مصادر القرآن الكريم عند المستشرقين

مصادر القرآن الكريم
عند المستشرقين

أ.د صدر الدين كومش

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد:
فقد بذل الغرب جهوداً حثيثة لمعرفة الإسلام والمسلمين وبلدانهم تحت اسم الاستشراق, وما زال يبذلها حتى الآن, فلذلك كانت لحركات الاستشراق في الغرب- ولا سيما في أوربا منذ القرون القديمة- قوةُ دَفْعٍ أثارت اهتمام علماء الإسلام وجهودهم الكبيرة؛ وذلك للتعرف على الدراسات الاستشراقية التي كتبها المستشرقون عن الإسلام في الكتب والمجلات والموسوعات, وعن مصدريه الأساسين القرآن والسنة, وعن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
وسوف نتحدث في هذا البحث عن مزاعم المستشرقين في مصادر القرآن الكريم ونجيب عن ادعاءاتهم الباطلة؛ لأنهم نسبوا القرآن إلى مصادر مختلفة, وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم متأثر بها. وهدفهم ليس سوى توهين التعاليم الإسلامية, وزرع الشكوك حولها في نفوس المسلمين, ولا سيما بين الرجال المثقفين الذين يشعرون بالضعف بسبب تخلفهم عن الغرب في مجال العلم وشؤون الحياة.
ولا غرو أن من المستشرقين المنصفين من تركوا أثراً عميقاً في رأي العالم الإسلامي ورأي العالمَِ الأوربي, كالمستشرق الفرنسي كلود اتيان سافاري, فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في مقدمة ترجمته للقرآن بالعظمة وقال: ((أسَّس محمد ديانة عالمية تقوم على عقيدة بسيطة, لا تتضمن إلا ما يُقرُّه العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ على الفضيلة, ويعاقِب على الرذيلة. فالغربي المتنوِّر وإن لم يعترف بنبوته لا يستطيع إلا أن يَعُدَّه من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ))( ). وثمة مستشرقون مثل توماس كار لايل الإنجليزي وأمثاله الذين ينصفون في تقويمهم القرآنَ والنبيَّ صلى الله عليه وسلم, ولو لم يؤمنوا بهما.
ومع ذلك فإن المستشرقين خاضوا في الموضوعات التي تخص القرآن الكريم وقالوا فيه كلمات لا يقبلها عقل, ولا يحملها نقل, منها مصدر القرآن الكريم, إذ لم يتوصل أكثرهم إلى تكوين فكرة صحيحة عنه وعن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل القرآن عليه, ولكنهم أثاروا حوله شبهات بقَصْد التشكيك والتضليل, وزعموا أن له مصدراً بشرياً مثل ما قاله المشركون. قال الله تعالى فيهم: ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡﮊ [النحل: ١٠٣] وكان لهم آراء مختلفة عن مصدر القرآن الكريم. فكل مستشرق يزعم له مصدراً غير المصدر الذي يزعمه مستشرق آخر؛ لأن غايتهم ليست معرفة علمية وثقافة أصيلة، بل لهم هدف سياسي أو عسكري أو اجتماعي أو اقتصادي أو ديني؛ لذلك كانوا يبحثون لأنفسهم سلاحاً غير سلاح القتال ليحاربوا القرآن الذي عمَّ هديه الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة, وجعلها أمة واحدة؛ فلذلك اشتدَّت حربُهم للقرآن الكريم, وتزاَيَدَ مكرهم أواخرَ هذا القرن نتيجة تضليلهم الأجيال في الماضي والحاضر, وغرسوا بذورهم لتضليل الأجيال في المستقبل بواسطة الكتب والمجلات والموسوعات والوسائط السمعية والبصرية من إذاعة وتلفاز وأشرطة مسجلة وأسطوانات مدمجة وغير ذلك من الوسائل التي ينشرون بها آراءهم الباطلة وأفكارهم الزائفة؛ ليضلُّوا الناس عن سواء السبيل.
إن الذين أرَّخوا لحركة الاستشراق يعتمدون عام 1143م بداية لتاريخ الاستشراق, ولكن الواقع التاريخي يحدثنا بأنَّ أول تماس فكري بين الإسلام وأعدائه إنما وقع في الزمن الذي نزل القرآن فيه, واستمرَّ إلى يومنا هذا. قيل: دخل عمر رضي الله عنه مدراس اليهود يوماً فسألهم عن جبريل فقالوا: ذاك عدُّونا يُطْلٍع محمداً على أسرارنا, وأنه صاحبُ كلِّ خَسْفٍ وعذاب, وميكائيل صاحب الخصب والسلام. فقال: وما منْزلتهما من الله؟ قالوا جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وبينهما عداوة. فقال: لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين, ولأنتم أكفر من الحمير, ومن كان عدو أحدهما فهو عدو الله. ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي, قال الله تعالى: ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ
إلى قوله:ﮋﮥﮦﮧﮨﮊ [البقرة:97-٩٨]. فقال عليه الصلاة والسلام: ((لقد وافقك ربك يا عمر!))( ).
فعجباً للتوافق بين رأي اليهود في عهد النُّزول قبل أربعة عشر قرناً وبين رأي المستشرقين المتأخرين في دراساتهم, فقد نسبوا مصدر القرآن إلى الملك جبريل, وهؤلاء نسبوه إلى مصادر مختلفة, وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتبس دينه كله أو بعضه من الديانات السماوية الأخرى( ).
وإذا بحثنا عن هذه المزاعم -مصادر القرآن عند المستشرقين- نجدها تنحصر في قسمين: الأول المصادر الخارجية, والثاني المصادر الداخلية.

القسم الأول: المصادر الخارجية
أ- مصادر القرآن في العهد المكي:
ثمة نظرة ترى العناصر التي تؤلِّف تعاليم القرآن كانت في مكة أو في الحجاز بإطارها الواسع. وقد قدَّم العالم الفرنسي أرناست رنان (1823-1892م) مقالته المشهورة المسماة بـ: (Mahomet et Les Origines del 'islamisme) المعلومات المهمة عن القرن السادس في الجزيرة العربية, وهو يعرف العرب المشركين الوثنيين بأنهم مؤمنون بالله وحده الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد( ). ويشير الكاتب إلى الذوق الأدبي لهذا العرق, ولكن لا يمس أوصافه التي تخدش اعتباره الإنساني عند الله وتجاه العالم الإنساني مثل وأد البنات بسبب العار, وقتل الأولاد خشية الإملاق, وغير ذلك من العادات والتقاليد الظالمة. وهذا النظر بدون شك لا يمكن قَبوله. وإذا قَبِلْنا نظر رنان رأينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يردّ الحركات الشائعة زمن الجاهلية, بل بالعكس كان تبعاً لدين قومه, وسار وراءهم. وهذا الرأي خلاف الحقيقة التاريخية.
وفي الحقيقة نجد حياة العرب الدينية في القرآن الكريم, وهي خلاف ما قاله رنان؛ لأنَّ بعضهم كانوا يُنكرون تماما كل شيء ديني( ), وبعضهم يؤمنون بالله واليوم الآخر, ولكن لا يؤمنون أن يبعث الله رسولاً من البشر( ). وبعضهم يؤمنون بالله ولا يؤمن باليوم الآخر ولا بالجزاء والحساب ( ). ومنهم مَنْ يؤمن بالله ويشرك معه الأصنام والأحجار وغير ذلك من الأوثان.
1- الزعم بأنَّ القرآن مأخوذ من اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في مكة.
ويستدل المستشرقون على هذا بالقِصص القرآنية زاعمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذها منهم. فمثلاً رجيس بلاشير مع اعتداله في أحكامه يشير إلى التشابه بين القصص القرآني والقصص اليهودي المسيحي. وفي رأيه كان التأثير المسيحي واضحاً في السور المكية الأولى( ). ومع ذلك فقد كان بين المستشرقين خلاف حول وجود جماعة يهودية أو نصرانية في مكة تؤثر في فكر المكيين وعلى الرغم من أن المستشرقَيْن بلّ ووات يعترفان بأنه ليس ثمة جماعة مهمة في مكة من أهل الكتاب. مع ذلك فإن وات يزعم بدون دليل ولا حجة أن الفكرة اليهودية والنصرانية كانت منتشرة في الجزيرة العربية ولا سيما في مكة( ). وبلّ يدعي أن المصادر الأساسية للإسلام كانت نصرانية( ), وتوري وشيعته كانوا يزعمون أن المصادر الأساسية للإسلام يهودية.( )
وقال بلاشير في تعليقه على قوله تعالى: ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮊ [البقرة: ٢٥٩]: إن هذه القصة مطابقةٌ للأسطورة المنتشرة في الشرق وفي الثقافة اليهودية النصرانية ( ).
وفي تعليقه على الآيتين الكريمتين في سورة الحشر (23 و24) بأنهما متأثرتان بالأفكار اليهودية قَلْباً وقالباً( ).
وأمَّا المستشرقون من اليهود مثل: غولدزيهر وباول كراوس وبرناد لويس وغيرهم من اليهود فقد عُرِفوا بالتحامل الشديد على الإسلام, والتشكيك في أصوله, ومحاولة إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بشيء جديد ، بل سرق كل شيء من اليهود والنصارى( ).
والحق أن التاريخ لا يشير إلى اليهود في مكة ولا حواليها, ولم يتحدث عن ثقافتهم وعلمهم, في الوقت الذي أشار إلى اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة, وحوارهم مع الرسول وجدالهم إياه. وهذا يدل على أن اليهود لم يكونوا في مكة ولا حواليها. أما النصارى فكانوا فيها, ولكن ليسوا من أهلها. هم كانوا فيها بسبب التجارة أو الصناعة؛ فقد ورد في القرآن الكريم الردُّ على هذه المزاعم, حين زعم كفار قريش أن الرسول كان يُّعَلِّمه غلام نصراني, وهو قوله تعالى: ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﮊ [النحل: ١٠٣] ومحتوى القرآن يدل على أنه لا يمكن أن يتعلَّم الرسولُ من البشر, ولا سيما من المملوك أو التجار أو الصناع. إنما هو وحيٌ من الله العليم القدير الذي بيده ملكوت كل شيء.
2- الزعم بأنه أَخَذ من الراهب بحيرى.
اتهم المستشرقون الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه تعلَّم القرآن من الراهب بحيرى الذي كان يسكن في دَيْرِه بِبُصْرَى. فزعموا أن الرسول كان يذهب للتجارة إلى الشام ويمر بِبُصْرَى, ويتعلم شيئاً من القرآن من بحيرى, حتى زعموا أن بحيرى هو الذي كتب القرآن. والحقيقة أن الرسول ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة ورآه بحيرى ببصرى وهو ابن تسع أو اثنتي عشرة سنة. فجعل بحيرى يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره, فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته. فقال لعمه: ((ارجع بابن أخيك إلى بلده, واحذر عليه اليهود. فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغُنَّه شراً. فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلده)) فخرج به أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ( ).
وفي هذه الرحلة كانت جماعة من قريش مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما بلَّغ الرسالة لم يقولوا: إنك تعلَّمت هذا من بحيرى ولم يتهموه بشيء منه. فكيف يتهمه المستشرقون اليوم بعد أربعة عشر قرناً؟ فكارلايل يتهمه يزعم أن الصبي وهو ابن اثنتي عشرة سنة تعلَّم من الراهب الذي يتكلم بلسان أجنبي تعاليم الدين الأساسية وهذا غير منطقي ( ). وكتب السِّير لا تقول شيئاً من التعليم والتعلم بين بحيرى وبين محمد صلى الله عليه وسلم, والتاريخ يسكت عن هذا الموضوع, وسكوته يدل على أن هذا الادِّعاء غير صحيح. ومع ذلك لا يسكت التاريخ، بل يقول: إن الراهب الشامي حينما رأى هذا الصبي علم أن فيه علامات النبوة, ونبَّه عمَّه بقوله: ((إن هذا الصبي له شأن عظيم في المستقبل)). وهذا دليل لمن يؤمن بالتاريخ على أن الرسول صادق, ولم يتعلم شيئاً من بحيرى, ولو كان بحيرى منبع معجزة الإسلام لكان هو أليق بالنبوة والرسالة من محمد صلى الله عليه وسلم.
3- الزعم بأن الرسول أخذ القرآن من أهل الكتاب في سياحاته.
ساح الرسول صلى الله عليه وسلم في البلدان المختلفة, فمثلاً في صغره ذهب إلى بني سعد( ) ومع بني سعد ذهب إلى سوق عكاظ مرة واحدة ( ). وذهب إلى يثرب مع أمه لزيارة قبر أبيه وبقي هنالك بضعة شهور( ). وذهب إلى الطائف بسبب التداوي لمرض في عينه( ). وذهب إلى الشام مرتين وإلى اليمن مرة أو مرتين( ). وساح في شرق جزيرة العرب ( ). فهذه السياحات كلها صحيحة وثابتة. إن المستشرقين يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان سائحاً ذكياً؛ لذلك أخذ أشياء كثيرة من البلدان الغنية بالفكر والثقافة النصرانية أو اليهودية ( ). ونود أن نسأل أكان محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السياحة وحده أم كان معه رفقاء؟ وهل هناك أي رواية من أصدقائه أو من أعدائه تفيد أن محمداً أخذ تعاليم القرآن من هناك أو هنالك أو أخذ من فلان أو فلان؟ كل ما قالوا: إنما يعلمه بشر, يقصدون به المملوك, أو التاجر, أو الصانع من النصارى الذين كانوا يعيشون بمكة, ولا يكادون يفقهون العربية. قال الله تعالى: ﮋﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ [النحل: ١٠٣] أو يقولون: ﮋﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [الفرقان: ٤] لأنهم كانوا لا يجيدون العربية ولا يكادون يفقهون حديثاً من العربية. والقرآن هو معجزة لساناً وعلماً وفكراً ﮋﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [الإسراء: ٨٨] وله مرتبة رفيعة في الأدب العربي لا يمكن البشر أن يصلوا إلى هذه المرتبة.

4- الزعم بأنه أخذ عن الحنفاء.
كان في الحجاز قبل الإسلام حنفاء يؤمنون بالله وحده ولا يدينون اليهودية ولا النصرانية. كانوا يدينون دين إبراهيم وينتظرون نبياً يحيي هذا الدين من جديد. ومع ذلك كانوا قليلاً يمكن تعدادهم. هم يؤلفون فرقة لا تنتسب إلى الوثنية, وأفكارهم مبهمة. يزعم أرناست رنان أنهم يمثلون فكرة عصرهم وثقافته( ). والحق أن العرب كلهم تقريباً كانوا وثنيين لا يهتمون بفكرة الحنفاء ولا التوحيد, ولا ترى في أدب العرب حتى في المعلقات أيَّ فكر ديني. ومع ذلك فإن تعاليم الحنفاء لا تحوي شيئاً مهماً جداً. وفي الحقيقة كان الحنفاء ينتظرون نبياً يُصْلح أحوال العرب؛ لأنهم كانوا لا يعبدون الأصنام ولا يظلمون الضعفاء. وقد كان هؤلاء بضعة نفر من العرب أدركوا ما عليه قومهم من ضلال وانحراف, فبحثوا عن الهداية في اليهودية والنصرانية فلم يجدوا فيهما ما يروي الغليل, فاطلعوا على الكتب المقدسة لدى الديانتين.
كان الحنفاء لا يعرفون من مفاهيم القرآن شيئاً ذا بال, فلا يعرفون كيف يعبدون الله؛ فمثلاً زيد بن عمرو بن نفيل يعترف أنه لا يعرف كيف يعبد الله تعالى؛( ) لأنهم كانوا لا يملكون كتاباً ولا صحيفة( ) وليسوا جماعة, إنما هم ذوو خلق حسن بالنسبة للوثنيين. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلَّم الدين منهم لكان أحدهم أليق بادعاء النبوة لأنه كان أستاذاً. فالحق للأستاذ لا للتلميذ, ولكن لم يَدَّع أحدهم أنه نبيّ أو رسول, ولم يَقُلْ أحدهم إن محمداً تعلَّم الدين منه. ولا نجد في كتب التاريخ شيئاً من ادعائهم. فمثلاً ورقة بن نوفل آمن بأن محمداً رسول من الله وقال لخديجة رضي الله عنها: إن كان الذي ذكرتِه لي عنه صادقاً فهو رسول من الله جاءه الناموس الأكبر (جبريل) الذي جاء لموسى( ).
واعترف أمية بن أبي الصلت أن محمداً على الحق حينما سأله أهل مكة عن رأيه فيه, ولكن أخَّر إسلامه حتى يتأمل الموضوع. ولما علم حينما رجع من الشام أن ابني خاله قد قُتِلا في بدر كافِرَيْن لم يُسْلم, وذهب إلى الطائف حتى توفي فيها( ). يقول المؤرخون: إنه لم يؤمن بسبب حسده, وأنه يأمل أن سيكون نبياً.( ) ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم استفاد منه أو من شِعْره لأعلن أنه تعلَّم من شعره. ولم يقل شيئاً غير أنه لم يؤمن لحسده إياه.( )
عبيد الله بن جحش وهو ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أميمة كان يبحث مع زملائه عن الدين الحق الذي بَلَّغ به إبراهيم عليه السلام. فلذلك طاف بلاداً ومدناً كثيرةً. وتكلَّم مع رجال الدين والعلماء بهذا الموضوع, ولم يستقر في النهاية على أيِّ دين,وبقي في التحير والتردد. وبعد ذلك دخل في النصرانية ثم تركها. ودخل الإسلام. وبسبب تضييق قريش هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين إليها. ورأى الناس فيها نصارى فتنصر مرة ثانيةً وتوفي فيها.( ) ولو علم أن الرسول أخذ الدِّين من أيِّ واحد لأعلن في حضور النجاشي وعلماء الدين الذين حضروا في مقامه مع ممثلي قريش من المشركين الذين ذهبوا إلى الحبشة ليعيدوا المسلمين إلى مكة.( )
عثمان بن الحويرث ابن عم خديجة رضي الله عنها ذهب إلى قيصر الروم، وهو الذي ألبسه تاجاً وولاَّه أميرا على مكة, ولكن لم يقبله أهل مكة, وتوفي في الشام بالسم من قبل الملك عمرو بن حفنة.( ) ولم يزعم أي مصدر بأن الرسول تعلَّم منه.
زيد بن عمرو بن نفيل, كان يسكن في جبل حراء, وتوفي قبل خمس سنوات من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, والرسول صلى الله عليه وسلم يذهب إلى غار حراء في رمضان, وقد نزل الوحي فيه أولاً. ويزعم المستشرقون أن زيداً أثر في حياة الرسول الدينية حتى قال سبرنغر: الكلمات التي نعرف أن زيداً قالها نجدها في القرآن. فمثلا قوله تعالى: ﮋﭳﭴ ﭵﮊ [هود: ١٤] روى ابن إسحاق أن زيداً قالها أولاً. ونجد في القرآن أيضاً التعاليم التي قالها زيد, مثل مَنْع وأد البنات، وتصديق وحدانية الله، ورَدِّ عبادة الأوثان اللات والعزى وغير ذلك، والسعادة الأبدية في الجنة للمؤمنين والعذاب في جهنم للكافرين( ).
في الحقيقة عاش زيد حنيفاً وتوفي حنيفاً, وكان يقول ويدعو ربه: ((يا ربِّ لو علمتُ أيَّ عبادة ترضيك لعبدتُك بها ولكن لا أعلم)), وكان يعبد رب إبراهيم فقط, ويُظْهر أفكاراً عالية في شعره لأنه كان شاعراً, وذهب إلى الشام يبحث عن دين إبراهيم, ولكنْ لم يجد ما يروي غليل صدره في أي بلد, وقُتِل في أثناء رجوعه إلى الحجاز بيد بدوي. وفي رواية أخرى أنه توفي في جبل حراء( ), وأسلم ابنه سعيد مع زوجته وبتلقينهما أسلم عمر رضي الله عنه( ). لو تعلَّم الرسول صلى الله عليه وسلم تعاليم القرآن من زيد أو من شعره هل يمكن أن يسلم سعيد أو عمر؟ وهل يقبل العقل ذلك؟ ولا سيما في العهد المكي الذي كان المسلمون فيه ضعفاء لا يقدرون أن يفعلوا شيئاً في حقهم.
أبو قبيس صرمة بن أبي أنس كان يعبد الله على دين إبراهيم عليه السلام, فلَّما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم.
نرى أن بعض الحنفاء قد أسلم, وبعضهم لم يُسْلِم, ولكن لم يَقُل إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- تعلم الدين منهم. إنما ذهب إلى الطرف الذي يوافق منفعته, ولم يتبعه أحد من العرب حتى من أقربائه وأولاده. فكيف نقول إن محمداً أخذ تعاليم الدين منه. هل ثمة منصف يقبل هذا الادعاء الذي لا أصل له.

5- الادعاء بأنه أخذ من الشعراء.
نرى في العهد الجاهلي نوعين من الشعر والأدب. فمثلاً الأعشى (توفي 629م) وأمثاله من الشعراء وصفوا في شعرهم أعراف الكنيسة, ولكن لا نرى في القرآن أثراً من هذا. إنهم ركَّزوا في شعرهم على الخمر, والحال أن القرآن حَرَّم الخمر قطعياً, فكيف أخذ تعاليمه من الشعر الذي عني بوصف الخمر؟ فلا يجوز أن يكون هذا الشعر مصدراً للقرآن الكريم. وهناك نوع آخر من الشعر قد تخصص بالمسائل الدينية مثل شعر أمية بن أبي الصلت( ).
يدَّعي المستشرقون أن محمداً أخذ من عادات الجاهلية وعباداتها, ومَزَجها في الإسلام, وسرق من شعر امرئ القيس شاعر عرب الجاهلية. فمن الممكن أن يوجد في القرآن ما قاله امرؤ القيس مثل: ﮋﮬﮭ ﮮﮯﮊ [القمر: ١] وﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮊ [عبس: ١٧] فهذان الشطران ينسبان إليه.
يتمنى المرء في الصيف الشتا
فإذا جاء الشتا أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد
قُتل الإنسان ما أكفره

وهذا الادّعاء لا أصل له, ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مُوَلَّد أراد الاقتباس, لا جاهلي( ).
يقول الأستاذ إسماعيل فني: إن الأبيات التي تنسب إلى امرئ القيس وتوجد بعض إفاداتها في القرآن الكريم ليست في ديوان امرئ القيس( ), ولو كانت فيه ما أفادت شيئاً, وقد أجمع فصحاء العرب على أنه ليس من كلام البشر, وكانوا يقدِّرون بلاغته, وأنزلوا القصائد المعلقة على جدار الكعبة بعد نزول القرآن الكريم. وهذا كله يدل على أنه معجزة من عندِ الله لا من كلامِ البشر. ومحتواه يفيد أيضاً أنه من عند الله. مثل أخبار الغيب والحقائق الرفيعة والأحكام العالية الواردة فيه.
6- الزعم بأنه أَخَذَ من الصابئين.
يدَّعي المستشرقون أن الصلاة والصوم وعيد الفطر أُخذت من الصابئين؛ لأنهم كانوا يصومون شهراً, ويفطرون يوم العيد, ويُصَلُّون في اليوم ثلاث مرات في الصباح والظهر والمساء. ولما أسلم بنو خزيمة وأرادوا أن يخبروا خالد بن الوليد قالوا: ((إنا أصبحنا صابئين)). وهذا يؤيد أن الصلاة والصوم وعيد الفطر أخذت منهم. وفكرة إبقاء الروح التي بقيت من زمن إبراهيم كانت شائعة بينهم. وفكرة القيامة أيضاً كانت واردة لدى الصابئين. ومع ذلك فإنها كانت أفكاراً خياليةً مختلطةً( ).
وهل هذا الادعاء صحيح؟ والحال أن الصابئين كانوا يعيشون في مكة مشركين, وكانوا يعبدون النجوم والملائكة, ومراسيمهم الدينية كانت مختلطة من المسيحية والوثنية وغير ذلك من الأديان والمذاهب. حتى إن التفرقة بين المشركين الوثنيين والصابئين صعبة فمن الممكن أن تشبه بعض تعاليم الصابئة الإسلام؛ لأنهم كانوا أولاً على دين إبراهيم عليه السلام, ولكن حَرَّفوه وأصبحوا وثنيين, فلذلك تُشبه تعاليم الصابئة الإسلام من بعضِ الوجوهِ, لأنَّ مصدرهما الوحي الإلهي الواحد, فهذا لا يدل على أن الإسلام أخذ منها.

7- الزعم بأن تعاليم القرآن أخذ من عمر رضي الله عنه.
عند المستشرق دوزي أثَّر عمر رضي الله عنه في الرسول صلى الله عليه وسلم تأثيراً عميقاً حتى في الوحي. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعترف أن بعض الأوامر نزلَتْ من السماء بعد بيان لزومها من قبل عمر.( ) وماكسم رودينسون يريد إثارة التردد والشبهات في قلوب الناس بقوله: ((ألم يتمدَّحْ عمر بموافقة الوحي له ثلاث مرات كمعجزة؟))( ).
والحقيقة أن بعض الآيات نزلت موافقة لعمر رضي الله عنه, وتسمَّى ((موافقات عمر)) مثل طَلَبِ قتل الأسارى في بدر( )، وحرمة الخمر( ), وعدم صلاة الرسول على جنازة المنافقين، واتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وعدم الدخول في بيت الرسول بدون إذن, وإيقاظه أزواج النبي الطاهرات وابنته( )، وتستر الأزواج الطاهرات.
فنقول: إن موافقات عمر للوحي ليست إلا بسبب توفيق الله له ورأيه المصيب, ولا عجب أن تكون أخصَّ خصائصه المميزةَ هي الفاروق. فهذا لا يدل على أن هذه الآيات ليست من الله ولا نزلت منه عن طريق الوحي، بل بإرادة عمر. هذا ما لا يقبله العقل. نعم، له ميزاته الخاصة فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)) ( ).
ومع ذلك فإن بعض الآيات نَزَلَتْ مخالفة رأي عمر رضي الله عنه. مثلاً الوحي كله نزل مخالفاً عمر حينما كان كافراً. بعد إسلامه كذلك أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم رأيه مخالفاً رأي عمر أحياناً. كان عمر يُقْسِم بأبيه فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع( ). وجاء بعض الناس من أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد هؤلاء العبيد والحلفاء كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا, وأدنى لاتِّباعنا إياه وتصديقه, فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فَعَلْتَ يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم, وما يصيرون إليه من أمرهم, فأنزل الله سبحانه: ﮋﯟﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ * ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ إلى قوله:ﮋﭝﭞﭟﭠﮊ [الأنعام:51-٥٣] فلما نزلت أقبل عمر رضي الله عنه فاعتذر من مقالته ( ).
وفي الحديبية لما تقرر الصلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم و سهيل ابن عمرو بعد المذاكرة ولم يبق إلا الكتاب لم يرض عمر رضي الله عنه, ووثب, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنيَّة في ديننا؟ قال: ((أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني)).
وكان عمر رضي الله عنه يقول: ما زلت أصوم وأتصدَّق, وأصلِّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، حتى رجوتُ أن يكون خيراً ( ). وفي هذا الموضوع أمثلة كثيرة بأن الرسول حكم بما يخالف رأي عمر. حتى كان عمر يتكلم معه بالصوت الخفيضِ هيبةً منه( ).
8- الزعم بأن القرآن مأخوذ من الفكر السائد.
بعض المستشرقين يدَّعون أن محمداً أخذ القرآن من عامة الناس الذين عاشوا حوله. فمن الممكن أن تكون هذه الفكرة من الأديان القديمة السائدة، ومن العرف الجاهلي، ومن العقيدة الأخلاقية المنتشرة بين الناس. فمثلاً المستشرق الإنجليزي جب (H. Gibb ) يقول: إن محمداً كأمثاله المصلحين قد تأثر بالأفكار الخارجية من جانب، ومن جانب آخر قد فتح سبيلاً جديداً مستفيداً من الأفكار والعقائد السائدة في المحيط الذي نشأ فيه. مثلاً يُشاهَد تأثير المحيط في العهد المكي في صفحات حياة محمد مشاهدة بينة, فبإفادة البشر أن محمداً قد نجح لأنه مكي ( ).
فإذا افترضنا أن تأسيس محمد صلى الله عليه وسلم الدين كان مستمداً من محيطه البشري الذي نشأ فيه, فقد كان هذا على نوعين, الأول: أن يكون قومه جسراً بينه وبين الأديان السماوية. والثاني: أن يكون تأسيس دينه مستفاداً من عرف قومه وعاداتهم.
أما الافتراض الأول: هل كان قومه جسراً بينه وبين الأديان السماوية الأخرى أو لا؟ فليس بممكن أن يعيش محمد صلى الله عليه وسلم بدون خبر وبدون علم عن المقالات العائدة للأديان القديمة التي تدور بين الناس. ولا يمكن أن يعيش في عزلة تامة عن هذا الموضوع؛ لأن القرآن يخبر أن هؤلاء الأقوام يعرفون مسائل شتى عن الأديان القديمة, فلذلك طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة مثل معجزة الأنبياء قبله وقالوا: ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الأنبياء: 5 ] وفي مقابلة التوحيد أتوا بالنصرانية, وقالوا: ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [ ﭑ: ٧] وشبهوا عبادتهم للأصنام بعبادة النصارى المسيح عيسى بن مريم فلما نزل ﮋﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ [الأنبياء: ٩٨] قالوا: نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى؛ لأنه عبد أيضاً. قال عبد الله بن الزِّبعرى: أما والله لو وجدته (يعني محمداً) لخصمته، سلوا محمداً: أكل ما يُعبد من دون الله في جهنم مع مَنْ عبده؟ فنحن نعبد الملائكة, واليهود تعبد عُزيراً, والنصارى تعبد المسيح بن مريم. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله, ورأوا أنه قد احتجَّ وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلُّ مَنْ أحبَّ أن يُعْبد من دون الله فهو مع مَنْ عبده. فإنهم يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته)) فأنزل الله عز وجل: ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ [الأنبياء: ١٠١]( ) ومع ذلك فإن العرب كانوا لا يهتمون بالمسائل الدينية, وليس في أدب العرب شيء من مسائلها إلا قليل. فمثلاً النضر بن الحارث كان يتكلم على أساطير كسرى فارس ورستم واسفنديار( ), ولا يتحدث عن قصص الأنبياء. ويفهم من هذا أنَّ الحياة الدنيا كانت تجذبهم دائماً, ولا يهتمون بالدين ولا الديانة, فهم كانوا وثنيين بنسبة تسعة وتسعين بالمائة؛ ولذلك لا يمكن تصور تأثيرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالدين القيم. وتأسيس الدين القيم على الدين المحرف يشبه بناء القصر العالي من بقايا الزلزلة الشديدة التي تخرب كل بناء مع ما فيه.
النوع الثاني: أن القوم الذين أبرز وصفهم أميةٌ لا يمكن أن يكونوا معلمين للرسول صلى الله عليه وسلم باعتقادهم وخلقهم ومعاملاتهم وأفكارهم.
فالحقيقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمَ يدَّعِ أنه أتى بدين جديد أصلاً. إنَّ القرآن نزل مصدِّقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل, وما أنزل على إبراهيم وغير ذلك من الكتب والصحف التي أنزلت من عند الله إلى أنبيائه( ). وأنزل مطهراً من التحريفات, فلذلك كان في القرآن أحكام و قواعد وافقت الكتب السالفة. فهذا ليس بعارٍ عليه, ولا يدلُّ على أن محمداً تعلَّم القرآن من الأفكار السائدة في الكتب السالفة في قومه الجاهلين.

ب-مصادر القرآن في العهد المدني:
1- أهل الكتاب اليهود والنصارى
وفي هذا القسم نبحث عن ادعاء المستشرقين في المصادر المختلفة التي يمكن أن يستفيد منها محمد صلى الله عليه وسلم, ونوضح أن مصدر القرآن هل هو أهل الكتاب والكتاب المقدس أو لا؟
على الرغم من البحث الدقيق ليس ثمة مصدر للقرآن الكريم في عهد مكة سوى الوحي الإلهي, وقد عرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك المحيط الوثني في مكة, ووصل إلى محيط جديد في المدينة, وهو محيط كانت فيه جماعة من اليهود يقال لهم أهل الكتاب.
والرسول صلى الله عليه وسلم بهجرته من مكة إلى المدينة (يثرب) أصبح شخصاً ذا شأن, فلذلك كانت حركاته كلها في مراقبة دائمة من المسلمين واليهود وغير ذلك من أهل المحيط الجديد في جوار المدينة. وفي هذه المراقبة صَعُب عليه أن يأخذ من الناس المعلومات الدينية وينسب إلى الله تعالى. في الوقت الذي كان يعلن أنه أخذ الوحي من الله تعالى, لا من الناس.
ومع ذلك يدَّعي بعض المستشرقين أن النبي صلى الله عليه وسلم متأثر في فواتح السور باليهودية, وكأن القرآن من تأليفه( ). والحال أن عدد هذه السور سبع وعشرون, كلها مكية سوى البقرة وآل عمران, فكيف تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود؟
وقد نفى المستشرق الألماني نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) أن تكون فواتح السور من القرآن, مُدَّعياً أنها رموز لمجموعات الصحف التي كانت عند المسلمين الأوَّلين قبل أن يوجد المصحف العثماني, فمثلاً حرف الميم كان رمزاً لصحف المغيرة, والهاء لصحف أبي هريرة، والصاد لصحف سعد بن أبي وقاص، والنون لصحف عثمان. فهي عنده إشارات لملكية الصحف. وقد تُركت في مواضعها سهواً، ثم ألحقها طول الزمان بالقرآن فصارت قرآناً( ).
ونودُّ أن نسأل: أيقبل القرآن أن يكون المحيط الجديد مصدراً له ونموذجاً ممثلاً لفضيلة الإسلام؟ وقد كان يقبِّح أهل الكتاب ويذمهم بشدة لأنهم كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويفترون على الله الكذب.( )
إن اليهود الذين كانوا يسكنون بالمدينة كانوا يعتقدون أن عزيراً ابن الله. قال الله تعالى: ﮋﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫﮬﮭﮮﮯ ﮊ[التوبة: ٣٠ ] وهذا يعارض اعتقاد توحيد الله تعالى في الإسلام.
وهؤلاء اليهود كانوا يتهمون الله تعالى بالبخل ويقولون: ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [المائدة: ٦٤] وأحياناً يقولون: ﮋ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [المائدة: ١٨] وهذا يعارض اعتقاد الألوهية المطلقة في الإسلام, واليهود كانوا لا يتوجَّهون إلى الرسول بحسن التوجه، بل كانوا يعاملونه معاملة الأعداء, فكيف أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام من الذين كانت صفتهم البارزة العداوة للرسول والافتراء على الله؟
فإن قيل: إن الرسول أخذ تعاليمه من عبد الله بن سلام وأمثاله من أهل الكتاب, فنقول: هذا الادعاء يقلب دور الأستاذ إلى دور التلميذ, ويحرِّف الأخبار التاريخية ويعارضها. فكما أشرنا إلى أن التوراة في الأصل وحي إلهي فكذلك كان بين التوراة والقرآن تطابق في الأساس؛ لأن مصدرهما واحد. فهذا لا يدل على أن محمداً أخذ تعاليم الإسلام من اليهود ولم يوح إليه شيء.
أما النصارى فنفهم من التاريخ أنه كان في المدينة قليل منهم ولهم قسيس اسمه أبو عامر, وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفسق, وسمَّاه فاسقا؛ لأنه حسد رسالته, وذهب إلى مكة. وفي غزوة أحد حارب ضدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في صف المشركين مع رجاله الذين تابعوه( ). وله أعمال كثيرة لا تُحْصَى ضد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يريد أن يعلن رسالته فلما جاء الرسول ونجح في رسالته حسده, وبدأ جهوده ضده( ). ولما لم ينجح في ذلك ذهب إلى الشام ومات هناك.
فهل يمكن أن يكون هذا الرجل الكذَّاب مصدراً للقرآن الكريم وللرسول صلى الله عليه وسلم؟
وللرسول صلى الله عليه وسلم مواقف مع النصارى الذين يعيشون بنجران, أرسل النبي إليهم رسولاً يدعوهم إلى الإسلام( ). وهم أرسلوا إليه وفدا من ستين شخصاً من رجال الدين وغيرهم. وجرت بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مناقشات طويلة ونزلت بشأن هذا الموضوع تسع وثمانون آيةً من أول سورة آل عمران. وأدلة الإسلام وأجوبته بحق النصرانية كلها مذكورة في هذه الآيات, والمباهلة, التي ذكرت بهذه السورة تحققت في النصارى الذين جاؤوا من نجران إلى المدينة لمناقشة الإسلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن لما علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق في دعواه خافوا وامتنعوا من المباهلة ورجعوا إلى بلدهم قائلين: ((لكم دينكم ولنا ديننا)) وصالحوه مع قبولهم الجزية. ولكن بعد رجوعهم إلى بلدهم رجع رئيسهم وقسيسهم إلى المدينة فأسلما( ).
ونوّد أن نتساءل: هل النصارى مصادر للقرآن وهم يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، المسيح ابن الله، والأقنوم الثالث هو روح القدس، وإن اليهود صلبوا عيسى, وغير ذلك من العقائد والأفكار الباطلة التي يردها الإسلام, وليس لها أيُّ محلّ في القرآن الكريم, ولا يمكن أن يكون؟
2- الزعم بأنَّ القرآن أخذ من الكتاب المقدس.
يتكون الكتاب المقدس من العهد القديم والعهد الجديد, اليهود يُقَدِّسون العهد القديم فقط, والنصارى يقدِّسون العهدين. والمسلمون يؤمنون أن التوراة أنزلت على موسى, والإنجيل أُنزل على عيسى من الله العليّ العظيم. ولكنَّ اليهود حَرَّفوا التوراة, والنصارى حرَّفوا الإنجيل. قال الله تعالى في اليهود: ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ... ﮊ الآية [المائدة: ١٣] اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض( ), وهم كانوا يعتقدون العقائد الباطلة أيضاً كما ذكرت آنفاً.
وللتوراة ثلاث نسخ: النسخة المعتبرة عند اليهود وعلماء البروتستانت باللغة العبرانية, والنسخة المعتبرة عند الكنائس الشرقية وروما باللغة اليونانية. والنسخة المعتبرة عند السامريين باللغة البامرهية. والتعارض بين هذه النسخ يدل على أن في التوراة تحريفات كبيرة( ). ولا نستطيع أن نبين هنا التحريفات تفصيلا لضيق المكان.
وللإنجيل أربع نسخ معتبرة عند النصارى: نسخة متى، ومرقس، ولوقا, ويوحنا. فهذه النسخ مكتوبة بعد عيسى عليه السلام بين سنة 37 إلى سنة 98. والنسخ المتوافرة بأيدي النصارى اليوم ليست هذه النسخ، بل هي مكتوبة بعد ثلاث مئة سنة في القرن الرابع الميلادي, والتعارض أيضاً وارد بينها. فلذلك قررت كنيسة إييزنيك (القونسل) إزالتها. فهذه النسخ مرجحة من بين خمسمئة نسخة. ومع ذلك فإن التعارض وارد اليوم بين النسخ الأربع, حتى في النسخة الواحدة, وفيها أيضاً مسائل تتعارض مع العلم. فكيف يتصور أن هذه الأناجيل مصادر للقرآن الكريم الذي: ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ [فصلت: ٤٢].

العلاقة بين القرآن الكريم والكتاب المقدس
في الحقيقة بين القرآن الكريم والرسالات السماوية تطابق وتوازن, مثلا إن الله يريد أن يهدي المسلمين سنن الذين من قبلهم, قال الله تعالى: ﮋﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﮊ [النساء: ٢٦ ] وأمر الله رسوله أن يقتدي بالأنبياء قبله فقال: ﮋﯬﯭ ﯮﯯﯱﯲﮊ[الأنعام: ٩٠]. وإضافةً إلى ذلك لم يقل القرآن الكريم قط أن لا علاقة بينه وبين الرسالات السماوية, بل قد جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتب والصحف, ومطهراً إياها من التحريف والباطل المختلط بأيدي الناس, قال الله تعالى:ﮋﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆﮇﮈﮉﮊﮊ [ المائدة: ٤٨] ولا فرق بين القرآن والكتب السماوية قبله في العقائد الأساسية والحقيقة الإيمانية ( ), حتى في العبادة مثل: الصلاة والزكاة( ) والصوم( ) والحج( ), وفي الأخلاق الحسنة مثل: العدالة( ), والأكل من الطيبات, والعمل الصالح ( ). والأنبياء كلهم ذمُّوا الأخلاق السيئة( )؛ لأنهم أُرسلوا لتبليغ مكارم الأخلاق. والأوامر العشرة التي أعطيت لموسى عليه السلام في التوراة, والمواعظ الحسنة التي أعطيت لعيسى عليه السلام مذكورة في القرآن أيضاً. فهذه كلها لا تدل على أن القرآن أُخذ من التوراة ومن الإنجيل, وإنما تدلُّ على أن مصدرها واحد, وهو ربُّ العزة الذي أرسل الرسل بالبينات, وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط.
وهنا نذكر بعض الأسباب التي تمنع أن يكون الكتاب المقدس مصدراً للقرآن الكريم:
أ- الفرق من جهة الأسلوب
هناك فرق واضح بين القرآن الكريم والكتاب المقدس من جهة الأسلوب في بيان القصص, فالقرآن يبين من القصص ما هو عبرة ودرس لأولي الألباب, ولا نرى أن يسرد فيها التفصيلات( ), إنما هو يقص القصة لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم, ولتذكير الناس المسائل المهمة في الدين والدنيا, ولا يذكر تاريخ الوقائع إلا إذا كان لها أهمية بالغة في تبليغ الرسالة. أما التوراة التي هي عبارة عن القسم الأول من الكتاب المقدس فهي مختصة بتدوين التاريخ( ). وفي مدخل الإنجيل نجد أنه يبحث عن حياة المسيح عليه السلام( ). ونشاهد عموماً أن التوراة كتاب يبحث عن تاريخ اليهود، والإنجيل كتاب يبحث عن تاريخ شخص واحد, يعني المسيح عليه السلام, والقرآن ليس كذلك؛ لأنه يبحث عن أمم متعددة وعن أعمالهم الصالحة أو السيئة ونتيجتهما من المكافأة أو المجازاة. وإذا بحث القرآن في التاريخ بحث في المسائل العامة المتعلقة بالناس كافة والأسباب والنتائج التي تؤثر في حياة البشر كلهم( ).
ب- الفرق من جهة المحتوى
أ- وجود عبارات في الكتاب المقدس لا تليق بالله تعالى وعقيدة التوحيد.
فلنبحث عن قصة نوح عليه السلام, إنها مذكورة في القرآن الكريم( ), كما هي مذكورة في التوراة( ). وفي القرآن نجد أنه ينَزِّه الله تعالى عن الشرك والصفات الناقصة وعن أوصاف أهل الضلال.( ) أما في التوراة المحرفة والتي هي بأيدينا اليوم نرى إسناد صفات البشر إلى الله تعالى. فمثلاً نرى فيه أن الله تعالى أظهر الندامة بعد الطوفان, ووعد أنه لا يفعله بعد ذلك. ولتذكير هذا الوعد وضع قوسه على السحاب حتى لا يحدث مثل هذا الطوفان.( ) وفيه أيضاً أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام, وفي اليوم السابع استراح من التعب( ). وفيه أيضاً غوغاء بين يعقوب وربه الذي لا يكاد يغلب على عبده يعقوب, وهو غالب على كل عبد وقاهر فوق عباده, حتى يضرب فخذه. وبعد ذلك أراد الله تعالى أن يذهب, ولكن يعقوب قال: أنا لا أتركك أن تذهب حتى تجعلني مباركاً.( ) والأمثلة كثيرة في التوراة التي بأيدينا اليوم( ). فبدهي أنها موضوعة من قبل اليهود؛ لأنهم حَرَّفوا كتابهم المُنَزَّل من عند الله, وبدَّلوا كلام الله وأضافوا افتراءهم وافتراضاتهم فكيف تكون التوراة مصدراً للقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنْزِيلٌ من حكيم حميد؟
ب- وجود الأحكام التي تعارض عدل الله وعقل الإنسان.
يقال في التوراة: ((الله يسأل الأبناء عن ذنوب الآباء حتى النسل الثالث والرابع))( ), ((والذي يَسُبُّ أمه أو والده يُقتل لا محالة))( ), ((الثور إن قتل بقرنيه أحداً رُجم (يعني يُقْتل بالحجر) ولا يُؤْكل لحمه))( ) وفيه أمثلة كثيرة لا توافق عدل الله ولا تناسب شأنه, فكيف يوافق أن يكون مثل هذا الكتاب مصدراً للقرآن الذي يأمر بالعدل والإحسان ويقول: ﮋﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [الإسراء: ١٥].
ج- وجود افتراءات على الأنبياء.
نرى في قصص التوراة افتراءات على الأنبياء, وذنوبا لهم لا تناسب مقامهم وعصمتهم. فمثلاً جاء في التوراة أن حام بن نوح رأى أباه وهو سكران وعريان تُرى عورته, وأخبر إخوانه حتى ستروه بلباس( ).
ونرى فيه أيضا أن لوطاً بعد هلاك قومه بعذاب إلهي ذهب إلى الغار وزنى مع بنتيه, حتى تكونا حاملين( ). وفيه افتراءات على أنبياء آخرين مثل: داود وسليمان وإبراهيم وموسى وهارون ويوسف وغيرهم من الأنبياء. وفي ذلك آيات محرفات في التوراة, وآيات مصححات في القرآن الكريم. ومَنْ أراد معلومات واسعة فليراجعهما. وفي الكتاب المقدس أيضاً خرافات وأفكار تعارض العقل( ).

القسم الثاني: المصادر الداخلية التي تتعلق بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
1- الزعم بأنه ينسب كلامه إلى الله تعالى لتحقيق آماله.
إن الذين لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يتفقون في الزعم بأنه مؤلِّف القرآن, وإنما هم يختلفون في المصادر التي استعان بها محمد صلى الله عليه وسلم حينما ألَّف القرآن ودوَّنه؛ فلذلك نحن نبحث عن هذه الادعاءات والفرضيات.
وهم يدَّعون أنَّ محمداً ينسب كلام نفسه إلى مصدر إلهي لتحقيق آماله الشخصية مثل حِرْصه على جمع الأموال الدنيوية. هل نعتقد أن هذا الادعاء صحيح أو لا؟ إن المصادر التاريخية لا تؤيده؛ فللرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ خُمُساً من الغنائم( ), ومع ذلك لم يأخذ شيئاً منها ولم يكن غنياً, وقد لا يجد في بيته شيئاً يأكله. وبهذه الغنائم كان يقري الوفود والسفراء( ), ويعين الموالي الذين أصبحوا أحراراً ( ), وأحياناً يشتري العبيد, ويجعلهم أحراراً( ), وكان لا يأخذ الزكاة أصلاً, وكان يصرف أموال الزكاة في المحل الذي يُذكر في القرآن الكريم( ). فكما لا يأخذ الزكاة لنفسه أعلن إعلاناً واضحاً بيناً أنها لا تحلُّ لأقربائه من بني هاشم وبني المطلب( ). والأمثلة كثيرة على أنه لم يجمع أموالاً ولم يكن غنياً.
2- الزعم بأنه نَسَب إلى الوحي ما ليس منه لتحقيق أغراضه الجنسية.
وهذا الزعم يقصدون به قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش. فكما عُرِف أنَّ زينب كانت متزوجة بزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعيِّه, فلما طلَّقها زيد زوَّجها الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وسلم, فقال: ﮋﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ[الأحزاب: ٣٧] فالآية بينت سبب زواج النبي بزينب وهو: ﮋﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ والحال أن الرسول كان يعرف زينب لأنها بنت عمته, ولو أراد أن يتزوجها لفعل ذلك قبل زيد, وكان لا يحتاج إلى أن يضع وحياً, وينسب شيئا إلى الله, ولكنه تزوجها لحكمة لماَّ طلَّقها زيد, وذلك بوحي من الله تعالى.
3- الزعم بأن حِرْصه على الرئاسة ساقه إلى اختلاف الوحي.
هذا زعم بلا دليل ولا حجة؛ لأن المشركين في زمانه كانوا يدَّعون أيضاً أنه يحب الرئاسة، وللحصول عليها يضع الوحي ويسند إلى الله تعالى. ويزعم هذا الزعم أيضاً الذين لا يؤمنون بالرسالة من قبلهم مثل أتباع فرعون. إنهم قالوا في حق موسى وهارون: ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [يونس: ٧٨] وقالوا في نوح عليه السلام: ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮊ [المؤمنون: ٢٤] والرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب الرئاسة ولم يحتج إليها, ولو طلبها منهم لملَّكوه ما يريد؛ لأنهم قالوا: ((فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سَوَّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً مَلَّكْناك علينا)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلبُ أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم, ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلَّغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظُّكم من الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))( ). هل في هذه العبارة طلب الرئاسة؟ أو هو صاحب رسالة يقوم بتبليغها ويفعل ما يؤمر مهما كانت العقبات؟
4- ثمة ادعاءات أخرى مثل زعمهم أنه كان يريد إصلاح قومه اجتماعياً وأخلاقياً؛ ومثل قولهم شاعر يقول الشعر, وينسبه إلى الله, أو هو مجنون لا يعرف ما يفعل.
يقول المستشرق الألماني هوبرت جريم Hubert Grimme في كتابه (محمد): ((لم يكن محمد في بادئ الأمر يبشِّر بدين جديد، بل إنما كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية, فالإسلام في صورته الأولى الأصلية لم يكن يحتاج إلى أن نُرجعه إلى ديانة سابقة تفسر لنا تعاليمه؛ ذلك لأننا إذا نظرنا إليه عن كثب نراه لم يظهر إلى الوجود دينا سماوياً، بل هو محاولة لإصلاح اجتماعي تهدف إلى تغيير الأوضاع الفاسدة, وعلى الأخص إلى إزالة الفروق الصارخة بين الأغنياء الجَشِعين والفقراء المضطهدين... لذلك نراه يفرض ضريبة معينة لمساعدة المحتاجين, وهو إنما يستخدم فكرة الحساب في اليوم الآخر كوسيلة للضغط المعنوي وتأييد دعوته))( ). يقول التهامي نقرة بعد نقل هذه العبارة: ((أليس من السخف أن ينفي المستشرق (جريم) النبوة عن محمد بهذه السذاجة ليجعل منه مصلحاً اجتماعياً يدعو إلى الاشتراكية))؟!.
ويقول المستشرق الإنجليزي جب Gibb في كتابه (المذهب المحمدي):
((إن محمداً ككل شخصية مبدعة قد تأثَّر بضرورات الظروف الخارجية المحيطة به من جهة، ثم هو من جهة أخرى قد شق طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه، والدائرة في المحيط الذي نشأ فيه... وانطباع هذا الدور الممتاز لمكة يمكن أن نقف على أثره واضحاً في كل أدوار حياة محمد، وبتعبير إنساني: إن محمداً نجح لأنه كان واحداً من المكيين)) ثم يقول جب: ((ويبدو أن معارضة المكيين له لم تكن من أجل تمسكهم بالدين، أو بسبب عدم رغبتهم في الإيمان... بل ترجع أكثر ما ترجع إلى أسباب سياسية واقتصادية))( ).
ولا شك أنَّ مَنْ يخالف التاريخ ولا يقدِّم حجة مقنعة لا قيمة لادعائه؛ لأنه لا يستطيع أن يتخلص من ميوله وأهوائه.
وأمَّا كون القرآن الكريم كهانة أو شعراً فلنقرأ نصوصاً من التاريخ يعترف فيها أعداء محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليس بكهانة ولا شعر ولا سحر. ونحن لا نتكلم فيه شيئاً فلنقرأ في النص التالي: رُوي عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع هو ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم. فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً, ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قول بعضكم بعضاً.
فقيل: يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقوم به.
فقال: بل أنتم, فقولوا وأنا أسمع.
فقالوا: نقول: كاهن.
فقال: ما هو بكاهن، فقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكهان.
فقالوا: نقول: مجنون.
فقال: ما هو بمجنون. ولقد رأينا الجنون وعرفناه, فما هو بِخَنْقِهِ ولا تَخالجُِه ولا وسوسته.
فقالوا: نقول: شاعر.
فقال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشِّعر.
قالوا: فنقول هو ساحر. قال: ما هو بساحر. قد رأينا السُّحَّارَ وسحرهم فما هو بنفثه ولا بعَقْدِه.
قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذْق, وإن فرعه لجنىً, فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرِف أنه باطل, وإنَّ أقرب القول لأَن تقولوا: ساحر، فتقولوا: هو ساحر يُفَرِّق بين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته, وبين المرء وأخيه، وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك...( )
هذا ما ادَّعاه المشركون المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية, وهذا ما ادعاه المستشرقون بعد القرون الطويلة فما أعجب ما يقولون! يعتقدون أنه حق ووحي من الله, ولا يستطيع البشر أن يأتي بمثله, ويظهرون خلافه ويقولون: إنه كهانة, أو سحر, أو شعر, بغياً وحسداً وعناداً وكفراً. فماذا نقول؟ فالله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وأما الجنون فهو أيضاً ادعاء باطل لا أصل له. فإذا نظرنا إلى القرآن الكريم نرى فيه اتهام المشركين في مكان غير واحد. إنهم يوجِّهون الخطاب إلى الرسول ويقولون: ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [الحجر:٦] ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [الصافات: ٣٦] ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [القلم: ٥١]
فهذه كلها مزاعم باطلة وافتراءات كاذبة لا يُؤمن بها من له شيء من العقل أو علم من الدين والدنيا وثقافتهما.
ويقول رنولين Renaulen: ((إن من ترك منافع نفسه, وحقق الانقلاب في دين قومه وأخلاقه ليس بمجنون, ومَنْ هدم الوثنية وأقام مقامها التوحيد يعني وحدانية الله تعالى, وبواسطتها أخرج قومه من ظلمات الجاهلية وسبب احترام الناس للعرب مدة طويلة, وأخاف الناس منهم, وفتح سبيل الشرف من الفتوحات ليس بمجنون. وإنَّ من جهز الناس بمجموعة من القوانين التي طبقت منذ أكثر من ألف ومئتي سنة في البلدان المختلفة التابعة للإسلام ليس بمجنون))( ).
5- وهناك ادعاء آخر يتعلق بصحة الرسول صلى الله عليه وسلم البدنية والنفسية, مثل مرض الصرع أو الهستريَ أو نَورستني أو الخيال (Hallucination).
ولا غرو أن معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين لم يَدَّعوا أن فيه مرض الصَّرَع. ومع ذلك فإنَّ هذا الاتهام قديم، ادَّعاه أولاً الكُتَّاب البيزنطيون,( ) ثم انتشر بين الكتَّاب في أوربا إلى يومنا هذا.( ) فمثلاً المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون يذهب إلى أن: ((الحالات التي تُرى في الرسول عند نزول الوحي ليست إلا نوبة مرض الصرع. فيقول: ((ولا أهمية لذلك فلم يكن ذوو المزاج البارد من المفكرين هم الذين ينشئون الديانات، ويقودون الناس, وإنما أولو الهوس هم الذين مَثَّلُوا هذا الدور.. وهم الذين أقاموا الأديان وهدموا الدول وأثاروا الجموع وقادوا البشر. ولو كان العقل لا الهوس هو الذي يسود العالم لكان للتاريخ مجرى آخر))( ).
هل هذا صحيح؟ هل كان إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام مجانين؟ أو فيهم مرض الصرع؟ ولذلك اتبعهم كثير من الناس وبخاصة العلماء والأدباء والمفكرون من الرجال والنساء ورجال الدولة من أقوام مختلفين, حتى إن بعضهم كان من دهاة قومهم الذين أسسوا الدول؟
ربما المجنون هو الذي قال هذا القول, وافترى هذا الافتراء؛ لأنه لا يفرق بين الغث والسمين, ولا بين النبي الذي يوحى إليه من عند الله ومن لا يعي ما يقول.
وأما مرض الهستري أو نورستني فهما مرضان عصبيان وروحيان. أنا لا أريد إشغال المقام بكلام لا يليق به وإنما أقول لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مريضاً بهذين المرضين لم يتبعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية وعمرو بن العاص وطلحة بن عبيد الله وخالد بن الوليد والعباس وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعائشة وزينب وصفية وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم, ومن التابعين ومن بعدهم من العلماء المسلمين المفسرين, الذين فسروا القرآن الكريم ودرسوا الأحكام الخاصة به. ومن المحدّثين الذين حفظوا كلامه حتى وصل إلينا بسنده. هل هذه الأعمال كلها كانت لحفظ كلام رجل مريض مصاب بالهستري أو نورستني أو لحفظ كلام الله الذي أنزله على رسوله وتعَّهد بحفظه إلى يوم القيامة: ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر: ٩]؟
6- الزعم بأن في الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعرف بـ: هالوسيناسيون (الخيال) Hallucination. وهو ظن شيء غير موجودٍ, فهو مرض يُرى في المرضى الذين فيهم مرض شيزوفرني وبارانويا. بعض المستشرقين يزعمون أن مصدر القرآن هالوسيناسيون، يعنون خيالا, ومحمد صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل ولم يأخذ منه وحياً, إنما هو خيالٌ يُرى له, فهذه مسألة طبية تتعلق باختصاص الأطباء وعلماء النفس, ولكن نحن نعرف أن الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يفترون عليه وعلى الله الكذب مثل المشركين في مكة واليهود في المدينة. فهذه مزاعم مختلفة يعارض بعضها بعضاً. فهم بهذه المزاعم يهدفون إلى هدم الإسلام. ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ [الصف: ٨] فكثير من المشركين في الماضي رجعوا عن مزاعمهم وآمنوا بمحمد وبالقرآن فكذبوا أنفسهم.

7- وهناك مزاعم أخرى باطلة, مثل أن مصدر القرآن الأمنية والهوى تحت الشعور( ), أو هو أثر تحت اللاشعور الجماعي
(collective unconscious)( ) أو نتيجة مقام الزهد. يقصد أن الرسول حتى في صغره وشبابه كان زاهداً. ومن نتيجة الزهد الطويل ظهر له الكشف بالسمع والبصر. والقرآن الكريم أثر لهذا الكشف.
8- وهناك ادعاء غريب لا يقبله العقل ولا يحمله النقل, وهو أن القرآن ظهر نتيجة الخوف والحزن الشديد لموت ابنيه.( ) والمستشرق لديث يدعي أن سببه حزنه على موت ابنه، وكبرى زوجاته، وعزلته في غار حراء وخوفه من الجن. وهو يرى أن توهمه رؤية جبريل وضمَّ جبريل إياه ثلاث مرات كلها مسببة عن الأسباب التي ذُكرت( ).
وهذا الكلام لا أصل له؛ إذاً فلماذا ذهب الرسول إلى غار حراء منذ سنوات وبقي هناك مدة ليال كثيرة كل سنة بدون خوف ولا حزن؟ ومع ذلك فكيف نفسر أن الوحي استمر ثلاثاً وعشرين سنة؟ هل هو في هذه المدة كلها في الخوف والحزن وفي غار حراء؟ والحال أن الوحي كان ينْزل والرسول بين أصدقائه ليلاً ونهاراً في الحضر والسفر وفي السهول والجبال, وغير ذلك من الزمان والمكان اللذَيْن أنزل على الرسول فيهما وحي من الله العزيز الرحيم.
الإشكال في الحقيقة لدى المستشرقين فكرة الوحي، لأنهم يرون أن الوحي ليس من خارج نفس النبي وإنما هو إلهام فائض من استعداد النفس العالية, والمسلمون يعتقدون أن الوحي من خارج نفس النبي, وليس نابعاً من داخلها, كما يتوهم المستشرقون.ولا خلاف بين المسلمين في أن القرآن نزل به الروح الأمين على قلب محمد ليكون من المنذرين. كما قال عز وجل: ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ*ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ*ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ*ﮣﮤﮥﮊ [الشعراء: ١٩٢-1٩٥] والنبي الموحى إليه يجد اليقين بأنه من عند الله سواءً أكان هذا الوحي بواسطةٍ أم بغير واسطة، بصوت يسمعه أم بغير صوت.
يقول الدكتور التهامي نقرة: ((وباب النبوة ليس مفتوحاً لكل أحد مهما عظم الإشراق أو سَمَتْ نفُسه, كما أنَّ الوحي في مفهومه الديني الصحيح ظاهرة روحية خصَّ الله بها مَنِ اصطفاهم النبوة, وبه يكون اتصالُهم بالله من غير حلول ولا اتحاد ليكلفهم إبلاغ تعاليمه للناس.
والنصرانية ربما تفهم الوحي على أنه حلول روح الله في روح الموحى إليه، فلم تؤلِّه المسيح إلا بهذا الحلول؛ لأنَّ مَنْ حلَّ فيه روح الله صار إلهاً. وهو ما ينفيه الإسلام نفياً مطلقاً, فالله سبحانه لا يحل في غيره, ولا يحل فيه غيره))( ).
ومهما يكن من شيء فإن من المستشرقين نزيهين يعترفون بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم, وإن لم يعترفوا بنبوته. ولا يستطيعون إلا أن يعدُّوه من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ. مثل كلود أتيان سافاري (المسشرق الفرنسي) وتوماس كارلايل (المستشرق الإنجليزي)( ).
ومع هذا فإن للمستشرقين آراء مختلفة وأغراضاً متباينة؛ لأنهم كانوا يريدون أن يهدموا الإسلام بسلاح غير سلاح القتال وهو الاستشراق, فلذلك وصفوا ظاهرة الوحي وما كان يعتري النبي عند تلقيه بالهوس أو الصرع أو نحو ذلك من الانحرافات النفسية.( ) قال الله تعالى: ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ [القلم: ٢] وقال سبحانه: ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ * ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ * ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ * ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [الحاقة: ٤٠ - ٤٣] والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

المصادر والمراجع
المصادر العربية
1- الأعلام, لخير الدين الزركلي، بيروت، 1969م.
2- أنساب الأشراف, للبلاذري، أحمد بن يحيى, مصر، 1959م.
3- إنسان العيون, للحلبي، مصر، 1964م
4- أنوار التنْزيل, للشيخ عبد الله بن عمر البيضاوي، (مع مجمع التفاسير)، المطبعة العامرة، 1317ﻫ.
5- تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن الكريم، لمحمد بن حمادي
6- تفسير ابن أبي حاتم, تحقيق د.أحمد الزهراني ط/1, مكتبة الدار, دار طيبة, دار ابن القيم, عام 1408ﻫ.
7- تفسير ابن جرير الطبري, تحقيق و تعليق محمود شاكر و تخريج الشيخ أحمد محمد شاكر ط/الثالثة دار المعارف بمصر, وطبعة أخرى في مصر, 1326ﻫ.
8- تفسير ابن كثير, تحقيق عدد من العلماء, مكتبة أولاد الشيخ, ط/1 عام 1421ﻫ -2000م.
9- دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة، دار الشعب.
10- الدر المنثور في التفسير بالمأثور, للسيوطي, تحقيق د.عبد الله بن عبد المحسن التركي. ط1,القاهرة عام 1424ﻫ -2003م.
11- دراسة ترجمة معاني القرآن, فودي سوريبا، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
12- روح المعاني، لشهاب الدين محمود الآلوسي، بيروت، 1985م
13- سلسلة الأحاديث الصحيحة, لمحمد ناصر الدين الألباني, ط/جديدة, عام 1415ﻫ -1995م.
14- السنن, لأبي داود، سليمان بن الأشعث، إستانبول، 1981م.
15- السيرة النبوية لابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام (213/828), مصر، 1936م
16- السيرة النبوية, لابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، بيروت
17- صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، إستانبول، 1981م.
18- صحيح سنن الترمذي, لمحمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر والتوزيع, ط/2 عام 1422ﻫ -2002م.
19- الطبقات الكبرى لابن سعد، محمد بن سعد، بيروت، 1985
20- القرآن والمستشرقون, التهامي نقرة (مع كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية) مكتب التربية العربية، لدول الخليج، 1985م.
21- كارلايل توماس، Kahraman Peygamber Muhammed ، أنقرة، 1958
22- الكتاب المقدس (الترجمة التركية) إستانبول، 1995م
23- محاضرات في النصرانية، للشيخ محمد أبي زهرة الرياض،1404ﻫ
24- المستشرقون في القرآن, لعمر لطفي العالم، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطة، 1991م.
25- المسند, للإمام أحمد بن حنبل, إستانبول، 1982م.
26- مفاتيح الغيب, للرازي، أبي عبد الله محمد بن عمر، طهران
27- نيل الأوطار, للشوكاني، دار التراث، القاهرة.
28- الوثائق السياسية، لمحمد حميد الله، بيروت، 1405ﻫ.

المصادر غير العربية:
1- Abdü'l-Aziz Hatip, Kur'an ve Hz. Peygamber Aleyhindeki İddiâlara Cevaplar, İstanbul, 1997
2- Ahmet Kahraman, Dinler Târihi, İstanbul, 1965
3- Bell, Richard, The Origin of Islam in its Christian Environment, London, 1926
4- Çağatay, Neş'et, İslâm Öncesi Arap Târihi ve Câhiliyye Çağı, Ankara, 1957
5- Draz, Muhammed Abdullah, Inititation an Coran, Pâris, 1951
6- Elmalılı, Hamdi Yazır, Hak Dili Kur'an Dili, 1-10, İstanbul, 1971
7- Fazlurrahman, Ana Konularıyla Kur'an, (trc. Alparslan Açıkgenç), Ankara, 1987
8- İsmâil fennî Ertuğrul, Hakîkat Nurları, İstanbul, 1975
9- Rodinson, Maxime, Mahomet, Pâris, 1961
10- Watt, W. Montgomery, Muhammed at Mekke (trc. Rahmi Ayan, Azmi Yüksel), Ankara, 1986
11- Muhammed Hamîdullah, İslâm Peygamberi (trc. Sâlih Tuğ) 1-2, İstanbul, 1980

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك