الجدال والحوار
الجدال والحوار
د/ علي الحمادي
"أثناء الحرب الأهلية الأمريكية ألقى الرئيس إبراهـام لنكـولن Abraha Lincol خطاباً أشار فيه بشيء من التعاطف للثوار في الجنوب، ولكن موقفه هذا أثار سيدة مسنة من المتعصبين للوحدة، فهاجمته لحديثه المتعاطف مع العدو، في الوقت الذي كان عليه أن يفكر في تدميرهم، فرد عليها لنكولن بهدوء قائلاً: يا سيدتي! ألا تعتقدين أني أدمر أعدائي عندما أحولهم إلى أصدقاء ؟
الحوار والجدال لفظان يتفقان في أمور، ويختلفان في أمور أخرى. وفي العموم، فإن أحد هذين اللفظين أكثر أدباً ورُقياً من الآخر، كما أنه أسرع وصولاً إلى قلوب الآخرين، فضلاً عن أنه ينم عن رغبة حقيقية للوصول إلى الحق والانتصار له، وليس الانتصار للذات وإبراز العضلات وإفحام الطرف الآخر.
فما هو الحوار ؟ وما هو الجدال ؟ وهل هناك فرق بينهما أم أنهما وجهان لعملة واحدة ؟
الحوار ( لغة ):
* الحوار: حديث يجري بين شخصيـن أو أكثر.
* حاوره مُحاورة وحِواراً : أي جاوبه وجادله.
* حـاوروا: أي تراجعـوا الكـلام بيـنهـم.
الجدال (لغة):
* جادله مجادلة وجدالاً: أي ناقشه وخاصـمه.
* تجادلا في الأمـر: أي تخاصما فـيـه.
* جَدِلَ جَدَلاً: أي اشتدت خصومته.
الحوار ( اصطلاحاً ):
* الحوار هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر، لتوصيل معلومة أو الإقناع بفكرة، يغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة.
الجدال ( اصطلاحاً ):
الجدال هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر، لإفحام الطرف الثاني أو إقناعه بفكرة معينة، تغلب عليه الخصومة والتربص والتعصب للرأي.
والمجادلة في علم المناظرة: هي المناظرة لا لإظهار الصواب وإنما لإلزام الخصم.
* الحوار في القرآن ..
القرآن الكريم يدعو إلى الحوار الذي من مستلزماته الاعتراف بالطرف الآخر وبحقه في الوجود وبحقه في التعبير عن رأيه وبحقه في الاختلاف معك .
ويكفي أن تعلم أن مادة - ق و ل - تتكرر في القرآن 1722 مرة، وعلى سبيل المثال:
نجد "قال" 529 مرة.
و "يقولون" 92 مرة.
و "قل" 332 مرة.
و "قولوا" 13 مرة.
و "قيل" 49 مرة.
و "القول" 52 مرة .
و "قولهم" 12 مرة .
ولم ترد كلمة الحوار ومشتقاتها في القرآن الكريم إلا في ثلاثة مواضع، موضعان في سورة الكهف ، وموضع واحد في سورة المجادلة .
الموضع الأول في قوله تعالى (في قصة أصحاب الجنة):{وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً}.(الكهف، الآية:34).
والموضع الثاني في قوله تعالى:(أيضاً في قصة أصحاب الجنة):{قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً}. (الكهف، الآية : 37).
أما الموضع الأخير فهو في قوله تعالى:( في قصة خولة بنت ثعلبة مع زوجها) :{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.(المجادلة، الآية : 1).
وقد روى الإمام البخاري أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تشتكى زوجها وتقول: أكل شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبرتْ سني وانقطع ولدي، ظاهر مني ( أي قال لي: أنتِ عليَّ كظهر أمي) اللهم إني أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتى نزل جبريل بهذه الآيات“.
وأما عموم الحوارات التي وردت في كتاب الله فهي كثيرة جداً، وإليك، على سبيل المثال لا الحصر، بعضاً منها:
يقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام والعبد الصالح (الخضر):{ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلِّمني مما عُلِّمتَ رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً . قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكراً}.( الكهف، الآيات : 66-70).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار مع عيسى عليه السلام:{وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنتَ قلتَ للناس اتخذوني وأمِّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنتُ قلتُه فقد علمتَه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاَّم الغيوب}. ( المائدة، الآية : 116).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:{فلماَّ بلغ معه السعي قال يا بنيَّ إني أرى في المنام أنِّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.( الصافات، الآية: 102).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين رسل عيسى عليه السلام وبين أصحاب قرية (أنطاكية):{واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذْ جاءها المرسلون.إذْ أرسلنا إليهم اثنينِ فكذَّبوهما فعزَّزْنا بثالثٍ فقالوا إنا إليكم مرسلون. قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون. قالوا ربُّنا يعلم إنَّا إليكم لمرسلون. وما علينا إلا البلاغُ المبين. قالوا إنَّا تطيَّرنا بكم لَئِنْ لم تنتهوا لنرجمنَّكم وليمسَّنَّكم مِنَّا عذاب أليم. قالوا طائركم معكم أئِنْ ذُكِّرتُم بلْ أنتم قومٌ مسرفون}.( يس، الآيات: 13-19 ).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي حدث بين حبيب النجار الذي آمن برسالة عيسى عليه السلام وبين وقومه الذين كذبوا بهؤلاء الرسل: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا مَنْ لا يسألكم أجراً وهم مهتدون. وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون. أأتخذ مِنْ دونه آلهة إِنْ يردْنِ الرحمن بضُرٍّ لا تُغني عنِّي شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون. إنِّي إذاً لفي ضلال مبين. إني آمنت بربِّكم فاسمعون. قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربِّي وجعلني من المكرمين}.(يس، الآيات: 20-27).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين العاص بن وائل عندما جاء العاص وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، أترى يُحيي الله هذا بعدما بَلِيَ وَرَمَّ؟ فقال تعالى :{أولم ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال مَنْ يُحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه تُوقدون. أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}.(يس، الآيات: 77-83) .
الجدال في القرآن..
أما كلمة الجدال ومشتقاتها فقد وردت في تسعة وعشرين موضعاً من كتاب الله تعالى، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
يقول الله تعالى:{وجادَلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب}.( غافر، الآية : 5)
ويقول الله تعالى:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً}.( النساء، الآية : 107) .
يختانون أنفسهم: أي يخونونها بارتكاب المعاصي.
ويقول الله تعالى: { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سمَّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزَّل الله بها من سلطان فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين}.(الأعراف، الآية : 71)
ويقول الله تعالى:{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد}.(غافر، الآية : 4)
ويقول الله تعالى:{إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}(غافر، الآية: 56) .
ويقول الله تعالى:{ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزلنا إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}( العنكبوت، الآية 46) .
ويقول الله تعالى:{ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يُصرفون}. (غافر، الآية 69) .
ويقول الله تعالى:{ويعلم الذين يجادلون في آيات الله ما لهم من محيص} (الشورى، الآية 35) .
الفرق بين الحوار والجدال ..
أولاً: يغلب على الحوار الهدوء والرغبة في الوصول إلى الحق، في حين يغلب على الجدال الخصومة والرغبة في إفحام الخصم.
ثانياً: كل جدال حوار، وليس كل حوار جدالاً، فالحوار أوسع وأعم.
ثالثاً: لم يمدح الله تعالى الجدال، وإنما أمرنا به مقيداً بالحسنى.
يقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}.(العنكبوت، الآية : 46) .
ويقول الله تعالى:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. (النحل، الآية : 125) .
رابعاً: قد يتحول الحوار إلى جدال مذموم وذلك إذا رافقه تعصب في الرأي وخصومة وشدة ومنازعة.
خامساً: قد ترد (أحياناً) كلمة جدال في موطن الحوار .
*يقول الله تعالى:{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.(المجادلة، الآية : 1) .
* ويقول الله تعالى:{فلما ذهب عن إبراهيم الرَّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.( هود، الآيتان : 74-75) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نافذة مصر
د/ علي الحمادي
"أثناء الحرب الأهلية الأمريكية ألقى الرئيس إبراهـام لنكـولن Abraha Lincol خطاباً أشار فيه بشيء من التعاطف للثوار في الجنوب، ولكن موقفه هذا أثار سيدة مسنة من المتعصبين للوحدة، فهاجمته لحديثه المتعاطف مع العدو، في الوقت الذي كان عليه أن يفكر في تدميرهم، فرد عليها لنكولن بهدوء قائلاً: يا سيدتي! ألا تعتقدين أني أدمر أعدائي عندما أحولهم إلى أصدقاء ؟
الحوار والجدال لفظان يتفقان في أمور، ويختلفان في أمور أخرى. وفي العموم، فإن أحد هذين اللفظين أكثر أدباً ورُقياً من الآخر، كما أنه أسرع وصولاً إلى قلوب الآخرين، فضلاً عن أنه ينم عن رغبة حقيقية للوصول إلى الحق والانتصار له، وليس الانتصار للذات وإبراز العضلات وإفحام الطرف الآخر.
فما هو الحوار ؟ وما هو الجدال ؟ وهل هناك فرق بينهما أم أنهما وجهان لعملة واحدة ؟
الحوار ( لغة ):
* الحوار: حديث يجري بين شخصيـن أو أكثر.
* حاوره مُحاورة وحِواراً : أي جاوبه وجادله.
* حـاوروا: أي تراجعـوا الكـلام بيـنهـم.
الجدال (لغة):
* جادله مجادلة وجدالاً: أي ناقشه وخاصـمه.
* تجادلا في الأمـر: أي تخاصما فـيـه.
* جَدِلَ جَدَلاً: أي اشتدت خصومته.
الحوار ( اصطلاحاً ):
* الحوار هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر، لتوصيل معلومة أو الإقناع بفكرة، يغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة.
الجدال ( اصطلاحاً ):
الجدال هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر، لإفحام الطرف الثاني أو إقناعه بفكرة معينة، تغلب عليه الخصومة والتربص والتعصب للرأي.
والمجادلة في علم المناظرة: هي المناظرة لا لإظهار الصواب وإنما لإلزام الخصم.
* الحوار في القرآن ..
القرآن الكريم يدعو إلى الحوار الذي من مستلزماته الاعتراف بالطرف الآخر وبحقه في الوجود وبحقه في التعبير عن رأيه وبحقه في الاختلاف معك .
ويكفي أن تعلم أن مادة - ق و ل - تتكرر في القرآن 1722 مرة، وعلى سبيل المثال:
نجد "قال" 529 مرة.
و "يقولون" 92 مرة.
و "قل" 332 مرة.
و "قولوا" 13 مرة.
و "قيل" 49 مرة.
و "القول" 52 مرة .
و "قولهم" 12 مرة .
ولم ترد كلمة الحوار ومشتقاتها في القرآن الكريم إلا في ثلاثة مواضع، موضعان في سورة الكهف ، وموضع واحد في سورة المجادلة .
الموضع الأول في قوله تعالى (في قصة أصحاب الجنة):{وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً}.(الكهف، الآية:34).
والموضع الثاني في قوله تعالى:(أيضاً في قصة أصحاب الجنة):{قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً}. (الكهف، الآية : 37).
أما الموضع الأخير فهو في قوله تعالى:( في قصة خولة بنت ثعلبة مع زوجها) :{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.(المجادلة، الآية : 1).
وقد روى الإمام البخاري أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تشتكى زوجها وتقول: أكل شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبرتْ سني وانقطع ولدي، ظاهر مني ( أي قال لي: أنتِ عليَّ كظهر أمي) اللهم إني أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتى نزل جبريل بهذه الآيات“.
وأما عموم الحوارات التي وردت في كتاب الله فهي كثيرة جداً، وإليك، على سبيل المثال لا الحصر، بعضاً منها:
يقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام والعبد الصالح (الخضر):{ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلِّمني مما عُلِّمتَ رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً . قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكراً}.( الكهف، الآيات : 66-70).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار مع عيسى عليه السلام:{وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنتَ قلتَ للناس اتخذوني وأمِّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنتُ قلتُه فقد علمتَه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاَّم الغيوب}. ( المائدة، الآية : 116).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:{فلماَّ بلغ معه السعي قال يا بنيَّ إني أرى في المنام أنِّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.( الصافات، الآية: 102).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين رسل عيسى عليه السلام وبين أصحاب قرية (أنطاكية):{واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذْ جاءها المرسلون.إذْ أرسلنا إليهم اثنينِ فكذَّبوهما فعزَّزْنا بثالثٍ فقالوا إنا إليكم مرسلون. قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون. قالوا ربُّنا يعلم إنَّا إليكم لمرسلون. وما علينا إلا البلاغُ المبين. قالوا إنَّا تطيَّرنا بكم لَئِنْ لم تنتهوا لنرجمنَّكم وليمسَّنَّكم مِنَّا عذاب أليم. قالوا طائركم معكم أئِنْ ذُكِّرتُم بلْ أنتم قومٌ مسرفون}.( يس، الآيات: 13-19 ).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي حدث بين حبيب النجار الذي آمن برسالة عيسى عليه السلام وبين وقومه الذين كذبوا بهؤلاء الرسل: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا مَنْ لا يسألكم أجراً وهم مهتدون. وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون. أأتخذ مِنْ دونه آلهة إِنْ يردْنِ الرحمن بضُرٍّ لا تُغني عنِّي شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون. إنِّي إذاً لفي ضلال مبين. إني آمنت بربِّكم فاسمعون. قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربِّي وجعلني من المكرمين}.(يس، الآيات: 20-27).
ويقول الله تعالى في الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين العاص بن وائل عندما جاء العاص وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، أترى يُحيي الله هذا بعدما بَلِيَ وَرَمَّ؟ فقال تعالى :{أولم ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال مَنْ يُحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه تُوقدون. أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}.(يس، الآيات: 77-83) .
الجدال في القرآن..
أما كلمة الجدال ومشتقاتها فقد وردت في تسعة وعشرين موضعاً من كتاب الله تعالى، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
يقول الله تعالى:{وجادَلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب}.( غافر، الآية : 5)
ويقول الله تعالى:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً}.( النساء، الآية : 107) .
يختانون أنفسهم: أي يخونونها بارتكاب المعاصي.
ويقول الله تعالى: { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سمَّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزَّل الله بها من سلطان فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين}.(الأعراف، الآية : 71)
ويقول الله تعالى:{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد}.(غافر، الآية : 4)
ويقول الله تعالى:{إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}(غافر، الآية: 56) .
ويقول الله تعالى:{ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزلنا إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}( العنكبوت، الآية 46) .
ويقول الله تعالى:{ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يُصرفون}. (غافر، الآية 69) .
ويقول الله تعالى:{ويعلم الذين يجادلون في آيات الله ما لهم من محيص} (الشورى، الآية 35) .
الفرق بين الحوار والجدال ..
أولاً: يغلب على الحوار الهدوء والرغبة في الوصول إلى الحق، في حين يغلب على الجدال الخصومة والرغبة في إفحام الخصم.
ثانياً: كل جدال حوار، وليس كل حوار جدالاً، فالحوار أوسع وأعم.
ثالثاً: لم يمدح الله تعالى الجدال، وإنما أمرنا به مقيداً بالحسنى.
يقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}.(العنكبوت، الآية : 46) .
ويقول الله تعالى:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. (النحل، الآية : 125) .
رابعاً: قد يتحول الحوار إلى جدال مذموم وذلك إذا رافقه تعصب في الرأي وخصومة وشدة ومنازعة.
خامساً: قد ترد (أحياناً) كلمة جدال في موطن الحوار .
*يقول الله تعالى:{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.(المجادلة، الآية : 1) .
* ويقول الله تعالى:{فلما ذهب عن إبراهيم الرَّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.( هود، الآيتان : 74-75) .
المصدر: http://www.yanabeea.net/details.aspx?pageid=3068&lasttype=26