كوسوفا وأوسيتيا وأبخازيا: بين الأبعاد السياسية والقانونية والأبعاد الحضارية والتاريخية
إعداد: أ.د/ نادية مصطفى
من المشروعات التأصيلية التي دشَّن بها مركز حوار الحضارات أنشطته البحثية الممتدة، مشروع التأصيل النظري للدراسات الحضارية، بحثًا في أبعاد العلاقة بين الدين والثقافة والحضارة من منظورات علم السياسة. ولا يكتمل فهم النتائج التي قدمتها بحوث هذا المشروع بدون اختبارها على ساحة الواقع، التاريخي والراهن. وبقدر ما تمثل مفاصل التواصل والتفاعل الحضاري السلمي والمتراكم ساحة من ساحات هذا الاختبار بقدر ما لا يمكن إسقاط ساحات الصدام وأزماته وحروبه.
وهذه الدوائر التنظيرية والتاريخية عن الأبعاد الحضارية تُمثِّل خلفية أساسية لابد وأن يستند إليها فهم، وليس مجرد تفسير، ما دار ومازال يدور من أزمات وحروب مفتوحة منذ نهاية الحرب الباردة والتغيرات في هيكل النظام الدولي ومنظومة قيمه. ومن ثم فإن مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات يشرع في تدشين مجموعة من حلقات النقاش لدراسة الأبعاد الحضارية والتاريخية للأزمات والحروب التي انفجرت طوال العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي قارب على الاكتمال. ولعل هذه المساحة الزمنية الممتدة تساعد على تحليل أكثر دقة مقارنةً بالتحليلات التي توالت وتعددت حين انفجار هذه الأزمات منذ عقدين.
بعبارة أخرى، وإن كان منطلق الحلقات النقاشية خريطة الواقع الراهن بأبعاده السياسية والعسكرية المباشرة، إلا أن محور هذه الحلقات أكثر شمولاً في الأبعاد والمساحة الزمنية حيث تمتد إلى الحضاري والتاريخي. وذلك حتى يمكن مناقشة السؤال الكبير الذي تجدد الاهتمام به وأحرز صعودًا كبيرًا وهو: ما العلاقة بين الأبعاد السياسية والأبعاد التاريخية والحضارية؟ وهو سؤال يقع في خضم أنشطة مركز حوار الحضارات منذ تدشينه، وهو سؤال طُرح في أنشطة متعددة وبمناسبات مختلفة، وتساعد إصدارات المركز على رسم خريطة الإجابات المتنوعة عليه وتفسير هذا التنوع وأسبابه.
ومما لاشك فيه أن أبعاد الصورة –فيما يتصل بموضوع حلقات النقاش المشار إليها عاليًّا- تزداد وضوحًا من خلال الحالات الدراسية المقارنة، ومن معايير تصنيف هذه الحالات:
المعيار القومي، المعيار العرقي، المعيار الطائفي، المعيار المذهبي، المعيار الديني، ولقد اجتمعت جميع هذه المعايير في الأزمات والحروب الدموية التي انفجرت منذ عقدين: في القوقاز، وفي شبه الجزيرة الهندية وجنوب آسيا (الهند وكشمير وباكستان)، وفي غرب ووسط آسيا (أفغانستان وإيران)، وفي الشام (لبنان والعراق)، وفي وادي النيل (دارفور)، وفي وسط أفريقيا، وفي البلقان (البوسنة وكوسوفا)، وفي غرب أوروبا، وفي الولايات المتحدة (المسلمون في الغرب).
وإذا كان الصراع العربي الإسرائيلي قد ظل الصراع المحوري في العالم العربي الذي يستدعي –على استحياء- إشكالية العلاقة بين الأبعاد الدينية والحضارية بصفة عامة، وبين غيرها من الأبعاد، فإن انفجار الأزمات في المناطق الحضارية المشار إليها عاليًّا، وإن أحاط بانضباط محورية هذا الصراع ومركزيته، إلا أنه تجدد مؤخرًا الاهتمام –وبدرجة ملحوظة- بالأبعاد الدينية والحضارية لهذا الصراع الاستراتيجي المصيري بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب والمشروع الصهيوني.
ومن أهم المناطق التي نتوقف عندها في الحلقة النقاشية: البلقان والقوقاز. والمقارنة بين تفاعلات كل من هاتين المنطقتين تستدعي عدد من الأزمات على رأسها الشيشان من ناحية، والبوسنة من ناحية اخرى، وكوسوفا من ناحية ثالثة، وأوسيتيا وأبخازيا من ناحية رابعة.
وفي حين انفجرت الأولى والثانية على نحو متزامن (طوال التسعينيات) واستقلت البوسنة (ولو بشروط وقيود) فلم تستقل الشيشان، وفي حين انفجرت حرب كوسوفا (في نهاية التسعينيات) واستمرت أزمتها حتى استقلت في فبراير 2008، فإن أوسيتيا وأبخازيا وادجاريا لم تنفجر أوضاعهما بعنف إلا منذ عدة شهور ولم يتم ضمهما كاملاً إلى جورجيا كما لم يتم استقلالهما. وفي المقابل فإن ادجاريا تمثل ملفًا صامتًا لم يحز الاهتمام الذي حازته الحالات الأخرى في القوقاز حيث تم ضم هذه الجمهورية ذات الحكم الذاتي أيضًا إلى جورجيا، وكانت ذات أغلبية مسلمة وتعرضت لجهود تنصير ما يزيد عن 30% من سكانها، فضلاً عن إجبارها على وضع الصليب على علمها.
ومن ثم، ونظرًا لأن أزمتي وحروب الشيشان والبوسنة قد حازتا اهتمامًا كبيرًا من التحليلات في حينها، وكذلك أزمة كوسوفا، ونظرًا لأهمية تحديد محور هذه الحلقة النقاشية –مهما اتسع سياقها- لذا فإن هذه الحلقة النقاشية تركز بالأساس على الأسئلة التالية: لماذا تأخر انفجار أوسيتيا وأبخازيا؟ ولماذا استقلت البوسنة وكوسوفا ولم تستقل الشيشان؟ ولماذا لم يلق استقلال كوسوفا حتى الآن اعترافًا قانونيًّا واسعًا من جانب العالم العربي والإسلامي؟ وكيف تمت قراءة التدخل الروسي في جورجيا وما أثاره من ردود فعل إقليمية عالمية؟ وما مآل استقلال أوسيتيا وأبخازيا؟ وماذا حدث في ادجاريا وما دلالته أيضًا بالنسبة لكل ما يثار حول الأبعاد الحضارية في أزمات القوقاز وبالطبع البلقان؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة لابد وأن تستدعي مجموعة من الأبعاد؛ الأولى، تلك الخاصة بالتغيرات في موازين القوى العالمية وتعدد محكات اختبارها ومنها المواجهات على ساحات الصراعات الإقليمية والداخلية، والثانية هي تلك المتصلة بالأبعاد التاريخية والأبعاد الحضارية. إذن كيف نقترب من التفاعل بين هاتين المجموعتين من الأبعاد حتى يتحقق فهمًا أفضل للحالتين المقارنتين؟
وبناءً على ما سبق، فإن أعمال حلقة النقاش تنقسم كالآتي:
1- ملامح حالة كوسوفا.
2- ملامح حالة أبخازيا وأوسيتيا.
3- أبعاد التفاعل بين السياسي والتاريخي والحضاري في كل من القوقاز والبلقان: ودلالات المقارنة بالنسبة لأوضاع العالم العربي وأزماته المناظرة.
ويشارك في هذه الحلقة مجموعة من الأساتذة والمتخصصين ومنهم: أ.د.محمد السيد سليم، أ.د.جابر عوض، أ.د.عبد الله الأشعل، د.بكر إسماعيل الكوسوفى، المستشار/ محمد يوسف عدس، أ.د.محيى الدين عبد الحليم، د.وسام عبد العزيز فرج، د.ماجدة مخلوف، أ.ودات سحيتى، د.نورهان الشيخ، د.محمد شوقى عبد العال، أ.د.محمد أرناؤوط، د.هيلة مكيلكى، والسفير/ حسين هريدى، والسفير/ رؤوف سعد.
المصدر: http://hewar-online.org/ar/index.php?act=page_detail&p_id=312&s_cat=1