عن تحديات الإعلام العربي في مكان الآخر!

عن تحديات الإعلام العربي في مكان الآخر!

مرزوق الحلبي

مفتتح ـ هل للسؤال الذي يجسّده عنوان هذه الجلسة ما يبرره؟ سؤال شغلني منذ بدأت أفكّر بكتابة مداخلتي التي أشارك بها هنا. وأعترف أنني لم أجد له جوابا باتجاه دلالات العنوان بقدر ما وجدتها بالاتجاه المعاكس. فالتحديات الأكثر والأكبر التي صادفتها في عملية الحفر والتفكيك هي تلك التي تكمن للإعلام العربي المحلي في مساحة العلاقة بذاته أو بينه وبين مجتمعه.  أقول هذا في وقت لم تشهد فيه مؤسسة أو شركة إعلامية عربية أي نوع يُذكر من التضييق أو المسّ بحرية النشر أو التعبير طيلة العقد الأخير. بمعنى، أن العلاقة مع المؤسسة ـ أو اللا علاقة ـ في هذا المستوى على الأقل لم تنطوِ في السنوات الأخيرة على أي تحدٍ جدي. في مستوى آخر، فإن مركز الثقل في العملية الإعلامية انزاح تماما نحو المحور الاقتصادي على حساب ذاك المهني أو القيمي الراسخ في المهنة ورسالتها كما درستها الأكاديميات أو ادعاها أصحاب المؤسسات الإعلامية. وهكذا فإن تحولات في عمق المشهد الإعلامي نسفت إمكانية أن نتحدث عن تحديات أمام إعلام أتاحت له السلطات مدى كبير نسبيا ـ قياسا بسنوات سبقت ـ من الحريات وانحكم أكثر وأكثر للاعتبارات الاقتصادية بعيدا عن تلك القيمية المهنية. أما في المستوى الثالث، فأي إعلام هو المقصود! هل هم مالكو الشركات الإعلامية أم الصحفيون العاملون فيها أو خارجها؟ وليس خافيا أي هوة قد تكون مفتوحة بين الطرفين. أمر رابع يكمن في "اللغة" بوصفها دلالات تفيض عن حدود ألفاظها. فلماذا "تحديات" ولماذا أمام المؤسسة؟ كأن العنوان بهاتين اللفظتين يجعلنا في مواجهة باتجاه واحد وأن العمل الإعلامي هو تحديات. أليس في هذا "الكلام الكبير" تمويه لما هو في الواقع الذي ليس فيه مواجهة ولا تحديات! هذا ناهيك عن إن في اللفظتين ما يوجّه الإجابات أو الفكر الذي في أساسها نحو "الآخر" أو نحو المساحة بيننا وبينه وهي تلك المساحة التي تضيع فيها الفوارق بيننا كأفراد مؤسسات أو جهات فاعلة. مساحة يختار الجميع أن يتحرك فيها حتى يُعفي نفسه ونعفيه نحن من طائلة السؤال الذي قد يكون أخلاقيا أو مهنيا أو سواهما! كان يُمكن أن نكتفي بلفظة "مهمات" بدل "تحديات" وبلفظة "العلاقة" بدل المواجهة. ليس لأنه ليس بيننا كمجتمع وبين السلطة مواجهة بل لأن لا مواجهة تُذكر في السنوات الأخيرة بين السلطة وبين الإعلام العربي بسبب أداء هذا الإعلام وما طرأ عليه وحوله من تغيرات سنأتي على ذكرها.
مع هذا، طُلب إلينا كمتحدثين في هذه الجلسة أن نبقى في حدود ظلّ هذا العنوان. ومن قبيل اللياقة الأدبية أن نفعل. ومن قبيل الاستقامة المهنية أن نخلص لما نفكّر به فلا نحذفه كُرمى لعيني عنوان أو ظلّه.
______________
*مؤتمر الإعلاميين العرب ـ مركز إعلام ـ الناصرة 17/12/2011
نقطة الارتكاز ـ نشير بارتياح ما إلى حقيقة ازدياد المنابر الإعلامية باللغة العربية في مجتمعنا لا سيما إقامة راديو الشمس ـ بعد إعلاق راديو 2000 ـ وولادة القناة الخاصة العربية التي من المفروض أن تبدأ بثها التجريبي مع مطلع العام 2012، وولادة مواقع ألكترونية على مدّ النظر والشبكات. وقد رأينا ضمن هذه الطفرة الإعلامية صدور عشرات الصحف الورقية المحلية والمنطقية والقطرية توازيها وتتطابق مع خارطة انتشارها ظهور عشرات المواقع الألكترونية، وإن كانت غالبيتها محلية محصورة في بلدة أو منطقة أو موضوع محدد. في هذه الكُثرة العددية يكمن احتمال التعددية الفكرية، من ناحية الفرضية النظرية على الأقل. أو إن في الأمر صحة من قبيل احتمال تحول الكم إلى كيف في مرحلة ما. طفرة، تعكس بحركتها وتفاصيلها طفرة اقتصادية وتطور أنماط جديدة للاستهلاك الإعلامي في المجتمع العربي.
نفترض أن للأمر علاقة بما حصل على مستوى الدولة والعالم من حيث بروز "الإعلامي" في مساحة "الاجتماعي"، وتحول الإنسان أكثر وأكثر إلى "كيان إعلامي" ساعدت على تطوره
ميديا الصورة والشبكات الاجتماعية والتقنيات التفاعلية. ولأننا نتوقع المزيد من التحولات في أسس وجذور الطفرة المذكورة أعلاه نفترض أن صُور المشهد الإعلامي عندنا هنا ليست نهائية وأنها لن تتوقف عن التحول والتبدّل في المرحلة القادمة، أيضا.
عن التحديات في مكان آخر ـ الحديث عن تحديات قد يأتي من الوضع القانوني والعام للحريات الصحفية في الدولة ومن مدى تمتع الصحافة والصحفيين بحرية في أداء عملهم الصحفي. سوى بعض حالات من منع أو تقييد تنقل لصحفيين في الميدان لا نشهد انتهاكات فظة للحريات الصحفية العربية المحلية تحديدا من السلطة وأجهزتها (هناك قيود وموانع وإجراءات ضد الصحافة العربية الفلسطينية أو الأخرى أو الصحافة الأجنبية وهجوم الرأسمال والسلطة التنفيذية على الإعلام العبري ـ قناة 10 مثلا). ونقدّر أن في أساس هذا الوضع العوامل التالية:
• لأن مركز ثقل النشاط الصحفي في البلاد عموما انتقل من "السياسي" إلى "الاقتصادي". تأكّد ذلك في قانون أساس حرية الاشتغال ومزاولة المهنة الذي حدّ ـ كقانون أساس ـ من قدرة السلطة التنفيذية على المسّ بالنشاط الإعلامي بما فيه العربي المحلي، ولو من هذا الباب.
• لأن القضاء الإسرائيلي رسّخ بمنهجية ومثابرة مبدأ حرية التعبير بدءا من قرار العليا في قضية "كول هعام" في العام 1953 ووصولا إلى الآن على نحو تطوّر فيه هذا المبدأ كقانون أساس ضمني غير مكتوب. وقد استفاد الإعلام العربي المحلي من هذا الوضع.
• صارت السلطة أقوى بكثير مقابل المجتمع العربي الذي ضعف في المحصّلة العامة أمام الدولة والأكثرية اليهودية والسلطة بحيث لم يعد يضير السلطة الإعلام العربي الناطق بلسان هذا المجتمع خاصة وإنه لا يُمكن وصفه بالمهنية أو بالفاعلية والتأثير.
• لقد تطوّر الإعلام العربي المحلي عموما في السنوات الأخيرة ـ وإن وجد تفاوت في الأداء بين وسيلة وأخرى ـ كإعلام تسجيل مواقف وتكرار المكرور ومضغ اللغة ذاتها بلا وهج أو "سُمّية مهنية" أو "حفر" أو "استقصاء". وهي حالة لا تشكل تحديا للسلطات ولا تقلق راحتها، فلماذا تتدخل فيها؟
• تجدر الإشارة إلى أن الدولة انسحبت بشكل كبير من الحيز العام كنتيجة طبيعية لسيرورة الخصخصة وهو ما جعل الإعلام في مواجهة مع جهات غير السلطة ـ الأمر نفسه يُمكن أن يُقال عن المجتمع العربي نفسه ـ مثل شركات الهاتف الخليوي أو مصنع ملوث أو ما شابه ذلك من أنشطة ليس للدولة أو السلطة دور فيها سوى كونها متدخلة خارجية. بمعنى، أن تطورات النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي قللت من عدد ملفات المواجهة مع السلطة وبالتالي من شحنة التوتر بين الإعلام وبينها.
• بروز الاقتصادي كمحرك أساس للعملية الإعلامية أزاح القيم الصحفية من الصدارة وأجّلها بفعل تعليمات المالكين لصالح أسئلة الربح والخسارة. وهي أسئلة لا تنطوي على شحن أو سجال مع السلطات. وهكذا فإن جزءا كبيرا من المواد المنشورة في المنابر لا سيما في زوايا الأخبار والمقابلات ما هي إلا مواد إعلانية وعلاقات عامة أو مواد دعائية أرسلها المعنيّ الذي تطمع الوسيلة الإعلامية بإعلاناته وجيبه.
• انزياح الأداء الإعلامي العربي هنا، كجزء من انزياح عام، نحو الأداء الترفيهي أو "القصص الناجحة" أو "أمر مضحكاتك" أو الزوايا الخدماتية أو الإثارة قلل من إمكانيات حصول "صدام" مع السلطة.
• قد يُشكّل الإعلام العربي المحلي ـ من حيث يشاء أو لم يشأ ـ في أدائه خاصة في مجال كونه متنفسا للمواقف والانفعالات والكتابة الوجدانية التي تصل أحيانا حدّ الهلوسات أو التهريج أو المبالغات اللفظية، بالنسبة للسلطة نظاما نافذا في التنفيس والفضفضة ومنع حصول احتقان داخل المجتمع العربي المحلي أو شحن سالب فوق المحتمل. ومن هنا الحرص المؤسستي على عدم المسّ بهذا النظام.
• تطورت عند السلطة ودوائرها منذ أواسط التسعينيات قناعة مؤداها أن لا فائدة من تقييد حرية الإعلام العربي المحلي لأن المجتمع العربي هنا مكشوف وبكثافة على فضائيات عربية هي التي تبلور وعيه ومواقفه وليس الإعلام العربي المحلي على تنوع وسائله. بمعنى، أن التحدي الإعلامي أمام السلطة لم يعد في الإعلام العربي المحلي بل في "الجزيرة" أو سواها من وسائط إعلامية فاعلة ومؤثرة. والأمر ذاته يُقال عن كثافة المعلومات والصور الوافدة عبر الشبكات والمواقع على نحو بات من غير المجدي محاولة التوقف عند الإعلام العربي المحلي باعتباره نقطة في هذا السيل المعلوماتي المتدفق.
"تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة" ـ في مثل هذه الشروط التي ينشط الإعلام العربي وسطها ينتقل محور التحديات من العلاقة مع السلطة والدولة إلى العلاقة مع الذات. علاقة الإعلام العربي المحلي بمجتمعه وعلاقة الوظائف الإعلامية ببعضها وبالمجتمع. في هاتين المساحتين تكمن التحديات الآن كان الإعلام ناطقا بلسان أو نشاطا اقتصاديا صرفا. فأي علاقة نريد بين المؤسسة الإعلامية وبين الصحفي؟ وأين نُموْضع نقطة التوازن بين "الاقتصادي" و"القِيَمي" في هذه المرحلة من تفوق الاعتبارات الاقتصادية؟ وأي علاقة نريد بين الإعلام ومجتمعه في حقبة تغير فيها الإعلام وتحول فيها المجتمع؟ أسئلة، تتفرع منها أسئلة وتتشعب تبحث لها عندنا عن إجابات قد تختلف من إعلامي إلى آخر.
أحاول فيما يلي تسجيل أفكاري التي قد تشكل مجتمعة إجاباتي على هذه الأسئلة دون أن أدّعي أنها وافية شافية تسدّ باب الأسئلة الثلاثة الكبيرة وسيل الأسئلة التفصيلية المتفرعة عنها.
 أن يُصار إلى تغيير الخطاب الإعلامي ـ وهذه مهمة الصحفيين من مراسلين ومراسلات ومحررين ومحررات ـ السائد وله عدة سمات وخصائص تجعله قاصرا عن اللحاق بحركة الحياة وبالتالي عاجزا عن التأثير عليه. وللتخلص من هذه السمات أن يقوم بما يلي:
1 ـ الانتقال السريع من أفعال القلوب إلى أفعال العقول، من لغة التهييج والعزف على المشاعر والأوتار الأيديولوجية ومواضع الشحن المفترضة إلى لغة العقل والمسؤولية المهنية.
2 ـ الخروج لغويا وتمثيلات من "الضحوية" كعقلية ونفسية ومسلكيات وثقافة وأنساق تُنتج بكائيات وتفجّعا وتبريرا للعجز العام والعيني بوجود "الآخر" وسياساته إلى ما بعد الضحوية، إلى لغة الجماعة القادرة على الفعل والتأثير والتغيير والإمساك بقدرها.
3 ـ العزوف كليا عن "اللغة المزدوجة" و"المواقف المزدوجة" و"الشخصية المزدوجة" في الإعلام حصرا ـ وفي المجتمع، عموما ـ فلا يكون الإعلام العربي نقديا، وبحق، تجاه مظاهر القهر الخارجية الوافدة من السلطة بينما هو منافح ومدافع عن القهر الداخلي المتجسد بمسلكيات حزبية أو عقادئية أو "وطنية" قابضة على روح الجماعة.
4 ـ إن انعدام الاستقامة المهنية والنقدية المسؤولة جعل للإعلام العربي المحلي حضورا غير مُهاب ولا يُحمل على محمل الجد لا في المجتمع ولا في العلاقة مع السلطة. وتحول، مع اتساع رقعة الترفيه فيه، إلى عامل يكرّس الواقع ولا يُغيّره.
5 ـ يُمكننا أن نلتقط من الإعلام العربي على العموم ما يدّعي هذا الإعلام محاربته أو مناهضته. فهناك كم هائل من الكتابات الحاطّة من قدر المرأة ومكانتها مثلا، وكم لا يقلّ من العنصرية الدينية والقومية والجنسية، ومن الانغلاق والتزمّت والعصبيات على شيوعها بيننا. صحيح إن ما من وسيلة إعلامية تفعل ذلك صراحة لكن من السهل التقاط البث على هذه الموجات العكرة. فإذ بالإعلام عامل تكريس لقيم وأفكار تُنهك المجتمع من داخله وتقلص فرص نهوضه المعاق أصلا.
 أن يُعاد إنتاج "القِيَمي" في النشاط الإعلامي من خلال ممارسات مسؤولة للصحفيين أنفسهم قوامها المهنية كخيار ذاتي شخصي وعدم المراوحة في تلك المقولة الحاضرة أبدا في أروقة الصحف أو بين الصحفي ولوحة مفاتيحه: "اربط الحمار وين بدو صاحبه" أو "اللي كاسرها واللي جابرها واحد" أو "هيك جمهورنا بدو". مقولات كهذه تشكل أحيانا تصويرا لواقع يُشيعه المحرر أو المالك لكنه في الوقت ذاته يشكّل منظومة تبريرية مسبقة لأداء إعلامي بائس أو هابط.

 وجوب تحسين شروط عمل الإعلاميين وزيادة أجورهم وهي مهمة المالكين، ومالكي المؤسسات الإعلامية القطرية بوجه خاص الذين لا يستطيعون الادعاء بأن مؤسساتهم تحقق خسائر مالية أو تعاني صعوبات مالية. النتاجية ـ وفق النظريات المتعلقة بالعمل ـ هي انعكاس في هذه الحالات للأجور. سيُحسن الصحفيون العرب هنا صنعا إن تنظموا ودخلوا في تحدّ مع المالكين. أمر آخر مرتبط بهذا هو ضرورة توسيع حيز الحريات داخل المؤسسة الإعلامية وهو حيز تقلّص إلى حدود لا تتسع لأكثر من موضع قدم من خلال تفضيل "عاملين" صحفيين يتقيدون بأوامر المالك على حساب عاملين مهنيين.

 تحويل الكم الإعلامي القائم إلى كيفية إعلامية من خلال اعتماد الإعلام الأيديولوجي قناعات وفرضيات عمل منفتحة على الحياة والكف عن اعتماد تلك الاعتبارات الجهوية والشخصية المهينة لعقل القارئ أو للكاتب أو الصحفي. مؤسسات تنشئ خطاب الحريات والحقوق في وجه السلطة وبحق، لكهنا عاجزة عن تحمل شطحة أو جملة خارج النص العقائدي الدوغمائي غالبا، أو خائفة على "ثبات" أعضاء الحركة أو الحزب من فكرة متوهجة زيادة عن مقاسات اللجنة المركزية أو عن إيمان أمير الجماعة! مثل هذا النوع من الإعلام يُنتج سمعة سيئة للصحافة ويكشف هشاشتها تجاه الداخل والخارج.

 تحويل الكثرة العددية للمؤسسات والمنابر الإعلامية إلى تعددية نوعية للآراء وإلى سوق نشطة لها. نقول هذا وقد رأينا مواقع نسخا عن بعضها والصحف متشابهة في تصميمها وعناوينها ومضامينها ومقالاتها. طفرة في العدد وضيق مساحة للرأي والرأي الآخر والسجال والنقض. الإعلام الاقتصادي أيضا يحذو حذو الإعلام الحزبي. فهو غير مفتوح لكل الآراء والتوجهات ـ وهو ما خبرته بالمشاهدة والتجربة ـ بل يلجأ إلى المنع والحظر والمقاطعة كأسوأ إعلام حزبي. من ناحية ثانية، لا يُعطي هذا النوع من الإعلام أهمية لحرية الرأي ومبدأ الاختلاف والتعدد فلا يبذل جهودا في سبيل تطوير زوايا المقالات أو المبادرة إلى استقصاء المواضيع والآراء. وهكذا، فإن الطفرة الكمية لم تتحول إلى طفرة آراء واجتهادات وأفكار جديدة حتى الآن على الأقلّ.

 تطوير معايير وتقاليد وسياسات إعلامية مهنية تتصل بالنشر أو بالتحرير أو بالاستطيقا على مستوى المشهد ككل. فتتضح الأمور الهامة والخطيرة من الأمور الثانوية والتافهة. ويتضح الفارق بين المجزرة والجريمة وبين انتخابات للجنة أولياء أمور وبين انتخابات للبلدية، بين الكاتب وبين مَن يفكّ الحرف، بين الخبر وبين الشائعة وبين الواقع والخرافة. وقد صار إعلامنا المحلي مُنتجا بامتياز للخرافة والخُزعبلات مرة بدافع التقرب من الأديان ـ كلمة الله في جوف زرّ البندورة ـ ومرة بفضل الخيال الشرقي المجنّح وعقلية المؤامرة. المهنية هي ضرورة المرحلة وليتم كل نشر أو تستحدث كل زاوية لكن بمهنية ومسؤولية واحترام للقارئ او السامع أو المشاهد.
جملة ختامية ـ تغذّى الإعلام العربي المحلي ويتغذى من فكرتين وهما "الالتزام" كما عهدناه، ومن قانون الربح والخسارة. في ساحة الالتزام يمثّل الإعلام العربي دور الناطق باسم الجماعة العربية أو حامي حماها. ويبدو لي أننا تأخرنا كثيرا من الانتقال من هذا المفهوم الفج والضيّق للالتزام إلى رحاب الاستنارة التي تقوم على النقدية والتفكيك بكل اتجاه بما فيها اتجاه الذات الجمعية، أيضا. أما القانون الاقتصادي إياه فلم يولّد إعلاما مغايرا في نهجه وأدائه. ومن هنا فإن التحدي أمام الإعلام عامة بمالكيه وعامليه ومحرّكيه هو في الاقتراب أكثر من المركز المهني ـ القيَمي للمهنة.

لإشاراتي عناوين مختلفة قد تلتقط وقد لا تلتقط البثّ. أطلقها في هذا الفضاء الإعلامي محاولا أن أترك بصماتي على النص المغاير الذي يحاول هذا المؤتمر أن يسطّره. ولا أخفي اغتباطي بهذه الفرصة وأملي أن تتطور منها فرص أخرى تفتح فينا مواجع تضطرنا إلى البوح أو إلى الاجتهاد. ويكفي "إعلام" شرفا كمؤسسة مجتمع مدني أن تجرّب معنا ما تأخرنا على تجريبه، وأن تجمعنا هنا للتدارس واكتشاف لغة إعلامية مغايرة بنحو وصرف جديدين.

المصدر: http://www.dirasat-aclp.org/arabic/index.asp?i=746

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك