من جبّة الشّافعي إلى عمامة ابن خلدون

 
من الشّافعي إلى ابن خلدون، والمسلم ممعن في خنق إنسانيّته فكلّما اتّسعت دوائر الانغلاق من الفقه إلى التّاريخ البشريّ الإنسانيّ فلكي تسدّد بإتقان "عقلانيّ منطقيّ ومقنع" ضربتها القاضية للقيمة الإنسانيّة والوجود الحضاري البشري. ها هم أحفاد سلسلة الانحدار وفساد الزّمان من الشّافعي إلى ابن خلدون مجرّد أدوات لصنع وهم البدونة وضحايا لدين لم يختاروه، ولا أعجبوا به كما يعتقدون بل هو إسلام السّياسة الغربيّة والصّناعة المعلوماتيّة، والانفجار العلمي التّكنولوجي فيما يتجاوز تحديد التوجّهات والقيم والاختيارات الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة إلى صناعة الإدراك والتحكّم في الوعي والفعل أي نوع من الإسراء والمعراج العلمي التكنولوجي.
بمعنى أنّ وحيا جديدا بلا حجاب أو حواجز زمكانيّة ينزل من السّماء عبر كلّ المسارب والسّبل بما فيها الدّيانات التقليديّة. إنّه من الصّعب اليوم أن نقول بأنّ أهل مكّة أدرى بشعابها ونصوصها… 
أكاد أقول بأنّ الجميع أصيب بالدّهشة والاستغراب، وآلاف الأسئلة المجنونة ظلّت تجوب عقول الصّغار والكبار حول سرّ ما بدا لهم أنّه تناقض صارخ في سلوك الغاضبين وسيّئ إلى درجة "الغلمنة" وليس فقط تعهّر ما ملكت الأيمان أوالجواري…
وقد صيغ السّؤال بتنويع لانهائي شفويّا، وعلى مدرجات المقالات وفي غرف نوم الخواطر وفي الزّوايا السّاخرة للنوادر( ملء قواسم الهجرة إلى أمريكا قبل الهجوم على السّفارة)…
كيف خرج هؤلاء الغاضبون ضدّ الإساءة لرسول مستحدث صنعته آلة السّياسة الإعلاميّة الرّهيبة، ليس للسّيطرة على الوعي، وإنّما لصناعة الإدراك والاعتقاد ووصم الآلهة والأنبياء، وجرّ الأتباع من النّواصي والأقدام، من حيث لا يحتسبون إلى الدّين المستحدث ومنه الإسلام في حربها القذرة ضدّ تطلّعات الشّعوب وطموحاتها في التّغيير والثّورة…
فمنح الغاضبون تحت وطأة عذابات الإسلام المصنوع والمستحدث عتمة إعلاميّة للطّاغية، حتّى يبيد الشّعب السّوري فيما ظلّوا جامدين ضدّ السفّاح ودعائمه المختلفة ( كروسيا والصّين وإيران أو من يسمّون أنفسهم أصدقاء سوريا ) وهو يرتكب المجازر المروّعة في حقّ شعبه في واضحة النّهار وأمام أعين مختلف الفرقاء كأيدي خفيّة للجرائم ضدّ الإنسانيّة، التي ترتكب في سوريا باسم المصالح، والمحاور، والصّراعات الإقليميّة، والدوليّة، خدمة للمشروع الصّهيوني في تدمير البلد أرضا وشعبا.
سؤال الدّهشة والاستغراب ملحاح في عيون النّاس لماذا لم ينتفضوا ضد السفارة الروسيّة والصينيّة والإيرانيّة؟ وهم يدعمون آل الأسد في حربهم البشعة ضدّ النّساء، والأطفال، والشّباب، ونشر الخراب والدّمار. 
هكذا كان السّؤال يتناسل، ويمتدّ عميقا في أدغال عقول النّاس، وهم يشاهدون اللّحى الصّفراء والسّوداء تنفجر عنفا ورصاصا وقتلا وتدميرا. والأكثر من هذا أنّ بعض الذين شاركوا في تلك الأحداث صرّحوا بأنّ تلك السلوكيات العنيفة، هي مجرّد زلات لا يرضونها، ومستقلة عن إرادتهم لذلك انتفضوا ضدّ أنصار الشّريعة في ليبيا، كما شعر الآخرون بمشاعر القلق والذّنب.
أمّا الذين أشعلوا حريق الهمجيّة فلم يكن لديهم أيّ شعور بمحاسبة النّفس، ولا التّعاطف مع الدّماء البريئة في سوريا وغيرها. فتجميع المعطيات يدلّ على أنّ المشكل أكبر من الأسئلة التي طرحت سابقا، أو بتعبير أدقّ أنّه مشكل يحتاج إلى أسئلة من طبيعته لإدراك حجم مأساة التّناقض النّاجم ليس فقط عن تفكّك الأنا والأنا الأعلى، وعنف هذا الأخير إلى حدّ عشق الخراب والدّماء وهجير وهم بدو الزّهد والتقشّف، وضنك العيش رغبة في عقاب النّفس اللوامة لإسكات جنون وغطرسة الأنا الأعلى، بل أيضا أن المشكلة ليست معزولة كنبتة بريّة فهي تجد تفسيرها في الأطر والبنيات الاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة والسياسيّة.
بمعنى أن هناك قواسم مشتركة لما قام به هؤلاء ولما يقوم به بشّار ضدّ شعبه ألم يكونوا بجانب الطّغاة وهم يحتضرون أثناء بداية الثّورات العربيّة في تونس ومصر واليمن… لذلك لا ينبغي أن ننتظر من هؤلاء موقفا أو سلوكا وأفعالا تناصر وتدعّم الشّعوب المقهورة كالفلسطيني والسّوري… أو حتّى في أقلّ الأمل أن ينتفضوا ضدّ الجوع والفقر والذلّ، وضدّ السّياسات التي تقتل الشّباب في عرض البحر وفي قوارب الموت.
هؤلاء ليسوا من طينة أحلامنا وطموحاتنا في البناء والتقدّم والتغيير… كما أنّهم غرباء عن الحضارة والإنسان كقيمة إنسانيّة. إنّهم مندسّون في لغتنا وأحلامنا ونومنا وطقوسنا وشعائرنا… وبتعبير متداول في اللّاوعي إنّهم شياطين مهووسون بالقتل والغزو والسّبي… مهووسون بنبوءة خراب، ترف ونعم ومتع الحضارة، وفسادها، وانحلالها، وانحدارها إلى البدونة ذاك سرّ انتروبولوجيّة ذهنيتهم، ولباسهم التّلفيقي، والتّرقيعي، وشخصيّتهم الانشطاريّة بشكل مزدوج، وسلوكياتهم المتناقضة… وفي ذلك يرون أنّهم المبشرون بوراثة كلّ ما أنتجته الحضارة الإنسانيّة ومنها الدّول الغربيّة المتقدّمة فيهرولون كلّما لاحت لهم أية من آيات هذه النّبوءة المزعومة في سيطرتهم وهيمنتهم على العالم بما في ذلك الشّعوب الإسلاميّة.
أن تسيل الدّماء في سوريا وفلسطين والعراق… تلك مسألة لا تخصّهم. 
أن تساند روسيا والصّين وإيران الطاغية سلاحا ومالا ورجالا، فهذا الأمر لا يدخل ضمن نبوءتهم وانتظاراتهم لليوم الموعود، في الغزو، والسّبي، والغنائم التي يزخر بها الغرب. 
أن ينحاز أصدقاء سوريا إلى الطذاغية، وهم يتفرّجون صباحا ومساء على حجم الخراب والتّدمير الهمجي والمجازر… التي ينفّذها مجرم حرب بالوكالة هذا ليس من اختصاصهم، ولا يملكون حريّة التصرّف لأنّهم مجرّد أتباع…ات…باع… باع… باع…
هذه الأسئلة وغيرها وهذا التّفكير، وأحسن منه غير وارد في ذهنيّة البدوي الموعود بالنّصر لاعتقاده بحتميّة تفكّك الحضارة وفسادها، وانهيار التقدّم في جبة وعمامة مقولات عقل التّاريخ المنغلق والمحصّن بسياج إرادة الله في خلقه، جواري وعبيد فقراء وأغنياء طغاة ومستبدون…
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك