سورية وثقافة السلام والمحبة

سورية وثقافة السلام والمحبة

كثيراً ما كنّا نسمع من الولايات المتحدة وأوروبا أهمية نشر ثقافة السلام والمحبة، والبدء بإجراءات بناء الثقة، وبمفاوضات تارة مباشرة وأخرى غير مباشرة، أو عن قرب، تجنباً للحرب والاقتتال، وبغية الوصول إلى السلام، تشجيعاً لإسرائيل التي لم تلق إدانة واحدة على ما تمارسه من حروب واعتداءات، وقتل، وتدمير بحق الشعب الفلسطيني ودول الجوار.

وكثيراً ما كان الطرف الأورو- أميركي ومازال، يشجع إسرائيل على عدوانها، ويمدها بكل أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي، ويجافي الحق والعدالة والاتزان والمنطق، فيصبح الباطل حقاً والحقّ باطلاً، والمقاوم إرهابياً، والقاتل مدافعاً عن النفس.. ومع ذلك كان ذلك الطرف يدغدغ مشاعرنا ويسوِّق نظريته بضرورة نشر ثقافة السلام والمحبة كذباً ونفاقاً.

واليوم قبلت سورية خطة عنان ببنودها الستة، والتزمت بها، واتخذت الإجراءات الكفيلة بتنفيذها، لكن أعداء السلام والمحبة لم يخفوا تصميمهم على إفشالها، فتصريحاتهم خير دليل على ما أقول. هم قالوا إنهم غير متفائلين، وإن نسبة نجاحها 3%، بل دعوا إلى زيادة تسليح ما أسموه "المعارضة السورية" و"الجيش السوري الحر"، وزيادة الأموال لهم، وابتكار أساليب الغش والخداع والتضليل والتحريض على الكراهية، وآخرها مجزرة الحولة المدانة والفتنة بين أبناء الشعب العربي السوري، وصولاً إلى نشر الفوضى.

تُرى من يزود المجموعات المسلحة والإرهابية بالمال والسلاح، ويوفر لها المأوى والتدريب ويتستر عليها، بل أكثر من ذلك يدفعها إلى المزيد من الأعمال الإرهابية، والتفجيرات والعبوات الناسفة، والاختطاف، ويرفض الحوار وينسى أو يتناسى أنه هو الذي سوّق الدعوات إلى الحوار والمفاوضات والحل السلمي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، هل يريد نجاح خطة عنان؟ ومن يعتدي على أعضاء بعثة مراقبي الأمم المتحدة، ويفرض العقوبات بكافة أنواعها على الشعب السوري، هل هو حريص على نجاح الخطة وعلى الإنسانية والإنسان؟ أليس عليهم أن يساعدوا في عودة المهجّرين على يد المجموعات المسلحة والإرهابية إلى بيوتهم ليعيشوا فيها في أمن وسلام واستقرار؟، هم من ما انفكوا يقولون إن خطة عنان هي آخر فرصة وعلى المجتمع الدولي، أي الأمم المتحدة، أن تعود لتتخذ قراراً آخر، وهم بشروا بالفصل السابع منذ زمن بعيد، وعادوا ليلوّحوا به من جديد. إذن هؤلاء لا يريدون بالأساس نجاح خطة عنان التي دعت إلى إيجاد تسوية سلمية للأزمة في سورية، ومن خلال الحوار، وبقيادة سورية، والحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سورية، وفق ميثاق الأمم المتحدة. إنهم يريدون شيئاً آخر والتفسير لديكم.

فبدلاً من التأكيد بالقول والفعل على ثقافة السلام والمحبة، يعملون على نشر الفوضى والكراهية، وكلما أثبت هذا الشعب تمسّكه بالمحبة والسلام، كلما دفعوا أفواجاً من المسلحين والإرهابيين، وإرسال السلاح بأعداد كبيرة، وأنواع عالية التقانة والدقة، ومن البر والبحر، ولن يرتاح لهم بال حتى يسقطوها من السماء، كما فعلوا في ليبيا.

والشعب السوري، وشعوب العالم الحر يقولون لهم: سورية ليست ليبيا أو مصر أو تونس، إنها سورية المحبة والسلام، والوئام والانسجام، سورية الإصلاح والصدق، سورية التاريخ والحضارة، سورية مركز دائرة إن اهتزت ركائزها اهتزت المنطقة برمتها.

أعود إلى الشعب السوري العريق، إلى ثقافة السلام والمحبة لدى كل فرد من أبناء هذا الشعب الذي يشهد له التاريخ محبته للإنسان في كل مكان وزمان، فإلى سورية كان يأوي الهاربون من البطش والقتل من كل حدب وصوب، ومازالت الشواهد على ذلك واضحة وضوح الشمس، نسمع فيها لهجات إخواننا في العراق ولبنان وفلسطين، وأصدقائنا من أرمينيا وتركيا ونتقاسم معهم لقمة العيش، اندمجوا في المجتمع السوري وتشبّعوا من ثقافته التي لا تعرف إلا المحبة والسلام وتنبذ الكراهية والبغض والفتنة. وهؤلاء جميعاً جزء من النسيج السوري الوطني.

إن وقف العنف مسؤولية الجميع، التزمت سورية بما يخصّها، وسحبت الآليات الثقيلة، وأطلقت سراح العديد من الموقوفين، وفتحت أبوابها للإعلاميين, وتعاونت مع بعثة المراقبين، وسهّلت لهم حركتهم، وهذا كله بشهادة جميع المختصين والمعنيين، ولكن ماذا عن المجموعات المسلحة والإرهابية، والأطراف الأخرى التي تدعمها وتموّلها وتسلحها فهل التزمت؟ هذا سؤال يبقى مطروحاً على السيد عنان.

دعونا نعمل بصبر وضبط للنفس، حتى نفوّت الفرصة على من يريد إفشال خطة عنان، ولن نفسح المجال للقتلة أن يقتلوا الأبرياء، وسنبقى نسير على طريق الإصلاح لنحصّن أمننا واستقلالنا وسيادتنا، وسنبقى متمسكين بالحوار، والحل السلمي لأنه طريق الإنسان الراقي الملتزم بالإنسانية والإنسان والحضارة.

إننا لمحزونون، وقلوبنا تدمى حزناً على الشهداء الأبرياء، هكذا تعلّمنا، وهكذا تربيتنا في ربوع وطن لا يعرف الكراهية، ويتمسك بالمحبة والسلام، وهكذا سنبقى.

وحتى تعرفوا من نحن، أروي للقارئ العزيز حقيقة سمعتها، وهي أن ابناً صغيراً كان مع والده في حقل، فشاهدا طفلاً آخر وبيده عصفور صغير مربوط بخيط، وفي منقار العصفور ريشة، فتقدم منه الأب وقال له: هل تبيع العصفور وكم ثمنه؟ فقال الطفل عشر ليرات – علماً أن الثمن لا يتجاوز ليرة واحدة - فقال له الرجل انزع الريشة والخيط وأطلق سراح الطير، وخذ عشر الليرات، ففعل الطفل وطار العصفور الصغير، فسأل الطفل أباه لماذا؟ فقال الأب، حتى يطعم أولاده.

وقصة أخرى سمعتها، وهي أن رجلاً نذر نذراً لله بتقديم ضحية كبش، فذهب إلى البائع، واختار كبشاً، لكن الكبش كان يهرب منه، فتوقف الرجل وقال للبائع لا يريد أن يموت، ولا أريد أن أراه يذبح، خذ ثمنه واذبحه لي ووزعه على الفقراء، ففعل البائع ذلك، فسأل البائع لماذا؟ فقال لا أستطيع أن أرى مخلوقاً يُذبح رغم أن الله حلّل ذبح الخراف.

هذه هي ثقافة الإنسان السوري، كلها رحمة وإنسانية، ثقافة تدعو وتعمل من أجل رفاهية الإنسان لا تدميره.

م.أ 

المصدر: http://www.alazmenah.com/?page=show_det&category_id=9&id=38527&lang=ar

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك