الحوار بين المسلمين والغرب وآفاقه المستقبلية

يوسف الكتاني

يعتبر موضوع «الإسلام والغرب» موضوع الساعة، وقضية هامة للإسلام والمسلمين وللغرب نفسه، بسبب التجافي الذي بلورته سياقات تاريخية، أفرزت تصورات خاطئة، وأحكاما مسبقة في حق الإسلام والمسلمين، ينبغي العمل على تجاوزها، والتغلب على مخلفاتها، خدمة لطموح الإنسانية في التعاون القائم، المبني على ضرورة احترام التنوع والاختلاف بين الحضارات، وذلك بسبب ما يتعرض له الإسلام من تحريف وتشويه من طرف بعض الجاحدين، والحاقدين، والجاهلين به، وازدياد التحامل على المسلمين سواء في مستوى الصراع الواقعي، أو في مستوى ما تعمل مراكز البحث هنا وهناك على صياغته، كأفق محتمل لممكنات تطور الصراع القائم، للعمل على تجاوزه، وبناء ما يدعم آليات التواصل والتقارب الحضاري، القادر على رفع التحديات المتبادلة، ومحاولة استبدالها بمنطق جديد، وأسلوب جديد من التعاون والتعامل، يؤدي إلى تعميق النظر والبحث، في كثير من الجوانب التي ظلت تخضع لآليات الفهم والتحليل، بعيدة كل البعد عن طبيعة العلاقة وطبيعة الطرفين المحددين لها الإسلام والغرب.
وإذا كان الوجود الإسلامي في الغرب يرتبط بجذوره إلى قرون طويلة امتدت واستمرت، خاصة وهو يشهد اليوم تزايدا ملحوظا، وإقبالا كبيرا، فإن رغبة المسلمين الصادقة لتأسيس صلتهم بالغرب، قائمة على السلام والأمن، والتعايش والاعتدال، والحوار والتعاون، وتبادل المنافع والمصالح، بينما يرمي الجانب الآخر في الغالب إلى تغذية روح التعصب والعداء، من جراء عقدة الكراهية والحقد، بل الرغبة في القضاء على الوجود الإسلامي، نتيجة لكتابات المتحاملين والمستشرقين، وتوجهاتهم وتصوراتهم الخاطئة.
من هنا تبرز مسؤولية المسلمين في تجلية الصورة المثلى للإسلام في الغرب، بإبراز حقائقه، والتعريف بتعاليمه ومبادئه السامية، القائمة على التعاون والمحبة، والتسامح بين الناس، ومساعدة الغربيين على فهم أكثر لأوضاع المسلمين، وخلفيات سلوكهم، لرفع الالتباسات، وتبديد الشكوك والمخاوف مساهمة في بناء خطاب جديد يعمل على فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الإسلام والغرب.لقد أفرزت الحرب الباردة مجموعة من التحولات العميقة، أعيد من جرائها تشكيل الخريطة السياسية للعالم، تبعا للتغير الذي لحق بيان القوى.
وبانتهاء هذه الحرب، عاد الغرب إلى طرح المسألة الإسلامية على محك المناقشة والنقد والتقويم، وكان من نتائج ذلك تبدل سياسة العالم الجديد تجاه العالم.
الإسلامي بل تجاه الإسلام نفسه، الذي أصبح العدو الرئيسي للغرب، خاصة بعد انهيار الشيوعية،.وانحسار الاشتراكية، كما صرح بذلك الرئيس «نيكسون» في مذكراته التي نشرها قبل وفاته بقليل.لقد تحول المسلمون إثر انهيار الاتحاد السوفياتي -بعد أن كانوا حلفاء الغرب- الي عدو يسعى النظام العالمي الجديد، إلى القضاء على وحدتهم واستقرارهم وحصارهم، لكونهم أصحاب عقيدة صحيحة راسخة، تحتهم على الجهاد. ونشر الدعوة الإسلامية، كبديل صالح للمادية المتردية التي أثبتت فشلها الذريع، وباعتبارهم أصحاب دستور إلهي خالد، يوجههم إلى الوحدة والتضامن والتآزر، ويحذرهم من مغبة السقوط في الهيمنة والتبعية، مصداقا للهدي القرآني الكريم «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»(1)
ولقد أصل هذا العداء للإسلام وغداه ووجهه، تاريخ الاستعمار للعالم الإسلامي، وما بثه المستشرقون المتعصبون من آراء وأفكار خاطئة في العقل الأوربي، شوهت صورة الإسلام، وحرفت حقائقه وتاريخه، وعملت على تكريس العداوة بين الإسلام والغرب، حتى تتصادم الحضارتان، وتتنافر الأفكار والثقافات، وتتعمق الهوة بين العقليات، بل ولم يسلم من ذلك حتى أبناء المسلمين من خلال الغزو الفكري الذي حاول تشكيكهم في هويتهم وحضارتهم.
وتكفي الإشارة هنا إلى توصية صدرت عن «مؤسسة التراث المحافظـة» في واشنطن سنة 1994، تتعلق بما أسمته «موضوع التهديد الإسلامي لشمال إفريقيا» تصور الفهم الخاطئ للإسلام والمسلمين، والخوف الطاهر من الصحوة الإسلامية، وهي توصيات موجهة لسياسات الولايات المتحدة، لمواجهة ما سمته التوصية «بالخطر الأحمر الجديد» ويقصد به الإسلام والمسلمون.(2) وهو نفس التصور الذي أعرب عنه «ويلي كلاس» الذي صرح «بأن الأصولية الإسلامية تشكل الآن تهديدا للغرب، كما فعلت الشيوعية من قبل»(3) وهي أفكار وتصورات تعمل على ازدياد التباعد بين الإسلام والغرب، وتدفع إلى التصادم والتنافر بين الحضارتين مما ينم عن الجهل بالإسلام.
وهو عكس ما يتجه إليه المسلمون ويعملون له، من التعاون والتقارب بينهم وبين الغرب، الذي ما انفك بض ساسته ومفكريه يعتمدون إشعال روح الكراهية بيننا، كما نقرأ فيما كتبه «ليزلي جيلب».
في «النيويورك تايمز» بأن الإسلام لا يعترف بالتعايش كمبدأ، إذ التعايش يتعارض مع فهم الإسلام للنظام العالمي»(4) وهي مجموعة من الدراسات والبحوث التي أنجزت بخصوص العلاقات الجديدة بين المسلمين والغرب، والتي أريد لها أن تتأسس على أطروحة الغالب والمغلوب، والسيطرة على كقدرات العالم الإسلامي، والقيام في وجه تطوره ووحدته وهويته. الأمر الذي يضاعف مسؤولياتنا لبذل الجهود لتبديد ظاهرة الخوف من الإسلام، وما يمكن أن يفعله في تاريخ الإنسانية ومسارها الحضاري، وهو القاسم المشترك الذي يشكل ويوجه التيارات الفكرية والسياسية الغربية، وهو ما يدعونا إلى مضاعفة الحوار، وفتح قنواته بين الإسلام والغرب، على مختلف الأصعدة والمؤسسات الفكرية والسياسية والاجتماعية، لتحويل فكرة التصادم والتنافس إلى رحاب التعاون والالتقاء والتسامح، من أجل الغاية السامية والأساسية، وهي الوصول إلى تصحيح صورة الإسلام بتبديد شكوك الغرب وتخوفه من الإسلام، وتقويم الأفهام الخاطئة والتصورات المغرضة.(5)

 منهج الحوار الإسلامي المطلوب:
ولذلك يكون الحوار المسؤول الوسيلة الهامة والأساسية لتصحيح صورة الإسلام في الغرب، إذ بالحوار يتفتح العقل والفكر على مجالات الوعي والفهم المتبادل لكل من الجانبين، لاختلاف الجهاد، والجنسيات، والعقائد.والحضارات، وبالحوار المؤمن بشرعية الاختلاف تتجاوز مرحلة الصراع، وعقدة العالم الجديد في الهيمنة والسيطرة، ولا يتم ذلك إلا بالفهم العميق لبيته وعقليته، وجميع مشاكل العصر وإيديولوجياته، عن طريق مؤسسات علمية أكاديمية، ووفق مناهج مدروسة محكمة.
ولقد أصل الإسلام مبدأ الحوار والتواصل بينه وبين الشعوب والحضارات، ونص عليه القرآن، ووجه إليه في آياته وسوره، كما قال تعالى: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون»(6)كما نظم الإسلام آليات الحوار ورسائله وهي:
ـ الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما جاء في القرآن «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».(7)
- والإقناع بالبرهان كما قال تعالى: «وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين».(8)
- والاعتدال وإقامة الحجة على الناس: «لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»(9)
- والدفع بالتي هي أحسن «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»(10)وبهذه الآيات والأسس، وهذا المنهج والأسلوب، حاور الرسول أعداءه وخصومه على مختلف مستوياتهم وعقائدهم وطبقاتهم، حتى أولئك الذين قاطعوه وحاضروه، وعذبوه وهجروه، سواء في المرحلة المكية أو المدنية، وهو ما يقتضي منا التشبث بالمنهج الإسلامي في الحوار، وخاصة في هذه الظروف، وذلك بالعمل على فهم الآليات المتحكمة في العلاقات بين الأمم والشعوب، وتجنب التعامل مع أطروحات «صراع الحضارات وصدام الثقافات»، حتى تفوت الفرصة على أصحاب تلك النظريات والأفكار التي تجاوزها الزمن، وإن ظل بعضهم يحييها ويتمسك بها، لتكون عرقلة في وجه التعامل والتحاور بيننا وبين الغرب.
ومن هنا لم يعد الحوار بيننا مطلبا عاديا فحسب، بل أصبح عملا فاعلا، وضرورة حتمية، لابد من تنميته، والإقدام عليه، وتوسع رسالته وأبوابه، لتجلية المواقف، وكشف الأغاليط، والتصورات الخاطئة، وتوضيح صورة الإسلام الجلية الطاهرة الناصعة، ووجهه الحقيقي، خاصة وأنه توجد قواسم مشتركة بين الديانات والحضارات، من شأنها إيجاد تقارب حول العديد من قضايا ومشكلات العصر، ولدحض محاولات التشويه التي يقوم بها المتحاملون على الإسلام، حوار يحقق التلاقي في مجالات الاختلاف، وتلاقي جوانب الخلاف، لمصلحة الجميع، ويحقق التعايش بين المجتمعات في إبراز إيجابياته.
ولذلك ينبغي أن نغير مسار الحوار الذي جرى في الماضي في اتجاه الصدام والصراع، إلى المنحى الإسلامي، ليصبح حوارا تكامليا تعاونيا يحقق التقارب، ويتجاوز الصدام المخطط له متغلبين على التصدي الإيديولوجي الذي يحاصر من كل جانب بواسطة حوار كفء متعادل، بعيد عن حساسيات الماضي، وعقده وأفكاره المفتعلة المدسوسة، التي تقف في وجه كل تقارب وتعاون، مكتفيا هنا بمثل واحد على ذلك يقول بري بوزان:
«إن من شأن حرب باردة اجتماعية مع الإسلام أنن تعزز الهوية الأوربية من جميع نواحيها في هذا الوقت، الحاسم في عملية الوحدة الأوربية، ربما يوجد رأي واسع الانتشار في العرب ليس على استعداد لتأييد حرب باردة اجتماعيا على الإسلام فقط بل وللأخذ بسياسة تشجع على ذلك.(11)
ومن هنا يتحتم مراجعة الخطاب الإسلامي مع الغرب وعنه، حتى لا نستدرج لأطروحات المواجهة الدينية المسيحية، وذلك بالتقليل من أهمية التاريخ الماضي الذي أصبح أحداثا قابلة للنسيان، عاملين على مد جسور جديدة من الثقة أساسها الحوار والتفاهم المشترك، في إطار احترام كل ما للآخر يصل بنا إلى الغاية المتوخاة، وهي تصحيح صورة الإسلام، وإبراز وجهه الحقيقي، متوخين المنهجية والعقلانية، ونحن نقتحم مجالات الحوار، معتمدين على سنن الله في الكون، والتاريخ والمجتمع، معتمدين على المؤهلين الأكفاء لهذه المهمة الحضارية، مدركين حقيقة ما يدور حولنا من مشكلات العصر وقضاياه، مبشرين ومقنعين غيرنا بعالمية الإسلام، وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته الاستيعابية لأحداث الحياة ومشاكل الناس وانفتاح المسلمين على كل الحضارات والمبادئ البناءة، وقابليتهم ومرونتهم للتعلم المتبادل.
ولعل القرن المقبل يكون قرن الحوار المستمر البناء، بين الإسلام والغرب، خاصة وأن الإسلام يجد موقعه في كل بيئة وحضارة ويستجيب لمطامح وحقوق الإنسان في كل زمان ومكان.

تصحيح صورة الإسلام في الغرب ضرورة حضارية:
إن كل من يدرس الإسلام ورسالته الخالدة بصدق وإخلاص يجده متفقا مع الفطرة البشرية السليمة، مستجيبا لتطلعات الناس، قائما على منهج رباني صحيح، يشمل كل جوانب الحياة في بساطة ويسر، ومن هنا كانت نظرة المسلمين إلى الكون قائمة على التعاون والتكامل، وليس على الصراع والنزاع، أو البقاء للأقوى كما هي عند الآخرين.
إن الصورة التي صنعها الغرب للإسلام والمسلمين انطلاقا من هزيمته في الحروب الصليبية تقوم على أن الإسلام دين البطش والقوة والسيف، وأنه دين الرجال دون النساء، وأنه يحارب العلم والمدنية والتقدم.وجاء الاستشراق والاستعمار ليعمق في الهوة بين الحضارتين، ولزيد الصورة تشويها واضطرابا في أعين المغرب.
وهنا تكمن حقيقة دور المسلمين اليوم في تغيير هذه الصورة المشوهة، بتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، التي دفعت الغرب إلى الصراع مع العالم الإسلامي، وإعلان الحرب عليه، باعتباره عدوا لدودا، مما دفع المفكر الإسباني «غويتيسلو» للقول «بأننا خاضعون لغسل دماغ كامل ضد العرب والمسلمين»(12)إن وسيلتنا لتصحيح صورة الإسلام في الغرب لابد أن تستهدف تبيين الحقائق، وتوضيح المفاهيم الخاطئة، وكشف حجب الحقد والضغينة التي شجعتها الكنيسة والاستعمار والاستشراق، لتكون العلاقة بيننا وبينهم علاقة صراع وتدافع وعداء، كما ذهب إلى ذلك صامويل هنتينغتون.(13)
 تصحيح الأغاليط:وسأقتصر هنا على مثلين اثنين من القضايا التي وقع الغرب في أغاليطها، وهما القدس، والمرأة.:

1- قضية القدس:
لقد أثرت نظرية (صراع الحضارات) التي قامت على مفهوم خاطئ في تصور كثير من القضايا ذات الحساسية، كقضية القدس، إذ أننا نجد الغرب لا يفهم أهميتها بالنسبة للمسلمين، باعتبارها قضية دينية وثقافية مرتبطة بالشعور، وليس بالمصالح، ومن ثم الخطأ في ترك إسرائيل تتبني المستوطنات في هذه المدينة المقدسة، تحديا لمشاعر المسلمين، وخرقا لمعاهدة السلام الدولية، الأمر الذي ظهر أثره في إجماع الأمة الإسلامية كلها على التشبث بالقدس، والانتصار لقضيتها بالرغم من أن أغلب الدول الإسلامية ليست لها مصالح فيها، ومع ذلك يعتبرونها قضية دينية وثقافية أي سياسية بالغة الأهمية وجوهر الخلاف بيننا وبين المغرب.

2- حرية المرأة في الإسلام:
إن حرية المرأة تتحقق بمعرفة طبيعتها، والحفاظ على تلك الطبيعة، وقد اعترف الإسلام بكامل حقوقها وواجباتها، كشقيقها الرجل، كما روي عن النبي (ص): «إنما النساء شقائق الرجال»(14) وأن سعادتها تتحقق بالعناية بدورها في الحياة كطرف أساسي في المجتمع إلى جانب الرجل، وقيامها بمسؤولياتها لاستقامة حياتها أي أن الحرية تكمن في الخضوع والطاعة لرب العالمين.
ولنضرب لذلك مثلا يتضح فيه الأمر، وهو الزي الإسلامي للمرأة، فقد اختلف الناس كثيرا حول هذا الأمر في الغرب، باعتباره لا يناسب العصر، ويجعلها أسيرته كما قالوا.(15)
إن هذا المفهوم الغربي الخاطئ جاء من عدم معرفتهم للإسلام، وسوء فهمهم لحقائقه وتعاليمه، واعتقادهم بأن العالم كله ينبغي أن يسير بسيرتهم، وأن لا حضارة إلا حضارتهم، غير أن التيار الإسلامي القائم اليوم في الغرب، وخاصة الذين دخلوا الإسلام من أبنائه، يثبتون عكس ذلك، فكثير من نساء المغرب اللائي أكرمهن الله بنور الإسلام، يرتدين اللباس الإسلامي، معتبرينه الزي الحق الذي يناسب طبيعة المرأة ويحفظ كرامتها، ويحميها من استغلال جسدها وسيلة للدعاية، والعرض الرخيص، ولا يشكل إهانة للمرأة، أو عبودية لها، أو قيدا على حريتها كما أن كثيرات منهن وجدن أن بقاءهن في البيت للقيام بشؤون الأسرة وتربية الأولاد، ليس «حكما بالسجن»، كما كان الاعتقاد سائدا في الغرب، بل هو واجب سام يحقق التربية الصحيحة للأبناء وحسن رعايتهم.

3- دور الإعلام في تبصير الناس بحقيقة الإسلام:
لا ينكر أحد اليوم الدور البارز للإعلام في العالم كله، ومدى تأثيره على توجيه الأحداث بسبب التسارع التكنولوجي، والتقدم العلمي الذي جعل العالم كله قرية صغيرة تقاربت أنحاؤها، وفتحت أبوابها.ومعلوم أن المفهوم الخاطئ للإسلام وقيمه في الغرب تعكسه بصورة متحاملة مختلف وسائل الإعلام، التي كان لها الدور البارز في تشويه هذه الصورة، والإيحاء بأنه «طاعون العصر» وعدو الغرب.
ولذلك يكون من أكد الواجبات على المسلمين، استغلال وسائل الإعلام كلها، وبشتى الوسائل والمخططات لتصحيح صورتنا، وتبديد الشكوك والأوهام الخاطئة، خاصة وأن قضية فلسطين والثورة الإيرانية، سعرت الحرب الإعلامية ضدنا، واستغلت أحداثها لزيادة العداء للإسلام، كما أكد ذلك المفكر «إدوارد سعيد»(16) وكما أكد ذلك الكاتب الإسباني «خوان غريستلو» «إننا خاضعون لغسل دماغ كامل ضد العرب والمسلمين»(17)
ويعتبر توجيه النشاط الإسلامي بطريقة صحيحة، بالاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة في نشر الدعوة ورد الشبهات، وتوضيح المفاهيم واجبا إسلاميا مقدسا، ينبغي أن تتضافر الجهود للقيام به، بتسخير سائر وسائل الإعلام لذلك. لما فيها من أهمية في عالم اليوم ومد الجسور بيننا وبين المؤسسات الإعلامية في الغرب من أجل الوصول إلى هذا الهدف الكبير، وهو تصحيح صورة الإسلام.
وإنني لأكتفي بمثل قريب وقع أخيرا في أمريكا إذ قام الإعلام الأمريكي بأفضل تغطية ممتازة لموسم الحج في هذه السنة، عبر برنامج NIGHT LIVE محطة ABCN، وكان البرنامج دعوة كريمة للإسلام، وإظهارا لمنسك من أعظم مناسكه، حقق آثارا طيبة في الشعب الأمريكي، كما اعترفت بذلك وسائل الإعلام الأمريكية نفسها.(18)
شهادة معاصرة بسماحة الإسلام وصلاحيته لهداية البشرية:
أخد نور الإسلام وإشعاعه الإيماني الباهر يفتح العقول ويغزو القلوب، لا في أوروبا وحدها، ولا في آسيا وإفريقيا، بل عم نوره أرجاء العالم وأنحاءه جميعا، وأخذ الساسة والمفكرون، والعلماء والدارسون يتأكدون أنه النبع الذي تفجرت منه المعارف الإنسانية المعاصرة، وأنه أساس الحضارة الغربية اليوم، وأن دعوته تستهدف وحدة البشرية وخيرها ورفاهيتها، دون اعتبارات اللون، والجنس، واللغة، والمكان، وتستقطب ظاهرة الإقبال الكبير على اعتناق الإسلام، والدخول فيه طواعية، أغلب الشرائح المكونة للمجتمعات البشرية، إذ يلاحظ في فرنسا وحدها أنه اعتنق الإسلام أكثر من مائة ألف فرنسي، بمبادرات ذاتية، وكان دافعهم الأساسي قوته الذاتية، واستجابته للفطرة الإنسانية، خاصة بعد انهيار الشيوعية، وانحسار المبادئ المادية والاشتراكية، إذ وجدوا في الإسلام إنقاذا لهم من الضياع، وأن فيه استقامة الحياة، وطمأنينة الضمير، وطهارة السلوك، فأقبلوا على دين الله بقلوب متفتحة. وعقول واعية، فحسن إسلامهم، وأصبحوا القدوة لأسرهم ولغيرهم في اعتناق الإسلام، وسأقتصر هنا على شهادة معاصرة لشخصية بارزة، تدليلا على قوة شهادة معاصرة لشخصية بارزة، تدليلا على قوة الإسلام الذاتية، وصلاحه لكل زمان ومكان، وأنه البديل الوحيد لكل هذه الإيديولوجيات والنظريات التي وضعت العالم في متاهات المادية والضلال.

شهادة الأمير تشارلز ولي عهد المملكة  المتحدة البريطانية:
من خصال الإسلام الباردة، تأثيره في النفوس، وإشعاعه على القلوب، بفعل استجابته الفطرية الإنسانية، إلى حد أن يقدم الإسلام رجل متميز في المغرب -وهو غير مسلم- على أنه البديل والمعين على حفظ التوازن الحضاري، ويدعو إلى استلهامه لمقاومة المادية الغربية، واعتبار التراث الإسلامي لمقاومة المادية الغربية، واعتبار التراث الإسلامي مثالا على كيفية اندماج الروحانية مع العصرية.وقد كان الأمير ««تشارلز» عبر عن إعجابه بالإسلام وتعاطفه معه في محاضرة ألقاها في «جامعة اكسفورد»
سنة 1993، لقيت أصداء كبيرة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في إنجلترا، ثم عاد أخيرا لتجديد تقديره للإسلام -عن قناعة ثابتة- وفتح نوافذ الحوار بين الغرب والإسلام.وقد جاءت دعوة الأمير في اجتماع خاص عقده في قاعة المؤتمرات بوزارة الخارجية البريطانية في «ويلتون بارك» وسط حشد من الأكاديميين، والعلماء الدينيين، ورجال الأعمال، والعاملين في المؤسسات البريطانية.وأحب أن أورد هنا بعض الأفكار الرئيسية التي جاءت في محاضرة الأمير تدعو إلى التقارب مع المسلمين، والإقبال على مبادئ الإسلام، وقيمه السامية، وإلى بناء صرح التفاهم والتغيير المتبادل بين الإسلام والغرب ومما جاء فيها:
اختلال التوازن في الحضارة الغربية وضرورة الاستفادة من التراث الإسلامي لتصحيح النظرة الكلية للكون والإنسان:
إن المادية المعاصرة أحدثت خللا مروعا في حياة الفرد والمجتمع، لأنها مادية فقدت عنصر التوازن الضروري لحياة سوية متناسقة متكاملة، ولقد بدأنا نحن أبناء العالم الغربي نشعر بأننا قد فقدنا الإحساس الكلي بالكون والبيئة، وبمسؤوليتنا الشاملة إزاء الحق، ويمكن لنا نحن أبناء العرب من أجل إعادة اكتشاف الفهم الأصيل لوحدتنا ومهمتنا أن نلتمس العون على ذلك من التراث الإسلامي المشبع بالنظرة الكلية الأصلية، إلى الكون والإنسان، كما يمكن لنا الاستفادة من هذا التراث في تحسين نظرتنا نحو الأفضل في الخلافة العلمية للإنسان.
كما عبر فيها عن انفصال العلم عن الدين وأثره السيء على الحياة الغربية:لقد شهدت القرون الثلاثة الأخيرة في الغرب انقساما خطيرا في طريقة رؤيتنا للعالم المحيط بنا، فقد حاول العلم بسط احتكاره، وسطوته المستبدة على طريقة تفكيرنا وفهمنا للعالم، وانفصل العلم عن الدين، إن العلم أدى خدمة جليلة بتبيانه لنا أن العالم أكثر تعقيدا مما نظن، بيد أن العالم في شكله المادي الأحادي الحديث قد عجز عن تفسير كل شيء، ولا شك أن انفصال العلم والتكنولوجيا عن القيم والموازين الأخلاقية قد بلغ حدا مروعا مفزعا.
ويقول عن حاجة الحضارة الغربية أن تتعلم من الإسلام:«إن الثقافة الإسلامية جاهدت للحفاظ على الرؤية الصحيحة المتكاملة للعالم، وعلى نحو افتقدناه نحن خلال الأجيال السابقة في الغرب، وهناك الكثير مما يمكن لنا أن نتعلمه من رؤية العالم الإسلامي في هذا المضمار، وهناك طرق شتى لبناء صرح الفهم والتقدير المتبادل، ولعلنا نستطيع على سبيل المثال، أن نبدأ بزيادة عدد المعلمين المسلمين في المدارس البريطانية، إننا نحتاج إلى أن يعلمنا معلمون مسلمون، كيف نتعلم بقلوبنا كما نتعلم بعقولنا، إن اقتراب بداية الألفية الثالثة قد يكون الحافز المثالي الذي يحفزنا إلى استكشاف هذه الصلات وتنشيطها، وأمل ألا تفوت الفرصة السانحة التي تتيح لنا اكتشاف الجانب الروحي في رؤيتنا لوجودنا كله». «إن رسالة الإسلام مهمة للغرب فهي أكثر تكاملا وتوحيدا للعالم.(19)

الخطاب الإسلامي الواجب اليوم:
كما رأينا ينبغي التعامل مع الغرب من منظور شمولي لا يقتصر على الوجود خارج الدائرة الإسلامية، بل بالدخول إلى مدارات الحوار الحضاري الذي يقوم على النقد البناء من أجل الوصول إلى الغاية المتوخاة، وبذلك يتعدى الخطاب الإسلامي اليوم من تصحيح الصورة إلى نشر الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية على المستوى العالمي، بتقديم الإسلام كما هو، وكما نزل، وكما ينبغي أن يمارس، ويجسد على أرض الواقع، لا كما هو ممارس في كثير من المجتمعات والدول، وهو ما يمكننا من محو الصورة المغلوطة التي رسمها العلمانيون والحاقدون سواء في الغرب، أو لأبناء أمتنا أنفسهم، إن ذلك سيساهم لا محالة في تقليص درجات الالتباس المتراكمة في علاقات الإسلام بالغرب، وذلك عن طريق فحص ومراجعة ونقد الأحكام المسبقة السائدة بين الثقافتين، كما يروم هذا الخطاب الصريح، تفكيك إرث التجافي المشـترك الذي بلورته ظروف تاريخية ينبغي تجاوزها، والتغلب على مخلفاتها، خدمة لطموح الإنسانية في التعاون المشترك المطلوب، القائم على احترام التنوع والاختلاف بين الحضارات، خاصة في هذا الوقت الذي أصبح العالم في حاجة ماسة إلى بديل يحقق له الطمأنينة والاستقرار، يؤكد ذلك ظاهرة انتشار الإسلام في الغرب، وازدياد الإقبال عليه بشكل ملحوظ. مما ساعد على بداية تفهم روح الإسلام، والتعرف على سمو مقاصده وأهدافه، كما ظهر على السنة كثير من الزعماء، والسياسيين، والمفكرين، وفي صدارتهم الأمير «تشارلز» ولي عهد المملكة المتحدة، و»جراهان فولر» المسؤول السابق بوكالة المخابرات الأمريكية في كتابه «الشعور بالحصار» قائلا: «إننا لا نؤمن بأن العلاقات بين الإسلام والغرب بصفة عامة، ستكون مسرحا للصراع الإيديولوجي القادم في العالم، رغم التنافس التاريخي بينهما كأكبر عقيدتين في العالم. فالإسلام كدين اليوم ليس في وضع تصادمي مع المسيحية أو مع الغرب بأي شكل من الأشكال».(20)
وبعد، قليل أثرت أن أشارك بهذا الموضوع الحي، في ذكرى ميلاد صاحب الجلالة الحسن الثاني التي تصادف السنة الثامنة والسنين من حياته المديدة، سائلا الباري تعالى أن يحفظه لوطنه وأمته، وأن يمتعه بموفور الصحة والعافية، ويطيل عمره، ويتوجه على الدوام بأكاليل الظفر والنصر والتأييد، إنه سميع مجيب.
 

 1) سورة البقرة الآية 120.
2) 1 994 - 8 -21
Hertoge founda(3)
The scots Man/ FED 27/1995.(4) انظر عدد «نيويورك تايمز» الصادر  بتاريخ 1992/22.5
5) للتوسع في الموضوع: انظر كتاب «الإسلام بين لاشرق والغرب» للرئيس علي عزت بيجوفيتش - مؤسسة بافاريا - يناير 1993.
6)  سورة آل عمران الآية:
 7) سورة النحل، 
8) سورة البقرة، 111
 9) سورة البقرة.، الآية: 143
10) سورة فصلت، الآية: 34
11) انظر جريدة الشرق الأوسط - العدد 5963 ص 17 بتاريخ 1995/3/1712
12) انظر مجلة الرائد- ألمانيا- العدد 132 ص 36 يناير 1991.
.13) قام صمويل هنتينغتون بنشر مقاله الشهير (صراع الحضارات) في صيف عام 1993 بمجلة شؤون خارجية والحديث عن التهديد الإسلامي للغرب.
14) حديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي وأبو داود في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها - السند 256/6 مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي 176/115
15) مجلة العالم - لندن- العدد 309 ص 20 - يناير 1996.
16) «تغطية الإسلام «إدوارد سعيد» ترجمة سميرة نعيم - بيروت 1983 - ص10
 17) انظر مجلة الرائد (أألمانيا) العدد 132 - يناير 1991 - ص 36.
18) جريدة عكاظ السعودية - العدد 11216 السنة 39 - 1997/3/2 ص 6.
19) انظر نص المحاضرة في جريدة «الشرق الأوسط» العدد 6596 - ص 9 بتاريخ 1996/12/
20) جريدة الراية - عدد 239  - 13مارس نقلا عن كتاب الشعور بالحصار،

 

المصدر: مجلة دعوة الحق المغربية العدد 329 ربيع 1 1418/ يوليوز 1997

المصدر: http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/8209

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك