التربية على ثقافة التسامح تعزز حالة احترام الاختلاف بين الشعوب

مالك المولوي: التربية على ثقافة التسامح تعزز حالة احترام الاختلاف بين الشعوب

 

حوار: حسين زين الدين

 

أكد رئيس الهيئة الشبابية الإسلامية-المسيحية للحوار الإعلامي مالك مولوي على أن التربية على ثقافة التسامح تجعلك تحترم الاختلافات بين الشعوب والقبائل والأديان بل جميع الكائنات البشرية على وجه الأرض.

مشددا على ضرورة إدراج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية وتعميم القيم والمبادئ الإنسانية التي نادت بها جميع الأديان السماوية، وفتح مجال أوسع بين ثقافات العالم للالتقاء والتعارف فيما بينها. مطالبا في ذات السياق القنوات الإعلامية الحد من لغة التحريض.

ورأى في حواره مع مركز آفاق للدراسات والبحوث أن السلم الوطني والسلم العالمي لا يمكن قيامه إلا مع تحقيق العدالة للجميع، واستعمال ميزان واحد تتساوى فيه الحقوق بين الجميع. موضحا إلى أنه لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة.

نص الحوار :

تسعون من خلال نشاطاتكم ومنابركم الثقافية والفكرية الى إرساء ثقافة التسامح بين شعوب العالم. هل هذا سهل المنال؟ وما هي المعوقات التي تحد من نشر لغة التسامح بين الشعوب؟

إن ثقافة التسامح أصبحت هذه الأيام بضاعة نادرة لقلة ظهورها في سوق العلاقات لكون هذه العلاقات تقوم على المصالح المادية البحتة. لو أجلنا الطرف على حقيقة الدين لوجدنا أن صفة التسامح جوهرية وأساسية في جميع الملل بل هي نبراس كل شيء اتصف بها الانبياء وأصحاب القيم العالية حتى أصبحت في نظرهم منهجاً يصبو إليه كل مؤمن حقيقي وهي من أجل ما شجعنا عليه ديننا الحنيف فقد جاء في الحديث الشريف أن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني وهذا لا يعبر عن ضعف شخصية أبدا وإنما يُنبي عن شخصية مثالية وقوة دينية وصدر واسع وترفع عن الذات وخصال راقية في الخلق لحسن التعامل فيما بين البشر الذين كرمهم الله سبحانه وتعالى ودعا إلى التساوي فيما بينهم حتى نزل تكريمهم في كتاب الله بقوله: ولقد كرمنا بني آدم.

أما اليوم وفي عالمنا المكتظ بالمصالح الشخصية الضيقة لا سيما المصالح السياسية والحزبية و الطائفية نجد صعوبة في نشر لغة التسامح بين أبناء الوطن الواحد فكيف بين شعوب العالم.لذلك فنحن من الداعين الى تضافر كل الجهود من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية وأهل الاختصاص وكل إنسان مندفع ومناضل في سبيل تحقيق هذه الأهداف النبيلة والتي تعنى بها كل الأديان السماوية.

التربية على ثقافة التسامح

هل بمقدور التربية على ثقافة التسامح واحترام الآخر أن تسهم في تعزيز الوعي بأهمية احترام الاختلافات بين البشر؟

لا شك أنه كلما نضج الوعي كلما تقبل المرء تغاير الآراء حوله مما خالف رأيه ووجهة نظره وكلما عظمت قيمته كلما أجاد في حسن التنازل لرأي غيره وقبول الحوار فيه واستيعاب مفاهيم الآخرين فكرة وقولا مما يفتح بابا ربما لدعم رأيه الذي يراه سديداً وبابا آخر لتصحيح مفاهيم الآخرين بالحكمة والروية والمنطق السليم فالتربية على ثقافة التسامح تجعلك تحترم الاختلافات بين الشعوب والقبائل والأديان بل جميع الكائنات البشرية على وجه الأرض.

ليس من السهل أبدا "نشر الفكر التسامحي وثقافة التسامح بين مختلف شعوب العالم.إنها مسيرة نضال وكفاح وصبر ولكن علينا دائما " التركيز على النقاط التي تجمع وتجنب النقاط الخلافية التي من شأنها أن تزيد من التباعد مع التركيز على عدم التمطيط والحشو وتدوير الزوايا في أي مسألة قط.

تعميم القيم والمبادئ الإنسانية

هناك من يتهم المناهج الدراسية في عالمنا العربي بنشر ثقافة التطرف والتحريض ضد الآخر؟ ما رأيكم في ذلك؟

اننا نؤكد على ضرورة إدراج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية وتعميم القيم والمبادئ الإنسانية التي نادت بها جميع الأديان السماوية وفتح مجال أوسع بين ثقافات العالم للالتقاء والتعرف عن كثب على بعضهم البعض.

صحيح أن هناك بعض المناهج الدراسية في عالمنا العربي تقوم بنشر ثقافة التطرف والتحريض أضف الى ذلك بعض المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ونحن حذرنا من ذلك من قبل واستنكرنا وشجبنا وأرسلنا رسائل عديدة الى تلك الجهات التي تقوم بالتحريض الطائفي والمذهبي؛ لان ذلك سيؤدي الى كوارث وحروب والمستفيد الوحيد هو العدو الإسرائيلي.

الحد من لغة التحريض

البعض يرى أن مراقبة المنابر الإعلامية والدينية والثقافية يعد أنتهاكا" لحق التعبير، فيما يطالب البعض بمراقبتها لمنع التحريض وثقافة التعصب والكراهية ضد الآخر، كيف توازون بين هذه التناقضات؟

 "تنتهي حريتك عندما تتعدى على حرية الآخرين"، والمراقبة الإعلامية سيف ذو حدين، ونحن نقول: عندما يكون الخبر يهدد السلم الأهلي والعيش المشترك نحن لسنا مع حذفه، ولكن ضد المبالغة فيه لكي لا تؤجج القلوب وتثير النعرات التي نحن بغنى عنها. علينا الحد من لغة التحريض وعلى جميع الوسائل الإعلامية التعاون في ذلك.نحن نحيي قناة ال ام تي في على موقفها التاريخي من ناحية عدم المبالغة ببث أخبار مسيئة ومجحفة بحق لبنان الثقافة و الحضارة.أصبح العالم كل العالم لا يرى لبنان إلا من خلال قطع الطرق وإشعال الإطارات.

كما أننا نستنكر ونستهجن ما تقوم به بعض القنوات الفضائية الدينية من إثارة النعرات عبر سرد حكايات تاريخية مر عليها الزمن تحت حجة احذر عدوك.وكنا قد ارسلنا عدة رسائل لتلك القنوات بالتوقف عن إثارة المواضيع الخلافية و لكن دون جدوى.

إن رسالة الأديان هي في الأساس رسالة التسامح والمحبة والسلام ونبذ كل مظاهر الكراهية والتعصب بين أصحابها. كيف نؤسس لمضامين هذه الرسالة على الواقع؟

إن صفة التسامح تمحو الحقد والبغض والكراهية وتعلو بالفرد إلى المثاليات النادرة وما أصدق من قال: من يحمل الحقد لا تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب كما أن الدين لا يأنس أبدا للتعصب والغلطة فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: إني أكره أن أرى في دينكم غلظة. فعلينا أن نعمل على صعيد الفرد في إرساء دعائم الأخلاق لأن الدين هو حسن الخلق كما جاء في الحديث الشريف.

والقرآن الكريم يقول:"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". وعلينا أيضا إزالة معوقات البعد عن صفة التسامح بإبراز أضواء هذه الصفة وانعكاسها الايجابي على البشر جميعاً سلوكا وعملا ونجاحا ووفاقا بين بني الأرض وسعادة لهم وحرية في الذات وقربا من الخلق مما يبعث بالالفة التي تربطهم بمبادرات طيبة بعيدا عن التنافر والتعصب الأعمى لدرجة البخل على بعضنا حتى بالسلام.

وجاء بالحديث الشريف:"افش السلام على من عرفت ومن لم تعرف"، وقال أيضا:"وخالق الناس بخلق حسن". ولم يقل وخالق المؤمنين.

وهذا سيدنا علي رضي الله عنه يقول:"عاشروا الناس معاشرة من إذا فارقتموهم حنوا إليكم وإذا متم بكوا عليكم"، والمؤمن الواعي هو الذي يصلح ما فسد ولا ينقص ما بناه الآخرون ويتجرد عن ذاته حين الحديث عن المصلحة العامة ويتنازل عن كرسي الزعيم إلى الأخ المصلح ويبتعد عن الآفات التي تعيق نشر لغة التسامح فيقترب من عناصر المجتمع المثقفة المستعدة للحواء والتقارب الفكري الذي تبنى عليه أسس التفاهم والتحاور الايجابي الناجح الموصل إلى نقلة نوعية يحلم بها كل مخلص لقضيته؛ لأننا لا نكافىء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه. إذ إن مقابلة الاساءة بالإحسان تفضي إلى العفو التسامح ونشر المحبة والوفاق والتقرب من الله ومن البشر في آن واحد.

المؤسسات المدنية ودورها في تعزيز القيم الأنسانية

ماذا عن رؤيتكم حول المبادرات الدولية في تعزيز قيم التسامح والوسطية؟ وماذا عن مؤسسات المجتمع المدني والأهلية في ذلك؟

إن المبادرات الدولية هي كثيرة في هذا المجال في أوروبا وآسيا وأفريقيا وكل المنطقة العربية ولكنها ليست أصحاب قرار. هي مشكورة على جهودها ونحن نشاركهم في معظم اللقاءات ونشد على أيديهم في التكثيف من هذه اللقاءات التي تجمع ولا تفرق ولا شك بأنها مفيدة في تعزيز القيم الإنسانية من تسامح وترفع.كما أن لمؤسسات المجتمع المدني دور أساسي في هذا المجال وكنا قد بادرنا ودعونا في لبنان الى إقامة جبهة شبابية تجمع كل من هو مؤمن بهذه القضية ولا زلنا نتابع هذا الموضوع على أمل أن تتضافر الجهود و نصل الى تأسيس قوى شبابية واحدة على الساحة اللبنانية كلها.

نحو بناء مجتمع إنساني

ماهي التوصيات التي تسعون لترسيخها في المجتمعات الإنسانية؟

إن الهيئة الشبابية الإسلامية المسيحية للحوار في لبنان تدعو الى الالتزام بأربعة توصيات أساسية من أجل قيام مجتمع إنساني يحترم الإنسان لشخصه بغض النظر عن طائفته ولونه وجنسه وعرقه. والتوصيات نوجزها على الشكل التالي:

أولا: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه وهو بالنسبة للمسلمين والمسيحيين وكل الأديان السماوية مسألة أساسية ومبدئية، تشمل كلّ أنواع الاختلاف. لقد أتاح الله تعالى للإنسان حريّة الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه للمؤمنين.

ثانيا: الأخلاق وهي التي تحكم أسلوب التعامل مع الآخرين. إنها في نظر الإسلام والمسيحية قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج ولا بأيّ اعتبار آخر. الأخلاق ليست فقط أسلوب تعامل المسلم أو المسيحي مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أو قومه أو دينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً خاصّة المخالفين منهم.

ثالثا: العدالة وهي التي تحدّد الحقوق والواجبات تجاه الغير. إنها أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق. الكتاب هو مصدر العدالة. والميزان هو وسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات. إنّه لا يمكن أن يقوم عيش مشترك في نطاق دولة معينة أو منطقة محددة، أو حتى في نطاق العالم إلا بإقرار العدالة للجميع. والسلم الوطني والسلم العالمي لا يمكن قيامه إلامع تحقيق العدالة للجميع، واستعمال ميزان واحد تتساوى فيه الحقوق بين الجميع.

رابعا: التعاون لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين.

 

الإعلامي مالك المولوي، كاتب متخصص في الصحف اللبنانية عن الحوار بين الأديان و الحضارات، وهو خريج من الجامعة الأمريكية للعلوم و التكنولوجيا دراسات عليا في إدارة الأعمال، رئيس الهيئة الشبابية الإسلامية المسيحية للحوار في لبنان، وعضو مؤسسة القدس الدولية في لجنة حوار الحضارات، وعضو اللجنة التحكمية في تقييم البرامج الفرنسية في الشبكة الفرنسية العالمية 2010، كان مشرفا على وحدة البرامج الوثائقية ما بين 2007 -2012 لشبكة الجزيرة الفضائية، ساهم ورعى العديد من الأنشطة الثقافية والتطوعية والاجتماعية، كما شارك في العديد من اللقاءات والحوارات الإذاعية والتلفزيونية، وكان له حضور في العديد من المؤتمرات والمهرجانات المحلية والدولية.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=7117

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك