الإحداثيات المبتدعة في قراءة جاك بيرك الاستشراقية للقرآن الكريم

الإحداثيات المبتدعة في قراءة
جاك بيرك الاستشراقية
للقرآن الكريم

الدكتور بوشعيب راغين

مقدمة
الحمد لله الذي نوَّر بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبُّره، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد
فيعد القرآن الكريم نصا تأسيسيا داخل المنظومة الإسلامية، وهي مكانة لا تكاد تجد لها نظيراً في الديانات الأخرى، رغم كونها مصحوبة بكتاب، الشيء الذي جعل من موضوع قراءته وتفسيره رهانا أساسيا، وموطن خلاف دائم بين محاولات التجديد والتقليد التفسيري التراثي. هذا الأخير الذي يعمد أصحابه إلى بذل جهود لغوية وتاريخية وفقهية وعقدية، في حين تدعو المحاولات التجديدية إلى بناء المعنى بوصفه علاقة جدلية مستمرة بين قارئ ونص في إطار محيط اجتماعي وثقافي وتاريخي ونفسي محدد. ذلك أن المعنى يتولَّد باستمرار من خلال العملية التأويلية التي تمثلها القراءة.
تعد التقاليد التفسيرية التراثية السائدة في العالمين العربي والإسلامي من وجهة نظر أصحاب القراءات التجديدية عائقاً يسهم في تعطيل الفكر والذهنيات، مما يترتب عليه ظهور توترات دائمة بين تقبُّل هذه الدعوات الحداثية لإعادة قراءة القرآن الكريم والظواهر المرتبطة به، مثل: ظاهرة الوحي وأسباب النـزول وجمع القرآن والناسخ والمنسوخ والتناسب.... وذلك تحت طائل الحق في القراءة، الشيء الذي كان وراء استمرار القراءات وتوالدها من قبيل(*):
1- القراءة التعاقدية.
2- القراءة الاستعراضية.
3- القراءة الاستكشافية.
4- القراءة الصنافية.
5- القراءة الحفرية.
6- القراءة النقدية السجالية.
فكل قارئ منتسب إلى إحدى هذه القراءات يرغب في تشييد حقيقة لممارسة الحق في مساءلة التراث الديني، وفي مقدمته النص القرآني توصيفا وتحليلا وتأويلا، باستلهام مناهج نقدية ولسانية وتاريخية وانتروبولوجية حديثة للنظر في هذا الموروث والكشف عن خفاياه ونفض الغبار عن الاجتهادات الأولية. وفي هذا الإطار تندرج أعمال وكتابات فرج فودة ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وطيب التيزيني ومحمد الطالبي ومالك بن نبي من العرب المسلمين ونولدكه، وبلاشير، وآربري، وريتشارد بل، وكنث كراج، ويوليوس فلهاوزن، وإجناس جولدتسيهر، وجاك بيرك، وآرثر جفري، إندريوربون، ميشيل كوك، نيل روبنسون من المستشرقين.
ولقد استوقفتني دراسة جاك بيرك المعنونة بـ ((إعادة قراءة القرآن ((En relisant le Coran)) لما فيها من إثارة معرفية فاخترتها لتكون سهمي في هذه الندوة المباركة تحت عنوان ((الإحداثيات المبتدعة في قراءة جاك بيرك الاستشراقية للقرآن الكريم)) الغاية منها التقاط آليات الإقراء لديه، واستجلاء الخلفية المعرفية الثاوية وراء بناء قراءته الناقدة. ونمثل لهذه الإحداثيات بمايلي:
1- الإحداثية المبتدعة الأولى:القول بتفرد القرآن بالنحو، ومؤدى هذه الإحداثية: أن جاك بيرك قد حكم على المتن القرآني بكونه فريداً في الإعراب، وغير مساوق للنحو القاعدي المعياري الواصف للسان العربي المُحَقَّق إنجازيا في كلام الأعراب ولغة الشعر ولغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، قاصداً بذلك أن عربية القرآن فيها شذوذ نحوي.
2- الإحداثية المبتدعة الثانية: بؤس الترجمة وضلالها، من ذلك ترجمته أم القرآن بـ la génératrice du Coran والتي تعني مولدة القرآن.
3- الإحداثية المبتدعة الثالثة: قوله بهيمنة التكرار والتباين في القرآن.
4- الإحداثية المبتدعة الرابعة: نفي التفسيرات الموروثة وإحلال المناهج المعاصرة محلها وبخاصة سيمياء( ) كريماس Gremas وتوليدية( ) نعوم تشومسكي Noam Chomsky مما يحملنا على التساؤل هل وضعت سيميائيات كريماص أصلا لمقاربة النص القرآني؟ كيف ونحن نعلم أن كريماص نفسه قد اعترف بأن شبكته السيميائية السردية الخطابية لا تصلح إلا للحكايات الخرافية في الوقت الذي تنحصر فيه القدرة التطبيقية للسانيات تشومسكي في الجملة دون النص.
5- إحداثية جمع القرآن والتي يُسَلِّم فيها بأن هناك تطوراً لغوياً قد حصل بين مرحلة نزول القرآن ومرحلة التدوين، رامياً بذلك الطعن في ثبوت القرآن الكريم، ولكن ليس بطريقة فجة، كما فعل بعضهم من قبل، ولكن استناداً إلى موضوعية قرائية وليس إلى قراءة موضوعية.
6- الإحداثية المبتدعة السادسة: القول بعدم انسجام النص القرآني فكغيره من المستشرقين شعر بالإحباط حين قرأ القرآن في المصحف العثماني فحكم عليه بفقد الانسجام لعدم انتظامه الظاهري مما حمله على الحديث عن عدم التناسب والاطراد غير المميز.
وسنخصص هذه الورقة التي أردنا لها أن تكون سهمنا في هذه الندوة المباركة للإحداثيات الثلاث الأولى.
أما بعد فإن قارئ عمل جاك بيرك ((إعادة قراءة القرآن)) يستشعر نوعا من المعاناة، وهو يتعقب قراءته نتيجة التعتيم الذي ينال مقاربته، خشية المؤاخذة الصريحة، فسبغ عليها اللبس مدركا أن قارئاً محتملاً يتربص به ويراقب مجازفاته وتأويلاته الفاسدة لذا كانت استراتيجية الكتابة لديه متساوية مع استراتيجية القراءة، فهو يدرك حق الإدراك طبيعة قارئه ويعرف أنه له بالمرصاد؛ لذلك تجده يحسن المراوغة.
إن السائد في تاريخ الأفكار أن تعرض المواقف على صلة بأصحابها وبالظروف الشخصية والاجتماعية، المحيطة بهم، وهذا مسلك محمود لكنه غير كافٍ، إذ ينبغي التمييز بين الموقف الشخصي والموقف عندما يحتضنه خطاب جمعي أو مؤسساتي، فالأول انطباعي وقول عادي ما لم ينخرط في منظومة فكرية لجماعة أو اتجاه يفصح عن نفسه في شكل خطاب نسقي متجانس، فلا يكفي أن يتحدد الرأي، ويبين انقداحه في ذهن صاحبه، لأن الرأي لم يكن ليصل إلينا أو يؤثر في الوعي الجمعي، لولا أنه ارتبط بتشكل خطابي معين -الخطاب الاستشراقي- ليصبح في حد ذاته مستقلا عن صاحبه. فنحن نرى في هذه الورقة ضرورة دراسة الظواهر الفكرية ذات البعد الاستشراقي المعبرة عن ذلك التشكل بوصفها حاملة منطقا قائما بذاته، وإن ارتبطت ارتباطا وثيقا بقائلها.
إن الخائض في قضية الدرس الاستشراقي في القرآن الكريم ملزم بضرورة تحديد موقعه، أهو موقع المُنافح المجادل أم موقع الدارس المحلل؟ فالتاريخ التقليدي للأفكار يعرض المواقف في سياق الحكم والتقويم وينخرط بوعي أو بدون وعي في الجدل مستبدلا المحاكمة المعيارية بالتحليل.
ومن نتائج ذلك السقوط في انطباعية متسرعة؛ لأنه يغفل الفارق بين آليات صيغة الموقف من موقع علمي وعملي وآليات صياغته من موقع تأملي.
إذا كان فهم القول رهيناً بتحليل الخطاب الذي أنتجه واحتضنه، وهذا هو الفهم التحليلي الذي ننشد، وعلى نتائجه نؤسس منافحتنا ودفاعنا عن كتابنا الذي يشهد التاريخ أنه أغنى النصوص المقدسة وأصحها، وأكثرها أصالة، وأضبطها وخاتمها، وذلك من خلال الرد على الإحداثيات المبتدعة من لدن شيخ المستشرقين الفرنسيين جاك بيرك Jacques Berque والتقاط آليات الإقراء لديه واستجلاء الخلفية المعرفية الثاوية وراء تشكل قراءته ((النقدية)) تلك.

الإحداثية المبتدعة الأولى: القول بتفرد القرآن بالنحو
Singularités grammaticales ( )
لم تنهض قراءة جاك بيرك وهو يعيد قراءة القرآن على تنشئة قرائية للنحو العربي، بل وجدناه يتعثر في المبادئ العامة التي يقوم عليها هذا النحو متكئاً على سجال البصريين والكوفيين حول بعض الحالات الإعرابية مثل ((إنَّ)) التوكيدية وما النافية؛ ليخلص إلى تعدد القراءات الأخرى مع اختلاف النيات، وبدون أي سند في فقه اللغة، وقد وجدناه يخصص مبحثا عنونه بعبارة ((تفردُّ نحوي)) Singularités grammaticales بوصفها في نظره بديلا اصطلاحيا لمصطلح اللاانتظام Irrégularités الذي قال به نولدكه.
إن قراءته هاته جعلته يحكم على القرآن بأنه فريد في الإعراب، وغير منسجم مع مقتضيات القاعدة النحوية، غايته من ذلك نسف نظرية الإعجاز البياني من الداخل، ولم نجد ولو إشارة واحدة إلى الجرجاني أو الزمخشري أو سيبويه يتكئ عليها، وتكون سنداً له في قراءته التأويلية.
إن اعتماد آلية المقايسة الأحادية بين القاعدة المعيارية وما اعتقده شاذاً عنها في بعض الجمل القرآنية كما قرأها مترجمة عند نولدكه، أَفْضت به إلى مغالطات في فهم القرآن الكريم، فإذا عجز النحو عن احتضان الأسلوب القرآني فليس الخطأ في الجملة القرآنية، وإنما في قصور المنظومة النحوية التي تضع القاعدة وترفقها بالاستثناءات؛ ولذلك تعيب اللسانيات التوليدية العربية عن النحو العربي لا نسقيته؛ إذ يفرد لكل مقولة بلاغية أو نحوية باباً ثم يرفقها باستثناء.
فالقرآن هو الذي يُوَجِّه الإعراب وله سرُّه البياني المتفرد، فهو ليس شاهداً شعرياً يجوز عليه التأويل، فكيف لدارسٍ أَخَذَ العربية من القواميس والمعاجم وتعلَّم من مستشرقين أن يبرز في النحو، ويجادل فيه، وهو الذي ترجم ((أم القرآن)) بوالدة القرآن وترجم قوله تعالى: ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮊ [التوبة: ١٠٢]. بـPeut-étre- Dieu se repentira-t-Il en leur faveur والتي تعني( ) ((عسى الله أن يندم لصالحهم)) وسنرى ذلك مفصلا في الإحداثية الثالثة.
يستند جاك بيرك في استنباطاته النحوية إلى نولدكه ليحكم على القرآن بالتفرد النحوي، ويقصد من ذلك أن في القرآن شذوذا نحويا قياساً على القواعد النحوية المعمول بها، وقد عمل وبحث واستنبط بسرعة أن ((العقيدة فيها حسابات غريبة)).
لنتحقق من صحة هذا الافتراض ولنبرز خروجه عن جادة الصواب وقصور علمه بالعربية.
الشاهد الأول: قال تعالى:

أراد بيرك تصويب ما بدا له خطأً، وقال: إن المفروض أن تُقرأ: إن هذين لساحران معتبراً ((إنَّ)) ناسخة، ولم يدرك جاك بيرك أن: ثمة أجوبة نص عليها أهل العلم، منها:
1- أنها لغة مَنْ يلزمون المثنى بالألف ويعربونه بحركات مقدرة عليها قال صاحب الدر( ): ((يجعلون المثنى كالمقصور، فيثبتون ألفاً في جميع أحواله)) وقال: ((وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار)).
2- ((إن)) في هذه الآية بمعنى نعم وهي كثيرة في لغة كنانة ومن جاورهم في مكة ونواحيها، ونص عليها سيبويه( ) في قوله: ((وأما قول العرب في الجواب ((إنَّه)) فهو بمنـزلة أَجَلْ، وإذا وصَلْتَ قلت ((إنَّ يا فتى وهي التي بمنـزلة أجل))،
كقول الشاعر:
بَكَرَ العواذلُ في الصَّبـو
ح يَلُمْنـَني وأَلـومُهُنَّهْ

وَيَقُلْنَ شَيْـبٌ قد عـلا
كَ وقد كَبِرْت فقلت إنَّهْ

3- إسم ((إن)) محذوف وتقديره ضمير الشأن أو القصة أو الحكاية، وجملة ((هذان لساحران)) بعدها في محل رفع خبر إن، وذلك بعد تقدير مبتدأ للجملة الصغرى أي: لهما ساحران، لأن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ وتقدير الكلام. ((إنه هذان لهما ساحران)) وما ورد على حذف ضمير الشأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون))( ).
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية( ) أن إقرار الغلط في المصحف ((يُعلم بطلانه عادة، ويعلم من دين القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة، بل يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر - أن يدعوا في كتاب الله منكرا لا يغيره أحد منهم، ... فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أن في المصحف لحنا أو غلطا وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة، فالخطأ جائز عليه فيما قال بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرؤوه فإن الغلط ممتنع عليهم في ذلك)).
إن هذه النماذج الاجتهادية في قراءة الظاهرة النحوية القرآنية أنصفت بعض الآيات من شطط التأويل الفاسد، وكشفت عن وجه جمالي يكتنـزه النحو العربي.
الشاهد الثاني: من سورة النساء يقول عز وجل:
ﮋﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﮊ [النساء: ١٦٢].
الشواهد في هذه الآية هي:
أ- الراسخون في العلم.
ب- المقيمين الصلاة.
ج – المؤتون الزكاة.
د- المؤمنون بالله.
يقول جاك بيرك: ((على أي حال هناك تراث يرجع إلى عائشة ويتحدث عن خطأ النساخ(*)! كيف نفسر ورود ((المقيمين)) الموضوع بين جمعين مرفوعين بالواو وهو يقوم بالدور نفسه في الحصر! قد يطابق تناوب الحالين فروقا نوعية دقيقة)). يقول جاك بيرك( ): ((الراسخين)) هو الصواب)). ظناً منه أنها اسم ((لكن)) بتضعيف النون أي جعلها عاملا ناسخا، ومن ثم تراءى له أن ((الراسخون)) اسمها فاستوجب النصب، والصواب أنها ((لكنْ)) بتسكين النون لا تعمل والراسخون مبتدأ مرفوع أما ((المقيمين)) فقرأها بالرفع والواو ظنا منه أنها معطوفة على نائب الفاعل ((أنزل)).
أما نصب ((المقيمين)) فهو على القطع المفيد لبيان فضل الصلاة. يقول صاحب الدر( ): ((فكثر الكلام في الوصف بأن جعل في جملة أخرى)) وهذا تخريج كثير من النحاة ومنهم سيبويه( ).
ومن النحاة( ) من جعلها عطفا على قوله ((وما أنزل إليك))، يعني وبالمقيمين الصلاة وكأنه يقول بإقامة الصلاة، أي يعترفون بوجوبها وكتابتها.
لم يطلع جاك بيرك على قراءة النحاة لمثل هذه الظواهر النحوية وإنما وجدناه يسوق أحكاما اعتباطية غير مستندة إلى قراءة متأنية للنحو العربي، ولذلك نجده يقول إنها أخطاء ارتكبها النساخ، مشيراً إلى تلك الأكذوبة التاريخية القائلة بأن الحجاج بن يوسف الثقفي سمح لنفسه بتصحيح بعض من ((المظاهر غير المنتظمة)) فأقرَّ جاك بيرك جازما بوجود تفرد نحوي للغة القرآنية كما أثبت أستاذه نولدكه ما سمَّاه بانعدام الانتظام، وفي مبحث آخر من تعليقاته عنونه بـ ((مغامرات في الصيغة الفعلية Aventure du schema verbal)): نجد جاك بيرك يلقي بذور الشك في نظام الأفعال، والأسماء. فالأصل في الفعل القرآني الفهم والإعلام وقد بلغ مرتبة الإعجاز لنوضح أكثر مما تقدم.
أ- كان أن اعتقد بيرك فعلا مبنيا للمجهول ((يصلحا)) بضم الياء في الآية التالية:
ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [النساء: ١٢٨].
قرأه جاك بيرك ((يصلحا)) أي مبنيا للمجهول، والحال أنه مبني للمعلوم (يَصَّالَحَا) (بفتح الياء وفتح اللام)( )؛ لأن الفعل -حسب زعمه- له علاقة بالبرهنة النفسية التي يحاول النص إنزالها في نفوس المشتركين وهذا ضرب من التأويل المفتقر إلى السداد.
يبني جاك بيرك أحكامه على هوى دون سند، جاء في الآيتين الثانية والثالثة من سورة البقرة اللتين يقول فيهما عز وجل: ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [البقرة: ٣ – ٤] الشاهد عنده: ((بما أنزل إليك ترجمها بـ Ce qui a éte -discendu sur toi قال: إنها تتعارض مع ما جاء في سورة النمل التي يقول فيها عز وجل: ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [النمل: ٦].
فعلا إن القارئ سيسلم بقراءته إذا لم يتحرَّ صحة الافتراض عندما استنتج بأن الرسول في الآية الأولى ينـزل عليه القرآن وفي الآية الثانية يَلْقَى القرآن. والصواب أنه أخطأ في قراءة الفعل ((تُلَقَّى)) بضم التاء وفتح القاف المشددة، إذ قرأه ((لَتَلْقَى)).
ونشفق على جاك بيرك وهو يقر بأن القرآن لم يتفوق على الشعر الجاهلي وبخاصة المعلقات، مما دفعه إلى البحث -عبثا- عن كلمة ((المعلقة)) في القرآن الكريم لكي ينفي ما يقوله المفسرون أنها غير واردة في القرآن، و((اللفظ مستخدم بهذا المعنى في السورة الرابعة من مصحف نولدكه أي سورة النساء)) لنعد إلى هذه الآية ونتحقق من افتراضه، يقول عز وجل في سورة النساء: ﮋﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ [النساء: ١٢٩] فقد ترجم عبارة ((معلقة)) بـ ((((défavorisée comme en l’air ( ).
عبارة (معلقة) في الآية الكريمة لا تفيد ما أفادته حينما استُعْملت مصطلحاً لإفادة نوع متميز من جيد الشعر الجاهلي، رخص لشعرائه تعليق الرقع الحاوية له بأستار الكعبة، أما مؤدَّى كلام الله ومراده بالمعلقة ((تبقى لا أيِّماً ولا ذات بعل، كما أن الشيء المعلق لا يكون على الأرض ولا على السماء)) ( ).
ثم يؤول كلام عمر بن الخطاب وهو يثني على دارس شرح مفردة فاطر مستعينا بالشعر الجاهلي وحين أعجبه ذلك نصح الحفاظ بالعودة إلى الشعر الجاهلي لأنه ((ديوان العرب)) قال بيرك:
((ما كان التناول للدين المنتصر
Telle était la condescendance de la religion triomphante
وأن الشعر غير الديني عند العرب لم يكن قد قال كلمته الأخيرة بعد)).
ب-شملت تأويلاته بنية الأفعال وبنية الأسماء والضمائر كما في قوله تعالى في سورة الأحزاب:
ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﮊ [الأحزاب: ٥٠].
يزعم بيرك أن بعض الأسماء وردت على صيغ الجمع وبعض الأسماء على صيغ المفرد، مما جرَّه حسابات غريبة، لكن ما لم يعلمه جاك بيرك أن أسلوب العربية يجعل المفرد يحتمل معنى العموم مثل ((كلمة)) فقد تطلق على مجموع الكلام، وقد تطلق على المفرد، فبنات عمك أي كل عم لك، والتوزيع بين المفرد والجمع جائز حتى في الصياغة الأدبية، فخلاف المفسرين والنحاة كان على الموقع الإعرابي لا على صحة التعبير، وهذا ما يعرف في الأدبيات الأصولية والتفسيرية بمعهود العرب في تلقي الخطاب القرآني الذي يتطلب التعرف عليه درجة من الإجادة والمعرفة بخصائص اللغة العربية ودقائقها، وحياة العرب وعاداتهم، وأثر التعبيرات اللغوية في تفكيرهم واعتقادهم؛ لأن ((القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلُّب فهمه إلا من هذه الجهة))( ).
وفي سورة النمل يقول عز وجل:
ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [النمل: ٩١].
يجاهر جاك بيرك بخطأ التركيب لأن ((الذي)) وقعت بعد البلدة والصواب عنده: ((التي))؛ كي تتطابق مع البلدة في التأنيث والحق أن ((الذي)) صفة لرب البلدة أي: للمضاف لا للمضاف إليه.
ثم نستغرب كيف يخطئ القرآن نحويا في قوله تعالى: ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ [فاطر: ٣٣].
ظن النصب في ((لؤلؤا)) خطأ نحويا، وهي صائبة سليمة لأنها نُصبت على المحل، فالجار والمجرور في محل نصب، و((لؤلؤا)) معطوفة على محل الجار والمجرور لكنه تدارك وقال: ((لقد صوَّبتها قراءة أخرى بالكسر))( ) دون أن يشير إلى المصحح المزعوم في الحاشية لعله هو نفسه، كأنه يفهم أن ((لؤلؤا)) ليست سليمة.
وفي قوله تعالى في سورة النحل: ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ [النحل: ٦٧].
قال ((منه)) وهي خطأ والصواب ((منها)) حتى تحصل في نظر صاحبنا المطابقة الجنسية بين ثمرات النخيل والأعناب و((منه)). وقد ذكر العلماء( ) أن الهاء تعود على المضاف المحذوف: العصير، أو على معنى الثمرات لأنها بمعنى الثمر، أو تعود على النخيل، أو على الجنس، أو على البعض، أو على المذكور.
فليطمئن بيرك فإن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه يقدم مادة لغوية فريدة في توثيقها وضبطها، غنية في ظواهرها، سالمة من أعراض الضرورة كما في الشعر، أو شبه اللحن. وعليه فإنَّ فَهْمَ الشريعة رهين باتباع معهود العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر، فلا يصحُّ العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثَمَّ عُرف فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه))( ) فبدل التجني على القرآن الكريم ووصم لغته بالخروج عن مقتضيات النحو العربي وضوابطه كان من باب أولى البحث في معهود العرب في الخطاب الذي يستغرق مجموع الأنماط والأساليب الخطابية التي عرفتها العرب في الاتصال بلسانها العربي والعلم ((إنما خاطب الله العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيه))( ).

الإحداثية المبتدعة الثانية: بؤس الترجمة وضلالها:
قد يُسِّرَتْ كلماتُ الله في سورٍ
لا ينقضي عجبٌ عنها ولا مَدَدُ

مَنْ غيرُها في لغات الأرض قادرةً
على أداءِ كلامِ الله إذ يَعِدُ؟

من ذا يترجم آيات الكتاب كما
أَدَّتْه؟ هل لغةٌ في الأرض تُعْتمد؟

قد حَاوَلَتْه لغاتٌ كلُّها عَجَزَتْ

عن أن تؤديَ فحواه الذي جحدوا( )

خصَّ بيرك مبحثاً آخر لمقاربات محورية ((Approches thématiques))( ) تحت هذا العنوان سعى بيرك إلى محاولة إبراز طابع الموضوعات الذي تتميز به سورة البقرة على الخصوص فهي عبارة عن مجموعة من المحاور والموضوعات المتنوعة والتي تستغرق مجمل المعالم القرآنية وإن كانت كلها جُمعت تحت عنوان البقرة.
فأطلق لفظ ((أم القرآن)) على سورة البقرة، والواقع أن معظم المفسرين يقول إنها سورة الفاتحة( ) وحين رجع إلى بعض القواميس ترجم ((أم القرآن)) بلفظة la génératrice du Coran وهي تعني ((مولدة القرآن)). فهذه الترجمة لا تفي بروح الجملة ((أمَّ القرآن)) التي تعني تجمع أحكام الشريعة من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ودعوة إلى الجهاد وذكر للجنة والنار فيها. فشبهت تشبيها استعاريا بالأم؛ لكونها حاضنة للأبناء أي باقي السور، ومن المفسرين مَنْ رأى أن السر في تسميتها بأم الكتاب ((لأنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويُبدأ بقراءتها في الصلاة، .. وقيل: سميت أم القرآن لأنها أوله ومتضمنة لجميع علومه، وبه سُميت مكة أم القرى؛ لأنها أول الأرض، ومنها دحيت، ومنها سُمِّيت الأم أماًّ لأنها أصل النسل..))( ).
أما المولدة génératrice la فلها مجال آخر بعيدا كل البعد عن حيز كتاب مقدس كالقرآن الكريم، والذي نتصور أنه حدث ويحدث في مثل هذه الحالات أن المترجم يقف أمام كلمة ((أم)) عاجزا عن فهمها في سياقها القرآني فيذهب إلى معجم من معاجم اللغة، وهناك يقرأ في معاني ((أم)) المولدة، وهنا يجد المترجم ضالته، فيختار المعنى باحثا بدوره عن اللفظ المقابل في اللغة التي ينقل إليها ثم يثبته في نص الترجمة. ففي هذه العملية التي تتم على أكثر من مرحلة يموت اللفظ، ويفقد كل حيويته، أي أنه يفقد كل العناصر الفنية التي استودعها فيه رب العزة؛ لأن اللفظ في النص القرآني لا يؤخذ معناه من المعاجم اللغوية، لأن المعجم لا يعطي كل إيحاءات اللفظة، ومن هنا يأتي العيب، وهو أن مثل هذه الترجمات قد نقلت المعاني المتجمدة المتحجرة في المعاجم للَّفظة، في حين أن الآية لم تهتم بهذا المعنى بقدر اهتمامها بموقع لفظة ((أم)) من العبارة القرآنية وما يمكن أن يكون لها من قدرة على إيحاء المعاني الكثيرة في نفس السامع.
وهذا يقوم دليلا على تفرد القرآن الكريم بلغة وأسلوب معجزين، وصدق العلي العظيم حين قال: ﮋﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﮊ [الزمر: ٢٨] وقد جهل جاك بيرك أو تجاهل أن على رأس البنود المسطرة للترجمة الجيدة إظهار المعرفة الجيدة للمعنى. وهذا سورينيان يقول: ((وقبل الشروع في الترجمة لامناص من الفهم الأمين للنص وتحسسه تحسسا كليا أو جزئيا)) الفهم أولا إذن وقبل كل شيء؛ لأن الذي يترجم لا يترجم من أجل أن يفهم بل من أجل أن يُفْهِم -بضم الياء- لأنه قد فهم قبل أن يترجم.
فأين صاحبنا من هذا ؟وإن كانت هذه الترجمات ثمرات فهمه لمضمون القول القرآني، فإن هذا الصنيعَ يحملنا على القول وبكل اطمئنان أن العبارة القرآنية براء مما يدَّعي ويفهم، وأنها على الحقيقة في واد، وفهم بيرك وترجمته في وادٍ آخر، ناهيك عن أن النصوص العربية -خاصة- تفقد مواطن الجمال فيها حينما تترجم إلى أي لغة أخرى، وهذا ما حمل أبا عثمان الجاحظ على أن يقول عن المترجم إذا أراد أن يترجم كتابا لحكيم من الحكماء: ((إنه لا يؤدي ما قاله الحكيم على خصائص معانيه وخفيات حدوده، إلا أن يكون في العلم بمعانيه وتأويلات مخارجها مثل مؤلف الكتاب وواضعه. ومتى وجدناه قد تكلم بلسانين علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما، وكلما كان الباب من العلم أعسر، والعلماء به أقل كان أشد على المترجم وأجدر أن يخطئ فيه))( ).
وعليه فإدراكه غير الموفق لمعنى ((أم القرآن)) أفسد تأويله، لنجادله بالتي هي أحسن، ونُسَلم -جدلا- بأن أمَّ القرآن هي سورة البقرة -في اعتقاده يلاحظ- جاك بيرك أنها تقدم عرضا موسوعيا Un exposé encyclopédique. فمتى كان كتاب الله موسوعة تحتشد الأفكار؟ إنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع فيه خلاص البشرية جمعاء.
إن القرآن جمع الحقائق المطلقة وأوجب على العلماء البحث عن تأويلها واستخراج القوانين ومطابقتها للحياة، فحاجة الناس، إذن، إلى اكتشاف حقائق الكون سبب كاف لنـزول آيات القرآن. ولقد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً آية آية محققاً بذلك عملية تطابق ضرورية وانسجام قوي مع الواقع البشري الموجه إليه.
ثم نرى (جاك بيرك) يجمع بين السور بحذق شديد ليثبت علاقة بين اليهودية والإسلام في سورة البقرة، وبين المسيحية والإسلام في سورة آل عمران، بل خصص مبحثا لذلك دعاه بـ: ((دحض الأسطرة وقضية الوجود: démythologisation et ontologie))( ).
أثبت فيه أن القرآن كتاب بشري استعان بالأساطير المتمثلة في قصص الأنبياء. أليست القصص مذكورة في التوراة والإنجيل غير المحرفين؟ فإذا تشابهت القصص في الكتب الثلاثة فإن الحق واحد والمصدر واحد هو الله سبحانه. لكننا وجدناه يؤول القصة القرآنية -مثل ما فعل أستاذه كزيمرسكي- تأويلا غريبا، ((فيها ابتكار الشخصيات واختلاق المشاهد وأنها شبيهة بقصص الرعب والمغامرات)) آخذا من سورة الكهف نموذجا لذلك.
والأمر الذي أثار استغرابنا قوله بأن ما تبقى من سورة النساء هو حديث عن الجنس la sexualité نعتقد أنها ترجمة غير منصفة، فالسورة لا تتحدث عن الجنس( ) sexualité وإنما النكاح أو الزواج وشتان بين الاتصال الجنسي لما فيه من إباحية وفسق وبين النكاح المشروع والمشروط، فالأجدر أن يترجمها بـ le mariage ما دام هناك حديث عن الطلاق. لنفترض قارئا خارج الثقافة الإسلامية سيرى أن القرآن موسوعة تضم حديثا عن الجنس والغذاء -كما قال عن سورة المائدة- وما إلى ذلك. وهذا اتهام خطير من جاك بيرك.
صحيح أن في سورة المائدة حديثاً عن الغذاء la nourriture؟ لكن ليست كل آياتها تتعلق بما يحل ويحرم من الطعام، وكذلك الأنعام التي قال عنها: إنها تمثل الحياة الرعوية la vie pastorale لا لشيء إلا لكونها ذكرت الزرع والنخل والأعناب والمعروشات، وقال عن سورتي الأعراف والبقرة: إن الأولى تتحدث عن عالم الغيب l`eschatologie والثانية عن الذبح....إلخ.
ألم يجد جاك بيرك في سورة البقرة غير قصة الذبح؟!، والحال أنها تضم مقدمة وأربعة مقاصد وخاتمة( ).
أما المقاصد الأربعة فهي:
أولا: دعوة الناس إلى اعتناق الإسلام.
ثانيا: دعوة أهل الكتاب إلى ترك الباطل والدخول في الحق.
ثالثا: عرض شرائع هذا الدين.
رابعا: ذكر الوازع الديني لمن احترم الشرائع فتعصمه من الزلل.
أما الخاتمة: ففيها حديث عن الذين استجابوا لدعوات دين الحق وبيان ما يرجى لهم في العاجل والآجل.
هذه قراءة ((ممكنة)) لمحاور السور وليست كما ادعى جاك بيرك، والقول نفسه يسري على باقي تأويلاته الفاسدة. وعن سبب تسمية الآيات، فنراه يخبط خبط عشواء، حين يُرجع سبب التسمية إلى عامل تصويري أو صوتي لا دخل للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، يقول( ):
((طبعاً يلاحظ القارئ أن هذه المحاولة في القراءة الطويلة -إن جاز التعبير- لم تساعدنا عناوين السور إلا بالقليل ولا تطابق دلالتها -إلا نادرا- دلالة النص المعلن عنه)).
والصواب أن في أحاديث السنة ثناء على بعض السور بأسمائها، ولم تكن مسماة من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم وما نطق بها. وبتحليل ماكر ولغة معتمة يصل القارئ إلى اعتقاد في غاية الخطورة لِما يحدثه من تأويل، وهو أن جمع القرآن وتسميته فعل بشري يجوز فيه كل شيء.ولم يعلم جاك بيرك أن سر الإعجاز من سر السورة كما يقول د.محمد عبد الله دراز ( ).
ومن أخطاء ترجمته تلك التي ترجم فيها قوله تعالى: ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮊ [التوبة: ١٠٢] بـ ((عسى الله أن يندم لصالحهم)) و ﮋﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [التوبة: ١٠٤] بـ ((الله هو الذي يميل إلى الندم))( ) ذلك أنه وجد أن الندم شرط التوبة، فظن أن التوبة هي الندم فكان بإمكانه أن يكتب التوبة (ATTAWBA) بدون ترجمة ما دام المعادل الفرنسي الحقيقي (répentir ) لا يفي بالغرض -في نظره- كما فعل هو نفسه مع فعل Psalmodier ولم يجرؤ على جعلها مقابل فعل ((رتل)). فما دام الله هو التواب فعلى أي شيء يندم؟ فالندم إحساس بشري فقط؛ لأن الإنسان قادر على مراجعة سلوكه وتصرفاته ومبادئه، لحظة شعوره أن ما فعله خارج عن جادة الصواب.
كما ترجم الأجر في قوله تعالى: ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ [سبأ: ٤٧] بالراتب الشهري
Dis: « Je ne vous demande pas un salaire. Gardez-le pour vous. Mon salaire n’incombe qu'à Allah )) ( )
وتجرَّأ على تأويل صفة الرحمن على أنها توحي بشيء من الإلهية الأسطورية الخاصة بجنوب الجزيرة العربية، وأما صفة الرحيم فتدل على رحم المرأة Matrice حين استعان بمقتضيات علم الإثالة L`etymologie، وعودة مسرعة إلى مقاييس اللغة لابن فارس تبطل ادعاء صاحبنا إذ إن ((الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة. يقال من ذلك: رحمه يرحمه، إذا رقَّ له وتعطف عليه. والرُّحم (بضم الراء) والمرحمة والرحمة بمعنى. والرحم: علاقة القرابة، سميت رحم الأنثى رَحِما من هذا؛ لأن منها ما يكون ما يُرْحَمُ ويُرَقُّ له من ولد))( ) والرحمن الرحيم في حقيقة أمرهما ((اسمان وضعا للمبالغة واشتقا من الرحمة وهي النعمة إلا أن فَعْلان أشد مبالغة من فعيل..وعن ابن عباس أنهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر، فالرحمن الرقيق، والرحيم العطَّاف على عباده بالرزق والنعم))( ) بل أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حين قالت عنه خديجة رضي الله عنها ((إنك لتصل الرحم( )))، وأوَّلها بأنه كان يحترم هذه الصلات الشهوانية (بتاء مبسوطة وصاد مكسورة).
كما ترجم سورة ((الجاثية)) بـ ((التي تجلس على عقبيها))Assis sur les talons( ) والجاثية تعبير مجازي عن الخضوع لله.
حاولنا البحث في بعض المعاجم الفرنسية( ) فوجدنا كلمة ((Pietiste)) والتي تعني حركة دينية في القرن التاسع عشر في الكنيسة إذ التركيز كان منصبا على التجربة الدينية الفردية.
وهناك فعل آخر قريب من فعل جثا وهو( ) ((S`agenouiller)) لكنه ظل هو الآخر مشحونا بالبعد المسيحي لأنّ مصدره L`agenouilloir يعني لوحا خشبيا ينحني عليه المسيحي للصلاة. ورغم ذلك فهي أقرب إلى فعل جثا. أما الإعجاز فيترجمه بـ inimitabilité والتي تعني عندنا اللامحاكاة والأصح أن يترجم الإعجاز بـInsuperabilité.
وعدَّ كلمة بصيرة في قوله تعالى في سورة يوسف آية 108 ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ هي الحجة الكاشفة الملموسة لكن البصيرة تدرك بالعقل لا بالحس. كما أوَّل النور بالضوء الكاشف الأصيل أي النور المادي الطبيعي في قوله تعالى في سورة التوبة: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ [التوبة: ٣٢].
فالإطفاء يكون حسيا ومعنويا، والمراد بالنور هنا ما بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، ومحاولة الكفار لرده وإبطاله كمن يريد إطفاء الشمس والقمر بفيه( )، فهل تدَّبر بيرك وعقل ما قرأ أو أنه ركن إلى هواه وأوهامه؟
هذه نماذج للتمثيل عن مجازفاته في الترجمة، مما أدَّى به أحيانا إلى التشويه والاستخفاف باللغة القرآنية، وتحريف المقصود كما فعل مع سورة الجاثية، على الرغم من ذريعته التي صدَّرها بها في بداية قراءته المغرضة.
لقد كان جاك بيرك بترجماته هذه وفياً للمثل الفلورنسي القاضي بأن ((الترجمة خيانة)) وإذا سَلَّمنا مع علماء الترجمة أن الترجمة اختراق لفضاء الآخر فإن هذا يحملنا على التساؤل عن طبيعة هذا الاختراق؟ وعن علاقته بإشكال نقل المعنى؟ الإجابة عن هذا السؤال تمر عبر تحديد خصوصية الخطاب المنقول بفعل الترجمة. ولما كان النص المعني هو القرآن الكريم ((كلام الله المنـزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف العربية المتعبد بتلاوته المعجز)) فهل بالإمكان تلقِّي معاني هذا الكتاب في غير اللغة التي أنزل بها ولا سيما أنه مؤسس على الإعجاز؟
فإذا كان مسموحا لأيٍّ كان أن يترجم رواية أو شعرا كما أراد، فإن المسألة تختلف عندما يكون المرء في حضرة نص إلهي. إذ لا يتعلق الأمر هذه المرة بالإستيطيقا لأن المترجم يصبح ناطقاً بصوت لسان إلهي، وأقل ما يطلب منه هو أن يتناول عمله بإجلال ويتأمل في صنعته. فإذا كان إشكال المعنى المترتب عن الفهم السليم حاضرا حتى في ترجمات كتب الهندسة والتنجيم والحساب، فكيف لو كانت هذه الكتب كتب دين وإخبار عن الله -عز وجل- بما يجوز عليه مما لا يجوز عليه، حتى يريد - أي المترجم- أن يتكلم على تصحيح المعاني في الطبائع، ويكون ذلك معقوداً بالتوحيد، ويتكلم في وجوه الإخبار واحتمالاته للوجوه، ويكون ذلك متضمناً ما يجوز على الله تعالى، وما لا يجوز، وما يجوز على الناس وما لا يجوز، وحتى يعلم مستقر العام والخاص، وما يخص العقل، أو يخص العادة أو الحال الرادة له عن العموم؛ وحتى يعرف ما يكون من الخبر صدقاً أو كذباً، وما لا يجوز أن يسمى بصدق ولا كذب، وحتى يعرف اسم الصدق والكذب، وعلى كم معنى يشتمل ويجتمع، وعند فَقْد أيِّ معنى ينقلب ذلك الاسم، وكذلك معرفة المحال من الصحيح وأي شيء تأويل المحال، وهل يسمى المحال كذبا؟ أو لا يجوز ذلك، وأي القولين أفحش: المحال أم الكذب؛وفي أي موضع يكون المحال أفظع، والكذب أشنع؛وحتى يعرف المثل والبديع، والوحي والكناية، وفصل ما بين الخطل والهذر، والمقصور والمبسوط والاختصار؛ وحتى يعرف أبنية الكلام، وعادات القوم، وأسباب تفاهمهم، ... ومتى لم يعرف المترجم ذلك أخطأ في تأويل كلام الدين. والخطأ في الدين أضر من الخطأ في الرياضة والصناعة والفلسفة والكيمياء، وفي بعض المعيشة التي يعيش بها بنو آدم))( ).
لقد حدد الجاحظ في نصه القيم هذا مختلف ضوابط نقل المعنى، وهذا يشير ضمنياً إلى أن جاك بيرك كغيره من المستشرقين ممن تعاطوا الخطاب القرآني بالدرس والتأويل والترجمة ((لن يمكنهم الإتيان بجميع مراد الله))( ).
من هذا المنطلق يستشعر القارئ المعاناةَ وهو يتعقب قراءة جاك بيرك، نتيجة التعتيم الذي ينال مقاربته خشية المؤاخذة الصريحة، فسبغ عليها الإيهام مدركاً أن قارئاً محتملا يتربص به ويراقب مجازفاته، وتأويلاته المغرضة، وسقطاته المفضوحة، لذا كانت استراتيجية الكتابة متساوية مع استراتيجية القراءة لديه؛ فالكاتب يدرك حق المعرفة قارئه ويعرف أنه له بالمرصاد، لذلك نُحسّ بالمداهنة أحيانا والمراوغة أحيانا أخرى، يسمح له بذلك وضعه الاعتباري بصفته باحثاً اكتسب رأس مالٍ رمزيا، متمثلا في شهرته العلمية واتصافه بالحياد، ورغبته في خلق حوار بين الديانات والإخلاص للعلم.
فجاك بيرك مسيحي أحب الإسلام كما يزعم لأنه وجد فيه تعاليم جميع الديانات الأخرى فضلا عن التعاليم المتعلقة بالتاريخ والأساطير والتشريعات المختلفة، هذه العوامل جعلتنا في البداية نطمئن لقراءته لكن سرعان ما أحسسنا بنشاز قراءته لكنه يتطاول أحيانا حين يرغب في التصدي لما لا يعلم مثل الجهل بخفايا النحو وفقه اللغة ومن هنا فإن طريقته في الجدل اشتملت على بعدين:
1: بُعْد تحليلي تأويلي: يقسم الآيات القرآنية إلى جمل والجمل إلى كلمات تمشيا مع منطق تحليل الخطاب إلى مكوناته المباشرة الذي ظهرت بوادره مع اللسانيات البنيوية وبخاصة مع زيليغ هاريس ويبستر، ويتعسف أحيانا بالنظر إلى المساقات.
2: بُعْد تركيبي: يستجمع نتائج البحوث الأنتروبولوجية والسيميائية واللسانيات الحديثة ونظرية تحليل الخطاب.
والحال أن قراءته تقوم على خصيصة الانتقاء غير المنضبط، إذ يبتر جزءًا من آية ويحتفظ بجزء آخر، وهي قراءة قد أبانت عن قصورها في إدراك الأسلوب البياني القرآني.

الإحداثية الثالثة: القول المتكرر والتباين في القرآن.
في عنوان خاص: ((تكرار وتباين:Répétition et dissimilation))( ) أظهر جاك بيرك امتعاضه من التكرار الذي يحدث في بعض الآيات، وبعض المقاطع الحكائية، والقصص القرآنية؛ والواقع أنه لا يميز بين التكرار والتصريف( ) حتى اكتفى بالقول ((التكرار مغاير للأثر البلاغي)) وحكم على بعض السور بعدم الاستقامة.
عندما نزل القرآن كان العرب أهل البلاغة يدركون جمال الكلم وسرَّه من السماع. والروايات على ذلك كثيرة في المفاضلة بين الشعراء واحتكام بعضهم إلى بعض. وقد أشرنا إلى موقف الوليد بن المغيرة الذي شهد له الجميع بفصاحته ورهافة ذوقه، حين سمع القرآن فامتلأ رهبة، وقال: ((ما هذا بقول بشر)). ألم ينظر جاك بيرك إلى بعض المفردات التي تم تصريفها في القرآن، وما اكتسبته من جمالية وأدبية خالصة؟ ويكفي أن نشير إلى لفظ الصبح ومشتقاته في القرآن الكريم( ).
إن تصريف هذه المشتقات يُحدث جمالية خاصة يحس بها حتى أولئك الذين لا يجادلون بالتي هي أحسن مثل جاك بيرك الذي أعجب كثيرا بسورة النور في آيتها الرابعة والثلاثين التي يقول فيها عز وجل:
ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﮊ [النور: ٣٥].
لكن إعجابه لم يتعَّد صورها الفنية وما تحققه من إشباع نفسي وتأثير وجداني.
وأمعنَّا النظر مَليـًّا فلم نجد مسوغا للانتقال من ظاهرة ((التكرار)) -حسب تعبيره- إلى ظاهر التناص Intertextualité( ) إذ أشار إلى وجود تباين في القصة القرآنية وسفر التكوين، وأخطر ما في ذلك تأكيده أن في القرآن استعادة للقصص المنصوص عليها في التوراة والإنجيل يقول: ((فسار القرآن على نهج الإنجيل)) وهذه مغالطة مفضوحة لا تنم عن قراءة فاحصة لتاريخ الأديان. فأين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصوص من الإنجيل؟ وهو الأميُّ الذي لا يقرأ ولا يكتب، ودليلنا على أميته من وجهين:
أولا: لم يكن الرسول على عِلْمٍ بالعبرية لغة التوراة، ولم يكن في العرب مَنْ يترجم هذه اللغة، ودليل مالك بن نبي أن الغزالي في وقت متأخر لم يجد ترجمة للتوراة حين كان يدرس ظاهرة الوحي وصلتها بالنبي، وجهله بالديانات أو تعلُّمه لها من شخص ما.
ثانيا: يشير الله سبحانه وتعالى في ذكره الحكيم في سورة آل عمران ذاكراً ما دار من المجادلة بين النبي وبعض أحبار اليهود بالمدينة:
ﮋﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮊ [آل عمران: ٢٠]
هاتان الإشارتان إلى جانب إشارات أخرى تعضدها وتساندها، تبطل ادعاء بعض المستشرقين، وأخص هنا جاك بيرك الذي يزعم أن النبي كان يدرك الديانات السابقة، وأن هناك تطابقاً نصياً داخلياً بين القرآن والنصوص المقدسة السابقة.
ألم يقرأ قول الله في سورة العنكبوت:
ﮋﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ * ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ [العنكبوت: ٤٧ – ٤٨].
سمح جاك بيرك لنفسه بالقول إن تكرار آية ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ في سورة الرحمن لا يضيف شيئا، بل يمكن استبدال أي جملة منغمة بها، فلا يقع أدنى مشكل، لعله لم يقرأ تفسيرات ذلك التكرار في هذه السورة والتي أقرت على أنها لأجل ((التقرير بالنعم المعدودة، والتأكيد في التذكير بها كلها، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها، ووبخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغيره:أما أحسنت إليك حين أعطيتك مالا؟ أما أحسنت إليك حين ملكتك عقارا؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا؟ فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرره به، ومثله كثير في كلام العرب وأشعارهم. قال المهلهل يرثي أخاه كليبا:
على أَنْ ليس عدلا من كليب
إذا طُرِد اليتيم عـن الجَـزور

على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما ضـيم جيـران المجـير

على أن ليس عدلا من كليب
إذا رجـف العضاه من الدبور

على أن ليس عدلا من كليب
إذا خرجَتْ مخـبَّأة الخدور))( )

وأثره عند ذكر كل نعمة من نعم الله، أما تأويله فذهب إلى عملية الجمع يقول:
((إن عملية جمع الأجزاء المتفرقة التي تمت بالتنقيح دعت إلى التكرار)).
لكن في القرآن ما يثبت عكس ذلك ﮋ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [هود: ١] لعل جاك بيرك كان يجهل خصيصة التعلق اللفظي وما ينجم عنه من تناسب جمالي.
هذا التأويل الفاسد جعله يحكم على اللغة القرآنية بكونها ذات بنيات مشبكة structure en entrelacts. أي أنها تفتقد إلى التماسك، وحاول إقحام صيغ استبدالية تصلح للشعر، أما أن يعتملها في القرآن فذلك ضرب من الإسقاط والتعسف، وقد سبقه إلى ذلك بعض الكارهين الحاقدين مرتكبين الخطأ نفسه، فردَّ الله عليهم بقوله في سورة النحل:
ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [النحل: ١٠١].
وهو رد مُفْحم للحاقدين والمدَّعين، ويزعم جاك بيرك أن هناك تطوراً حصل بين نزول القرآن وجمعه، وأن اللغة المعاصرة حلَّتْ محل التطور اللغوي للوحي، وهذا استنتاج متسرع، وإلا فكيف نفسر اعتماده على الطاهر بن عاشور وهو دارس أقر بترابط الجمل واتساقها فلم يأخذ عنه أقواله في الانسجام بين الجمل القرآنية؟
لكن جاك بيرك يصر على استئصال شواهده من سياقها القرآني فيأخذ في تشريحها متحاملا على القارئ، ليجعله يُسَلم بما يقول، فأنى لنا تصديقه؟ وفي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثبت أنه قرأ قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﮊ [التوبة: ١٠٠] بدون واو صفة للأنصار في ((الذين اتبعوهم)) حتى قال له زيد بن ثابت إنها بالواو، فقال: ائتوني بأُبَي فقال: تصديق ذلك في كتاب الله في أول الجمعة... وروي أنه سمع رجلا يقرؤه بالواو، فقال: من أقرأك؟ فقال: أُبي، فدعاه فقال: أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم))( ).
مما يدل على أن حرفاً واحداً يظل مجال أَخْذ ورد، حتى تتضح حقيقته فيؤخذ بها، فكيف يمكننا تصديق جاك بيرك بأنَّ التكرار في القرآن أفضى إلى خلخلة انسجامه وجعل بنياته مشبكة. إن كل تكرار في القرآن لا يخلو من دلالة، يقول تعالى في سورة الأنفال ﮋﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [الأنفال: ٧].
الشاهد هنا كلمة ((لكم)) المكررة فالمراد يختلف وإن كررت هذه الوحدة المعجمية، ذلك أن الأولى تمييز بين الإرادتين والثانية بيان لغرضه فيهما من اختيار ذات الشوكة أي: الحرب على غيرها، وأنه ما نصرهم وخذل أولئك إلا لهذا الغرض، وهذا ما ذهب إليه ابن الأثير( ).
أما يحيى بن حمزة العلوي فيركز على موقعها الجمالي( ) يقول: ((وهكذا القول فيما ورد من الآيات المكررة، فإنها لم تتكرر إلا لمقصد عظيم في الرمز إلى ذلك المعنى الذي سيقت من أجله، فَلْيَحُكَّ الناظرُ قلبه في إدراك تلك اللطائف، وليجعلها منه على بال وخاطر، ولا يتساهل في إحرازها، فيلمحها بمؤخر عينه، فإنها مشتملة على أسرار ورموز، ومن أحاط بها، فقد أوتي من البلاغة مفاتيح الكنوز)).
ويشرح صادق الرافعي ظاهرة التكرار لإفادة التأكيد، مثل تأكيد الزجر والوعيد، أو بسط الموعظة وتثبيت الحجة أو تذكير بالنعم، واقتضاء الشكر لله، وهذه خصيصة اللغة القرآنية، إذ المعنى الواحد يتردد في أسلوبه بصورتين أو أكثر، ولكل منها دلالته المغاير للآخر، ثم إن العربي في خطاباته إذا هَمَّ بشيء أراد تحقيقه أكده بالتكرار.
والقرآن الكريم كتاب هداية يحث على العظة والمواظبة مثل تكرار كلمة التوحيد في قوله تعالى: ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ [آل عمران: ١٨]. فالعبد حين يكرر قراءتها تثبت في نفسه، وكذلك تكرر آية ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ. ذلك لجعل الضمير يقرر أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح.
أمَّا في تكرار آية ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ في سورة الرحمن فيؤولها ابن قتيبة قائلا: ((فقد كرر القرآن نيفا وثلاثين مرة قوله تعالى: ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ فإنه عدَّد في هذه السورة نعماءه، وأذكر عباده آلاءه، ونبههم على قدرته، ولطفه بخلقه، ثم أتبع كل خلة، وصفها بهذه الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ليفهمهم النعم ويقررهم)).
وللتكرار في القرآن وظائف عديدة منها الإيحاء باليأس كما في سورة ((الكافرون)) والتعجب مثل قوله تعالى في سورة المدثر: ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [المدثر: ١٩ – ٢٠].
فالجملة الثانية تكرار للأولى، والغرض منه يفسره الزمخشري( ) بالتعجب من تقديره وإصابته، ورميه الغرض الذي كان تَنْتَحيه قريش))( ).
وإشباع المعنى والاتساع في اللفظ في قوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮊ [الرحمن: ٦٨] والمبالغة في الذم، والتنبيه والإبطاء في الفعل، والتعظيم والتهويل.....
وخصَّص الزمخشري وابن الأثير وحمزة العلوي والزركشي أبواباً استفاضوا فيها بالشرح والتفصيل في ظاهرة التكرار، بل عَدُّوها وجها من وجوه الإعجاز القرآني: وشرح الزركشي في برهانه التصريف في القصة مثل (قصة موسى) قائلا: ((إن الرجل كان يسمع القصة من القرآن، ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون، يحكمون عنه ما نزل بعد صدور من تقدمهم، فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى -عليه السلام- إلى قوم وقصة عيسى -عليه السلام- إلى قوم آخرين، وكذا سائر القصص، فأراد الله، سبحانه وتعالى اشتراك الجميع فيها، فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد وتبصرة لآخرين وهم الحاضرون)).
فالقصة عندما تتصرف تكسب الألفاظ - مزية ولا هجنة في ذلك ولا ملل عند سماعها، بل في التصريف القصصي تثبيت في النفس، مصداقاً لقوله تعالى: ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [هود: ١٢٠].
فالتصريف القصصي القرآني( ) برهان على أن القرآن من عند الخالق، لأن كلام المخلوقين إذا تكرر حصل مع تكراره هجنة في اللفظ، وملَّت الآذان سماعه.
ولإدراك سر التكرار لابد من معرفة أسرار البلاغة العربية ودقائقها وحكمها وأحكامها، وهذا ما يفتقده جاك بيرك بالضبط، لذلك أطلق أحكاما على الخطاب القرآني من قبيل: اللاانسجام الدلالي Discordance significative وبنيات مشبكة structure en entrelacts والتباين Dissimilation والتفرد النحوي، ولم يقتصر حديث جاك بيرك على الظواهر النحوية واللغوية وإنما تعدى ذلك إلى علم البلاغة أيضا، إذ نجده في مبحث كلام متعدد الزوايا une parole multiangulaire يعجز عن التمييز بين الاستعارة والالتفات فيعرفها قائلا: ((تعني تبديل فاعل نحوي في مجرى الجملة نفسها والتوجه على المتلقي نفسه وفي المعنى العام، يفهم هنا التغيير نفسه أنه يؤثر في دور المتحدث))( ).
والالتفات في البلاغة باب من علم المعاني، ويرى الجمهور أنه تحويل الضمير من سياق أصلي كالغيبة مثلا إلى سياق مغاير كالتكلم أو الخطاب. أي إن ((التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة من التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بآخر منها أي بعد التعبير عن ذلك المعنى بطريق آخر من الطرق الثلاثة))( ). وهو بعيد عن الاستعارة التي هي باب من علم البيان، (لعلهما يعنيان الشيء نفسه في لغة غير العربية) وإن كان الجامع بينهما أنهما خروج عن الأصل.
وسمح لنفسه بالاستدلال بأبيات للشاعر الحارث بن حلزة مترجماً إياها إلى الفرنسية، كما ترجم بيتين لعروة بن الورد، وأخذ يفكك ما تراءى له وهو لا يميز بين الصورة الشعرية والالتفات معتمدا على تعريف محمد الطاهر بن عاشور، وحين شعر بمأزق الترجمة والقراءة قال: ((...إنها -يقصد الأمثلة التي ساقها ابن عاشور لشرح الالتفات- تشكل صعوبة بالنسبة للمترجمين الذين لا تسعفهم لغتهم في ذلك بالسهولة نفسها التي تتضمنها اللغة العربية))( ).
وما دام الأمر كذلك، لماذا تَجرَّأ على مقاربة سورة العنكبوت في آيتها الثالثة والعشرين وسورة الفاتحة؟ إن الصعوبة التي استشعرها لا تعود إلى عامل الترجمة فحسب، وإنما إلى اعتماده على ترجمة نولدكه. كان جاك بيرك يبتغي من هذا التمثيل الاستعاري تجسير القرآن بالشعر والزبور والإنجيل، ونلمس ذلك في مبحث ((توازيات)) Des parallélismes( ) الذي خلص فيه بعد مقارنة بين مجموعة من الآيات من سورة النحل إلى النتيجة التالية:
((كل هذه الآيات تحسم كثيرا أحادية الإيقاع في الترتيل التقليدي الذي نحار في صياغته، وهذا موجود حتى في الشعر القديم)).
ويؤكد في الأخير أن القرآن لم يفقد من الشعر القديم غنائيته ولا لونه ولا حتى أوزانه أحيانا، وهذا حكم غير قائم على روية وتدبر واستقراء ثم استنباط، ألم يستهجن الرسول صلى الله عليه وسلم سجع الشعراء الهائمين المسجوع كلامهم؟ فكيف يتشبه القرآن بالشعر وزناً وإيقاعا، وقد نفينا ذلك في معرض حديثنا عن نفي السجع عن القرآن.
نتائج البحث:
لقد ارتضينا لهذه الورقة أن تكون بسطا تحليليا لما طرحه جاك بيرك التي استغرقها عمله الموسوم بـ ((إعادة قراءة القرآن)) الكريم الذي جاء على حاشية ترجمته لمعاني القرآن؛ وما استتبع ذلك من ردود عليه.
وقد خصصنا الإحداثية الأولى لما ادعاه صاحبنا من تفرد نحوي للنص القرآني ناسياً أن اللسان العربي الذي شكل مدونة النحو عند عملية الوصف والتقعيد مُحَقَّقٌ إنجازيا في أربعة مستويات قولية متباينة هي القرآن الكريم، لغة الحديث النبوي الشريف، لغة الشعر، لغة الأعراب وإلا لما اعتبر النحو العربي منذ تأسيسه منطقا مسلوخا من العربية.
وقد سلكنا في ذلك مسلكاً قرائياً أخذنا فيه العمل كاملا ثم شرعنا في اختباره والتحقق من صحته، وقد تأتى لنا ذلك بالرجوع إلى مصادر النحو العربي الأصول والاستئناس بالقراءات المتباينة حول الظاهرة النحوية مثار النقاش، وتبين من ذلك ضعف الحجة، فكانت البرهنة والاستدلال النصيين أداة لإنصاف الآيات القرآنية من شطط التأويل والقراءة.
فالآيات سليمة تركيباً ودلالة وتناسبا مع غيرها، وإن الادعاء بتفرد القرآن بنحو خاص، آتٍ من عدم تمثل بيرك للنحو العربي، بل لقد سجلنا عليه تعثره في ضبط مفاهيمه ومبادئه الأولى كالمبني للمفعول وعمل الحروف المشبهة بالأفعال نحو ((إن)) و((أن)) وسقنا تمثيله من القرآن الكريم. لم تجزم أية قراءة من القراءات النحوية والتفسيرية العربية القديمة والمعاصرة التي عدنا إليها بورود شذوذ نحوي في القرآن كما قال نولدكه أو تفرد نحوي كما قال بيرك.
فكيف يمكن إذن التسليم بأقوال بيرك وتأويلاته مهما أوتي من عدة منهجية أو نظرية وهو الذي عدت بضاعته في النحو العربي مزجاة إذ لا يميز بين ((يَصَّالحا)) المبني للمعلوم ويُصْلَحا المني للمفعول في سورة النساء 126 وقد أسعفنا تتبعنا لقراءته تلك من إثبات عدم سداد رأيه وأحكامه التي تفتقر إلى دراسة متأنية لعلوم العربية؛ مما جعله يسقط في أخطاء دفعتنا إلى التفكير في طبيعة مقاصده من قراءته الاستكشافية للقرآن، وقد أتينا على نماذج وأدلة نقض تبين فساد قراءته وتأويله للأفعال والضمائر.
وحين كان يتودد للقارئ بقوله ((لا أقول شذوذا نحويا كما جزم نولدكه وإنما تفردا نحوياً)) كان الواقع يحمله على التسليم بما يقدمه من براهين مستمدة من موضوعية قرائية لا من قراءة موضوعية، فشتان ما بينهما.
في الإحداثية الثانية المتعلقة بالترجمة بيَّنا بالملموس زيفها؛ لأن منشأها عدم إدراك المترجم لخواص العربية القرآنية ولا لمعهود العرب في خطابها الديني.
لقد أخفق جاك بيرك بصنيعه هذا في التقاط الدلالات الحقيقية لخواص اللغة القرآنية، وسيبقى القرآن ذلك النص المنفتح القابل لتعدُّد القراءات حوله ما طلعت شمس هذا العالم وغربت، كلما تغيرت ذخيرة القراء وكلما تجدد الحوار بين النص القرآني وعملية تلقيه.
وفي الإحداثية الأخيرة حاولنا جهد الإمكان تصويب قراءة جاك بيرك حين قال: إن في القصة القرآنية تكرارات مشينة أرجعها إلى عملية الجمع وترتيب القرآن، وبينـَّا أن في القصص القرآني تصريفا لا يخلو من مزية ومغزى، وله في ذلك حكمة ربانية، وبرهنّا على أن كل اطراد قرآني وراءه قصد إلهي محكم.

المصادر والمراجع
- ابن الأثير ضياء الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم، المثل السائر، تحـ، محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت بدون ط ولا تاريخ.
ابن الجوزي جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر. تحـ محمد عبد الكريم كاضم الراضي. ط3. مؤسسة الرسالة بيروت 1987م.
- ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. تحـ: عبد السلام محمد هارون ط1 دار الجيل، 1991م بيروت.
- ابن قيم الجوزية: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحـ. محمد محي الدين عبد الحميد. دار الفكر. دون ت. بيروت.
-- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم، تأويل مشكل القرآن. شرح أحمد صقر. ط3 مكتبة المدينة المنورة 1981م ع س.
-- ابن الزملكاني: كمال الدين، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن. تحـ: خديجة الحديثي وأحمد مطلوب. مطبعة العاني، بغداد, بدون ط وتاريخ.
- ابن سلام: يحيى، التصاريف: تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه. تحـ: هند شلبي، الشركة التونسية، تونس 1980م.
- البغدادي، ابن ناقيا أبو القاسم عبد الله بن محمد. الجمان في تشبيهات القرآن. تحـ عدنان محمد زرزور و محمد رضوان الداية ط1 المطبعة العصرية 1968م الكويت.
- الباقلاني أبو بكر، إعجاز القرآن، بحاشية الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
- ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن الكريم، دار الفكر بدون تاريخ، القاهرة.
- الأبياري إبراهيم. تاريخ القرآن، دار الكتاب اللبناني ط 3، 1991م بيروت.
- الأخفش، سعيد بن مسعدة: معاني القرآن: تحـ: هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي ط:1. القاهرة 1990م.
-- الأصفهاني: الراغب. مفردات ألفاظ القرآن. تحـ: صفوان عدنان داودي. ط2. دار القلم 1997م دمشق.
- أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف. تفسير البحر المحيط تحـ: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، وزكريا عبد المجيد التوني. ط1 دار الكتب العلمية 1993م بيروت.
- أبو عبيدة، معمر بن المثنى، مجاز القرآن. تحـ: فؤاد سيزكين ط2 مؤسسة الرسالة 1981م.
- أبو عبيد، القاسم بن سلام. لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم. تح: عبد الحميد السيد طلب. مطبوعات جامعة الكويت 1985م.
- أبو زيد نصر حامد: الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة. ط1. دار التنوير 1982م بيروت.
- البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر، أنوار التنْزيل وأسرار التأويل، مؤسسة شعبان، بيروت بدون تاريخ.
- التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، المكتبة الإسمية، بيروت 1966م.
- الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر. الحيوان. تحـ: عبد السلام محمد هارون. دار إحياء التراث العربي بيروت بدون تاريخ.
- الجرجاني عبد القاهر: دلائل الإعجاز في علم المعاني. تحـ: محمد رشيد رضا 1987م دار المعرفة بيروت.
- الجلالان: جلال الدين السيوطي، والجلال المحلى. تفسير الجلالين مراجعة مروان صوار ط2 1984م دار المعرفة بيروت.
-- أركون محمد، إعادة قراءة القرآن، ترجمة صباح الجهيم طـ 1 لبنان بيروت 1996م.
- أركون محمد، القرآن من تفسير الموروث إلى تحليل الخطاب قراءة وتعليق هاشم صالح طـ 1 دار الطليعة بيروت 2001م.
بيرك جاك: إعادة قراءة القرآن 1995م.
- حاتم صالح الضامن. البيان في روائع القرآن، دراسة تكونية للنص القرآني، ط1/1993م عالم الكتب القاهرة.
- حسين محمد الخضر، بلاغة القرآن، المطبعة التعاونية دمشق 1971م.
- الرازي فخر الدين محمد بن عمر. المحصول في علم الأصول ط1 دار الكتب العلمية 1988م بيروت.
- الرازي فخر الدين محمد بن عمر: التفسير الكبير/ أو مفاتيح الغيب. دار الكتب العلمية بيروت 1990م.
- الرماني: علي بن عيسى. النكت في إعجاز القرآن: ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. تحقيق محمد أحمد خلف الله و محمد زغلول سلام. دار المعارف، مصر. بدون ت.
- الزجاج، أبو إسحاق: إعراب القرآن. تحـ: إبراهيم الأبياري ط3 دار الكتاب اللبناني 1986م بيروت.
- الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله. البرهان في علوم القرآن. تعليق عبد القادر عطا ط1 دار الكتب العلمية 1988م بيروت.
- الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى: الموافقات في أصول الشريعة، المكتبة التجارية الكبرى. مصر. بدون تاريخ.
- الشافعي محمد بن إدريس: الرسالة: تحـ: أحمد محمد شاكر ط3. مكتبة الرسالة 1988م.
- الطبري أبو جعفر محمد بن جرير: جامع البيان في تفسير القرآن دار المعرفة 1978م. بيروت.
- الطبرسي أبو علي الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن. تحـ: هاشم الرسولي المحلاتي والسيد فضل الله اليزدي الطباطبائي ط2 دار المعرفة 1988م بيروت.
- الغزالي أبو حامد: المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى تحـ: فضلة شحادة 1971م دار الشروق بيروت.
- مكي بن أبي طالب القيسي: العمدة في غريب القرآن. ت؛: عبد الرحمن المرعشلي ط1 مؤسسة الرسالة 1981م بيروت.
- الواحدي أبو الحسن: أسباب النـزول، تحـ: السيد الحميدي ط2 دار الكتاب العربي 1986م بيروت.
سورينيان لإخوة كارامازوف الموسوعة الصغيرة ع 34 /1979م.
- زينب عبد العزيز:ترجمات القرآن إلى أين؟ وجهان لجاك بيرك، سلسلة الفكر الديني والفلسفي، دار النديم للصحافة والنشر 1996م.
- Jacque Berques (1995) En relisant le Coran. Editions Albin Michel ; Paris
- Le petit Larousse illustré 1998

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك