الكذب المبين في الحوار المنسوب إلى إبليس اللعين

 

الكذب المبين في الحوار المنسوب إلى إبليس اللعين

 

هاني الشيخ جمعة سهل (*)

بسم الله الرحمن الرحيم
 

منهج مقيت ، ومسلك رديء ، وأسلوب قبيح ، درج على استعماله من لا خلاق له من أنصاف المتعلمين ، وأشباه الواعظين من القصاصين ، إن لم يكن من أعداء الدين والمندسين بين المسلمين ، وهو تلفيق المواعظ المكذوبة ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن آخرها ما انتشر هذه الأيام عبر الأوراق المطبوعة والشبكة العنكبوتية ، بل وحتى أجهزة الجوال من الحوار المزعوم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبليس اللعين .
ليست أولى كذبات القوم .. ولا أخالها تكون الأخيرة ، فلا زالت وصية أحمد خادم الحجرة النبوية تتردد في أذهاننا ، فقد سمعناها مذ كنا صغاراً ، ولا زلنا نذكر تهديد صاحب الكذبة أن من لم ينشرها ستصيبه مصيبة في ماله أو أبنائه ، وأن فلاناً مزقها فخسر كل أمواله ، وفلاناً لم يعبأ بها فمات ابنه ، إلى آخر هذا الهراء الذي لا يقبله منطق ولا يصدقه عاقل .
وكذا قصة الفتاة المريضة التي تبلغ من العمر 13 عاماً والتي مرضت مرضاً شديداً عجز الأطباء عن علاجه ، حتى رأت في منامها السيدة زينب ، في قصة لا يصدقها عاقل ، فضلاً عن مسلم يؤمن بالله تعالى .
وقد استمعت مؤخراً إلى هذا الحوار المزعوم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وإبليس اللعين ، فألفيته كسوابقه مليئاً بالترهات والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، قام مؤلفه بالتدليس على المسلمين فأورد فيه بعضاً مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلطه بكذبه المفضوح ، حتى يرى العامي في الحديث بعضاً مما نشأ على العلم به فينسب الجميع إلى الصحة .
و لما كان الكذب في هذا الحوار قد يخفى على بعض المسلمين آثرت أن أشير إلى ذلك إشارات سريعة ، وذلك عبر النقاط التالية :
- اتسم أسلوب الحوار بركاكة شديدة لا تليق بفصاحة وبيان أفصح العرب محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم .
- لم يسند الحديث إلى أحد كتب السنة ، فلم يسند إلى الصحاح أو المسانيد أو السنن ، فما مصدره ؟
- في الحوار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عن إبليس : (أتأذن لي يا رسول الله أن أقتله؟) وهل يعقل أن يطلب عمر هذا ، وهو مناقض لسنن الله الكونية ؟
- جاء في وصف إبليس أنه : (شيخ أعور كوسج وفي لحيته سبع شعرات كشعر الفرس الكبير ، وأنيابه خارجة كأنياب الخنزير وشفتاه كشفتي الثور ) وكفى بهذا الكذب المفضوح دليلاً على اختلاق الحوار ، فلم يرد وصف إبليس في القرآن ولم يثبت في وصفه حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- نسب الكاذب إلى الله تعالى أنه حذر إبليس من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سأله ، فقال الله لإبليس : (وتصدقه في أي شيء يسألك فوعزتي وجلالي لئن كذبته بكذبة واحدة ولم تصدقه لأجعلنك رماداً تذروه الرياح ولأشمتن الأعداء بك) قلت : فعلى هذا يكون أمام إبليس خياران لا ثالث لهما ، الأول أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، والنتيجة : أن يجعله الله تعالى رماداً تذروه الرياح ويشمت به الأعداء ، والثاني: أن يصدقه ، والنتيجة : أن يبقى الأمر كما هو بأن يدخل يوم القيامة نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ، ويحرق فيها أبد الآبدين ، فأيهما سيختار ؟!
- ومن الكذب المفضوح ما جاء على لسان الشيطان أنه إذا قامت الأمة إلى الصلاة تلحقه الحمى والرعدة ، وأنهم إذا صاموا يكون مقيداً حتى يفطروا ، وأنه إذا حجوا يكون مجنوناً ، وإذا قرؤوا القرآن يذوب كما يذوب الرصاص .
- ومنه ما جاء في ذم حب المال مطلقاً ، من القول المنسوب إلى إبليس: (أما علمت يا محمد أن من أحب الدرهم والدينار ليس بمخلص لله) وقوله أيضاً : (أما علمت أن حب المال من أكبر الكبائر يا محمد) وهذه مخالفة صريحة للفطرة السليمة ولنصوص الكتاب والسنة ، حيث أن حب المال مفطور في النفوس لا يلام عليه أحد ، وليس بذنب أصلا ، فضلاً عن أن يكون من أكبر الكبائر ! وإنما الذم في حب المال إذا ألهى عن الآخرة أو كان سبباً في إنفاقه في المحرمات .
- ومنه ما نسب إلى إبليس من قوله : (أما علمت أن لي سبعين ألف ولد ، ولكل ولد منهم سبعون ألف شيطان فمنهم من قد وكلته بالعلماء ومنهم قد وكلته بالشباب ومنهم من وكلته بالمشايخ ومنهم من وكلته بالعجائز) ولا يعلم في الشريعة الإسلامية تخصيص شياطين للعلماء وشياطين للعجائز وشياطين للشباب ، ولا أن عدد أبنائه سبعون ألفاً .
- ومن أوضح مواضع الكذب في هذا الحوار ما نسب إلى إبليس من ذم (الحلف بالطلاق) مع أنه لم يكن موجوداً في عهد الصحابة أصلاً !
- ومن ذلك ما نسب إلى إبليس في قوله : (ومن حلف بالطلاق يوشك أن يأثم ولو كان مرة واحدة فإنه من عود لسانه بالطلاق حرمت عليه زوجته ، ثم لا يزالون يتناسلون إلي يوم القيامة فيكونون كلهم أولاد زنا فيدخلون النار من أجل كلمة) قلت : هذا مناقض للشريعة في حكم من حلف بالطلاق ، وأما الحكم على نسله بأنهم يدخلون النار لأنهم أولاد زنا ، فهو مناقض لقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وحتى الأحاديث التي رويت في هذا المعنى من أنه (لا يدخل الجنة ولد زنا) ، وأنه (شر الثلاثة) ، فهي شديدة الضعف ، لكن وجهها العلماء – على افتراض صحتها- بأن ذلك إذا عمل ولد الزنا بعمل أبويه
- تشير ركاكة الألفاظ في أسلوب الأسئلة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى اختلاقها ، فمن ذلك سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لإبليس الأسئلة التالية: (من صديقك؟ من ضجيعك؟ فما يكسر ظهرك؟ فما يذيب جسمك؟ فما ينضج كبدك؟ فما يخزي وجهك؟ فما يطمس عينيك؟ فما يقمع رأسك؟)
- ومنها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لإبليس : (فأين تستظل أولادك في وقت الحرور والسموم؟) فهل يعقل أن الشيطان الذي خلق من النار لا يستحمل حرارة الشمس؟ ولا سمومها ؟
ومنها قول الشيطان : (وإن لي ولداً سميته كحيلاً ، وهو الذي يكحل عيون الناس في مجلس العلماء ، وعند خطبة الخطيب ، حتى ينام عند سماع كلام العلماء فلا يكتب له ثواب أبداً) كيف لا يُكتب له ثواب أبداً ، وقد حضر مجلس العِلم أو الخُطبة ؟وهل يستوي من حضر فغلبته عينه مع من لم يحضر أصلا ؟!
- ومن أبشع وأسوأ ما جاء في هذا الحديث المكذوب قوله: (ثم قال النبي يا أبا مرة هل لك أن تتوب وترجع إلى الله تعالى وأنا أضمن لك الجنة؟)
كيف يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من إبليس التوبة ويضمن له الجنة أيضاً مع أن الله تعالى أنظره إلى يوم البعث وأقسم بعزته أنه سيملأ جهنم منه ومن أتباعه؟ وكيف يستقيم ذلك مع نهي الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للمشركين من بعد ما تبين أنهم من أصحاب الجحيم؟ فكيف برأس الكفر إبليس؟
ختاماً : حَكَم العلماء على هذا الحوار المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجوز تصديقه ولا إرساله ولا نقله إلا على سبيل الرد عليه ، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين وأن يجمعنا بسيد المرسلين في جنات النعيم ، اللهم آمين .

__________________________
(*) المشرف العام على مجموعة مواقع رواد التميز
www.rowadaltamayoz.com
 

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك