أزمة عقل.. أم أزمة فكر؟!

أزمة عقل.. أم أزمة فكر؟!

 

يوسف الكويليت

 

عجائبنا كثيرة، وغريبة فنحن المنظرين للفكر الحر والديموقراطي في كل المدارس العالمية، نعقد الندوات عن مسار الانتخابات بالدول المتقدمة، وكيف وصل إلى رئاسة الوزارة في بريطانيا أو غيرها شخص لم يحقق النسب العليا القياسية، بل الطبيعية، ونتعجب كيف أسقطت صحيفة أمريكية الرئيس نيكسون وهو أكبر شخصية مثقفة بين الرؤساء الأمريكيين، وما هي المعجزة التي جعلت الهند ذات الأعراق والأديان المتنافرة، واللغات الداخلية أكبر ديموقراطية في التاريخ الحديث؟.

اشتراكيون قرأنا ماركس وانجلز، وفهمنا كيف غيّر لينين مسار الثورة البلشفية عن الفكر الماركسي، ولماذا ألّف كتابه خطوتان إلى الأمام، وخطوة إلى الوراء، ومع ذلك انتهى ذلك التيار بأفكاره وأيدلوجيته، وأكثر مَنء خسر من المنظرين المؤدلجون العرب..

في التنازع المذهبي، والطائفي، نجد الوسطيين خارج التأثير لأنهم وقعوا بين متطرف ديني وآخر ليبرالي، ولم نستطع حسم الموقف بين مَنء هو الواقعي والسوداوي المتنافر مع الآخر، ولا نزال نصنّف ونعطي الأحكام وفي حالة تشابك دائم مع الفكر الخارجي، لكننا لم نحسم مواقفنا لنعرف البوصلة التي تهدينا إلى الطريق، حتى أن زعيم القبيلة، والملا والشيخ يتفوق ولاؤهم على الوطن والدولة بكل اشتراطاتها ومشروعية وجودها..

الموضوع يسوقنا إلى التساؤل الحاضر الغائب عن فشل الديموقراطيات الناشئة في الوطن العربي في وقت نجد مشرِّعين وقانونيين وفلاسفة في الفقه السياسي والنظم العالمية بعضهم موجود في صلب الدولة، والآخر خارجها، وناقد لها، وهذه الأزمة وليدة تراكم أحداث حيث نشأت تلك النظم في عهد الدول الأجنبية، وحرَّمها بعض القضاة، وانقض عليها العسكر، ومع البدايات الحديثة أخذت منحى الطائفة والقبيلة، والإقليم والمنطقة، فصار تأهيل الإنسان أن يتعايش بوطن بخرائط متعددة، وبوحدة واحدة موضوعاً لم يتفق عليه المثقفون والمفكرون، وناهضه بعض أو كل أنصاف المؤهلين ذهنياً وإدراكاً لقيمة الوطن وشمولية رعايته لكل الأعراق والتبانيات..

الوطن العربي معلق بين صدامين مُطالب بحكم مدني يعطي الحقوق لكل الأطراف، ورعب من حكم ديكتاتوري خياره إرهاب الدولة مقابل تأمين سلامة الوطن، لكن ما هو أكثر إيلاماً أن الذين اختلفوا مع الديموقراطيات هم مَنء كان ينظِّر لها ويطالب بها، وعندما حدث الانقلاب عليها كانوا دعاة وحماة الدكتاتورية، وهذا الازدواج بالسلوك والفكر أنشأ عندنا أمراضاً اجتماعية عبَّرت عن سخطها بالإبادة الجماعية وفي جعل الإنسان قرباناً للنظام أياً كان، طائفياً دينياً، أو يسارياً، أو ليبرالياً يريد محو الأفكار والنظم وحتى الأشخاص في تركيبة لا تقل سوءاً عن أي متطرف آخر..

أزمة العربي أخلاقية وتربوية، حين لا يراعي مبادئ القيم الإنسانية، ولا يريد التعلم من أبجديات العالم الذي تعايش بسلام، فكسب الحياة ورسّخ أركان التطور..

المصدر: http://www.alriyadh.com/2007/05/28/article252781.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك