إطلالة على فكرة التقارب بين المذاهب

إطلالة على فكرة التقارب بين المذاهب

فيصل العوامي

 

في تقرير لمحمد دكير أحد أعضاء هيئة التحرير لمجلة الكلمة، خاص بندوة عقدت في المغرب حول "استراتيجية التقريب بين المذاهب الاسلامية "، في العدد 33 الصادر في خريف 2001م، جاء في مقدمته: "لذلك فالعلاقة المذهبية على المستوى العلمي والواقعي لم تعرف تغيراً في المواقف أو تطوراً في البحث العلمي إلا في حدود ضيقة. طبعاً يتحدث البعض عن عوائق ذاتية وموضوعية تحول دون تحقيق التقارب المطلوب بين المذاهب الإسلامية الفقهية والكلامية، ويرى آخرون بأن جهود التقريب لن تؤتي ثمارها بين عشية وضحاها، بل يتطلب الأمر عشرات السنين كي تثمر هذه الجهود وتتحول إلى واقع".

 

من الطبيعي جداً أن أصدّر هذه المناقشة بسؤال مفاده: "لماذا لم نتوصل حتى الآن إلى نتيجة فعلية في هذا المشروع على المستوى الثقافي والاجتماعي، مع أن هذا المشروع له أنصاره ومؤيدوه، وله برامجه المتعددة..؟."

 

فهو سؤال مركزي يضعنا على المحك، ويبين لنا هل أن هذا المشروع مشروع حقيقي أم مجرد وهم وضرب من المثالية.

 

إذ كلما نودي بفكرة التقريب كلما طالعتنا الأيام بتناقضات حادة على مستوى المنتمين للمذاهب الإسلامية، فقبل طرح مثل هذا المشروع لم نكن نسمع كثيراً عن تناحرات دموية وتكفيرات حادة على مستوى العالم الإسلامي -نعم على المستوى السياسي حدث أكثر من ذلك، ولكنه بدافع الطمع والمصلحة لا بتبرير ديني صرف- كما نشهد ذلك اليوم في باكستان وقبل سنوات قلائل في أفغانستان، حيث تعمد بعض الأطراف وبدوافع دينية معينة لاستحلال دماء غيرها ممن لا يشاركها في نوع الانتماء الفكري والعقيدي.. وأما على مستوى التكفير فالساحة الإسلامية حبلى به..

 

 

لا شك أن ذلك يكشف خللاً ليس بالضرورة في خصوص المشروع التقريبي، وإنما في طبيعة الساحة المعنية بهذا المشروع، وفي المسار الطبيعي له، وهو ما قد لا يراعيه القائمون عليه.

 

ولذلك فإني أظن بأن المسار الطبيعي لهذا المشروع فيه نقص كبير، مع أنه سعي مشكور ويستحق المعنيون به إجلالاً وإكباراً باعتبار أنهم يعملون على القضاء على واحد من أهم معوقات النمو في مجتمعنا الإسلامي، وعامل خطير من عوامل التوتر الاجتماعي والثقافي، ولكن في نفس الوقت هناك الكثير مما ينبغي التأمل فيه، ومن أهم ذلك ما يرتبط بطبيعة المسار، إذ أن هذه الطبيعة ينبغي أن تكون مركزية وذات تأثير حقيقي في مناخها، وإلا فلن تعدو كل هذه النشاطات أن تكون صرخة في واد.

 

وأعتقد بأن ما يمكن ملاحظته على هذه الطبيعة فعلاً، أنها غير مركزية، إذ أنها لا تضم بين جوانبها الجهات المؤثرة، ويبدو أن الجهات المؤثرة الحقيقية والتي يمكن أن تنتقل بالمشروع إلى أفق أوسع اثنتان:

 

1-مراكز صناعة القرار الثقافي والاجتماعي في داخل المذاهب، وهم الجهات الدينية العليا، كالأزهر والحوزات وهيئة كبار العلماء وما أشبه، باعتبار أن الأثر الفعلي الذي يراد تحقيقه لا يمكن أن يكتب له الحياة والنمو ما لم يمر بهذه الجهات، ولو أن هذه الجهات ناءت بنفسها عن مشروع التقريب ورفضته فإن الاتفاقات لن تتجاوز الحبر على الورق.. فما الفائدة من دعوة إلى التقريب يأتي بعدها أكبر شخصية دينية في مصر في العام الماضي ويعتبر الشيعة مجرد اتجاه مغالي أسسه عبد الله بن سبأ وانقرض منذ أمد طويل.. وما أثر برنامج للتقريب يواجه من قبل اتجاه ديني آخر بتكفير كل الطوائف الإسلامية.. لا شك أن ذلك سيقضي على كل الجهود وسيجعل الاتفاقات مجرد حبر على ورق. ولهذا فنحن إذا أردنا أن ننطلق بالمشروع إلى رحاب واسعة وننجز من خلاله عملاً حقيقياً يؤتي ثماره على المستوى العام، فلا بد أن نفكر في كيفية تفعيل الجهات الأم التي تقف على رأس الهرم في السلطة الدينية.

 

2-الساحة الاجتماعية بما تحتضن من قوى مؤثرة.. وأقصد بذلك أننا لا يمكن أن نخطو خطوة واحد ما لم نغير من النفسية الاجتماعية الرافضة بشكل مطلق لمثل هذا التقريب، والتي قد تعتبره نوعاً من الخيانة والجهل والتنازل.. فالنتاج الفعلي الذي يشكل نجاحاً لمشروع التقريب إنما هو الأثر الاجتماعي، بأن تقتنع الساحة الاجتماعية به وتبدأ تتغير على أساسه، أما إذا كانت الساحة الاجتماعية تثقف بثقافات حدية صارخة من قبل الجهات العليا، فأي أثر سيكون لمشروع التقريب.

 

يظهر لي في هذه الإطلالة السريعة أن مركز النقص في مشروع التقريب بين المذاهب يكمن في هذين الأمرين، فمن دونهما لن يكتب نجاح حقيقي لتلك الجهود الكبيرة التي يبذلها عدة من المخلصين، أما لو نجحنا فيهما فإن مسيرة التقريب ستلقى تفاعلاً حقيقياً على المستوى العام، وسنرى على أرض الواقع نتائج جهودنا بأحسن ما يكون.

 

المصدر: موقع قطيفيات

الأكثر مشاركة في الفيس بوك