الإعلام الديني.. وعجلة

وسام كمال

وبالتوازي حرصت الدراسات الإعلامية على رصد التطور في الخطاب الإعلامي الديني، ومدى قدرته على التجديد، وتوصيل صورة الإسلام صحيحة غير مبتورة للذات وللآخر.
وخلال الشهر الماضي خرجت ثلاث دراسات إعلامية، تضاف إلى رصيد المكتبة الأكاديمية العربية، ترصد الواقع الفعلي للإعلام الديني، وتقف على ما قدمته وسائل الإعلام، وما تأخرت عنه في تناول القضايا الإسلامية، وتوظيف الدين كمحرك لدفع عملية الإصلاح المجتمعي، ودور الدعاة في توظيف وسائل الإعلام الجماهيرية كمنبر بديل عن المؤسسات الدينية الرسمية لصالح الإصلاح المجتمعي.
وتشير المؤشرات المبدئية لهذه الدراسات إلى قصور الإعلام في إدارة حركة الإصلاح، ووجود انفصام بين التوجهات الفكرية في توظيف الإعلام الديني. وتؤكد أن الإعلام الديني ما زال يحبو في طريق التجديد الديني، ولم يقوَ بعدُ على النهوض بالفكر الإسلامي لإصلاح صورته في الخارج، وتنمية وإصلاح المجتمع في الداخل؛ نظرًا لانشغاله بالهوامش دون الانطلاق من المرتكزات الأساسية للدين.
وفيما يلي عرض لأهم ما تناولته الدراسات الثلاث:
    الإعلام الديني والتأثير السياسي
    تطوير الخطاب الديني في الفضائيات
    الدعاة الجدد.. وأجندة الإصلاح الاجتماعي

 

الإعلام الديني والتأثير السياسي

تحت عنوان "دور الخطاب الديني في وسائل الاتصال في تشكيل اتجاهات الشباب المصري نحو القضايا السياسية"، حصل علاء الشامي (المدرس المساعد بكلية البنات جامعة عين شمس) على درجة الدكتوراة من كلية الإعلام جامعة القاهرة.
وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور محمد سليم العوا مناقشًا ورئيسًا للجنة المناقشة، والدكتور سامي الشريف -الأستاذ بقسم الإذاعة- مشرفًا، والدكتورة ماجي الحلواني -عميدة كلية الإعلام- مناقِشة، وقد منحت اللجنة الباحث درجة الدكتوراة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
وأرجعت الدراسة أهمية التعرف على دور الخطاب الديني في تشكيل الوعي السياسي لدى الشباب إلى سببين:
أولهما: أن الخطاب الديني يمثل إحدى آليات تشكيل العقل المصري بشكل عام، كما يُعَدّ مكونًا رئيسيًّا في صياغة العقل الجمعي لفئة الشباب المصري على نحو خاص.
ثانيهما: تزامن الدعوة لتجديد الخطاب الديني مع تغيرات تسارعت في الآونة الأخيرة، من ضغوط الأجندة الداخلية والخارجية للإصلاح.
وقام الباحث في رسالته بإجراء دراستين؛ إحداهما تحليلية والأخرى ميدانية. استهدفت الأولى تحليل الخطاب الديني الذي تروج له وسائل الاتصال العامة والمتخصصة، من خلال تحليل القناة الأولى في التليفزيون المصري، وإذاعة البرنامج العام، وصحيفة "الأهرام" المصرية؛ بوصف ثلاثتهم ممثلة للإعلام العام، وقام بتحليل قناة "اقرأ" الفضائية، وإذاعة القرآن الكريم، وصحيفة عقيدتي؛ بوصفها ممثلة لوسائل الإعلام الدينية.
أما الدراسة الميدانية فاعتمد خلالها الباحث على إجراء مقابلات ميدانية على عينة حصصية، قوامها 420 مفردة من الشباب الجامعي المصري ممن ينتمون إلى ثلاثة أنماط مختلفة من التعليم هي: جامعة الأزهر (نمط تعليمي ديني)، جامعة عين شمس (نمط تعليمي مدني)، الجامعة الأمريكية (نمط تعليمي علماني).
وكانت القضايا السياسية مجال التطبيق: خيار المقاومة العراقية المسلحة كآلية في التعاطي مع قوات الاحتلال الأمريكي، والعمليات الاستشهادية في فلسطين.
وخرجت الدراسة بمجموعة من النتائج، أهمها:

1- لا يمثل الإعلام الديني خطابًا واحدًا؛ إذ ثمة أنواع مختلفة للخطاب الديني المعاصر، ويرجع ذلك إلى اختلاف المرجعيات الدينية والفكرية لمنتجي الخطاب الديني.
2- أفضت القراءة المتعمقة للأدبيات ذات الصلة بآليات تجديد الخطاب الديني إلى طرح الباحث رؤية لتجديد الخطاب الديني تنبني على خمسة مرتكزات رئيسية: تجديد لغة الخطاب الديني، وإعمال العقل في فهم النص والواقع، والانطلاق من الحاضر لا الماضي، وتغليب المصالح الإنسانية، والتعامل مع الإسلام كرسالة عالمية.
3- قسّم الباحث الخطاب الديني إلى مؤسسي، وآخر غير مؤسسي يضم كلاًّ من: الخطاب العلماني، والخطاب الأصولي، وخطاب اليسار الإسلامي، والخطاب الإصلاحي.
4- هناك اتجاه مؤيد يروج له الخطاب الديني الصحفي نحو القضايا السياسية مجال التطبيق، وكثر اعتماد الخطاب الديني الصحفي في هذا الإطار على المضمون التنظيري لا التحريضي، كما اعتمد الخطاب الديني الصحفي في إقناع المخاطبين على كل من الأطر المرجعية السياسية والدينية.
5- يروج الخطاب التليفزيوني لاتجاهات سائدة مؤيدة للقضايا السياسية مجال التطبيق، واعتمد الخطاب الديني التليفزيوني في إقناع الرأي العام على الجمع بين أسلوبي التنظير والتحريض معًا، وكثر اعتماده في هذا الإطار على كل من الأطر المرجعية السياسية والدينية.
6- هناك شعور متزايد بالخوف من الجهات الأمنية ينتاب الشباب المصري، حيث تبين أن 91.9% من المبحوثين ينتابهم شعور ما بالخوف من الجهات الأمنية.
7- يوجد ارتفاع ملحوظ في معدلات الشك التي أبداها الشباب المصري في مصداقية وسائل الإعلام المصرية، حيث تبين أن نسبة 75.2% من المبحوثين يبدون مستويات شك تجاه وسائل الإعلام المصرية.
8- يوجد ارتفاع لمعدلات تأييد عمليات المقاومة العراقية المسلحة بين الشباب المصري والعمليات الاستشهادية، وكان نوع التعليم هو الأكثر تأثيرًا في الاتجاه نحو المقاومة العراقية، حيث يدعمها طلاب الأزهر، ثم جامعة عين شمس، فالجامعة الأمريكية.

تطوير الخطاب الديني في الفضائيات

كما أقيم في الفترة من الثاني إلى الرابع من شهر مايو (2006) المؤتمر العلمي الثاني لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، تحت عنوان "الإعلام وتحديث المجتمعات العربية"، قدّم الدكتور صالح السيد عراقي - مدرس الإعلام التربوي بكلية التربية النوعية جامعة الزقازيق بحثًا بعنوان: "أساليب تطوير الخطاب الديني في القنوات الفضائية العربية: دراسة على عينة من الخبراء والقائمين بالاتصال في تلك القنوات".
قام الباحث فيه بعمل مسح ميداني على 90 مفردة من الخبراء المتمثلين في أساتذة (الإعلام، والإعلام الديني، والشريعة الإسلامية، والدراسات الإسلامية والعربية، وأصول الدين والدعوة، والتفسير وعلوم القرآن الكريم، وعلم الحديث)، والقائمين بالاتصال في القنوات الفضائية العربية (اقرأ، ودريم، والمحور، والفضائية المصرية) متمثلين في معدي ومقدمي ومخرجي البرامج الدينية في هذه القنوات الفضائية العربية.
وخلصت النتائج إلى بعض المؤشرات، أهمها:
1- 76.7% من أفراد العينة يشعرون بالرضا عن الخطاب الديني الحالي في القنوات الفضائية، وتشكلت أهم سلبيات الخطاب الديني -في وجهة نظر المبحوثين- في عدم إظهار جوهر الدين، ثم الانشغال بالشكليات والأمور الهامشية، وأخيرًا ميل الخطاب الديني إلى رفض الحضارة الغربية.
2- أوضحت النتائج أن أهم ضوابط تطوير الخطاب الديني من وجهة نظر الخبراء والقائمين بالاتصال في القنوات الفضائية العربية هو "أن ينطلق فكر التطوير من القرآن الكريم والسنة النبوية أولاً، ثم اجتهاد العلماء والمفكرين فيما بعد" وكانت هذه النسبة تمثل 22.28%، يليها 18.51% منهم يرون ضرورة "ألا يؤدي التطوير للتصادم مع النصوص الشرعية أو الإخلال بها"، ثم 15.99% منهم يرون ضرورة "مراعاة تطوير القواعد العامة في الإفتاء".
3- برزت العديد من القضايا التي من المهم إثارتها في إطار تجديد الخطاب الديني بالفضائيات العربية، أهمها: "التواصل الحضاري مع دول العالم"، و"تفعيل دور المنظمات الإسلامية في كل دول العالم"، و"الوحدة العربية"، و"قضية تأكيد مبدأ العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي"، و"المضامين التي تعرض مبادئ العقيدة الإسلامية في وضوح ويسر"، و"المضامين التي تسهم في إعداد المسلم إعدادًا كاملاً على أسس منهجية سليمة"، و"المضامين التي تلزم احترام الأديان السماوية وعدم الإساءة إلى المقدسات".
4- أشارت النتائج إلى أهمية "تخصيص برامج خاصة لمخاطبة غير المسلمين في الغرب بلغاتهم المختلفة"، وزيادة أعداد البرامج الدينية في القنوات الفضائية، والاتجاه إلى التنوع في أساليب بثها لتنال أكبر قدر من الجاذبية.

الدعاة الجدد.. وأجندة الإصلاح الاجتماعي
 

وفي كلية الإعلام أيضًا أقيم -في السابع والعشرين من إبريل- الملتقى الأول للباحثين الشبان، تحت عنوان: "الإعلام وقضايا الإصلاح في مصر".
وناقش الملتقى دور الإعلام في التنمية والإصلاح الشامل في مصر، ومن هذا المنطلق اتجهت د. حنان محمد عبد المجيد إلى التعرف على "التوجهات الفكرية للدعاة الجدد نحو قضايا الإصلاح الاجتماعي"، من خلال دراسة مضمون الخطاب الديني الجديد في الخطاب الإعلامي لعمرو خالد، والمنطلقات الفكرية التي اعتمد عليها مؤتمر كوبنهاجن في التواصل مع الغرب.
وترى الباحثة أن هناك مجموعة من الصفات التي يتحلى بها الدعاة الجدد لتجديد شكل ومضمون الخطاب الديني، وهي:
1- الوعي التام بكل الأطر المرجعية (القرآن والسنة)، وعمل الصحابة واجتهادات التابعين.
2- القراءة الجيدة لحركة التاريخ الإسلامي وإدراك السنن التاريخية.
3- الإلمام الكافي بالتراكمات المعرفية والعلمية والخبرات المادية والمعنوية التي توصل إليها العالم.
4- التدريب على التقنيات الحديثة التي تمكنه من متابعة ما يدور حوله من أحداث واستكشافات علمية ومعطيات عصرية.
5- فهم طبيعة الحوار مع الآخر، وطبيعة العلاقات الدولية والاقتصاديات العالمية.
6- إدراكهم بأن الإسلام في أساسه دعوة بكل معاني هذه الكلمة؛ لأن الإسلام دين يقوم على المنطق، ويستند إلى البرهان في مخاطبة الجماهير المسلمة وغير المسلمة.
7- إدراكهم بأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وكذلك الدعوة الواعظة الموجهة المرشدة، وأن الدين في أصوله وكلياته لا يتغير، ولكن الذي يتغير هو الفتوى وأسلوب التعليم وطريقة الدعوة إلى الإسلام.
وحددت الباحثة في نهاية ورقتها البحثية -التي تبدو أقرب إلى الرؤية الذاتية- ملامح التوجه الفكري للدعاة الجدد نحو قضايا الإصلاح الاجتماعي فيما يلي:
1- يقدم الخطاب الديني الجديد مفهوم التجديد كنزعة نحو إعمال العقل والمراجعة، يجب أن تتم في إطار الحرية الفكرية وحرية التعبير، إلا أنه لا يناقش التجديد في سياقه الفكري والاجتماعي والسياسي الشامل؛ إذ يفصل بين الحاجة للتجديد الديني والضرورة الاجتماعية للإصلاح السياسي.
2- يطرح الخطاب الديني الجديد مفهومي "الإصلاح" و"النهضة" بتبسيط مفرط، فضلاً عن عدم وضوح مقاصد وأهداف النهضة لدى الدعاة الجدد، واعتمادهم على الرؤية التنموية التقليدية القائمة على أساس قياس التقدم بمعايير النمو الاقتصادي، دون الاهتمام بإحداث تغير حقيقي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وهذا لا يتفق مع كثير من الثوابت الدينية التي تميز الرؤية الإسلامية.
3- يتجاهل الخطاب الديني بعض القضايا المجتمعية المهمة والحيوية، كتلك المرتبطة بالمواجهة الثقافية بين الغرب والإسلام، أو القضايا المتعلقة بالتبعية الاقتصادية والثقافية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
4- يرتبط الخطاب الديني الجديد -إلى حد كبير- بالخطاب الغربي الذي يتجه نحو حذف بعض الثوابت الإسلامية؛ حتى يصبح دعوة بلا دولة، وعقيدة بلا شريعة، وذلك بهدف تفريغ الخطاب الديني من مضمونه بدعوى التجديد.
5- يتضمن الخطاب الديني الجديد إشارات تفيد التأكيد على فكرة علمنة الدين بفصل البعد الروحي عن البعد السياسي، حيث يتجنب مناقشة الأبعاد السياسية في الإسلام، متفقًا بذلك إلى حد بعيد مع الرؤية الغربية للدين التي ترى في الدين عقبة أمام التقدم عندما يتم تسييسه أي يصبح مادة سياسية.
6- يميل الدعاة الجدد إلى تقديم خطاب حداثي تغريبي، يمكن أن يؤدي إلى إحداث قطيعة معرفية كبرى مع التراث الإسلامي والمنهاج الإسلامي الشامل في الحياة؛ إذ يقف بالدين عند حدود الشعائر والطقوس، ويخليه من أهدافه الكفاحية المتعلقة بتحرير الأمة واستقلال مقدراتها ونهضتها الشاملة، وبهذا يقدم الخطاب الديني فهمًا جزئيًّا للإسلام، يقلّل من قيمة شمولية الإسلام، ويوجد سوء فهم للدين كمنهاج للحياة الاجتماعية.

 

المصدر : اسلام اون لاين

 
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك