التسامح مفتاح السعادة

د. بسام درويش

 

كثيرة هي المفارقات في حياتنا اليومية، إذ يعتقد العديد من الأشخاص أن المادة هي التي توفر لنا السعادة، وتكمن المشكلة في أنه كلما حصل مثل هؤلاء الأشخاص على المادة شعروا بحاجتهم للمزيد، بسبب المغريات العديدة التي تلقي بظلالها على تفكير العديد ممن حولنا.

ينظر بعض الأشخاص ـ وهم كثر ـ إلى من حولهم، فيجدون أن شخصاً ما يمتلك أكثر مما يمتلكون، فتشتعل نار الحسد، والشكوى، والإحساس بالذنب، وغير ذلك من المشاعر السلبية التي لا تولد إلا الحقد والمزيد من الكراهية.

وجراء ذلك يدخل الشخص في حلقة مفرغة من الاضطرابات النفسية التي لا يمكن إخفاؤها، فتبدو جلية واضحة على السطح. وفي السلوك اليومي، وبسبب هذه الاضطرابات يعاني مثل هؤلاء الأشخاص من الصداع، والآلام واضطرابات النوم، والقلق، والخوف، والوهن العام.

إضافة إلى ذلك يعاني مثل هؤلاء الأشخاص من عدم القدرة على التواصل مع الآخرين، فتضطرب علاقاتهم الاجتماعية على صعيد العائلة، والعمل أيضاً، وتكثر الانتقادات للآخرين، وإذا ما أخطأ أي شخص ـ مهما كان الخطأ بسيطاً ـ ينجم عن ذلك مشكلة كبيرة.

ووفقاً لما يشير إليه علماء الصحة النفسية فإن مثل هؤلاء الأشخاص لا يعرفون معنى للتسامح في حياتهم، رغم أن التسامح يحرر الشخص من المتاعب ويخمد نيران المعارك في داخله، ويشعره بقيمة الحب الذي يبدد الأوهام. والتسامح كما هو معروف يمنح الإنسان الشعور بالراحة والرضا والسعادة الحقيقية النابعة من القيم الأخلاقية، وليس من المادة.

إضافة إلى ذلك فالتسامح ينهي المعاناة الناجمة عن إصدار الأحكام تجاه الآخرين وانتقاداتهم غير المبررة. وهو يبعد نيران الكراهية والرغبة بالانتقام، ويحطم المشاعر السلبية على صخرة الواقع، ويستأصل جذورها من الداخل حيث تعشعش مثل هذه المشاعر في نفس الشخص الذي لم يجرب كيف يكون متسامحاً.

ولأن للتسامح قيمة عظيمة نقول ينبغي علينا جميعاً أن نتحلى به فهو ينسينا الماضي الأليم بكافة تفاصيله، ويجعلنا ننظر للمستقبل من خلال منظار جديد اسمه «التسامح»، الذي يساعدنا على التخلي عن الرغبة بالانتقام، وهو بذلك يغير نظرتنا للحياة، ويفتح أعيننا على مزايا الأشخاص المحيطين بنا، بدلاً من التركيز والبحث عن سلبياتهم من أجل انتقادهم، أو إطلاق الأحكام.

وتجدر الإشارة إلى أن التسامح لا يعني انه مصدر ضعف، بل هو مصدر قوة، لأنه يحررنا من القيود التي وضعناها لأنفسنا، ويخلصنا من المشاعر السلبية، والأفكار المتناقضة.وهو بذلك يحقق لنا الاطمئنان وراحة البال.

ولنتذكر جيداً بأننا حينما نسامح شخصاً ما، لا يعني ذلك أننا نوافقه الرأي أو أننا نتغاضى عن سلوكه، وأن الهدف من التسامح هو الشعور بالسلام الداخلي مع النفس، وليس معاقبة الشخص المخطئ. التسامح قيمة نبيلة ينبغي علينا التحلي بها في عالم مليء بالمتناقضات والصراعات المعلنة وغير المعلنة.

إنها دعوة للتحلي بالتسامح الذي يقينا من الاضطرابات الجسدية والنفسية، ويجعلنا ننظر إلى الجانب المضيء من القمر، فهو يزيل آثار الماضي مهما كانت مزعجة. ويرسم صورة مشرقة للحياة، ويبدد الخوف والقلق، ويزرع بذور الحب والدفء في علاقاتنا الاجتماعية.

المصدر: http://www.albayan.ae/paths/1155820870993-2006-08-26-1.947893

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك