مجتمع الإعلام ـ مجتمع المعرفة؟: صورة الإسلام في الإعلام الألمانيّ

كاي حافظ
 
من صورة الإسلام إلى الخطاب حول الإسلام

تتميز الخطابات الإعلامية ببناها الفردية والجمعية. البنى الفردية هي كل ما يمثل المظاهر المضمونية لنصّ محدد، والتي يمكن الاستدلال عليها من خلال نص واحد، كما هو الحال في المقالات الصحفية أو في التقارير الإذاعية والتلفزيونية. أما البنى الجمعية فهي تلك التي تقدم عبر المقارنة وصفا نسقيا لمجموع النصوص الصحفية أو التي تبرز العلاقات والتفاعل القائم بين تلك النصوص. وفقط حين تؤخذ كل تلك العناصر بعين الإعتبار، يمكن الوصول إلى مقولات عامة حول صورة الإسلام في الإعلام الألماني.

من الصعب الإحاطة بكل البنى الفردية. لكن من المؤكد أن صورة سلبية وانتقائية موحدة عن الإسلام، تلك التي تسود كبرى وسائل الإعلام في ألمانيا المكتوب منها والإلكتروني. وقد اهتمت أعمال كثيرة بالخطاب الإعلامي عن الإسلام اليوم، مثلا بمناسبة قيام الثورة الإيرانية، أو أنها قامت بتحليل خطاب البيئة الإعلامية الراهنة. لقد مثلت الثورة الإيرانية بالنسبة للإعلام الألماني حدثا مثيرا. فقبلها كانت هناك تقارير صحفية عن الشرق الأوسط، لكن الإسلام لم يكن يمثل إلا قضية جانبية. إلا أن ظهور الإسلام السياسي غير كل شيء جذريا. فبنى الخطاب الفردية التي تشكلت خلال الثورة، حافظت على نفسها، مع قليل من التحويرات، حتى يومنا هذا. فدائما ما نصادف في الإعلام الألماني تلك الفرضية القائلة باستحالة التفريق بين الديني والسياسي في الإسلام. (فرضية يدافع عنها أيضا مستشرقون مثل مستشار جورج بوش المثير للجدل برنارد لويس). كما أنه ينتشر في وسائل الإعلام الغربية الخلط بين الإسلام السياسي والأصولية الراديكالية وبين الأصولية والإرهاب والتطرف. وسيكون من الاستثناءات الكبيرة أن يتم الفصل خصوصا بين الظاهرتين الأخيرتين في وسائل الإعلام الألمانية لغويا واستدلاليا. فهنا لا يحكم فقط تأمل انتقائي ولكن أيضا منطق نفسي يقوم على احتمالات الأسوء. فإذا كان من غير الممكن فصل الإسلام عن السياسة، وإذا كانت السياسة متماهية مع الأصولية والأصولية مع التطرف، فإن النتيجة المنطقية هي أن الإسلام في مجموعه يتوجب أن يتم ربطه بالعنف. وبذلك يتحقق الربط بين الخطاب الإعلامي الحالي والأطروحة الشهيرة لصامويل هانتينغتون حول "صراع الحضارات". فهنتنغتون لا يدعي شيئا آخر غير تناقض راديكالي وعنيف بين الإسلام والغرب ("الحدود الدموية" للإسلام)، إنه موقف جوهراني، أحادي سياسيا، لأنه يحجب أشكال التعاون ولأنه موقف ثقافي نظري ساذج، ينكر الاختلافات الداخلية للإسلام.

عنصرية ثقافية؟

أحد الاختلافات الدامغة بين التصورات التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة والتصورات الراهنة عن الإسلام تعبر عن نفسها أيضا في لغة الصور. إذ يتم إنتاج الصور نفسها منذ الثورة الإيرانية: جماعات إسلامية راديكالية، ممارسات دينية دموية ونساء محجبات. ومقارنة بين عدد مجلة شتيرن الأسبوعية الألمانية الصادر سنة 1979 واليوم ستؤكد ذلك بسرعة. فمضمون الأطروحة السائدة والتي تقول بارتباط الدين بالسياسة في الإسلام يتم هنا تأكيدها في حذق، وعبرها أيضاً اللاعقلانية الدينية للآخر. ففي الوقت الذي نظر فيه إلى الاتحاد السوفياتيّ كدولة، تعمل قيادتها على تحقيق أهداف إيديولوجيّة، لكنّها تعمل كدولة عصريّة، في حين أنّ صورة الإسلام في الغرب تشمل الدولة أيضاً في العالم الإسلامي. فإلى جانب شخصيّات كأسامة بن لادن، يتم خلق صور عن "المسلمين" ما يوحي بأن البون الذي كان سائداً بين الدولة والسلطة في الحرب الباردة لا يوجد في الإسلام. ومن التصور العدائيّ عن الدولة المقابلة يتم تكوين صورة جمعية بملامح عنصرية مبطنة، تعوض فيها النظرة الثقافويّة الموحّدة عن دين وأتباعه العنصريّة البيولوجيّة القديمة. عمل سبق ووصفه إتيان باليبار قبل عقدين "بعنصرية بدون أعراق".

لكن مع ذلك، وكما وضحنا ذلك، فإنّ طريقة التحليل المضمونيّ خطوة أولى فقط لفهم الصّورة الإعلاميّة السّائدة عن الإسلام، لأنّ هذه الأبحاث لا تقول شيئاً عن الوزن الذي تتمتّع به هذه التكوينات في الخطاب الإعلاميّ بأكمله. فالخطابات الإعلاميّة معقّدة وهي لا تمثل فقط تلك البنيات. إنّ ذلك أمر صعب بالنظر للهياكل البديلة التي ما برحت تظهر داخل الخطاب الإعلاميّ، والتي تفضح مخاتلات الخطاب الإعلامي السائد وتجهد لتقديم صورة مختلفة، عملا بالشعار القائل بوجود أكثر من إسلام، مثل مجلة "دي فوخو" التي حذرت بعد مرور عشرة ايام على عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في مقال رئيسي عن "الإسلام كعدو" من التمترس الإيديولوجيّ ضد الإسلام. لكن هل سيكون بمقدور هذه النزعات الإيجابية الجديدة أن تحد من المنطق النفسي السلبي للصورة العنيفة السائدة عن الإسلام؟ بالطبع لا، فهي في أفضل الحالات دليل على صراع راهن بين التصورات العدائية عن الآخر، التي يتم تجديدها وتحيينها باستمرار والخطابات الجديدة المضادة لها.

ويظهر تعامل منهجي ونظري آخر مع الموضوع بأنه لا يمكن أن نستخلص مما ذكرناه أعلاه تعددية عامة أو صورة للإسلام في وسائل الإعلام يمكن الاكتفاء بها. إن المواضيع هي لفيف من الإطارات تتمحور حول أحداث واضحة ومحددة وأعني فزيقيا وزمنيا، أو تلك التي تصف مشاكل بنيوية عامة مثل حقوق الانسان، والتي تعلب دورا تنظيميا داخل الخطاب. إن المواضيع لا تحدد ما نقوله، لكنها تظهر عما نتحدث. وفي هذا السياق عما تتحدث وسائل الإعلام وما الذي يوجد على أجندتها ومالذي لا يوجد. وتعتبر في علم الإعلام المعاصر البراديغم الأكثر تأثيرا إعلاميا، لأنها لا تدعي التأثير على سلوكيات الناس بشكل كامل، لكن لها تأثيرا موجها على التواصل الاجتماعي والعام. ومن مواضيع أجندة الإسلام لوسائل الإعلام عنه يمكننا أن نقدر بأنها تملك تأثيرا بما يفكر به الناس حول موضوع مثل الإسلام وبأي شيء يربطون هذا الدين.

تحليل للصحف

أظهرت دراسة للصحف الألمانية المعروفة في الفترة ما بين 1940 و1990 بأنّ نصف المقالات حول الإسلام مرتبطة بحدث عنيف أو موضوع مشابه (مثلاً الإرهاب). في حين تربط عشرة في المائة من تلك المقالات الإسلام بسياق الصراعات التي لا تقوم على عنف فيزيقيّ (مثل القمع الصّادر عن التقاليد). إنّ أغلبية التقارير والمقالات عن شمال أفريقيا والشرق الأوسط تؤكّد هذه القيمة السلبية. وتظهر دراسة جديدة حول صورة الإسلام في القناتين الأولى والثانية في التلفزيون الألمانيّ ARD و ZDF ما بين عامي 2005 و2006 بأنّ هذه النزعة قد ازدادت في التلفزيون بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. فأكثر من ثمانين في المئة من كل البرامج والتقارير حول الإسلام في قنوات الخدمة العامة تحفل بالمواضيع السلبية مثل الإرهاب والصراعات الدولية واللاتسامح الديني والأصولية وقمع المرأة ومشاكل الاندماج وخرق حقوق الانسان.

يمكننا عن حق أن نستنتج بان الخطاب الإعلامي الراهن حول الإسلام يسمح بظهور آراء متنوّرة حول الإسلام أحياناً، لكن مع ذلك فإنّ أغلبية المشاهدين تدفع إلى ربط الإسلام بمواضيع سلبية. وبلغة أخرى، فإن وسائل الإعلام تتحاشى الربط المباشر بين الإسلام والعنف لأسباب لها علاقة باللياقة السياسيّة، لكنّها تدفع إلى الاعتقاد بذلك...

إيجابيات قليلة

أظهرت دراسة كبيرة لليونسكو حول التقارير الصحفية عن الخارج في عدة بلدان بأن مشكلة هذه التقارير لا تكمن في حديثها عن قضايا سلبية، ولكن في إحجامها الغالب عن الحديث عن قضايا محايدة أو إيجابية. إن صورة الإسلام في الإعلام الغربي يعوزها سياق من المعلومات تنسيبي، من شأنه أن يساعد المتلقي على فهم أفضل لظاهرة التطرف الدينيّ. وحتى لا أقدم سوى مثل واحد عن ذلك، أشير إلى التقليد القويّ داخل الإسلام للكفاح السلميّ، الذي لم يتم يوماً الحديث عنه في وسائل الإعلام الغربية ...

مجتمع الإعلام ـ مجتمع المعرفة

لن تكون دراسة صورة الإسلام في الإعلام الألماني بعيداً عن السياق الألماني العالم وتصوره عن الإسلام بالمجدية. فالأسباب البنيوية التي قادت إلى التغطية الإعلامية السائدة للإسلام، لا تعود إلا بشكل جزئي إلى وسائل الإعلام. فمن وجهة نظر تاريخية، يسهل علينا كثيرا أن نوضح بأن أغلب التصورات السلبية في وسائل الإعلام عن الإسلام تخترق المجال الثقافي الألماني منذ عقود. فمقارنة سانكرونية بين الصور الإعلامية ودوائر اجتماعية أخرى، صورة الإسلام في المجال السياسي، في المؤسسات التعليمية، لدى الكنائس ونخب ثقافية أخرى، وأيضا، وهو ما لا يجب تجاهله اليوم، في الخطاب الشعبوي عن الإسلام الذي ينتشر على صفحات الإنترنت، مقارنة من هذا النوع ستظهر بسرعة بأن وسائل الإعلام من تلفزيون وراديو وصحف تمثل جزءا فقط من مجتمع معرفي متكامل، ينزع في أغلبيته إلى المحافظة على الإسلام كعدو للحداثة. ويمكن، من وجهة نظر نظرية العودة بالتأثيرات التي تمس المضامين الإعلامية إلى ثلاثة:

•المستوى الأصغر: تأثيرات الأفراد العاملين في الصحافة، خصوصا الصحفيين منهم، فتربيتهم الفردية والمهنية تجد صدى لها في الإنتاج الإعلامي.

• المستوى الوسيط: التأثيرات الصادرة عن المؤسسات الإعلامية، مصادرها، سيروراتها وتفاعلاتها الاجتماعية، والتي تختلف أيضا من حيث نوعيتها كما هو الحال في ثنائية القنوات الخاصة وقنوات الخدمة العامة.

• المستوى الأكبر: تأثيرات المجتمع على وسائل الإعلام، وهنا يتوجب التمييز بين التفاعل مع أنظمة المحيط (مثلا آراء المواطنين والنخب) ومحيط الأنظمة (مثلا النظام السياسي والاقتصادي).

لكن نقد صورة الإسلام في وسائل الإعلام تمركز في العقود الأخيرة على المستوى النظري الأصغر. لقد عرفت كليشيهات مشاهير الصحفيين الألمان نقدا قويا في التسعينات، وعلى رأسهم بيتر شولاتور وغرهارد كونتسلمان، اللذين سيطرا على التقارير الإخبارية الألمانية عن الشرق الأوسط خلال عقود. فالسلسلة التلفزيونية "سيف الإسلام" لبيتر شولاتور خلال حرب الخليج 1991 يظهر عنوانها سيطرة الرؤى الثقافوية والجوهرانية (الإسلام كفاعل، وحدة الإسلام الخ). وأكدت دراسات أخرى بأن الفرضية التي تقول بتأثر الصحفيين الألمان بالكليشيهات الشخصية في تقاريرهم الصحفية المتعلقة بالعالم الإسلامي، تتأكد أيضا في عمل صحفيين آخرين. ويمكن البحث عن أحد اسباب السيطرة الايديولوجية على العمل الصحفي في واقع أن تخصصات الصحافة لا تصحح تلك الكليشيهات التي يتلقاها الصحفي في أسرته ومدرسته وفي بيئته الاجتماعية.

ففي الوقت الذي يتعلم فيه الصحفيون المبادئ العامة للمهنة مثل الحياد والموضوعية والتوازن، تعدمهم في الغالب الخلفية المعرفية لكي يطوروا وجهات نظر بديلة عن الإسلام تسمح لهم بتقديم تغطية إعلامية متعددة، نقدية وأخلاقية. لكن، لا وجود لمؤسسة ألمانية واحدة في ميدان الصحافة تقدم لطلبتها تكوينا علميا حول الإسلام. بل إن التقارير الصحفية عن الخارج تعاني خصوصا من نقص كبير. مما يؤثر أيضا على التكوين الصحفي. ولهذا يتوجب بحث التخصصات الصحفية ومقدار المعرفة التي تقدمها للطلبة كما أن ما يتعلق بالإسلام في تخصص العلوم السياسية يختلف من جامعة لأخرى بشكل كبير. لكن الدراسات المتعلقة بالإسلام تظل لدى الصحفيين الألمان موضوعاً جانبيّاً.

تأثير التراتبيات

إلى جانب التأثيرات الصادرة عن وكالات الأنباء والصحف الرائدة، تعمل أيضاً بداخل المنظمات الإعلاميّة سلطات تراتبية متعدّدة، والتي غالباً، وإذا ما نظرنا إليها نظرة حرفيّة، ما تلعب دوراً إشكالياً. فالبحث الميداني أكد بأن هذه السلطات تلعب دورا كبيرا في الصحف الكبرى والمجلات السياسية في صياغة الخبر اليومي عن الإسلام. (وهو ما لا يعني بالضرورة أن خبراء في مجال الإسلام من يقومون بذلك داخل هذه الصحف) فخلال الأزمات الكبرى والنقاشات المركزية التي تتمحور حول الإسلام، مثلا قضية سلمان رشدي وأزمة الرسوم الكاريكاتورية وما بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر، طلع علينا رؤساء تحرير الصحف الكبرى بافتتاحيات، مبرزين دورهم كحماة لخطاب نقدي اتجاه الإسلام؛ وفي أغلب الأحيان خطاب معمم يساهم في تثبيت الصورة الاجتماعية القائمة حول الإسلام، سواء تعلق الأمر برئيس تحرير صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية ثيو زومر خلال أزمة رشدي، الذي حذر من "تأثير الثقافات الأجنبية" على أغلبية المجتمع أو زميله في صحيفة "فرانكفورته ألغمايته تسايتونغ" (المعروفة برصانتها) فرانك شيرماخر الذي ربط، بعد مرور عشرين سنة على ما كتب زومر، بين شباب المسلمين في المانيا وانتشار الجريمة بين الشباب في المانيا. إنه النموذج ذاته الذي تسير عليه القوة المحافظة داخل المجتمع من أجل حماية سيطرتها الصحفية في اللحظات الحاسمة. العنوان والافتتاحية يتضمنان نقدا معمما للإسلام، وفي الصفحة الثالثة، إذا كنا محظوظين، نقرأ أيضا مقالا مختلف النبرة عن الأول، وفي أحايين أخرى، وهذه لا ريب مفاجأة، نقرأ أيضا مقالا ثالثا لمتخصص في الملحق الثقافي للجريدة. تلك هي نقاط القوة التي يمكن ملاحظتها أحيانا ونقاط الضعف أيضا والتي تعيد إنتاجها صحافة غير متخصصة. وتتم دعم سيطرة هذا الخطاب عبر شبكة من العلاقات غير الرسمية والتي تسود بين بعض وسائل الإعلام والمثقفين الناجحين في سوق الكتاب والصحف ووسائل الإعلام، والذين يحظون بتقدير كبير لدى المسؤولين عن وسائل الإعلام، الذين يسمحون لهم في أغلب الأحيان بالتعبير عن مواقفهم النقدية اتجاه الإسلام. فوسائل الإعلام تحتاج إلى النخب المثقفة من أجل شرعنة خطابها، غلى تلك النخب التي لا ترتبط بعلاقات مع أنظمة اجتماعية أخرى (مثل الأحزاب والكنائس)، من أجل الحفاظ على هالة الاستقلال العقلي. إنهم يمثلون شيوخ الخطاب العام. لكن الإشكالي في هذه العلاقات هو أن أغلبية أولئك المثقفين المشاهير لا ينحدرون من النظام العلمي القائم، بل هم في الأغلب كتاب مستقلون بدون انتماء أكاديمي. إن هذا لا يحط بالضرورة من قيمة تحليلاتهم المتميزة في الأغلب، لكن لا توجد ضمانة بأن أبحاثهم وأطروحاتهم محيطة بنتائج الأبحاث العلمية.

وفيما يتعلق بصورة الإسلام في ألمانيا أدلى مثقفون يساريون بدلوهم في السنوات الأخيرة ودأبوا على توجيه سهام نقدهم للإسلام، مثل أليس شفارتسه، رالف جيوردانو، هنريك برودر، هانس ماغنوس إنسنسبرغر أو غونثر فالراف. والمثير في هذا الأمر أن الشخصيات التقدمية الرائدة في مجال النقد الاجتماعي تقتسم الآراء نفسها فيما يتعلق بالإسلام مع المحافظين، الذين يريدون فرض وجهة نظر مسيحية (أو مسيحية ـ يهودية) على السياسة والمجتمع في الغرب. نلمس الرؤية هذه منذ عقود عند شخصيات كبرى في الكنيسة الأنغليكانية ولدى قادة سياسيين أيضا من هيلموت كول وحتى هيلموت شميدث (مثلا فيما يتعلق بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي). هنريك برودر يحذر في "شبيغل" وفي كتبه أيضا بشكل سطحي من "الاستسلام" أمام الإسلام. رالف جيوردانو يعارض بناء المساجد، لأنه يرى أن اندماج المسلمين بالمجتمع الألماني فشل. أليس شفارتسه تتحدث عن تغلغل إسلامي في النظام القانوني الألماني. إن الأسباب التي دفعت هؤلاء المفكرين، الذين عرفوا في السابق بدفاعهم عن قيم التسامح والتحرر، إلى تبني مواقف يمينية ـ محافظة هي لا ريب كثيرة، لكنها تعود خصوصا إلى أنهم يرفضون التهديد الذي تتعرض له القيم التي ناضلوا من أجلها (مثل التحرر، والتصالح مع اليهود) من طرف مهاجرين هم أكثر محافظة. لكن هذا الموقف يغفل أن المجال الديمقراطي العام ما برح يتجدد وأنه من خلال ذلك يلعب دورا اجتماعيا موحدا. إن الرأي السائد لدى النخبة الحاكمة له تأثير كبير على صورة الإسلام في الإعلام، وهو ما يعني أيضا ضرورة الدخول في حوار مكثف مع هذه الدوائر حول الإسلام، حوار يتجاوز القضايا المثيرة. طبعا هناك عدد كبير من الأصوات الإعلامية التي تدافع عن صورة متوازنة عن الإسلام، أفكر مثلا بالمثقف الإيراني ـ الألماني نويد كرماني. لكن مثل هذه الشخصيات لا تمتلك الشهرة نفسها والحضور نفسه والتأثير ذاته شأن المفكرين المذكورين أعلاه.

المصدر: فكر وفنّ

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك