هل نحن في قلب صراع ثقافي جديد؟
فاضل الربيعي
إن لمن الهام للغاية عند البحث عن درجة فاعلية الإعلام المعاصر -بكل أدواته ووسائله- في تشكيل التصورات ووجهات النظر والمواقف داخل المجتمع، وحيال مختلف القضايا المثارة؛ ملاحظة أن هناك معركة خفية تدار اليوم بوسائط ذات فعالية شديدة (الأنترنت والفضائيات) وتدور في نطاق محددّ، لطالما جرى تجاهله والتغاضي عنه، بين رموز قائمة وأخرى يراد لها أن تحل محلها، وأن المعركة الدائرة حول الديمقراطية اتخذت أبعاداً مثيرة، مع تحطيم رموز وإحلال رموز بديلة بواسطة القوة المسلحّة التي لعب الإعلام دوراً مركزياً.
يقصد بالرمز Symbol الشكل المكثّف الذي يدل على مدلول قائم بذاته، ويمكن له أن يجسدّه أو يمثله ويحل محله. وهذا يعني أنه يتمتع قابلية فريدة، تمكّنه من أن يكون في الوقت نفسه، شكلاً محددّاً قائماً بذاته، وأن يدل على شيء آخر أكبر منه.
ولذلك، غالباً ما يظهر الرمز بوصفه صورة ذات بُعد تمثيلي رفيع لشكل آخر غير ملموس، وأن يتبدى دّالاً غير مباشر عنه كذلك.
إن الفارق المفهوميّ بين الرمز والعلامة، يكمن في هذا البُعد التمثيلي، فكما أننا نفرّق ونميّز بين الرمز حين يكون تعبيراً عن فكرة وطنية عامّة (مثلاً نصب تذكاري عن التضحية) وبين العلامة، حين تكون تعبيراً محددّاً عن شيء (بضاعة أو ماركة صناعية) فإننا نميّز كذلك بين وظائف الرموز ومقدار هيمنتها ودرجة تأثيرها في المجتمع.
وكما أوضح تشارلز ويليامز موريس Charles W.Morris في دراسته للغة وتحليل الرموز والإشارات ودلالاتها، فقد يتوجب علينا، لأجل معرفة عميقة بوظائفها الاجتماعية، أن نلاحظ درجة فعاليتها وتأثيرها في المجتمع، وما يتركه محوها من نتائج كارثية.
ولعل المثال العراقي-والليبي بدرجة أقل- يقدّم في هذا الميدان، أقوى البراهين على أن الصراع حول الرموز لن يتوقف حتى مع زوال النظام السياسي، فاليوم لا يزال هناك جمهور عراقي هائل لا يعترف بالعلم الوطني ويرفض استخدامه، وهذا ما ظهر جليّاً في ليبيا خلال أحداث العنف التي نشبت في طرابلس والكفرة.
ولمّا كانت الرموز بطبيعتها، تمتلك قابلية التعبير عن دّال آخر، وأكثر من هذا أن تحل محله، فمن المهم ملاحظة أنها تتمتع بالقابلية الذاتية للمحوّ والتلاشي، حين تزاحمها رموز أو علامات أخرى وتحل محلها.
وهذا ما يدعونا لدراسة وتحليل سلوك الدولة ووسائل الإعلام على حدّ سواء، ورؤية المعركة الدائرة اليوم، ومنذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط بين الرموز القديمة والرموز الجديدة، بوصفها معركة إعلامية ضخمة، وهائلة الموارد والتقنيات، واختارت قوى دولية ومحلية ميدان القتال فيها بعناية، وبوجود ما يشبه التوافق التّام على تحطيم الرموز القديمة في المجتمع.
وحين يعبّر هذان الطرفان، كل من جانبه عن الرموز نفسها في المجتمع وبعلامات محددّة، وبحيث تصبح هي ذاتها موضوع الصراع، فسوف تصبح المعركة في الجوهر معركة رموز تدور بين مواطنين، انقسموا لا حول شعار الديمقراطية والإصلاح، وإنما كذلك حول الهوية؟ خذوا مثلاً، الصراع الذي يدور منذ نحو عام كامل، بين الناشطين فيما يدعى (الحراك الشعبي) السوري، وبين الحكومة حول العلم؟ ففي حين كان مئات الآلاف من المواطنين السوريين يمشون في مسيرات طويلة رافعين أطول علم سوري رسمي (وصل في بعض الأحيان إلى كيلومتر ونصف) كان هناك مواطنون سوريون، يرفعون علم الانتداب القديم ويعتبرونه علم الاستقلال؟ وهذا المشهد الجماهيري سبق له أن تكررّ بالصورة نفسها في ليبيا، ومن قبل في العراق، وهو لم يتوقف حتى مع زوال النظام أو وقوع احتلال للبلد، ذلك أنه صراع مصممّ لتفجير تناقضات غير قابلة للحل.
المصدر: http://www.al-jazirah.com/culture/2012/24052012/fadaat22.htm