حوار بني آدم
حوار بني آدم
عبد الرحمن بن زيد ـ رحمه الله تعالى ـ قال:
بينما رجل مع قوم هم في مركب في البحر إذ انكسر بهم مركبهم، فتعلق بخشبة فطرحته إلى جزيرة من الجزائر، فخرج يمشي، فإذا هو بقدم مثل قدم رجل فيها ذراع، وإذا برجل جالس في مسجد كأنه فرغ منه ففزعت منه، واستبقت بالسلام، فرد علي، فلما رد علي السلام سكنت فقال:
ممن الرجل؟
قلت: من أهل الإسلام.
قال: من أي الأمم؟
قلت: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: صلّى الله على محمد.
قال: أنت من الذين يرمقون الشمس، فإذا غربت قاموا فصلوا لله تعالى؟
قلت: نعم.
قال: طوبى لكم، ليتني كنت منكم.
ثم قال: أنت من الذين يرمقون الشمس قبل أن تطلع، فبادروها، فصلوا لله عز وجل؟
قلت: نعم.
قال: طوبى لكم، ليتني منكم.
قلت: من أنت يرحمك الله؟
قال: أنا من بقية قوم موسى، أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
كنت أنا وأخ لي نتعبد لله عز وجل في هذه الجزيرة، فدفنته أول من أمس رحمة الله عليه، هل لك يا أخي أن تتفرغ لله في بقية نفسك وعمرك؟
قلت: نعم.
قال: فأقمت معه، فإذا أنا بماء، فاتبعته فدخل في شعب، ودخلت فيه، فإذا أنا برجل في رجليه سلسلة منوط فيها بينه وبين الماء شبر.
فقال: اسقني رحمك الله، فأخذت ملء كفي فرفعته، فرفع بالسلسلة، فذهب الماء، فلما ذهب الماء حط الرجل، ففعلت ذلك ثلاثاً، أو أربعاً، فلما رأيت ذلك منه.
قلت: ما لك ويحك؟.
قال: هو ابن آدم الذي قتل أخاه، والله ما قتلت نفسي ظلماً مذ قتلت أخي إلا يعذبني الله بها، لأني أنا أول من سن القتل.
قال: فجئت صاحبي ، فذكرت ذلك له فقال: صدقت.
فقال: فمكثت معه ساعة تعرض لي أهلي وولدي.
وسألت العينان فقال: ما لك؟.
ذكرت أهلك وولدك؟.
قلت: نعم.
قال: أتحب أن نبلغك إياهم؟
قلت: وددت.
فقال: نعم إن شاء الله تعالى.
قال: فجعلت السحاب تمر به فيناديها فتجيبه، فيقول: أين أمرت؟
فتقول: مكان كذا وكذا، حتى مرت سحابة فقال:
يا سحابة، أين أمرت؟.
قالت: بالبصرة، وكان الرجل من أهل البصرة.
فقال: خذي هذا حتى تبلغيه أهله.
قال: فالتفت بي في أحسن فرش، فما دريت بشيء حتى وضعتني في سطح أهلي بالبصرة».
المصدر: العظمة لأبي الشيخ رقم (937).