرآنية التي تناولت هذا الموضوع نظرية قرآنية في نقد التوراة والإنجيل، أسست نظرية المصادر في قوله تعالى: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ [النساء: ٨٢] فالاختلاف والتناقض يشيران إلى التدخل الإنساني، وبالتالي تعدد المصادر. وأشارت الآيات القرآنية إلى كيفية إدخال المادة الإنسانية على الوحي الإلهي. في مثل قوله تعالى: ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ [المائدة: ٤١] وقوله تعالى: ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ [المائدة: ١٣] وقوله تعالى: ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [البقرة: ٧٩] وقوله تعالى: ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [البقرة: ٥٩] وقوله تعالى: ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ [البقرة: ٧٥] وتمثل نظرية التحريف والتبديل شكلين من أشكال النقد. فهي تعطي نقداً دينياً يؤكد على حدوث التغيير في النص، وبالتالي في الدين المعتمد على النص. وفي الوقت نفسه يشير مصطلحا ((التحريف والتبديل)) إلى طبيعة العملية التي تم التغيير من خلالها. فهما مصطلحان يجمعان بين مواصفات النقد الديني والنقد الأدبي. وقد أصبح هذان المصطلحان من أسس الجهاز النقدي Apparatus Criticus لمدرسة فلهاوزن في نقد العهد القديم. وقد استعارهما فلهاوزن من القرآن الكريم في بناء نظرية تعدد المصادر وفي نقده النصي للتوراة Textual Criticism، وأيضاً في نقده المصدري Source Criticism، وأخيراً في نقده لمادة النصوص، فيما يعرف بالنقد العالي Higher Criticism( ).
وإذا كانت نظرية ((تاريخ النص)) وبالتالي تعدد مصادره لا تنطبق على القرآن الكريم، فإن النتيجة الدينية الناتجة عن النقدين النصي والمصدري لم تحدث مع الإسلام. ونقصد بالنتيجة الدينية أنه إذا كان للنص تاريخ فالدين الناشئ عن النص له كذلك تاريخ. وهذا هو وضع اليهودية والنصرانية. فتاريخ التوراة، وأسفار العهد القديم، وأسفار العهد الجديد انعكس بالضرورة على اليهودية والنصرانية. فهما ديانتان تاريخيتان. وكل ديانة منهما لها تاريخ ينقسم إلى عصور. وبالنسبة لليهودية وحسب التقسيمات اليهودية لتاريخها هناك ما يعرف بيهودية التوراة، ويهودية الأنبياء، ويهودية العهد القديم ككل، ويهودية التلمود بعد انتهاء عصر العهد القديم. وهذه أقسام داخل إطار اليهودية التقليدية الحاخامية، أو يهودية الربانين. ولا تدخل في هذه الأقسام أو العصور اليهوديات التي طورتها الفرق اليهودية مثل يهودية السامريين والقرائين قديماً، والفرق اليهودية الحديثة والمعاصرة. واختلفت هذه الفرق حول حجم النص الديني المقدس بين الاعتراف بأسفار موسى الخمسة فقط، والاعتراف بالعهد القديم ككل( ).
وبالنسبة للنصرانية، فقد أدى تاريخ النص إلى تطور عدة نصرانيات من بينها ديانة عيسى عليه السلام، والنصرانية اليهودية Jewish Christianity، ونصرانية الأناجيل المختلفة، ونصرانية بولس، ونصرانيات المذاهب الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والبروتستانتية. وفي مقابل هذا التطور العقدي الناتج عن تاريخ النص، والمؤدِّي إلى تطور تاريخ لليهودية وتاريخ للنصرانية لا يوجد تاريخ للإسلام. فهناك توافق تام بين القرآن كنص والإسلام كدين. ولا يوجد إسلام خارج حدود النص القرآني، وبالتالي لا يوجد تطور عقدي، أو عصور للإسلام. وهنا يجب عدم الخلط بين الإسلام، وتاريخ المسلمين. فالتاريخ الموجود هو تاريخ المسلمين، وليس تاريخ الإسلام. والإسلام ليس مقسماً إلى عصور، كما أنه ليس مرتبطاً بالشعوب. فليس هناك ما يمكن تسميته بإسلام في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، أو إسلام الخلفاء الراشدين، أو إسلام أموي، أو عباسي، أو عثماني، أو غير ذلك. كما لا يوجد ما يسمى بإسلام أفغاني، أو إسلام هندي، أو إسلام إفريقي، أو إسلام عربي، أو فارسي أو تركي، أو غير ذلك. فهذه التقسيمات لا توجد إلا في أذهان المستشرقين الذين يُسقطون أوضاع اليهودية والنصرانية على الإسلام( ). وهكذا نجد أن نظرية نولدكه ومدرسته لا تنطبق على القرآن، أو على الإسلام لانعدام الصفة الأساسية التي اعتمدت عليها هذه المدرسة وهي الصفة التاريخية للنص، وللدين المستند إلى النص.
3 - يوليوس فلهاوزن J.Wellhausen (1844-1918):
مع الاعتراف بجهود النقاد السابقين فإن فلهاوزن يعد بحق المؤسس والمطور الحقيقي لعلم نقد العهد القديم. فقد استفاد من الجهود النقدية السابقة وطورها ووضعها داخل إطار علم مستقل من العلوم الدينية النقدية في الغرب، وقد استفاد فلهاوزن بشكل كبير من جهود المسلمين في نقد التوراة، ولم تتحقق هذه الاستفادة بهذا الحجم لأحد من المستشرقين السابقين عليه إذ تميز فلهاوزن بالجمع بين التخصص في العهد القديم والتخصص في القرآن الكريم وفي الدراسات الإسلامية( ).
وقد بدأ فلهاوزن بدراسة اللاهوت المرتبط بالتوراة ونقدها، ودرس اللغات الشرقية على إيفالد في جوتنجن. وقد خلف إيفالد فيها، وقد تنوع إنتاجه بين دراسات مرتبطة بالعهد القديم والديانة اليهودية، وتاريخ بني إسرائيل، ودراسات إسلامية مرتبطة بالإسلام والتاريخ الإسلامي، والقرآن الكريم، والفرق الإسلامية، والوثنية العربية القديمة. ومن أهم أعماله: تاريخ اليهود، ومحمد في المدينة، وبقايا الوثنية العربية (1887)، والتمهيد للتاريخ الإسلامي (ستة أجزاء) (برلين 1887) والاستهلال لأقدم تاريخ في الإسلام مع نقد المصادر (برلين 1884 - 1889). واشتغل بتحقيق الطبري ((وعرف بشخصيات الرواة في الطبري وحللها وعدّلها وجرّحها)) وله الأحزاب المعارضة في الإسلام قديماً (1901) والعرب والروم (جوتنجن 1901)، والسيادة العربية، وتاريخ الدولة الأموية وحروبها مع الروم (برلين 1901)، والخوارج والشيعة، والدولة العربية وسقوطها (برلين 1902) وله دراسة عن القرآن في المجلة الشرقية الألمانية (1913)( ).
ومن أهم دراساته في الديانة اليهودية وفي تاريخ بني إسرائيل وأسفار العهد القديم: نص سفري صموئيل (1871) وكتاب الفريسي والصدوقي (1874) وكتاب: تأليف الأسفار الستة (1889) ومدخل إلى العهد القديم (1878-1893) وتاريخ الإسرائيليين (1878) أو: مقدمة إلى تاريخ إسرائيل القديمة (1885) والتاريخ الإسرائيلي واليهودي (1894)( ).
ولقد أكمل يوليوس فلهاوزن أسلوب البحث في أسفار العهد القديم، ووضع قانون التطور التدريجي الثابت في كل المناهج التاريخية، والذي يرى أنه من المستحيل للحياة الاجتماعية والدينية أن تكون متجمدة وثابتة بدون تغيير( ). وقد طبق هذا المنهج التأريخي على حياة جماعة بني إسرائيل وعلى أسفار التوراة وانتهى إلى أن التوراة نتاج عصر متأخر، وعدّ المصدر الكهنوتي آخر مصادر التوراة وليس المصدر التثنوي، وأن التوراة مشروع كهنوتي خالص( ).
وقد دخل فلهاوزن إلى حقل الدراسات الإسلامية والقرآنية بعد أن تمكن من المنهج في نقد العهد القديم وفقاً لنظرية المصادر، والتزاماً بفكرة النشوء والارتقاء في الفكر الديني والتاريخي والناتجة عن الاعتقاد في خضوع الدين والتاريخ لعوامل النشوء والتطور نتيجة تغير الحياة وتطورها( ). وبعد أن ذاعت شهرة فلهاوزن في مجال دراسات العهد القديم والديانة اليهودية انتقل لدراسة الإسلام والقرآن الكريم والتاريخ الإسلامي منشغلاً بقضية المصادر لإثبات الأفكار السابقة نفسها التي طبقت على اليهودية والنصرانية، وهي أفكار النشأة والتطور. فتوسع فلهاوزن في تطبيق النقد المصدري على القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي. وقد اهتم أيضاً بالبحث عما يسميه بمصادر الدين الإسلامي، ونمو العقيدة وتدرجها، ودراسة المذاهب والفرق باعتبارها معبرة عنده وفي مدرسته عن التطور المرتبط بتغير الظروف والبيئات العرقية، والاجتماعية، والسياسية التي انتشر فيها الإسلام، وأصبح هدف الدراسات القرآنية عند فلهاوزن ومدرسته البحث في نشأة العقيدة الإسلامية وتطورها، والعوامل الفاعلة في كل ذلك( ).
وقد تداخلت عند فلهاوزن دراسات العهد القديم واليهودية مع دراسات القرآن الكريم والإسلام مطبقاً نفس المنهج المرتبط بالبحث عن المصادر وعوامل النشأة والتطور، وإعادة تركيب الفكر الديني. ويبدو هذا التداخل صريحاً في الاستفادة المتبادلة التي تمت على يد فلهاوزن في محاولة فهم تاريخ اليهودية وتاريخ بني إسرائيل في ضوء التاريخ العربي القديم والديانة العربية القديمة، وأيضاً محاولة فهم القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي المبكر في ضوء النقد المصدري والتاريخي الذي طبقه على العهد القديم. ويشرح ألبرت حوراني هذا التداخل المنهجي عند فلهاوزن بقوله: ((كان نقد الكتاب المقدس يمثل خطاً لمحاولة علمية مرتبطة بفقه اللغة ارتباطاً قوياً، وهو يعني دراسة نصوص العهد القديم والعهد الجديد من خلال التحليل اللغوي الدقيق من أجل معرفة متى كتبت هذه النصوص وبواسطة من؟ وما هي علاقة هذه النصوص بعضها ببعض؟ وما هي الحقيقة التاريخية التي تعكسها بشكل مباشر أو غير مباشر؟ وسيؤدي هذا الخط من البحث إلى نتائج مهمة لدراسة الإسلام ( ). وبالنسبة للعهد القديم فإن نتائج النقد العالي قد عبر عنها يوليوس فلهاوزن تعبيراً محدداً في كتابه ((تاريخ إسرائيل)) المنشور عام 1878 حيث ناقش فلهاوزن فكرة ظهور اليهودية كديانة توحيد تركز على الأخلاقيات التي نادى بها الأنبياء من خلال دين موسى السابق، وأن الشريعة والشعائر ظهرت بعد ذلك. كما أن دراسة العهد الجديد أدت إلى الاعتقاد في أن ((عيسى التاريخ)) جاء أولاً ثم تطورت بعد ذلك المعتقدات والمؤسسات الدينية التي سميت بالنصرانية( ).
ونلاحظ أن رأي فلهاوزن في المسألتين يتفق تقريباً مع الرأي الإسلامي: فالقرآن الكريم ركز على التوحيد والأخلاقيات المستمدة منه معتبراً ذلك أساس اعتقاد بني إسرائيل. ولعل الفارق هنا بين رأي فلهاوزن والرأي الإسلامي يكمن في عدم عزل موسى عليه السلام عن بقية أنبياء بني إسرائيل في القرآن الكريم، وعدم اعتباره ممثلاً لمرحلة مستقلة في تاريخ ديانة بني إسرائيل. فهو مجرد حلقة في سلسلة أنبياء التوحيد، كما يرفض الإسلام الحديث عن دين موسوي وديانة يهودية، وكأنهما كيانان دينيان مستقلان. وبالنسبة للنصرانية نجد أيضاً اتفاقاً في النتيجة التي توصل إليها فلهاوزن مع الموقف الإسلامي، فدعوة عيسى عليه السلام في التاريخ انفصلت عن التطور الديني اللاحق الذي أنتج ما أصبح يسمى بالنصرانية.
وفي الوقت نفسه نجد أن هذه النظرية التي طورها علم نقد الكتاب المقدس على يد فلهاوزن ومدرسته لا تنطبق على الإسلام. فالنظرية تفصل بين ما تسميه بالمؤسس، أو البطل الديني، أو النبي، وبين الدين الذي تم تأسيسه. وهكذا تم الفصل بين موسى عليه السلام والديانة اليهودية، وكذلك الفصل بين عيسى عليه السلام والديانة النصرانية. هذا الفصل لا ينطبق على حالة الإسلام. فصفات ((المؤسس)) والبطل الديني)) و ((الرجل المقدس)) لا تنطبق على الرسول عليه الصلاة والسلام. والصفة الوحيدة التي انطبقت عليه هي صفة ((النبي)). الأمر الثاني أنه لا يوجد فصل بين محمد النبي (عليه الصلاة والسلام) والإسلام كما حدث في شأن موسى وعيسى عليهما السلام. فالإسلام هو النتيجة المباشرة للوحي القرآني، ولم يتطور الإسلام بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما بدأ الإسلام وكمل مع تمام الوحي الذي نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام،: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [المائدة: ٣] ولم يكن الإسلام في حاجة إلى إعادة تركيب حسب رؤية فلهاوزن لليهودية والنصرانية كما أن الشريعة والشعائر لم يتأخر ظهورها عن عصر الرسول عليه الصلاة والسلام. فالقرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام احتويا عليهما كما احتويا على العقيدة. ولا توجد مراحل فاصلة بين النبي والوحي من ناحية، وتطور الشريعة والعبادات من ناحية أخرى. كما أنه لم ينشأ في الإسلام ما يمكن تسميته ((دين محمد)) عليه الصلاة والسلام على نمط دين موسى ودين عيسى عليهما السلام من ناحية، والإسلام منفصلاً عن دين محمد عليه الصلاة والسلام من ناحية أخرى، كما انفصلت اليهودية عن دين موسى عليه السلام، والنصرانية عن دين عيسى عليه السلام حسب رؤية فلهاوزن.
وهكذا نرى أن تعميم منهجية فلهاوزن ونظريته على الإسلام خطأ منهجي بني على فهم تاريخي لليهودية والنصرانية لم يحدث مع الإسلام. فانفصال موسى في التاريخ عن اليهودية، وانفصال عيسى في التاريخ عن النصرانية لم يحدث في حالة الإسلام. ولا توجد في الإسلام هذه الازدواجية بين دين للنبي عليه الصلاة والسلام، ودين تطور بعد عصره عليه الصلاة والسلام. كما أنه لا يوجد نشأة وتطور في شأن الإسلام كدين، فالإسلام لم يمر بالظروف التاريخية والدينية نفسها التي مرت بها اليهودية والنصرانية، والتي ترتب عليها هذا الفصل بين عصر النبي وديانته، واعتبار ديانته تطوراً حدث بعد عصره. والنتيجة النهائية لهذا الفصل أنه لم يعد فقط فصلاً بين نبي ودينه بل أصبح فصلاً بين النص الديني الذي تلقاه النبي وبين الدين الذي تأسس بعد ذلك. فاليهودية في التاريخ لم تتأسس على توراة موسى عليه السلام، كما أن النصرانية لم تتأسس على إنجيل عيسى عليه السلام. والأسباب واضحة: فالتوراة والإنجيل ضاعت نصوصهما الأصلية، والدين الناشئ بعد ذلك اعتمد على نصوص أخرى متأخرة عن النص الأصلي الضائع. فاليهودية بنيت على نص التوراة الكهنوتية الحالي، وعلى نصوص أسفار العهد القديم الأخرى، وعلى التلمود وغيره من الكتابات الدينية اليهودية. والنصرانية بنيت على نصوص أخرى ليس من بينها إنجيل عيسى عليه السلام ولكن على مجموعة الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل، وقرارات المجامع الكنسية، وقرارات المذاهب النصرانية المختلفة والمتأخرة في التاريخ عن عصر عيسى عليه السلام مثل الأرثوذكسية والآريوسية، والكاثوليكية، والبروتستانتية.
أما في الإسلام، فالصلة بين الإسلام والقرآن الكريم صلة عضوية حيث تأسس الإسلام على أساس من النص القرآني الذي لم يتعرض للضياع من ناحية، ولم ينافسه نص آخر أو نصوص أخرى في تأسيس الإسلام. فوحدة الإسلام مستمدة من وحدة مصدره وهو القرآن الكريم.
4 - إجناس جولدتسيهر (1850-1921):
يعد المستشرق اليهودي المجري إجناس جولدتسيهر (Ignaz Goldziher 1850-1921م) عمدة المستشرقين اليهود في التاريخ الحديث بل يعد بحق أهم عالم مستشرق ظهر في الغرب خلال القرون الثلاثة الأخيرة. وهو المسؤول عن إحياء الاهتمام اليهودي بالدراسات الإسلامية والعربية في العصر الحديث. وهو الذي وضع قاعدة الدراسات الإسلامية وأسسها بالنسبة للاستشراق الحديث على وجه العموم، وأعماله في مجال الدراسات الإسلامية لا يستغني عنها مستشرق كما أن تأثيرها امتد إلى العالم الإسلامي حيث يعتمد عليها العديد من العلماء المسلمين وبخاصة الذين وقعوا منهم تحت تأثير الفكر الاستشراقي والمنهجية الاستشراقية. وهو صاحب الادعاء بأنه لا يوجد نص موحد للقرآن الكريم اعتمادا على فهمه الخاطئ لتعدد القراءات( ).
وقد تلقى تعليمه الاستشراقي في مدارس بودابست، وليبزج، وبرلين، ولايدن. وتتلمذ على فليشر تلميذ سلفستر دي ساي ومن المعروف أيضاً أنه أول مستشرق أوروبي يدرس في جامعة الأزهر على بعض شيوخ الأزهر المعروفين وبخاصة الشيخ محمد عبده وهو من مؤسسي دائرة المعارف الإسلامية وقد شارك في الإشراف على تحريرها، وكتب فيها العديد من المواد الإسلامية. وكان عضواً في عدد كبير من المجامع العلمية. وله مؤلفات عديدة مهمة في مجال الدراسات الإسلامية يعد بعضها من الأعمال الكلاسيكية في التخصص، ولها تأثير كبير على أجيال من المستشرقين اليهود وغير اليهود. وقد برز إجناس جولدتسيهر في مجال دراسة العقيدة والشريعة الإسلامية، وله كتابان في غاية الأهمية ولذلك تمت ترجمتهما إلى معظم لغات العالم الأساسية. كما تمت ترجمتهما إلى اللغة العربية. الكتاب الأول هو: ((العقيدة والشريعة في الإسلام)) وهو يحمل في طبعته الألمانية الأصلية عنوان ((الإسلام)) ألفه إجناس جولدتسيهر عام (1910), وترجم إلى الفرنسية عام (1920) وقد تمت الترجمة العربية عن الترجمة الفرنسية وقام بها الدكاترة محمد يوسف موسى، وعلي حسن عبد القادر، وعبد العزيز عبد الحق. أما الكتاب الثاني فهو ((مذاهب التفسير الإسلامي)) ترجمه الدكتور عبد الحليم النجار (1955م).
وقد تأثر جولدتسيهر بالمدرسة الألمانية في الدراسات القرآنية والإسلامية، وكان على معرفة بأعمال نقد الكتاب المقدس في علم اللاهوت البروتستانتي، وارتباطه بفقه اللغة( )، وجمع بين دراسات العهد القديم ودراسة القرآن الكريم. وقد أنتج في التخصص الأول أحد أهم أعماله، وهو كتاب ((الأساطير بين العبريين))( )، وقد قبل نتائج علم نقد ((الكتاب المقدس)) وطبقها على اليهودية متأثراً بأفكار المستشرق اليهودي أبراهام جايجر 1810 – 1874 صاحب الكتاب المعروف ((ماذا أخذ محمد من اليهودية ؟))( ).
كما قبل جولدتسيهر نتائج نقد العهد القديم التي توصل إليها إيفالد وفلهاوزن وساهم فيها جايجر، وبخاصة فيما يتعلق بتاريخ الديانة اليهودية فقد قبل جولدتسيهر الرأي النقدي القائل بأن اليهودية الصحيحة هي أساساً التوحيد الذي أتى به الأنبياء( )، وأن الشريعة والشعائر تطور متأخر، وأنهما نتاج عصور وأماكن مختلفة، وأن النصوص الدينية اليهودية يجب أن تدرس داخل إطار سياقها التاريخي( ). وقد اعترف جولدتسيهر بأفضلية الإسلام على اليهودية والنصرانية فيما يتعلق بالموقف من التوحيد. فقد ورد في مذكراته: ((إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي منع الشعوذة والعناصر الوثنية عن طريق التعاليم السنية وليس من خلال العقلانية. لقد اتجه أسلوب تفكيري نحو الإسلام، وكذلك تعاطفي معه... ولم أكذب حين قلت أنني أؤمن ببعثة محمد النبوية... إن ديني كان الدين العالمي للأنبياء))( ). ويعلق ألبرت حوراني على قول جولدتسيهر هذا قائلاً: ((بدا الإسلام لجولدتسهير وكأنه الدين الذي يجب أن تسعى إليه كل الأديان... توحيد خالص، واستجابة نقية (غير ملوثة) لنداء الله للفؤاد الإنساني... لقد مثل الإسلام محكاً (أو معياراً) يحكم من خلاله على الأديان التوحيدية الأخرى. وأراد أن يفعل ما يجب عليه أن يفعل لكي يستعيد اليهودية إلى ما يعتقد أنه حقيقتها))( ).
والفكرة الرئيسية في منهج النقد التاريخي أن الأديان تمر بمراحل نشأة وتطور في التاريخ وأنها خلال حياتها تخضع لقانون التأثير والتأثر. فالدين السابق يؤثر في الدين اللاحق، وأن الديانات عموماً خاضعة للمؤثرات التاريخية، فهي ديانات تاريخية متطورة في التاريخ، ونمت عبر قرون من الزمن ومن خلال اتصالها بالأديان والمذاهب الأخرى. وقد سمحت طبيعة الديانتين اليهودية والنصرانية بتطبيق هذا المنهج العلمي التاريخي وذلك لأنهما رغم اعتمادهما على الوحي الإلهي فقد خضعتا للتطور التاريخي وعندما طبق هذا المنهج ونجح في مجال الدراسات اليهودية والنصرانية انتقل العلماء إلى تعميمه وتطبيقه على كل الأديان الأخرى. ولأن كل أديان العالم باستثناء الإسلام ديانات تاريخية فقد نجح منهج النقد التاريخي في دراستها. واعتقد جولدتسيهر أن الإسلام يمكن دراسته وفهمه من خلال المنهج نفسه.
وقد أخضع جولدتسيهر النصوص الدينية والتشريعية الإسلامية للدراسة داخل إطار ما سماه بسياقها التاريخي، وطبق المنهج النقدي العقلي على دراسة الحديث النبوي، وأنتج بعض الأعمال التي عدّها المستشرقون بداية لمرحلة علمية جديدة في دراسة الإسلام من خلال تحديد ((التطور الديني للإسلام)) مع الاهتمام بالاختلافات الدينية الداخلية، كما مثلتها الفرق الدينية، والتعامل مع الحديث النبوي من منطلق النقد العلمي الغربي، وتفسير تطور الفقه الإسلامي من خلال اختلاف المذاهب الفقهية . وقد وضع جولدتسيهر بذلك حجر الأساس لعلم الإسلاميات في الغرب.
وبدأت في الظهور مجموعة من الأعمال العلمية التي تشير إلى المنهج النقدي التاريخي، وانتشرت بين المستشرقين مصطلحات مثل ((تاريخ القرآن))، و ((تاريخ الحديث النبوي))، ((وتاريخ الفقه الإسلامي))، وأيضاً ((تاريخ الإسلام)). وكلها تشير إلى هذا الانبهار بالمنهج النقدي التاريخي. وكان هدف المستشرقين من استخدامهم لهذا المنهج إثبات عدم أصالة الإسلام كدين، وأنه دين متأثر تاريخياً بالأديان السابقة عليه وبخاصة اليهودية والنصرانية، فهو إذن دين له تاريخ. وأن الحديث النبوي له نشأة وتطور داخل التاريخ الإسلامي، وأن الشريعة الإسلامية مأخوذة عن الشرائع اليهودية والنصرانية والرومانية. وأن الحضارة الإسلامية تعود إلى أصول يونانية، وهندية، وفارسية، ويهودية، ونصرانية... إلى آخر هذه الدعاوى والافتراءات التي اعتقد جولدتسيهر والمستشرقون التابعون لمدرسته أنه من خلالها يمكن النيل من أصالة الدين الإسلامي وتشويه صورته كدين مستقل، وتشويه أصالة الحضارة الإسلامية بردها إلى مصادر أجنبية.
وبداية نقول إن الخطأ المنهجي الذي وقع فيه جولدتسيهر هو خطأ التعميم في المنهج والاعتقاد أن المنهج الذي يصلح لدين معين يصلح لكل الأديان. والتعميم المنهجي يعني أن الموضوع المدروس واحد ولا يوجد اختلاف بين اليهودية والنصرانية والإسلام. وهذا خطأ منهجي مقصود لأن المسألة لا تنم عن جهل بطبيعة الإسلام وحقيقة اختلافه عن اليهودية والنصرانية، ولكنها مسألة تجاهل لهذه الطبيعة لتحقيق أهداف معروفة للاستشراق العام وللاستشراق اليهودي على وجه الخصوص. والوجه الآخر للقضية كما ذكرنا هو إسقاط مواصفات اليهودية والنصرانية على الإسلام والاعتقاد في صلاحية منهج دراسة هاتين الديانتين لدراسة الإسلام.
والنقطة النقدية المهمة التي نواجه بها جولدتسيهر ومدرسته في النقد التاريخي هي أن منهج النقد التاريخي يصلح لما هو تاريخي، ولا يصلح لما هو غير تاريخي. وقد صلح هذا المنهج في تطبيقه على اليهودية والنصرانية لأنهما ديانتان تاريخيتان. ولا يصلح للتطبيق على الإسلام لأن الإسلام ليس ديناً تاريخياً.
فالإسلام ليس له تاريخ لأنه إلهي النشأة من ناحية، ولأن مصدره إلهي فقد وُلد الإسلام كاملاً. وقد اكتمل الإسلام بتمام الوحي الإلهي، وعمر الإسلام هو عمر الوحي الإلهي الذي لم يتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً، هي فترة نزول الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام. ومع نزول آخر آية قرآنية تم الوحي واكتمل الإسلام. وفي هذا يقول القرآن الكريم: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮊ [المائدة: ٣] وليس للإسلام تاريخ سابق على نزول القرآن وليس له تاريخ لاحق على تمام نزول القرآن. لقد ظهر الإسلام مع بداية الوحي واكتمل مع نهاية الوحي. وهي فترة قصيرة لا تعطي نشأة ولا تاريخاً، ولا تتضمن تطوراً.
ولا يفهم هذا الوضع للإسلام إلا بمقارنته بالوضع في اليهودية والنصرانية. فاليهودية ظلت ديانة قابلة للتغيير منذ نشأتها وحتى الآن. ومن المعروف أن طبيعة كتاب العهد القديم فرضت التغير على اليهودية. فالتوراة نزلت على موسى عليه السلام في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وضاعت هذه التوراة الأصلية، وبقيت روايات عنها توارثتها الأجيال اليهودية من بعد عصر موسى عليه السلام، تضيف إليها، وتحذف منها حتى عصر عزرا الكاتب في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. وينسب إلى عزرا فضل تثبيت نص التوراة بعد تحريره من عدة روايات شفوية ظلت متداولة من بعد عصر موسى عليه السلام( ). ومعنى هذا أن التوراة ظلت كتاباً مفتوحاً قابلاً للزيادة والنقصان، وللتغيير والتبديل لمدة ثمانية قرون، وذلك من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس قبل الميلاد. وقد احتل عزرا مكانة عظيمة في تاريخ الديانة اليهودية لأنه أول من حرر التوراة وثبت نصها، ولم تمتد إليها الأيدي اليهودية بالتغيير بعد ذلك وسمى عزرا بعزرا ((الكاتب)) إشارة إلى هذه الأهمية. فهو كاتب التوراة. وما يقال عن كتب التوراة يصدق على بقية أسفار العهد القديم.
والحقيقة أن التطور التاريخى الذي مرت به اليهودية يعود إلى عدم ثبات نص التوراة حتى قام عزرا بهذه المهمة الكبيرة. فالدين مرتبط عادة بمصدره. وإذا كان المصدر متحركاً في التاريخ وغير ثابت، فالدين المعتمد على هذا المصدر يصبح هو أيضاً متطوراً في التاريخ ولا يتصف بالثبات.
هذه الحالة لم تحدث مع القرآن الكريم الذي تم جمعه وتدوينه وحفظه خلال حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس هناك ما يمكن أن نسميه بتاريخ للقرآن الكريم نقابله بتاريخ التوراة أو تاريخ العهد القديم، أو تاريخ ((الكتاب المقدس)) فالقرآن ليس له تاريخ. واتصف الإسلام أيضاً بصفة كتابه المقدس، فأصبح الإسلام بلا تاريخ. وهذه صفة للإسلام وكتابه لم تتكرر مع أي دين آخر ولا مع أي كتاب مقدس آخر. وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم: ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر: ٩].
ورغم هذه الحقيقة فإن المستشرقين وعلى رأسهم جولدتسيهر يغالطون، ويقلبون الواقع، ويزيفون الحقائق، ويعممون في الأحكام بدون مراعاة لطبيعة الإسلام، ورؤية الدين الإسلامي لنفسه. إنهم يفرضون فهمهم على فهم المسلمين لدينهم ويتصورون أن ما حدث لدينهم يمثل قاعدة لكل الأديان الأخرى. ويخطئ جولدتسيهر حين يتصور أن تاريخية اليهودية تحتم أن يكون الإسلام أيضاً ديناً تاريخياً، فاليهودية خضعت للتاريخ بينما الإسلام لم يخضع للتاريخ، وقد أثبت التاريخ تهافت منهج النقد التاريخي، وعدم صلاحيته في دراسة الإسلام.
4 - أهم تلاميذ نولدكه وفلهاوزن وجولدتسيهر في الدراسات القرآنية:
قدمت دراسات نولدكه وفلهاوزن وجولدتسيهر الأساس المنهجي للدراسات القرآنية عند المستشرقين حتى يومنا الحالي. وبالنسبة لفلهاوزن فإن مدرسته الخاصة بنقد ((الكتاب المقدس)) لاتزال تعمل إلى يومنا هذا. وعلى الرغم من النقد الذي وُجِّه إلى نظريته فقد تم تطوير هذه النظرية وأصبحت تمثل الأساس المنهجي لنقد العهد القديم( ). وهكذا سيطرت مدرسة فلهاوزن على اتجاهات دراسات نقد العهد القديم. واتجاهات دراسات ((نقد القرآن الكريم)) استناداً إلى نظرية المصادر، ونقلاً لمنهجية النقد وآلياته بشكل شبه حرفي من مجال نقد العهد القديم إلى مجال دراسة القرآن الكريم. وقد ظهر عدد من المستشرقين الملتزمين بنظرية المصادر عند فلهاوزن في دراساتهم القرآنية.
وبدون الدخول في تفاصيل إنتاج هذه المدرسة سنستعرض فيما يلي أهم المستشرقين المشتغلين في الدراسات القرآنية على منهج نولدكه وفلهاوزن وجولدتسيهر مع ذكر خلفياتهم العلمية في مجال نقد العهد القديم ((ونقد القرآن الكريم))، وذكر أهم أعمالهم في المجالين. وسنحاول ترتيب تلاميذ مدرسة نولدكه وفلهاوزن وجولدتسيهر ترتيباً تاريخياً حتى تتضح تأثيرات هذه المدرسة على مستوى الحركة الاستشراقية بشكل عام.

هرتويج هيرشفيلد H.Hirschfeld (1854 - 1934)
جمع بين الدراسات اليهودية والإسلامية: ومن أهم أعماله الدراسات اليهودية الإسلامية (مجلة الفصول اليهودية 1910-1911) والإسلام واليهودية (المجلة الآشورية 1912) وقد نشر كتاب الكوزاري ليهودا اللاوي بنصه العربي (ليبزج 1886-1887) والشعر المنسوب إلى السموأل (مجلة الجمعية الآسيوية 1907) ونشر ديوان حسان بن ثابت بعد مقابلته بمخطوطات لندن وبرلين وباريس وبطرسبرج (منشورات لجنة جيب التذكارية لندن 1910).
ومن أهم أعماله في تطبيق نظرية نولدكه وفلهاوزن في الدراسات القرآنية كتابه: بحوث جديدة في ترتيب القرآن وتفسيره (لندن 1902)( ).
س فرانكيل S. Fraenkel (1855- 1909):
تتلمذ بشكل مباشر على نولدكه وكان موضوع رسالته للدكتوراه: ((الكلمات الأجنبية في القرآن)). تخصص في اللغات الشرقية، وعين أستاذاً لأصل اللغات في جامعة برسلاو.
ومن أهم أعماله في الدراسات القرآنية رسالته التي تم نشرها في لايدن 1878 العنوان السابق نفسه. وله أيضاً كتاب الإسلام ومحمد (لايدن 1880) وكتاب: الكلمات الدخيلة من الآرامية على العربية القديمة (لايدن 1886)، والمعجم العربي (1906)، والقانون الإسلامي (الدراسات الشرقية لنولدكه 1906)( ).
إد مالير Ed. Mahler (1857-1945):
عين أستاذاً للغة العربية في بودابست، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق. ومن أهم أعماله في مجال القرآن الكريم: ((دليل القرآن)) وقد جمع فيه مفردات القرآن وأفعاله، وحروف الجر والعطف معتمداً على فلوجيل (ليبزج 1881) وتم ترقيم السور والآيات ترقيماً يخدم هذه الغاية (باريس 1925)( ).
فردريك شفالي Fr. Schwally (1863-1919):
من تلاميذ نولدكه المباشرين فقد تعلم عليه اللغات الشرقية، وله الفضل في إعادة طبع كتاب نولدكه: تاريخ النص القرآني بعد تحقيقه، والتعليق عليه في مجلدين (ليبزج 1909 - 1919) وأتم برجشتراسر وبريتسل الجزء الثالث من كتاب نولدكه (1926 - 1935). وله أيضاً دراسة عن القرآن نشرت في مجلد تكريم المستشرق زاخاو 1915م( ).
كارل بروكلمان C. Brockelman (1868-1956):
درس اللغات السامية على نولدكه، واهتم بدراسة فقه اللغة العربية، وتخصص أيضاً في التاريخ الإسلامي وفي تاريخ الأدب العربي. واهتم بدراسة المصادر، وبخاصة في رسالته للدكتوراه وموضوعها: ((العلاقة بين كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير وبين كتاب أخبار الرسل والملوك للطبري)) (ستراسبورج 1890)، وله في تاريخ الأدب العربي: مختصر تاريخ الآداب العربية (ليبزج 1901، 1909)، وتاريخ الآداب النصرانية في الشرق (ليبزج 1907، 1909)، وفي الإسلام له: تاريخ الإسلام من بدئه إلى اليوم (في كتاب تاريخ العالم، المجلد الثالث برلين 1910)، وكتاب: الله والأوثان: أصل التوحيد الإسلامي (مجلة علم الديانات 21، 1922)، وله: تاريخ الشعوب والدول الإسلامية خمسة أجزاء (ميونيخ برلين 1939، 1953)( ).
ويلاحظ على معظم هذه الأعمال الاهتمام بالدراسة المصدرية من ناحية، وعملية التأريخ من ناحية أخرى في ارتباط مباشر بنظرية نولدكه وفلهاوزن. ولفظة ((تاريخ)) في كتابه ((تاريخ الإسلام)) تشير إلى الاعتماد على فكرة النشوء والتطور للإسلام، وعبارة ((أصل التوحيد)) في كتابه الثاني تشير إلى نفس الاتجاه المصدري في دراسة الإسلام وعقيدته.
بول كاله P. Kahle (1875-1964):
تعلم اللغات الشرقية في جامعات ماربورج وهاله وبرلين. تخصص في العهد القديم، وعين قسيساً للبروتستانت في رومانيا والقاهرة، وأستاذاً للغات السامية في جامعة أكسفورد. وله في دراسات العهد القديم: التوراة العبرية (1937)، ونصوص سامرية (ليبزج 1898م). وله في الدراسات القرآنية القرآن والعربية: (ذكرى جولدتسهير 1948)، والقرآن (مجلة دراسات الشرق الأدني 1949)( ).
ج. برجشتراسر G. Bergstrasser (1886-1933):
تخصص في اللغات السامية والعلوم الإسلامية ودرَّسها في عدة جامعات أوروبية. اهتم بالدراسات القرآنية اهتماماً كبيراً واشترك مع بريتسل في نشر الجزء الثالث من كتاب نولدكه: ((تاريخ النص القرآني)). وهذا يوضح علاقته المباشرة بعمل نولدكه ومنهجه في دراسة القرآن الكريم. وهو يعتبر من أكبر المستشرقين اهتماماً بالقرآن الكريم على مستوى الدراسة العلمية، وعلى مستوى جمع المخطوطات. وقد قام بتدوين أصوات القرآن الكريم بالنوتة من خلال الاستماع إلى القرآن الكريم بصوت قارئ مشهور بالقاهرة، وأنشأ للقرآن الكريم متحفاً في ميونيخ أتمه من بعده المستشرق بريتسل الذي شاركه من قبل في نشر الجزء الثالث من كتاب نولدكه( ).
ومن أهم أعمال برجشتراسر التي طبق فيها منهج نولدكه ومدرسته على القرآن الكريم الأعمال التالية:
- حروف النفي في القرآن (رسالة دكتوراه من ليبزج 1911، الطبعة الثامنة 1914).
- معجم قراء القرآن وتراجمهم (رسالته للأستاذية 1912).
- تاريخ قراءات القرآن (1929).
- المعاونة في نشر: طبقات القراء لابن الجزري.
- القرآن (إسلاميكا 1926).
- تحقيق القراءات الشاذة في كتاب المحتسب لابن جني (منشورات المعجم البافاري (1933).
- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري في جزأين (1933).
- مختصر شواذ القراءات لابن خالويه (المكتبة الإسلامية، مجلد 7، 1933، 1935، وذلك بمعاونة بريتسل).
- الجزء الثالث من تاريخ النص القرآني لنولدكه (1926 - 1935).
وله في العبرية: مراجعة قواعد اللغة العبرية لجيزين هيوس الطبعة التاسعة والعشرون (1918 - 1929). وله: الأصوات في اللغة العبرية (1913)( ).
ويلاحظ من سيرة برجشتراسر العلمية تخصصه المباشر في القرآن الكريم حيث أعد رسالته للدكتوراه ورسالته للأستاذية في موضوعات مرتبطة بالقرآن الكريم. والاهتمام بالقراءات القرآنية تأليفاً وتحقيقاً، والاهتمام بتاريخ النص القرآني من خلال نشر عمل نولدكه في هذا الخصوص.
أوتو بريتسل O. Pretzl (1893-1941):
واحد من أهم المستشرقين الدارسين للقرآن الكريم على منهج نولدكه وفلهاوزن. وقد شارك برجشتراسر في نشر الجزء الثالث من ((تاريخ النص القرآني)) لنولدكه. (1926-1938). تخرج من جامعة ميونيخ وعيِّن أستاذاً للغات السامية في الجامعة نفسها. وله نشاط علمي كبير في مجال القرآن الكريم؛ من أهم معالمه مساعدة برجشتراسر في تنفيذ قرار المجمع العلمي البافاري في ميونيخ بجمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم وعلومه وضبط قراءاته لنشرها. وبعد وفاة برجشتراسر تولى بريتسل المهمة بمفرده حيث انتدبه المجمع البافاري لاستكمال هذا العمل فقام بتصوير المصادر والمصاحف القديمة تصويراً شمسياً في عدة نسخ لتيسير الاطلاع عليها في ميونيخ، والحصول على صور منها ثم تدوين كل آية من القرآن الكريم في لوح خاص يحوي أنواع الرسم في مختلف المصاحف مع بيان قراءاتها، وتعدد تفاسيرها( ).
وقد نتج عن هذه المهمة نشر الأعمال التالية:
- كتاب التيسير في القراءات السبع للإمام أبي عمر عثمان بن سعيد الداني.
- كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار من كتاب النقط للداني.
- كتاب مختصر الشواذ لابن خالويه (المكتبة الإسلامية، مجلد 7، 1934).
- كتاب المحتسب لابن جني (طبع بالحرف اللاتيني، نشر المجمع العلمي البافاري، ميونيخ 1933).
- كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (المكتبة الإسلامية، مجلد 8، 1933 - 1935).
- كتاب معاني القرآن للفراء النحوي.
- كتاب الإيضاح في الوقف والابتداء لأبي بكر بن الأنباري (إسلاميكا 6، 234، وطبع بالقاهرة، المكتبة الإسلامية)( ).
أما الأعمال التي ألفها بريتسل في الدراسات القرآنية فمن أهمها:
- مراجع القرآن وعلومه.
- رسالة في تاريخ علم قراءة القرآن.
- مشروع لاستعمال أسلوب النقد في نشر القرآن 1930، 1934.
- نشر بمعاونة إيزين (فضائل القرآن وآدابه) لأبي عبيد القاسم بن سلام (إسلاميكا 26، 243).
- كتاب معاني القرآن لابن منظور (إسلاميكا 6، 18).
- كتاب تعليل القراءات السبع للشيرازي (إسلاميكا 6، 17).
- كتاب المشتبه في القرآن للكسائي (إسلاميكا 6، 241).
- أصول علم القراءة (إسلاميكا 6، 1934).
- القرآن (مؤتمر المستشرقين، 20، 1938).
- نشر الجزء الثالث من كتاب نولدكه: تاريخ النص القرآني بالاشتراك مع برجشتراسر (1926 - 1938)( ).
ومن الواضح تركيز بريتسل في دراساته القرآنية على تطبيق منهج نولدكه والتوسع في درس القراءات القرآنية نشراً وتحقيقاً وتأليفاً، وجمع مصادر القرآن ومراجعه.
أ. شبيتالر A. Spitaler (المولود 1910):
تلميذ برجشتراسر وبروكلمان، وقد خلف برجشتراسر في كرسي اللغات السامية في ميونيخ. ومن أهم أعماله في مجال الدراسات القرآنية:
- القرآن (مؤتمر المستشرقين 20، 1938).
- فضائل القرآن لابن سلام (وثائق إسلامية غير منشورة 1952).
- القرآن (دراسات تشودي 1954).
- وله دراسة عن أوتو بريتسل 1893 - 1941 منشورة بالمجلة الشرقية الألمانية 1942)( ).
د.س مرجوليوث D.S. Margoliouth (1858-1940):
مستشرق إنجليزي معروف بتطبيقه لنظرية المصادر على الشعر الجاهلي. ومن أهم أعماله في هذا المجال: أصل الشعر العربي (1911)، وأصول الشعر العربي الجاهلي (1925)، والقرآن (1939) ونصوص القرآن (1925). ويذكر عبد الرحمن بدوي أن مرجوليوث كان يهودياً ودخل في النصرانية وأصبح قسيساً عام (1899)( ).
وقد جمع بين دراسات العهد القديم والدراسات القرآنية، وله دراسة عن العلاقات بين العرب واليهود (1922)، وفهرس المخطوطات العبرية والسامرية (لندن 1899، 1905، 1915، 1935)، وكشف وصفي للمخطوطات العبرية والسامرية في المتحف البريطاني (لندن 1893).
ومرجوليوث هو صاحب نظرية انتحال الشعر الجاهلي والذي تبعه فيها طه حسين في كتابه: ((في الشعر الجاهلي))، وقد أثارت نظرية مرجوليوث جدلاً واسعاً من حيث إنها نظرية تبحث في مصادر الشعر الجاهلي، وتشكك في نسبته إلى العصر الجاهلي.
ريتشارد بل R. Bell
مستشرق ورجل دين بريطاني عين أستاذاً للغة العربية في إدنبره، ومن المتخصصين في العهد القديم وجمع بين الدراسات الخاصة بالعهد القديم والدراسات القرآنية فقد اهتم بدراسة القرآن وتاريخه دراسة وافية متوالية. وقد ترجم معاني القرآن الكريم (1937-1941) وكان هدف ترجمته تحليل السور القرآنية المتفرقة بوضع قوانين النقد الأدبي لها وتطبيقها على القرآن الكريم كما حدث في المؤلفات الغربية المنتمية إلى الأدب العالي( ). وله كتاب بعنوان: أسلوب القرآن (1942-1944)، وله ((المتشابه في القرآن (1928)، ومن هم الحنفاء؟ (1930), وأهل الأعراف (1932)، وسورة الحشر (1948)، وأذن في الناس بالحج (مجلة الجمعية الملكية الآسيوية 1937)، ومعلومات محمد عن العهد القديم (الدراسات السامية والشرقية 1945) ورؤى محمد (1934)( ).
ألفرد جيوم A. Guillaume (1888-1962).
مستشرق إنجليزي جمع بين دراسات العهد القديم والدراسات الإسلامية والقرآنية. عين محاضراً للغة العبرية في المعهد الملكي بلندن 1920 وأستاذاً للغات الشرقية في جامعة درهام (1920-1930) وأستاذاً لدراسات العهد القديم بجامعة لندن (1945-1947) وأستاذاً للعربية في الجامعة الأمريكية ببيروت (1944-1945) وفي جامعة برنستون (1955). وله فقه اللغتين العبرية والعربية (عبر النهرين 1، 2، 3، 4، 1964).
ومن أهم أعماله: أثر اليهودية في الإسلام (1927)، اليهود والعرب (1946)، الإسلام (لندن 1954)، والقرآن (حولية جامعة ليدز 3، 1961 - 1962) وسورة 2: 73 (تكريم فيليب حتى 1959)( ).
تشارلز توراي C. Torrey (المولود عام 1863):
مستشرق أمريكي تخرج في جامعة ييل وعمل بها أستاذاً للغات السامية. وقد جمع بين دراسات نقد العهد القديم والدراسات الإسلامية. وله في دراسات نقد العهد القديم: تاريخ عزرا بن نحميا (1896)، ودراسات نقدية لعزرا (1910) وإشعياء الثاني: ترجمة جديدة (1928)، ونبوءة حزقيال والنبوة الحق (1930) وأدب الأسفار المحرفة (1945). ومن أهم أعماله في نقد القرآن: القرآن الكريم (تكريم بروان 1922)، ومفردات القرآن (العالم الإسلامي 29، 1939)، والقرآن (ذكرى جولدتسيهر 1948). وله أيضاً: الإسرائيليات في الإسلام (نيويورك 1933)( ).

ثانياً: ملاحظات ونتائج وتوصيات:
أ – الملاحظات:
من الدراسة الجزئية السابقة لاتجاهات موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين نخرج بالملاحظات التالية:
1 - الملاحظة الأولى الجديرة بالاهتمام، والتي تمثل ظاهرة في حد ذاتها، هي قلة وضعف الدراسات القرآنية عند المستشرقين. ويلاحظ هذا الضعف على المستويات التالية:
أ - أن الذين درسوا القرآن الكريم على مستوى المضمون قليلون جداً إذ لا توجد دراسات استشراقية وافية عن محتويات القرآن الكريم، وأهم موضوعاته، ومضامينه.
ب - قلة عدد المستشرقين الذين درسوا القرآن الكريم على مستوى رسائل الدكتوراه والماجستير في الجامعات الغربية. وهي ظاهرة مثيرة للاهتمام، ومستحقة للبحث والتحليل، وقد تكون من بين أهم أسباب فشل المستشرقين في الدراسات القرآنية.
جـ - أن الاهتمام الكبير عند المستشرقين تركز في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية المختلفة. وقد عرفت بعض اللغات الأوروبية أكثر من ترجمة لمعاني القرآن الكريم. وقد أدت وفرة الترجمات الاستشراقية في اللغات الأوروبية إلى نتيجة سلبية في الدراسات القرآنية عند المستشرقين، وهي أن معظم هذه الدراسات اعتمدت على الترجمات، ولم تعتمد على النص العربي للقرآن الكريم.
ولذلك فعدد كبير من المستشرقين لم يقرأ القرآن الكريم، أو يستخدمه في نصه العربي. وقد يعكس هذا ضعفاً في اللغة العربية لدى كثير من المستشرقين، وبخاصة في الفترة المعاصرة التي شهدت تدهور الاستشراق التقليدي في الدراسات الإسلامية، ومن بينها الدراسات القرآنية. وقد أدى الاعتماد على ترجمات معاني القرآن الكريم في الدراسات الإسلامية والقرآنية إلى عدم تحقيق فهم مباشر لمعاني القرآن الكريم والانسياق وراء ما تحتويه الترجمات الاستشراقية من أخطاء وشبهات( ).
2 - الملاحظة الثانية تشير إلى أن أغلب الدراسات القرآنية عند المستشرقين اتخذت شكل مواد تعريفية، أو مقالات قصيرة في دوائر المعارف الاستشراقية ودوائر المعارف العامة، وفي مقدمات بعض الكتب عن الإسلام. وعلى الرغم من قصر المواد القرآنية في الموسوعات ودوائر المعارف الاستشراقية والعامة فإنها تمثل أخطر ما كُتب عن القرآن الكريم لأن دوائر المعارف بطبيعتها تقدم مادة قصيرة مكثفة، وبعيدة عن الوصف الموضوعي للقرآن ومحتوياته، ومهتمة أكثر بإثارة الشبهات حول القرآن الكريم. وقد تحولت دوائر المعارف الاستشراقية إلى مستودع للشبهات حول القرآن والإسلام لأن المستشرق محكوم بحجم صغير محدد لكتابة المقال داخل دائرة المعارف، وبالتالي فاهتمامه يتركز على عرض الشبهات والأفكار الخاطئة أكثر من اهتمامه بإعطاء وصف حقيقي وموضوعي للمادة التي يكتب عنها. ولعل أصدق مثال على ذلك مقال المستشرق ويلش A.T.Welch في دائرة المعارف الإسلامية الصادرة عن دار نشر بريل في لايدن (1913– 1938) إذ استغرق مقال القرآن اثنين وثلاثين صفحة احتوت على كل الشبهات المثارة حول القرآن. وقد استغرق الرد عليها كتاباً كاملاً يزيد عن أربعمائة صفحة للدكتور محمد محمد أبو ليلة، القاهرة 2002. كما تبرز خطورة دوائر المعارف الاستشراقية في أنها تمثل مرجعاً أولياً لغير المتخصص، كما أنها متيسرة في كل المكتبات الكبرى وفي الجامعات بحيث يسهل الرجوع إليها.
3 - تركزت المادة القرآنية أيضاً في المداخل التي أعدها المستشرقون للإسلام إذ عادة ما يبدأ أي مدخل إلى الإسلام بفصل، أو مبحث عن القرآن باعتبار كونه مصدر الإسلام الأساسي. وعادة ما يكون هذا التمهيد عن القرآن الكريم في هذه المداخل قصيراً ولا يغطي الموضوعات القرآنية أو يعرض لأهم مفاهيم القرآن. وحديث معظم هذه المداخل عن القرآن الكريم حديث سريع غير متعمق، ولا يخلو بطبيعة الحال من بعض الشبهات، وبخاصة فيما يتعلق بمصدر القرآن الكريم.
4 - من الملاحظات المهمة أيضاً عدم وفرة المداخل الاستشراقية إلى القرآن الكريم، أي تخصيص كتب استشراقية تعرف بالقرآن الكريم وموضوعاته المختلفة شبيهة بالمداخل التى خصصت للعهد القديم وللعهد الجديد. وهي مداخل كثيرة هدفها إما التعريف العام بالعهدين وبمحتوياتهما، أو أن يكون هذا الهدف هدفاً تطبيقياً يسعى إلى تطبيق اتجاه نقدي أو تفسيري معين على العهد القديم، أو العهد الجديد. وعادة ما ترتبط هذه المداخل بمدرسة نقدية، أو بعالم عهد قديم أو جديد ينتمي إلى اتجاه أو مدرسة نقدية معينة مثل مدخل إلى العهد القديم لأيسفلت، أو فايفر، أو درايفر. ومن المداخل القليلة جداً للقرآن الكريم نجد كتاب مرجوليوث: القرآن (1939) وبيان القرآن لستانتون (1919) و ((مدخل إلى القرآن)) للمستشرق ريتشارد بل (1953)، وكتاب شترستين القرآن: الإنجيل المحمدي (إستوكهلم 1906 - 1918). ومن الملاحظ أيضاً أنه لا توجد مداخل إلى القرآن الكريم تابعة لمدارس الاستشراق الإقليمية المختلفة كأن يكون هناك مدخل إلى القرآن الكريم في كل لغة أوروبية.
5 - يبدو أن سبب غياب المداخل إلى القرآن الكريم في اللغات الأوروبية يعود أيضاً إلى احتواء معظم ترجمات معاني القرآن الكريم على مقدمات تعرف بالقرآن الكريم قبل إعطاء الترجمة. وقد تتجاوز هذه الترجمات التعريف بالقرآن الكريم إلى التعريف بالإسلام عموماً. وعلى كل حال فإن هذه المقدمات عن القرآن التي تسبق الترجمات عادة ما تكون قصيرة، ولا تغطي موضوعات القرآن الكريم بالتفصيل.
6 - يلاحظ أيضاً غياب التفاسير الاستشراقية للقرآن الكريم إلا في حالة ارتباط التفسير بإحدى ترجمات معانى القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية، وهو أمر نادر، ويمكن أن نضرب عليه مثالاً بترجمة آربري والتي أعطاها عنوان: ((القرآن مفسراً))The Qura’n Interpreted (1995) وحتى في حالة آربري فنحن لسنا أمام تفسير مُفَصّل للقرآن الكريم إنما هي ترجمة للمعاني.
7 - من الملاحظ أيضاً اهتمام المستشرقين بالقراءة المذهبية وبالتفاسير غير السنية للقرآن الكريم، وبخاصة التفاسير المرتبطة ببعض الفرق الإسلامية مثل التفاسير الشيعية، أو الاعتزالية. كما يلاحظ أيضاً الاهتمام الكبير بالتفاسير الصوفية للقرآن الكريم، وذلك على حساب الدراسات المرتبطة بالتفاسير السنية.
8 - غلبة الاتجاه النقدي على الدراسات القرآنية عند المستشرقين. وقد أثر هذا الاتجاه النقدي على محاولات فهم القرآن الكريم. فالغالبية العظمى من المستشرقين الذين اهتموا بدراسة القرآن الكريم كان هدفهم جدلياً نقدياً، ولذلك غابت الدراسات الاستشراقية الساعية إلى تحقيق هدف فهم القرآن الكريم.
9- سيطر على الدراسات القرآنية عند المستشرقين الاتجاه النقدي المتأثر بدراسات نقد العهد القديم والعهد الجديد. والحقيقة أن أخطر الدراسات القرآنية عند المستشرقين هي تلك التي طبق فيها بعض المستشرقين اتجاهات نقد العهد القديم على القرآن الكريم. وهم يمثلون المدرسة النقدية الأساسية داخل الدراسات القرآنية. ويتصدر هذه المدرسة، كما وضحنا، تيودور نولدكه، ويوليوس فلهاوزن وجولدتسيهر، وتأثيرهم على الدراسات القرآنية كبير وخطير. فكل الدارسين للقرآن الكريم أصبحوا عالة على نظرية نولدكه، وفلهاوزن، وجولدتسيهر المنقولة من نقد العهد القديم؛ والمركزة على قضية المصادر، وتاريخ النص.
10 - أشارت الدراسة المسحية لموضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين إلى أن عدداً كبيراً من المستشرقين لم يكتب شيئاً عن القرآن الكريم، وبعضهم لم يترك دراسة واحدة في الدراسات القرآنية على الرغم من كثرة إنتاج بعضهم وغزارته فالمستشرق الإيطالي جابرييلي مثلاً لم يكتب بحثاً واحداً مستقلاً عن القرآن الكريم من بين أكثر من مائتي بحث ومقال له في الدراسات الإسلامية.
11 - يلاحظ أيضاً ندرة الدراسات الاستشراقية المعجمية للقرآن الكريم فيما عدا بعض المعاجم الملحقة ببعض ترجمات معاني القرآن الكريم، وهي معاجم تفسيرية سريعة تشرح بعض ألفاظ القرآن الكريم، أو بعض المصطلحات القرآنية. ولم يخدم المستشرقون القرآن الكريم على مستوى الدراسة المعجمية. ويستثنى من هذا، بطبيعة الحال، المعجم المفهرس للقرآن الكريم الذي صنعه المستشرق الهولندي فينسك، كما عنى المستشرق الألماني فرانكيل بدراسة ((الكلمات الأجنبية في القرآن)) (لندن 1878) واهتم المستشرق جفري بوضع ((معجم المفردات الأجنبية في القرآن الكريم)). ولا يمكن مقارنة المجهود الاسشراقي في صناعة المعاجم القرآنية بمجهود علماء نقد العهد القديم والعهد الجديد في صناعة معاجم ((الكتاب المقدس)) والتي تنوعت ما بين معاجم للموضوعات، ومعاجم للعبارات، ومعاجم للألفاظ، ومعاجم للفقرات، والشواهد، والاقتباسات وغير ذلك. ولم يهتم المستشرقون المتأثرون بنقد العهد القديم والجديد بنقل هذا الاهتمام المعجمي إلى مجال الدراسات القرآنية.
12 - انتشرت في الدراسات القرآنية عند المستشرقين ظاهرة وضع المنتخبات القرآنية. وتمثل هذه المنتخبات إما محاولات أولية، أو جزئية لعمل ترجمات لمعاني القرآن الكريم، أو أنها تشير إلى ظاهرة استخدام آيات من القرآن الكريم في تدريس اللغة العربية في الجامعات الغربية، أو تدريس بعض نصوص من القرآن الكريم في المناهج المرتبطة بالقرآن أو بالدراسات الإسلامية عموماً.
13 - إلى جانب الاتجاه المتأثر بنقد العهد القديم انتشر اتجاهان آخران في موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين أولهما الاتجاه التنصيري الذي ركز في دراسة القرآن الكريم على الموضوعات المفيدة للتنصير، وأهمها الدراسات المفندة لموضوعات القرآن من زاوية جدلية دفاعية خالصة. والاتجاه الثاني الواضح في تصنيف موضوعات القرآن الكريم عند المستشرقين هو الاتجاه المقارن الذي يقارن الموضوعات المشتركة بين القرآن الكريم والعهدين القديم والجديد، أو ينتقل للمقارنة بين اليهودية والنصرانية والإسلام بهدف التدليل على شبهة التأثير اليهودي النصراني على الإسلام.
14 - أن أشد محاولات تشويه القرآن الكريم ظهرت في بعض الدراسات القرآنية التي سعت إلى محاولة تغيير شكل القرآن الكريم من خلال إعادة ترتيب السور القرآنية، أو محاولة تقديم ترتيب تأريخي للآيات القرآنية. وهي المحاولات الناتجة عن نظرية تاريخ النص عند نولدكه وفلهاوزن وجولدتسهير، وسيل، وبل، وهيرشفيلد، وكاشتاليفا. وتأتي أكبر محاولة تشويه على يد المستشرق ريتشارد بيرتون الذي حاول أن يترجم القرآن شعراً (مجلة إدنبرا 1866). وتصل عملية تشويه القرآن الكريم إلى ذروتها في محاولة وضع قرآن محرف من خلال عمليات التحريف والتبديل في النص القرآني. وآخر مثال قوي على مثل هذه المحاولات الكتاب الذي ظهر حديثاً بعنوان ((الفرقان الحق)) وهو كتاب تنصيري لجأ إلى تحريف القرآن الكريم وإعطاء مقولات النصرانية، وإثبات الشبه التنصيرية والاستشراقية من خلال التلاعب بالنص القرآني، وإحداث أشكال من التحريف والتبديل الشديدين فيه.
15 - بعد مسح الدراسات القرآنية عند المستشرقين لوحظ تعدد القراءات الاستشراقية للقرآن الكريم. فهناك في البداية قراءات دينية لاهوتية للقرآن الكريم من أهمها القراءة اليهودية، والقراءة النصرانية. وهما قراءتان متفقتان حول مصدرية القرآن الكريم، وعدم الاعتراف بألوهية مصدره، ورد معظم محتوياته إلى مصادر يهودية أو نصرانية. وبالإضافة إلى هذه القراءات الدينية اللاهوتية هناك قراءات استشراقية إيديولوجية من أهمها القراءة العلمانية والرأسمالية للقرآن الكريم، والقراءة الشيوعية الماركسية الاشتراكية وهذه القراءات تُسقط معطيات هذه الإيديولوجيات على القرآن الكريم، وتحاول تطويعه لصالح الإيديولوجية؛ أو نقده نقداً شديداً لأنه يعارض هذه الأيديولوجيات، ويدحضها.
16 - لوحظ أيضاً توظيف القرآن الكريم لدى المُنَصِّرين توظيفاً يخدم حركة التنصير في العالم الإسلامي، وفي بعض المناطق التي تتشابك فيها الأنشطة التنصيرية مع أنشطة الدعوة الإسلامية كما هو الحال مثلاً في بعض المناطق الإفريقية، وهنا لا تتوقف القراءة النصرانية التنصيرية للقرآن الكريم عند حدود مسألة المصدر، ولكنها تتجاوز هذا إلى توظيف القرآن الكريم لخدمة أهداف التنصير. ومن أهم آليات هذا التوظيف استخراج الآيات القرآنية التي تتحدث في إيجابية عن بعض الشأن النصراني مثل الحديث القرآني الإيجابي عن عيسى عليه السلام، وعن مريم عليها السلام، والحديث القرآني الإيجابي عن القسيسين، والحواريين، وتوظيف هذا كله كدليل قرآني على صحة النصرانية، واستخدام هذه الآيات القرآنية في التنصير بين المسلمين.
17 - لوحظ أيضاً أن الدراسات القرآنية عند المستشرقين قد تأثرت في بعض الأحيان بالمذهب المسيحي السائد في بعض البلاد الأوروبية. فالمدرسة الألمانية في الاستشراق تأثرت بالمذهب البروتستانتي الذي يعدّ مسؤولاً عن تطور نقد ((الكتاب المقدس))، ونقلت منهج نقد العهد القديم والعهد الجديد إلى الدراسات القرآنية، وأدخلت مصطلحات ((تاريخ النص)) و ((تعدد المصادر)) و ((النقد المصدري والنصي)) وغيرها في دراسة القرآن الكريم. ومن أهم رواد هذا النقد في المدرسة الألمانية الاستشراقية إيفالد، ونولدكه، وفلهاوزن، وهيرشفيلد، وفرانكيل، وشوالي، وشفارتس وبول كاله، وبرجشتراسر، وبريتسل وهلّر. وقد تأثرت المدرسة الإنجليزية بالمذهب البروتستانتي نفسه وبرز من المستشرقين الإنجليز رودويل الذي ترجم القرآن وفقاً لما اعتبره ترتيباً تاريخياً لنـزول الآيات، وكذلك المستشرق سيل الذي ألف كتاب ((التطور التاريخي للقرآن)) (1898)، وكذلك مرجوليوث في ((القرآن)) (1939) والمستشرق بل الذي اهتم بتاريخ القرآن وبتطبيق النقد الأدبي على القرآن الكريم.

ب - النتائج:
هذه الملاحظات النقدية على اتجاهات موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين أفرزت النتائج المهمة التالية:
1 - إن إهمال الدراسات القرآنية عند المستشرقين أدى بالضرورة إلى عدم فهم القرآن الكريم نتيجة عدم التعمق في دراسته فضلاً عن إهمال الدرس القرآني، والتوقف في دراسة القرآن عند ترجمة معانيه إلى اللغات الأوروبية دون التعمق في مضامينه ومفاهيمه، وتحقيق صلة القرآن الكريم بالإسلام.
2 - إن غلبة نقد القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية أدت بالتالي إلى غياب الفهم. وقد عكس هذا خطأ منهجياً استشراقياً وهو أن النقد يتطلب فهم الموضوع المنقود، وهذا يعني أن الفهم يجب أن يسبق النقد. وهذا لم يحدث في معظم الدراسات الاستشراقية حول القرآن الكريم حيث سيطر القصد إلى النقد على محاولة الفهم. والنتيجة التي انتهينا إليها هي نتيجة غير صادقة علمياً لأنها لم تلتزم بالأمانة العلمية الساعية إلى فهم الشيء قبل نقده. وغلبة النقد على الفهم ما هو إلا تعبير صادق عن سوء النية في الدراسات الاستشراقية حول القرآن الكريم لأنه لو صدقت النيات لتبدَّل حال الدراسات القرآنية إلى الأفضل.
3 - أدى عدم فهم القرآن الكريم إلى نتيجة تالية وهي عدم فهم الإسلام عند المستشرقين. فالإسلام لا يمكن أن يُعرف معرفة علمية جيدة إلا من خلال معرفة القرآن الكريم وفهمه. وسقوط الاستشراق وفشله في فهم القرآن أدى إلى هذا السقوط والفشل المُرَوِّع في فهم الإسلام.
4 - أن اهتمام المستشرقين بقضية مصدر القرآن الكريم، وكنتيجة لرفضهم للوحي الإلهي كمصدر للقرآن الكريم، انعكس على درس الإسلام عند المستشرقين. فقد انشغل معظمهم بدراسة مصدر الإسلام، وانتقل الحكم المصدري على القرآن الكريم إلى حكم مصدري على الإسلام بأنه مستمد من اليهودية والنصرانية طالما أن مصدر الإسلام الأساسي، وهو القرآن الكريم، مأخوذ من المصادر اليهودية والنصرانية. ولم ينجح المستشرقون في تكوين رؤية موضوعية للإسلام تنظر إليه كدين مستقل استقلالاً تاماً عن الديانتين السابقتين عليه، ولا ترد المشترك بينهما وبين الإسلام إلى تأثير لهما على الإسلام.
5 - ومن النتائج المهمة التي توصلت إليها هذه الدراسة أن القلة القليلة جداً من المستشرقين الذين اهتموا بالدرس القرآني وتعمقوا فيه انتهى بهم الأمر إلى اتخاذ موقف معتدل من القرآن الكريم لا يخلو من الانبهار بالقرآن الكريم والتعاطف مع محتوياته.
6 - أن عدداً من المستشرقين الذين درسوا القرآن الكريم وتعمقوا فيه، وبعض من ترجموا معاني القرآن الكريم تأثروا بالقرآن الكريم، وأعلنوا إسلامهم كنتيجة مباشرة للاتصال المباشر بالقرآن الكريم، ودراسته، والتعمق فيه. ومن هؤلاء نذكر ج. ل. بروكهارت (1784-1817) المستشرق الإنجليزي الذي قرأ القرآن وتفقه في الدين الإسلامي واعتنقه عام 1809. وكذلك ر. ف. بودلي Bodley الذي آمن بسلامة العقيدة الإسلامية وضمن هذا في مقدمة كتابه: الرسول، حياة محمد (لندن 1946)( ). والمستشرق فريتس كرنكوفKrenkow (1872-1952) الذي اعتنق الإسلام وسمى نفسه محمد سالم الكرنكوي. وله في الدراسات القرآنية تفسير ثلاثين سورة لابن خالويه (1936)( ). وكذلك المستشرق مارمادوك وليم بكثول (1875-1936) الذي ترجم معاني القرآن الكريم (1930) وكان قد أعلن إسلامه وأصبح إماماً للمسلمين في لندن بعد رحلة إلى مصر حيث استدعاه اللورد كرومر عام 1904 ثم سافر إلى تركيا وعاد إلى مصر معلناً إسلامه. وتعدّ ترجمته لمعاني القرآن الكريم من أفضل الترجمات الإنجليزية( ). ومن هؤلاء المستشرقين أيضاً المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس (1884-1979) الذي أعلن إسلامه في مدينة دلهي (1931). ويعتبر المستشرق النمساوي ليوبولد فايس أشهر المستشرقين الذين ترجموا القرآن الكريم إلى الإنجليزية وأسلم وتسمى محمد أسد، وأسس بمعاونة وليم بكثول (الذي أسلم أيضاً) مجلة الثقافة الإسلامية في حيدراباد الدكن (1927) للرد على أخطاء المستشرقين( ). ومن المستشرقين الفرنسيين أسلم جينون رينيه Guenon René (المتوفى 1951) في عام 1927 وتسمى باسم عبد الواحد يحيي( ) وكان سبب إسلامه الآيات القرآنية المرتبطة بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، وكذلك أسلم المستشرق دينهEt Dinet (1861-1929) وتسمى بناصر الدين وحج في عام 1928( )، وله كتاب: ((أشعة خاصة بنور الإسلام)) وكتاب: ((محمد رسول الله)) وكتاب: ((الحج إلى بيت الله الحرام)).
7 - أن دراسات إيفالد، ونولدكه، وفلهاوزن، وجولدتسهير المهتمة بتاريخ النص القرآني أدت إلى حدوث تأثير سلبي على الدراسات القرآنية عند المستشرقين انتهى إلى جمود الدرس القرآني، وربما توقفه عند المستشرقين. وأول مظاهر هذا التأثير السلبي عدم تجاوز الاهتمام بتاريخ النص والبحث في مصادره إلى دراسة مضمون القرآن الكريم، وأفكاره، ومحتوياته الدينية والأخلاقية. كما أن دراسة تاريخ النص ومصادره تجمدت هي الأخرى. ومن المظاهر السلبية الأخرى لهذا التأثير السلبي أن درس الإسلام نفسه عند المستشرقين لم يتجاوز حدود المسألة التاريخية المرتبطة بما سماه المستشرقون ((تاريخ الإسلام)) ودراسة نشأته، وتطوره. ونادراً ما نجد تحولا استشراقياً من دراسة موضوعات النشأة والتطور إلى دراسة المضامين الدينية والأخلاقية للإسلام. وهكذا ندرت الدراسات الاستشراقية العلمية الجادة حول محتويات القرآن الكريم، ودار المستشرقون في فلك فلهاوزن ومدرسته، واهتم بعضهم لما يقرب من قرن كامل بتكملة عمل نولدكه في تاريخ النص، ودار فريق آخر من المستشرقين في فلك ما أتى به جولدتسهير من جديد في مسألة)) تطور ((العقيدة الإسلامية. وهذا كله يصب في النهاية في موضوع واحد يرتبط بما يسمى عندهم بـ ((مصادر القرآن، وتطور الإسلام)) كما أن الانشغال الاستشراقي بالترتيب التاريخي لسور القرآن الكريم وآياته هو في حقيقة الأمر انشغال بالشكل على حساب المضمون.
8 - من الملاحظات والنتائج السابقة نخرج بحكم علمي على الدراسات القرآنية عند المستشرقين بأنها دراسات قليلة إلى حد كبير، ولا تتناسب مع أهمية القرآن الكريم، وقيمته الدينية، وكونه الأساس الأول في فهم الإسلام، بل إنها لا تتناسب مع اهتمام الاستشراق بمجالات أخرى في الدراسات الإسلامية مثل مجال السيرة النبوية، أو التاريخ الإسلامي، أو الفرق الإسلامية. وهذا الحكم العلمي يتجاوز قلة الدراسات القرآنية إلى حكم علمي آخر بضعف هذه الدراسات لأنها لم تهتم بالمضمون القرآني وركزت على دراسة مسائل تاريخية لنص ليس له تاريخ محاولة اختلاق تاريخ للقرآن الكريم يدور حول نشأة وتطور للنص القرآني متأثرة في هذا التوجه بنصوص اليهودية والنصرانية التي ضاعت أصولها، واستغرق تثبيت نصوصها بعد إعادة تحريرها مئات السنين انتقلت فيها من نص أصلي مكتوب إلى مادة شفوية تم إخضاعها للكتابة فتحولت إلى نص مكتوب بعد عشرات الصياغات وعمليات التحرير.
9 - وهناك بالتأكيد عدة أسباب لضعف الدراسات القرآنية عند المستشرقين منها:
أ - الاهتمام بنقد القرآن على حساب فهم القرآن الكريم.
ب - ضعف مستوى كثير من المستشرقين في اللغة العربية الأمر الذي لم يمكنهم من دراسة القرآن الكريم وفهمه( ).
جـ - تأخر ترجمة معاني القرآن الكريم فإنَّ أول ترجمة إلى اللاتينية تمت عام 1142 ميلادية، كما تأخرت الترجمات إلى اللغات الأوروبية الحديثة حتى القرنين التاسع عشر والعشرين مع الأخذ في الاعتبار ضعف الترجمات المبكرة منها إلى اللغات الأوروبية الحديثة.
د - انهيار الاستشراق التقليدي في الدراسات الإسلامية خلال معظم القرن العشرين، وانتشار وظيفة الخبراء في الشؤون العربية والإسلامية الذين تنقصهم بشدة الخلفية الدينية الإسلامية والمعرفة باللغة العربية( ).
هـ - الاهتمام الاستشراقي الأوسع بدراسة واقع العالم الإسلامي السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي لأسباب سياسية، واقتصادية، والاتجاه إلى دراسة ما يسمى بالإسلام السياسي على حساب الدراسات الدينية التقليدية( ).
و - الانصراف إلى دراسة الآداب الشرقية، وفنون الحضارة الإسلامية والواقع الثقافي المعاصر للمسلمين لسهولة هذه المجالات مقارنة بالدراسات القرآنية وما تتطلبه من معرفة قوية بالدين الإسلامي وباللغة العربية الفصحى.
ز - الاهتمام الاستشراقي باللغة العامية وباللهجات على حساب العربية الفصحى، والبعد بالتالي عن لغة القرآن الكريم وعلوم الدين الإسلامي.
ح - الأخطاء المنهجية الاستشراقية التقليدية في دراسة القرآن الكريم وعلومه، ومن بينها عدم استقلال دراسة القرآن الكريم عن دراسات نقد العهد القديم والعهد الجديد، وتوظيف القرآن الكريم لأهداف التنصير، وإسقاط النظريات النقدية التاريخية والأدبية بل والأحداث السياسية الجارية على فهم القرآن الكريم ودراسته، كما يفعل بعض المستشرقين الدارسين للقرآن الكريم في ضوء أحداث سبتمبر وظاهرة الإرهاب وغيرها من الأحداث العنيفة الجارية على الساحة السياسية العالمية.

جـ - توصيات:
وفي نهاية هذه الدراسة نقدم التوصيات التالية:
1 - دعم الدراسات القرآنية في الجامعات الغربية وذلك من خلال تمويل إنشاء الكراسي المتخصصة في الدراسات القرآنية في أهم الجامعات الغربية مع مراعاة التوزيع الجغرافي السليم لهذه الجامعات بحيث ينشأ كرسي واحد على الأقل في كل بلد أوروبي وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
2 - تشجيع الاهتمام بالدراسات الإسلامية والقرآنية في العالم والمساعدة المادية والمعنوية لفتح أقسام لدراسة الإسلام والقرآن الكريم مع الحرص على عدم خضوع هذه الأقسام لتأثيرات سياسية، أو إيديولوجية، وأن تكون دراسة القرآن الكريم فيها دراسة علمية موضوعية تسعي إلى تحقيق الفهم الصحيح للقرآن الكريم وللإسلام.
3 - متابعة الإصدارات العالمية حول القرآن الكريم، وجمعها، وتحليلها، ودراستها، وتقييمها، والرد عليها من خلال مراجعات ونقود تنشر بالمجلات العلمية العالمية المعتمدة.
4 - تشجيع إقامة المؤتمرات، والندوات العلمية الدولية حول القرآن الكريم في داخل العالم الإسلامي وخارجه للتعريف بالقرآن الكريم ومفاهيمه، وذلك بالاتفاق والتنسيق مع الجامعات الإسلامية والعالمية ومن خلال الاتفاقيات العلمية المعترف بها بين الجامعات وكذلك بين مراكز البحوث المتخصصة في الدراسات الإسلامية.
5 - مواصلة العمل العلمي الجاد في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى كل لغات العالم مع مراجعة الترجمات الموجودة وتقييمها، والإبقاء على الصالح منها، والتنويه إلى غير الصالح منها.
6 - العمل على مواجهة محاولات تحريف القرآن الكريم وذلك من خلال المتابعة العلمية الجادة لهذه المحاولات، والتعريف بها، والمتابعة القانونية لأصحابها، وفرض الرقابة الشديدة عليها، ومنع تداولها وانتشارها بكل الوسائل المشروعة. ونشير على وجه الخصوص إلى الكتاب المزعوم ((الفرقان الحق)) الذي يمثل أعظم محاولة تحريف للقرآن الكريم في التاريخ الحديث بهدف تنصير المسلمين من خلال تقديم عقائد النصرانية في قالب قرآني، ونشر شبهات المستشرقين والمنصرين حول الإسلام والقرآن الكريم من خلال التلاعب بالنصوص القرآنية وتحريفها وتبديلها.
7 - تأسيس قواعد معلومات خاصة بالقرآن الكريم.
8 - التوسع في استخدام شبكة الإنترنت لنشر المعلومات والمواد السليمة الخاصة بالقرآن الكريم، وموضوعاته، وتفسيره، وترجمة معانيه إلى اللغات العالمية، وللرد المختصر على الشبهات المثارة حوله من جانب المستشرقين والمنصّرين وغيرهم.
9 - تشجيع الدراسات المعجمية الخادمة للقرآن الكريم والميسرة لاستخدامه، والتعرف على موضوعاته، وتفسير ألفاظه ودلالاته الصحيحة.

المراجع العربية والأجنبية
أولاً: المراجع العربية والمعربة
ـ أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي الحديث، دار المعارف، القاهرة 1980م.
ـ التهامي نقرة، القرآن والمستشرقون في مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، الجزء الأول، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت 1985م.
ـ إتيين دينيه وسليمان إبراهيم، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجمة الشيخ عبد الحليم محمود، مكتبة الإيمان، القاهرة، 2005م.
ـ زالمان شازار، تاريخ نقد العهد القديم، ترجمة أحمد محمود هويدي، تقديم محمد خليفة حسن، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2000م.
ـ ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطة، 1991م.
ـ سالم أبو الفتوح، القرآن والفرقان الأمريكي: دراسة نقدية لما يسمى بالفرقان الأمريكي، الهواري للتراث، القاهرة، 2005م.
ـ عبد الرحمن بدوي، دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ترجمة كمال جاد الله الدار العالمية للكتب والنشر، القاهرة 1999م.
ـ عمر لطفي العالم، المستشرقون والقرآن، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطة 1991م.
ـ عبد اللطيف الطيباوي، المستشرقون الناطقون بالإنجليزية، دراسة نقدية ترجمة قاسم السامرائي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض 1411هـ.
ـ محمد توفيق حسين، الإسلام في الكتابات الغربية مجلة عالم الفكر، العدد الخاص دراسات إسلامية وزارة الإعلام، الكويت 1984م.
ـ محمد خليفة حسن، ((مدرسة الاستشراق اليهودي))، مجلة رسالة المشرق، المجلد (12)، مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة 2003م.
ـ تاريخ الأديان: دراسة وصفية مقارنة، دار الثقافة العربية، القاهرة 2002م.
ـ علاقة الإسلام باليهودية رؤية إسلامية في مصادر التوراة الحالية، دار الثقافة 1985.
ـ محمد خليفة حسن، وأحمد محمود هويدي، اتجاهات نقد العهد القديم، دار الثقافة العربية، القاهرة 2001م.
ـ محمد ياسين عريبي، الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي، المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط 1991.
ـ محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، مؤسسة الرسالة، بيروت 1981م.
ـ محمد مصطفى هدارة، موقف مرجليوث من الشعر العربي في مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، الجزء الأول المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت 1985م.
ـ نجيب العقيقي، المستشرقون، 3 أجزاء، دار المعارف، القاهرة، 1980م.
ـ في قلب الشرق: قراءة معاصرة لأعمال لويس ماسينيون أعمال ندوة الجمعية الفلسفية المصرية، القاهرة 1999م.
ثانياً: المراجع الأجنبية
- Albert Hourani, Islam in European Thought, Cambridge Univ. Press, 1991.
- W.F. Albright, From the Stone Age to Christianity: Monotheism and the Historical Process, Doubleday, N.T., 1957.
- G.W.Anderson, A Critical Introduction to the Old Testament, Prentice-Hall, N.Y., 1959
- Encyclopaedia Judaica, Vol.16 Keter Pub. House, Jerusalem 1972.
-Eissfeldt, O., The Old Testament, an Introduction, Harper and Row, N.Y.1972.
-Ignaz Goldziher, Tagebuch, Leiden 1978
-Maxime Rodinson,' The Western Image and Western Studies of Islam "in , the Legacy of Islam, ed. By J.Sehaeht Bosworth, Oxford Univ. Press, 1974.
- R. Patai, Ignaz Goldziher and his Oriental Diary, Detroit , 1987.
- J. Jomier , The Bible and the Koran, Cicago, 1964.
-H.H.Rowely, The Growth of the Old Testament, Harper and Row. N.t., 1972.
- The True Furqan , Wine Press Publishing, Wa, 1999.
والحمد لله رب العالمين

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك