أثر الاستشراق في تكوين صورة الإسلام في الغرب

د. محمد فاروق النبهان

ما زالت صورة الإسلام في الغرب أسيرة تصوّراتٍ خاطئةٍ ومفاهيم فاسدة، أسهمت عوامل عدّة في تكوينها وترسيخها في العقل الغربيّ، حتّى أصبحت عميقة الجذور متأصّلة في الوعي، لا يُمكن اقتلاعها بسهولةٍ ويسرٍ، تغذّى المجتمع الغربيّ بمشاعر عاطفيّة تُعبّر عن أثر ذلك الموروث التاريخيّ في الذاتيّة الغربيّة.. والذي بدأ منذ أوّل مواجهة جادّة بين الإسلام والمسيحيّة، ثمّ بين الحضارة الإسلاميّة والحضارة الغربية، على امتداد تاريخٍ طويلٍ، ألهبت المشاعر بعواطف الكراهيّة والنّفور.

 وبالرّغم من كلّ المحاولات التي بذلت وما زالت تبذل، لتصحيح الصورة، وإزالة ما علق بالذاكرة من تصوّراتٍ خاطئةٍ ومنحرفةٍ، فإنّ سلطة ذلك الموروث ما زالت ممسكة بعنان أيّ محاولةٍ للحوار بين الإسلام والغرب، وبين الإسلام والمسيحيّة، متحكّمةً في مسارات الحوار، متأثّرةً بتراكماته التاريخيّة الراسخة.
ومن اليسير علينا أنْ نكتشف أثر ذلك الموروث في بعض الكتابات القديمة والحديثة، سواء كانت كتابات علميّة أو كتابات أدبيّة، كما نجدها في لغة التّخاطب ولغة الإعلام، والتي تصف الإسلام بالتعصّب والعنف والجمود، كما تصف مجتمعات الإسلام بالأوصاف المعبّرة عن التخلّف والهمجيّة.
 ولا أقول بأنّ الاستشراق هو السبب المباشر في تكوين هذه الصورة المشوّهة، وإنّما أقول بأنّ الاستشراق قد خضع لسلطة ذلك الموروث الثقافيّ واستسلم له، ودعمه بوسائله المعرفيّة، ورسّخ هذه التصوّرات في العقل الغربيّ، من خلال الدراسات التيّ قام بها المستشرقون عن الفكر الإسلاميّ وتراث الإسلام، كما أسهمت كتابات المستشرقين عن المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وبخاصّة في ما سجّلوه في أدب الرّحلات من مشاهداتٍ سلبيّةٍ في ترسيخ الصّورة القاتمة وتشويه معالم الشّخصيّة العربيّة الإسلاميّة..

وكان يُمكن للاستشراق، وهو الذي يُملك الأداة المعرفيّة من خلال بحوثه ودراساته ورحلاته أنْ يتخلّص من قبضة ذلك الموروث التاريخيّ،  وأنْ يكون أداة التّصحيح والتّعريف، لكي يقدّم للغرب صورة الإسلام الحقيقيّة، كما هي وكما اكتشفها، وأنْ يُسهم في إيجاد البيئة الملائمة للحوار الجادّ المتكافئ بين الإسلام والغرب.

وأستطيع أنْ أؤكّد أنّ الاستشراق في معظم كتاباته لم يكتفِ بالاستسلام للمؤثّرات التاريخيّة في موروث الغرب، وإنّما حرص على ترسيخ ذلك الموروث وتعميقه وتأكيده وإقامة الأدلّة عليه، وقد أدّى هذا إلى أنْ تفقد الدراسات الاستشراقيّة مصداقيّتها في مجال البحث العلميّ، وبخاصّةٍ في ما يتعلّق بالأسس الثابتة التي يقوم عليها الفكر الإسلامي.

وهذا يؤكّد لنا أنّ الاستشراق، كما يقول الدكتور إدوارد سعيد، ليس مجرّد موضوعٍ أو ميدانٍ سياسيٍّ، ينعكس بصورةٍ سلبيّةٍ في الثقافة والبحث، وليس مجموعة من النّصوص حول الشّرق، وإنّما هو سلسلة كاملة من المصالح التي لا يقوم الاستشراق بخلقها فقط، وإنّما بالمحافظة عليها بوسائل الاستكشاف البحثيّ والاستنباء اللغويّ والتحليل النفسيّ.
 والبحث العلميّ يحتاج إلى حالةٍ نفسيّةٍ مريحةٍ ومنسجمةٍ تجعل الباحث في موطن التلقّي السليم للمعرفة العلميّة، لكي يتمكّن بعد ذلك من استنتاج الحقيقة العلميّة كما يراها. وعندما  ينطلق الباحث من منطلق الإدانة والإنكار والحكم المسبق على الأشياء بتأثير موروثٍ تاريخيٍّ أو موقفٍ نفسيٍّ فمن الصّعب عليه أنْ يرى الحقيقة كما هي، لأنّ العقل البشريّ لا يُمكن أنْ يتجاهل المؤثّرات الخارجيّة والنّفسيّة والغرائز الفطريّة، التي توجّه مساره، وتتحكّم في رؤيته؛ والمستشرق جزءٌ من مجتمعه، وتتحكّم فيه مؤثّراتٌ ثقافيّةٌ واجتماعيّةٌ، ومن الطبيعى أن يستجيب لها، ولو بنسبةٍ ضئيلةٍ؛ وهنا يقع التفاوت بين المدارس الاستشراقيّة في مدى حكمها على الفكر الإسلاميّ، كما يقع التفاوت بين المستشرقين بحسب تأثّرهم بالمجتمع الذي ينتمون إليه.

وهذا الحكم لا يُقلّل من أهمّية الجهود التي بذلها المستشرقون في مجال الدراسات الإسلاميّة، وبخاصّةٍ في ما يتعلّق بمناهج البحث والتحقيق العلميّ، ووضع المعاجم والفهارس، واكتشاف الكثير من المخطوطات الإسلاميّة، وهذا جهدٌ لا نُنكره، ونشيد به، نظراً لأهمّيته، وربّما يلتمس لهم العذر في بعض الأخطاء العلميّة التي وقعوا فيها، وبخاصّةٍ في ما يتعلّق باعتمادهم على بعض الروايات الشاذّة واستدلالهم بها، لإقرار بعض ما أرادوا الوصول إليه، إلّا أنّ حكمهم المسبق على الإسلام وإنكارهم لظاهرة الوحي والنبوة، وتشكيكهم في الروايات، التي أجمع العلماء على قبولها، في ما يتعلّق بجمع القرآن وتدوين السنة، لا يُمكن قبوله، ولا يدفعنا إلى الثقة بما يقولون وبما يكتبون.. وهنا نفرّق بين أمرين:

الأمر الأوّل: المناهج العلميّة للمستشرقين: وهذه المناهج تخضع لمعايير البحث العلميّ، ولا نلوم المنهج الاستشراقي في حالة التزامه بالمنهج العلميّ للوصول إلى الحقيقة العلميّة..

الأمر الثاني: الرؤية الاستشراقيّة: والرؤية الاستشراقيّة تتكوّن من عاملين: المنهج السليم، والمؤثر النفسيّ والتربويّ والاجتماعيّ، ولا تستقيم الرؤية المعرفيّة إلّا عندما يقع التكامل بين المنهج والرؤية، بحيث تكون الرؤية منبعثة من المنهج، وهنا يُمكن أنْ تطلق لفظة "الحقيقة العلميّة".

وممّا يؤكّد دور الرؤية الذاتيّة للمستشرق في الحقيقة العلميّة، التي يصل إليها، أنّ المدارس الاستشراقيّة ليست سواء في مواقفها، وهي متأثّرة بموروثها التاريخيّ، وبالأحداث والوقائع المُعاصرة لها، فالاستشراق الأسبانيّ يختلف عن الاستشراق الفرنسي،  والاستشراق الفرنسيّ يختلف عن الاستشراق الألمانيّ، كما  أنّنا نُلاحظ أنّ الاستشراق يوجّه اهتمامه إلى حيث توجّه السياسة اهتمامها في المكان والموضوع، فالاستشراق الفرنسيّ اهتمّ بالمغرب العربيّ، وحاول أنْ يدرس تلك المجتمعات، من حيث العادات والتقاليد والقيم والعقائد والتكوين القبليّ والطرق الصوفيّة والزوايا والعرب والبربر، واللهجات المحليّة، وذلك لكي يتمكّن من الإسهام في رسم السياسات الملائمة لهذه المنطقة؛ ومن الطبيعيّ أنّه كان يحرص على إيجاد التصوّر الواقعيّ لرسم سياسة استعماريّة سليمة، تحقّق أهدافها وتستفيد من الظروف الواقعيّة..

واتّجه الاستشراق الإسبانيّ إلى الاهتمام بتاريخ الأندلس، ومحنة المسلمين  وهجرة الموريسكيين، والحوارالإسلامي ـ المسيحيّ، الذي كان في الأندلس قبل المحنة وبعدها، وكان هذا الحوار يجسّد حالة الاستعلاء، التي كان يُمارسها رجال الكنيسة ضد المسلمين في الأندلس.. وقد سجّلت هذه المناظرات في كتب، مازالت محفوظة في خزانات الكتب.

والموضوعيّة تستدعي التزام المنهج العلمي السليم في مجال البحث العلمي، وبالرّغم من ادّعاء المستشرقين التزام الموضوعيّة في دراساتهم وبحوثهم وآرائهم، فمن اليسير علينا أنْ نكتشف سيطرة الذاتيّة في معظم الدراسات الاستشراقيّة، والذاتيّة وليدة رواسب تاريخيّة ونفسيّة وتربويّة ودينيّة، ومن الصّعب تجاهل الذاتيّة في دراسات المستشرقين، لأنّ الفكر وليد رؤية شخصيّة، ولهذا تتعدّد الأفكار وتختلف وتتباين في الموضوع الواحد، تبعاً لمدى سيطرة الذاتيّة على المنهج الموضوعيّ...

وبسبب سيطرة الذاتيّة على الموضوعيّة أسهم الاستشراق بطريقةٍ مباشرةٍ في تكوين صورة الإسلام في الغرب على نحوٍ يتلاءم مع الصّورة التي أرادها الغرب للإسلام، وتتمثّل في التصوّرات التالية:

أوّلاً: إنكار ظاهرة الوحي كمنطلقٍ لإثبات نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والتركيز على إبراز الطبيعة البشريّة في تكوين الإسلام، وأنّ الإسلام هو دعوة إصلاحيّة ومحاولة لمقاومة المظاهر السلبيّة في المجتمع المكّيّ، والدفاع عن الفقراء والمستضعفين، وأنّ محمّداً شخصيّة إصلاحيّة مبدعة تأثّرت بالظروف الاجتماعيّة التي كانت سائدة في مكّة، وأنّه بسبب طبيعته وتكوينه النفسيّ كان مؤهّلاً للدّعوة إلى تغيير ذلك المجتمع وإصلاح أمره، وهذا المنطلق الذاتيّ دفع الفكر الاستشراقيّ للوقوع في أخطاء منهجيّة جسيمة، تجلّت في اعتماده على الروايات الشاذّة والمنحرفة، وتحليل تلك النّصوص الضّعيفة للوصول إلى النتيجة، التي اتّجه إليها الفكر الاستشراقيّ.

ثانياً: التركيز على أهمّية المؤثّرات الخارجيّة في تكوين الفكر الإسلاميّ، سواء في مجال التفسير أو الفقه أو الفلسفة أو التصوّف، وهذا ما ركّز عليه المستشرق المجري "جولدتسيهر" في كتابه "العقيدة والشّريعة في الإسلام"، وأكّد في كتابه أنّ الإسلام بعد اكتمال نموّه ظهرت فيه ملامح المؤثّرات الخارجيّة التي ظهرت في كثيرٍ من تعاليمه، وبخاصّةٍ في ما يتعلّق بعلاقة الإنسان بما هو خارج عن نطاق الحسّ، وهذه  المؤثّرات تتمثّل بالتعاليم المسيحيّة واليهوديّة، وبالقوانين والأفكار والثقافات التي كانت معروفة قبل الإسلام.

ثالثاً: التشكيك في صحّة الثوابت الإسلاميّة ومحاولة إثارة الشبهات حول النّص القرآنيّ، من حيث الجمع والتوثيق والتفسير، وحول السنّة النبويّة من حيث الرواية والمعايير المصطلحيّة، التي تهتمّ بتوثيق الرواية، ومن اليسير علينا أن نجد أنّ جهد المستشرقين قد انصبّ بطريقةٍ واضحةٍ على كلّ من القرآن والسنّة، للتّشكيك في ما وقع إجماع علماء المسلمين على صحّته.

رابعاً: تشويه صورة المجتمعات الإسلاميّة، والتركيز على العادات السلبيّة والتقاليد الخاطئة، وبخاصّةٍ في المجتمعات القبليّة، وفي المناطق النائيّة، ونجد في كتب أدب الرّحلات التي كتبها بعض المستشرقين صوراً سلبيّة وعادات تصوّر الإسلام على أنّه يُشجّع التخلّف والأمّيّة، ويحمي القيم الخاطئة، ويُرسّخها في تربية الشّخصيّة المسلمة، ويُنمّيها بقوّة العقيدة؛ ومن اليسير أنْ نجد ذلك في ما كتبه الرّحالون الفرنسيون عن بلاد المغرب، وتفنّنوا في إبراز الجانب السلبيّ من عادات القبائل وقيمهم وأخلاقهم، ونجد هذا في ما كتب عن الجزيرة العربيّة والعادات القبليّة والأعراف السائدة...

خامساً: المبالغة في تصوير الالتزام الدينيّ على أنّه تعصّبٌ ضد الأديان الأخرى، ورفضٌ مطلقٌ لوجود ذلك الآخر، وتخوّف من أيّ مظهرٍ حضاريٍّ، ومطاردة لكلّ فكرٍ وثقافةٍ، وكلمة التّعصّب الديني. من أبرز الكلمات وأكثرها شيوعاً فى الغرب، وهي تعني كلّ شيءٍ سلبيّ، فهو دليل تخلّفٍ! جهلٍ، وهو مصدر العنف والتطرّف. ولفظة التعصب أصبحت اليوم تعني رفض الغرب؛ فكلّ من رفض النموذج الغربيّ في الفكر والثقافة فهو متعصّبٌ، وكلّ من دافع عن هويّته الإسلاميّة، وعن مصالح أمّته فهو متعصّبٌ.. وأصبح التّسامح مقروناً بالاعتراف بتفوّق النّموذج الغربيّ في السّلوك والقيم، ومحاكاة ذلك النّموذج في كلّ مظاهره، ولو كانت سلبيّة...

والغرب اليوم كما يبدو لنا من كتابات المفكّرين الغربيين، وكما يُمكن أن يستنتج من وسائل الإعلام الغربيّة لا يعترف إلّا بحضارةٍ واحدةٍ غالبةٍ وقائدةٍ، وحضارات أخرى مغلوبة ومستسلمة؛ ولذلك اتّجه الغرب اليوم لمقاومة كلّ حضارة تتصدّى للحضارة الغربيّة، أو ترفض الانقياد لها..

والحضارة الغربية تقدّم للعالم كلّه نموذجاً حضاريّاً وحيداً، وتريد أن يكون هذا النّموذج هو التصوّر الوحيد، الذي يجب أن يكون له السيطرة على العالم، وتحرص وسائل الإعلام على ترسيخه وتعميقه ونشره، لكي يكون النّموذج الأسمى للسلوك الحضاريّ، الذي تُقاس به معايير التقدّم والتخلّف...

ومن المؤسف أنّ المجتمعات الإسلاميّة تواجه هذا التحدّيّ الحضاريّ، وهيّ في حالة تخلّفٍ وانقسامٍ وتمزّقٍ وعجزٍ عن تقديم التصوّر الإسلاميّ السليم، الذي يُمكنه أنْ يصمد في مواجهة هذا الواقع، وهذا ممّا يُضعف موقعنا كأمّةٍ إسلاميّةٍ، ويشلّ من قدراتنا، وبخاصّةٍ في ظلّ شيوع أفكارٍ إسلاميّةٍ ترفض الحوار، وتُجسّد معنى التّعصّب؛ ولعلّ الغرب يُشجّع هذا التّعصّب ويُعمّقه، لكي يقيم الدليل على صدق دعواه بخطورة التّعصّب على السّلام العالميّ...

ومن واجب المجتمعات الإسلاميّة أن تُعلن بصراحةٍ ووضوحٍ مواقفها من القضايا التالية:

- موقف الإسلام من الغرب، وهو موقف التّعايش والتّساكن الإنسانيّ،  في ظلّ احترام خصوصيّات كلّ الحضارات ومصالح كلّ الشّعوب، وتعاليم كلّ الأديان، والإسلام يقرّ مبدأ السّلام العادل الذي يُحققه الاحترام المتبادل بين الشّعوب..

 - موقف الإسلام من التطرّف والعنف: وهو موقف الرّفض والإنكار، والإسلام لا يُقرّ العنف كبديلٍ للحوار، ويدعو إلى احترام الحريّات والحقوق الإنسانيّة لكلّ الشّعوب..

 - موقف الإسلام من التخلّف والجهل والمظالم الاجتماعيّة: وهو موقف الإنكار والإدانة، والتخلّف مرفوض، سواء على مستوى التقاليد والعادات أو على مستوى الجهل الناتج عن الأميّة، ولا يُمكن للإسلام أنْ يُقرّ التقاليد السلبيّة والانحرافات السلوكيّة والمظالم الاجتماعيّة، ومصدر التخلّف هو الجهل بالإسلام، وانتشار الأميّة في المجتمعات الإسلاميّة.

والحوار مع الغرب أمرٌ مطلوبٌ، ولا يجوز أنْ يرفض، إلّا أنّه يجب أن يكون حواراً حقيقيّاً، وأهمّ ما يجب أنْ يُراعى في هذا الحوار ما يلي:

أولاً: الاعتراف الكامل بخصوصيّات الإسلام واحترام هذه الخصوصيّات الدينيّة والثقافيّة وما ينبثق عنها من قيمٍ وعاداتٍ وتقاليد تُعبّر عن الشّخصيّة الإسلاميّة.

ثانياً: الإقرار بفكرة التعدّديّة الحضاريّة واعتبار هذه التعدّديّة مظهراً من مظاهر الثراء الحضاريّ، واعتبار الإنسان هو المنطلق الأوّل الذي تُقاس به معايير التفاضل الحضاريّ...

ثالثاً: التوقّف عن إقرار سياسة الهيمنة والوصاية التي يُمارسها الغرب ضد الشّعوب الإسلاميّة، والاعتراف بحقّ هذه الشّعوب في الدّفاع عن مصالحها وخصوصيّاتها بالوسائل المشروعة...

رابعاً: اعتبار الحوار أداة لمعرفة كلّ فريق بالفريق الآخر، وليس لإقناعه بوجهة نظره، والنّظر إلى الحوار كأسلوبٍ حضاريٍّ للتخفيف من حدّة التوتر بين الإسلام والغرب، وتصحيح صورة الإسلام عن طريق التّعريف بتعاليمه وعقائده وأخلاقه ومواقفه.

ويجب أن نفتح قلوبنا لكلّ حوارٍ بنّاءٍ يستهدف إقامة جسور الثقة بين الحضارات والدول والشّعوب، للتخفيف من حدّة الأزمات والتوتّرات التي تُهدّد السّلام العالميّ، لكي يستطيع هذا الجيل المُعاصر أنْ يضع الأسس السليمة لحضارةٍ إنسانيّةٍ واحدةٍ، تُسهم في صياغة معالمها وأسبابها كلّ الأديان والأمم، ويسهر على إغنائها الفكر الإنسانيّ على امتداد تاريخ الإنسان، في رحلة عطاءٍ مستمرّةٍ، نحو غايةٍ مرجوّةٍ تتمثّل في إسعاد البشر وتوفير أسباب الحياة لهم..

وفي الوقت الذي نؤكّد فيه على أهمّية الحوار بين الأديان والحضارات، وبخاصّةٍ بين الإسلام والغرب، فإنّنا ندعو إلى ضرورة تصحيح الأخطاء والسلوكيّات المنافية للإسلام في المجتمعات الإسلاميّة، والاهتمام بتكوين الدّعاة والمرشدين المؤهّلين نفسيّاً وفكريّاً للتعريف بالإسلام، ومواجهة التطرّف الناشئ عن جهلٍ بالقيم الإسلاميّة الصحيحة، والحرص على النّهوض بمستوى الإعلام الإسلاميّ، لكى يكون في مستوى التحدّي الحضاريّ والثقافيّ الذي تواجهه المجتمعات الإسلاميّة.

ولا بدّ في النّهاية من إقرار صيغةٍ سليمةٍ وعادلةٍ ومنصفةٍ تكون أساساً للتعايش والتساكن بين الإسلام والغرب، لكي يتمكّن المجتمع الإنسانيّ من توفير أسباب الأمن بين الشعوب والتكافل الجادّ للتغلب على المشكلات الحقيقيّة، التي تُهدّد المجتمعات الإنسانيّة، وأهمّها الأمراض والأميّة والجوع؛ ومن واجب هذا الجيل أنْ يوفّر أسباب الحياة للجيل اللاحق عن طريق إقرار صيغةٍ سليمةٍ للتّعايش بين الأمم والشّعوب.. وهو السبيل الوحيد لتحقيق السّلام العالميّ.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=5143

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك