لـمــاذا يـكـرهــونــــه؟

لـمــاذا يـكـرهــونــــه؟
الأصول الفكرية لموقف الغرب من نبي الإسلام 

تأليف الدكتور
بــاســــم خـفــــاجــي
المركز العربي للدراسات الإنسانية

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}
[الفرقان: 31 ]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
[الأنعام : 112 ]

الفصل الأول: النبي في الفكر الغربي
"إن كان لهذه الأمة ولنبيها  عدو من المجرمين في زماننا هذا كما أخبرت الآية، فمن يمكن أن يكون هذا العدو غير الغرب؟!"

الفصل الأول
النبي في الفكر الغربي
شهدت الفترة الماضية ارتفاع نبرة المواجهة مرة أخرى بين العالم الإسلامي من ناحية، وبين أوروبا وأمريكا من ناحية أخرى فيما يتعلق بالهجوم على شخص النبي محمد . ورغم أن هذا الهجوم تكرر كثيراً خلال الأعوام الماضية، وبصور متعددة، إلا أنَّ العالم العربي والإسلامي لا يزال مصراً على التعامل مع كل حالة من تلك الحالات التي يهاجم فيها خير البشر، وكأنها حالة منعزلة وفردية، ويجب أن تعامل في هذا السياق. يغيب عن الكثير من أبناء الأمة أن الموقف الفكري الغربي من النبي - صلوات ربي وسلامه عليه - كان دائماً موقفاً عدائياً، وإن اختلفت صور التعبير عن هذا العداء.
إن مـن يهاجـمون النبي  لا يجهـلون مـن هو، بل يعرفونه حق المعرفة. ألم يخبرنا الحق - سبحانه وتعالى - أنهم يعرفونه كما يعرفون أولادهم؟ ألا نقرأ في القرآن {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}؟ [البقرة: 146]، وهي تدل بوضوح أن علماء وقادة أهل الكتاب يعرفون محمداً  وهي معرفة حقيقية ومستمرة كما تدل الآية الكريمة. أخبرنا - سبحانه وتعالى - كذلك أن هذه المعرفة جاءت من كتبهم وليس فقط من اطلاعهم على أحداث العالم أو اهتمامهم بالإسلام، فقد قال - تعالى - : {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157 ]. ولا شك أنهم يعرفون النبي وهم يهاجمونه.
فليس من المتوقع أن البابا مثلاً لا يعرف من هو محمداً. إننا نفترض أنه إِنْ كان البابا (بينديكيت) السادس عشر الذي هاجم نبي الإسلام مؤخراً في شهر سبتمبر من عام 2006م مطلعاً على الإنجيل، ومهتماً بالحوار بين الثقافات والأديان، ومعاصراً لزماننا ... وهو بلا شك كل ذلك، فهو يعرف محمداً  حق المعرفة، ولا يُعذر بجهل أو بخطأ، ومثله الكثير ممن تهجموا على نبينا طوال الأعوام الماضية.
هل حقاً يكرهون النبي؟
إن الهجوم على شخص النبي  لا يعني بالضرورة كراهيته. ولكننا في حالة الموقف الغربي من رسول الله نلاحظ أنَّ الكراهية هي سمْتُ الكثير من المواقف التي تصدر عن المفكرين ورجال الدين الغربيين؛ بل والسياسيين والإعلاميين أيضاً في الآونة الأخيرة. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8 ].
إن أدلة الكراهية في المواقف الغربية كثيرة. فهذا الكاتب الأمريكي (جورج بوش)، وهو جد الرئيس الأمريكي الحالي يقول في كتابه المعني (حياة محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين)، وهو - كما يقول ناشره -: كتاب يقرب من أن يكون وثيقة، ويمثل واحداً من أهم مصادر الكراهية الأمريكية للإسلام، التي يغذيها تيار أصولي قديم النشأة، يدعي أن العرب مجرد أعراق منحطة ومتوحشة، يستحقون الإبادة كما حدث للهنود الحمر. يقول المؤلف في الكتاب: ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزن (أي: المسلمين)، فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم( ). يرى هذا المؤلف الإسلامَ مجرد بلاء جاء به (الدعي) محمد، ساعد الرب على انتشاره، عقاباً للكنيسة التي مزقتها خلافات البابوات بهرطقاتهم التي بدأت في القرن الرابع الميلادي.
ومن الأساطير التي نشرت عن النبي محمد (في القرون الوسطى) تلك القائلة: إنه ساحر كبير، استطاع عن طريق السحر والخداع تحطيم الكنيسة في أفريقيا وفي الشرق، وأنه سمح بالدعارة والفسق، لكسب مزيد من الأتباع( ).
موقف الحضارات الأخرى:
اهتمت حضارات العالم بمعرفة أحوال المسلمين، وأخبار نبيهم، وفتوحاتهم، لما لهذه الأخبار من آثار على الواقع العالمي منذ انتشر الإسلام. واتخذت بعض هذه الحضارات مواقف متعاطفة مع الإسلام كما حدث مع نجاشي الحبشة، بينما اتخذت حضارات أخرى كالصين والهند مواقف محايدة في ذلك الوقت، وتبنّى الفرس والروم والبيزنطيون فكرة المواجهة مع العالم الإسلامي.
ورغم أن بعض الحضارات حاربت المسلمين، إلاّ أنّ معظم تلك الحضارات لم تحتفظ بتراث من الكراهية تجاه نبي الإسلام مثلما احتفظت به دويلات أوروبا وكنائسها. إن مـن الملفـت للنـظر أن العـداء المسـيحي للإسـلام وللنـبي  خـارج أوروبـا الغربية لم يتحول إلى كراهية تاريخية، يتم الاحتفاء بها وتأكيدها في المناسبات الدينية وعلى حوائط الكنائس والأديرة، كما حدث في أوروبا الغربية.
فلم تنتـشر في أديـرة الكـنائس الأورثوذوكسـية مـثلاً رسـوم تبث كراهـية الإسلام أو نبيه ، ولا نجد في التراث المكتوب لهذه المذاهب الكنسية هذا الكم الملحوظ من الكراهية للنبي الذي نجده فيما دُوِّن في أوروبا الغربية من كتابات.
ولم تهتم الحضارة الإسلامية طوال فترات ازدهارها أو حتى خلال فترات انحطاطها بكراهية أية رموز لأديان أو حضارات أخرى، ولا يوجد في التراث الإسلامي أية كتابات كراهية عن رموز الأديان الأخرى كما نجد في التراث الغربي المتوفر. بل إن الغريب أن التراث الغربي لا يوجد به أمثلة أخرى من الاحتفاء بكراهية أي شخص على مر القرون العشر الماضية بخلاف النبي الكريم .
إن ما حدث في الغرب على مدى الألف عام الماضية من الاحتفاء بكراهية خير خلق الله هو ظاهرة مرضية، لم يشارك الغربَ فيها أيُّ من الحضارات التي تواجدت خلال الفترة الزمنية نفسها، وهي ظاهرة تستحق التوقف عندها وتحليلها اجتماعياً وفكرياً للوقوف على أسبابها، ووضع السبل الكفيلة بالحد منها وعلاجها.
قصور في الفهم:
يلقي البعض اللوم على الأمة الإسلامية لتخاذلها وضعفها من ناحية، أو لتكرار حوادث العــنف التي تتـبناها بعض فصائل الأمة تجاه الغرب. يرى البعض أن ما يسمى بـ (الإرهاب الإسلامي) هو سبب هجوم الغرب على الإسلام وعلى نبي الإسلام.
نسأل هؤلاء: وهل كان الغرب يمدح النبي ، أو حتى يسكت عن إيذاء شخصه الكريم وإهانته، عندما كانت الأمة الإسلامية في حالة وفاق وسلام تام مع دول الغرب؟ إن الغرب لم يتـوقف عـن الهـجوم على رسول الإسلام طوال القرون الماضية، وهو موقف عام لم يشذ عنه إلا القليل من المفكرين والمتدينين.
يرى البعض الآخر أن الهجوم على الإسلام أو على نبيه الكريم ليس إلا حالات فردية لمن يبتغون الشهرة، أو من يحملون أحقاداً على الإسلام. ويقوم هؤلاء بسرد بعض النقولات التاريخية أو المعاصرة لمفكرين غربيين يمدحون شخص النبي، ويعتبرون أن وجود هؤلاء يقدح في فكرة وجود عداء فكري عام في الغرب تجاه الإسلام، أو شخص الرسول الكريم.
الحقيقة أن الاستشهاد ببعض الأقوال - مع حذف السياق التاريخي لها - يمكن أن يكون مقنعاً بوجود إعجاب من بعض المفكرين الغربيين بشخصية النبي .
لكن ما يغيب عن هذه الرؤية، ويعيبها أيضاً، أن الفكر الغربي يتحرك وفق مجموعة من المسلَّمات الأساسية التي تخالف بقوة الدعوة المحمدية في المبادئ والمسلَّمات، وبالتالي فإن الأصل في العلاقة الفكرية بين الغرب وبين الإسلام لم يكن يوماً مّا التوافق؛ وإنما كانت العلاقة دائماً من النواحي الفكرية تميل إلى المواجهة وعدم الاتفاق. ويجب هنا أن نفصل بين أمرين: الأول: هو العلاقات بين الشعوب، والتي كانت في كثير من الأحيان تميل إلى السلام والوئام، وكذلك العلاقات السياسية التي تتبدل وتتغير وفق المصالح.
أما الأمر الثاني: فهو الرؤى الفكرية تجاه النبي، والتي لم تتغير كثيراً في الغرب منذ بعثة النبي  وحتى التاريخ المعاصر، وكانت في مجملها رؤى ومواقف معادية وصدامية.
إن الأحكام الفكرية لا بد أن تنطلق من الرؤى المشتركة والمستمرة عبر فترات زمنية طويلة، ولا تقاس على ما شذ من الأقوال أو الأفكار. والغرب عبر تاريخه الطويل من المواجهة الفكرية والدينية مع العالم الإسلامي كان دائماً يميل إلى الطعن في شخص النبي، وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة من العلاقة مع الغرب، ولذلك أسباب سيأتي بيانها في هذا الكتاب.
الغرب كيان فكري واحد:
إن من المهم قبل دراسة الموقف الفكري الغربي من النبي  أنْ نؤكد أنّ الغرب ليس كياناً واحداً فيما يتعلق بالسياسات وطبائع الشعوب، ومواقف الدول من العالم العربي والإسلامي. كما أن الغرب ليس كياناً واحداً فيما يتعلق باهتماماته الدينية ومدى اقترابه أو ابتعاده عن دعوة ورسالة نبي الله عيسى - عليه السلام -. فليس كل الغرب متديناً وليس كل الغرب علمانياً أيضاً، وهناك فوارق كبيرة بين المدارس والمذاهب الدينية المختلفة داخل المسيحية في الغرب. كما أننا ندرك أن المتدينين في أمريكا وأوروبا ليسوا جميعاً من أتباع كنيسة بعينها، أو من أتباع الدين المسيحي بالضرورة.
لقد أظهر التاريخ والنقولات عن فلاسفة الغرب ومفكريه أحياناً، تبايناً في المواقف والرؤى حول نبي الإسلام ، وحول دور الإسلام في الحضارة البشرية. بعض هذه الأقوال والأفكار كان إيجابياً للغاية، وبعضها الآخر كان يعبر عن كراهية لا حد لها. والأمثلة في ذلك كثيرة.
ففي نظرة المفكر الألماني (هيجل) للإسلام مثلاً، في كتابه المتميز (دروس في فلسفة التاريخ)، يصف الإسلام بعبارات شاعرية رقيقة كان منها: الإسلام هو: "ثورة الشرق التي حطمت كل خصوصية وتبعية، تنير وتطهِّر الروح، جاعلة من الواحد الأحد شيئاً مطلقاً، ومن الوعي الذاتي الصافي، ومن علم هذا الواحد الأحد النهاية الوحيدة للحقيقة. إن حماسة المسلمين هذه كانت قادرة أيضاً على كل نوع من السمو. وهذا السمو المحرر من كل الحسابات الدنيئة ممزوج بكل فضائل كبر النفس والبسالة"( ).
في المقابل، وبناءً على الدراسة التي قامت بها الباحثة (مارلين نصر) عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1995م، نجد أن المناهج التربوية الفرنسية تقدم العرب والمسلمين باعتبارهم المتمردين والنهّابين والمخربين والسفاحين ، ولا تأتي على ذكر أية صفة من صفاتهم الإيجابية المعروفة.
وفي الأدب الفرنسي مثلاً... نرى أن صفات العرب تظهر في العصور الوسطى باعتبارهم كفاراً وأعداءً وخونةً وغزاة، وفي الأدب الاستشراقي نجدهم يسرقون التجار، وكثيراً ما يقتلونهم ، و هم في الأدب المعاصر أذلاء خائفون ومتّهمون بالتأخر( ).
إننا لا ننكر هذا التباين الفكري أحياناً، ولا نحاول أن نغفله من هذه الدراسة، ولكننا نبحث عن السمات المشتركة والمتكررة في هذا الفكر عبر تاريخ العلاقة الذي تجاوز الألف عام. فرغم كل هذا التباين والاختلاف في السياسات والطبائع والتوجهات، إلاَّ أن الغرب على مر تاريخه يكاد يكون كياناً واحداً، عندما يتعلق الأمر بالجوانب الفكرية المتعلقة بعلاقاته مع الحضارات الأخرى والديانات التي تختلف عن ديانات الغرب.
فرغم تعدد المدارس الفلسفية والفكرية في الغرب، إلا أن هناك قدراً مشتركاً وواضحاً من المفاهيم الفكرية الأساسية عندما يتعلق الأمر بالرؤى المقابلة حول مستقبل البشرية وهدف الإنسان من الحياة على الأرض. لذلك فإن من الممكن أنْ يتم الحديث عن الغرب بوصفه كياناً واحداً عندما يتعلق الأمر بالرؤى الفكرية الغربية حول العلاقة مع الحضارات الأخرى.
وسوف تتعامل هذه الدراسة مع الغرب ككيان فكري واحد من ناحية المنطلقات الأساسية للحضارة الغربية وعلاقتها بالحضارات والأديان الأخرى، والمبادئ التي قامت هذه الحضارة عليها، وعلاقة ذلك بموقف الغرب من النبي .
عدواً من المجرمين:
يكاد الغرب فكرياً أن يجمع على موقف موحد من نبي الإسلام، وهو موقف ليس إيجابياً بل هو موقف معادٍ بالمجمل، ولا يمكن تفسيره إلا من خلال تجديد النظرة وطرق البحث عن أسباب ذلك العداء الـْمَرَضي غير المبرر.
إن استقراء ومتابعة التاريخ يؤكد وجود تراث يقارب ألف عام من العداء بين الغرب، ونعني به هنا الكنيسة الأوروبية الغربية وصناع القرار وكذلك التيارات الفكرية غير الدينية، وبين الإسلام والمسلمين، ونبيهم . فلم يحدث في تاريخ البشرية، وفي الغرب تحديداً، أنْ استمرّ العداء تجاه أي شخص بمثل هذه الحماسة والاستمرار المتجدد، والصور المختلفة الملفتة للنظر.
لماذا يكرهون محمداً - صلوات ربي وسلامه عليه - إلى هذه الدرجة؟ سؤال يشغل أذهان الكثيرين من أبناء الأمة، وهم يستمعون مؤخراً إلى بابا الكنيسة الكاثوليكية وهو يجدد الهجوم على شخص النبي، مستهلاً بذلك فترة رئاسته لكرسي البابوية، ومحدداً من خلال كلماته النهج الذي يمكن أن نتوقعه من هذا الرجل خلال الأعوام المقبلة، فيما يتعلق بعلاقة الكنيسة الكاثوليكية مع العالم الإسلامي والشعوب المسلمة.
لقد أخبر الله - تعالى - في كتابه العزيز أن سنته الماضية أن يُخرِجَ لكل نبي عدواً من المجرمين، يقاوم دعوة ذلك النبي ويحاربها.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان : 31 ].
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 112].
وقد حدث هذا مع كل الأنبياء الذين أَطَلعنا الله - تبارك وتعالى - على سيرهم، وما تعرضوا له من ابتلاءات، وكذلك كان الأمر في حياة نبي الأمة - صلوات الله وسلامه عليه -.
وبما أن دعوة المصطفى  باقية ما بقي الليل والنهار، ومتجددة مع كل إشراقة شمس، فليس من الغريب أن يكون عدو هذا النبي الكريم ممتداً أيضاً ومستمراً. ومن يتابع تاريخ الإسلام وعلاقات الأمة الإسلامية الدولية يلحظ أن عداء الكنيسة الأوروبية للنبي  استمر منذ بداية الدعوة، وحتى أيامنا هذه.
الغريب أن هذا العداء متجدد، ويزداد كراهية وعنصرية حتى مع اهتمام المسلمين بالحوار والتوازن مع الآخرين. فهل من الممكن أن يكون السياق القرآني الوارد في الآية الكريمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31] منطبقاً على تلك الكنيسة وعلى الغرب بوجه عام بصفته العدو المستمر لهذا الدين المستمر أيضاً؟
إنْ كان لهذه الأمة ولنبيها عدوٌ من المجرمين - كما أخبرت الآية - في زماننا هذا، فمن يمكن أن يكون هذا العدو غير الغرب؟ لا أقصد هنا بالضرورة شعوب الغرب، ولكنني أقصد تحديداً طائفة صناع القرار، والكثير من القيادات الدينية المتطرفة في الغرب، والعديد من وسائل الإعلام غير الموضوعية وغير المحايدة.
فعلى المستوى الديني، لم يبلغ الفكر المتزمت في أي دين من الأديان إطلاقاً درجة التنظيم والاضطهاد التي عرفتها محاكم التفتيش الأوروبية الكنسية في مواجهة الإسلام. وقد أظهر هذا التزمت نفسه من خلال الإصرار على معاداة نبي الله بكل الصور الفكرية والثقافية الممكنة. إن اللوحات التي تزين الأديرة والكنائس الأوروبية القديمة التي تصور العداء لنبي الإسلام، إنما تعكس امتداد هذا التزمت والعداء الفكري إلى درجة الاحتفاء به، والتعبير عنه في أكثر الأماكن قداسة في نظر أنصار ذلك الفكر، وهي الأديرة والكنائس. إن طبيعة تجدد العداء من الغرب تجاه نبي الإسلام توحي أن هذا العداء يعبر عن نوع من الإجرام الحقيقي في مواجهة أمة الإسلام. وإلا فكيف يمكن أن يفسر أن تزين بعض كنائس أوروبا بلوحات ورسومات لنبينا محمد وهو - كما يدعون - يعذب في نار جهنم، وأن تبقى هذه اللوحات في مكانها في أكثر من كنيسة خاضعة لسلطة الفاتيكان، ولم تلمسها يد، ولم يحاول تغيير ذلك أحد من دعاة التسامح والحوار طوال عشرات السنين، وحتى الآن؟
كيف يُفسَّر أن يُوضَع في كنيسة أوروبية في عاصمة الاتحاد الأوروبي تمثال مهين لنبي الأمة وهو مطروح أرضاً، تدوسه أقدام ملائكة تعلن انتصار المسيحية على الإسلام؟ وكيف إذا كان هذا التمثال ليس في الكنيسة فقط بل هو في محرابها؟ أيْ أنه يُرى ويُشاهَد من كل من يزور الكنيسة للعبادة أو السياحة أو غيرهما. ألا يدل هذا على الإجرام الذي وصفته الآية في الحديث عمّن يعادون نبي الأمة؟
إن نوع الاتهامات والإهانات المتكررة التي تلصق بنبي الله  من قبل الحمقى من الغرب لا تدل إلاَّ على صفة واحدة في هؤلاء، وهي الصفة التي وصفهم بها رب العزة والجلال؛ إنها صفة الإجرام. ومن المهم أن نسميَ الأشياء بمسمياتها الصحيحة والحقيقية لننجح في الحوار والتعايش مع الآخرين.
إنهم لا يعتذرون !
عندما أساء البابا (بينديكت) السادس عشر مؤخراً للعالم الإسلامي أجمع بإهانته لرسول الله، طالبه الجميع بالاعتذار. حتى بعض وسائل الإعلام الغربية التي لم يعرف عنها التعاطف مع الإسلام طالبته بالاعتذار.
لقد كتبت صحيفة (نيويورك تايمز) في افتتاحية عدد يوم السبت 16 سبتمبر 2006م مطالبة البابا باعتذار وصفته بأنه يجب أن يكون: "عميقاً ومقنعاً". وعقبت قائلة في نفس الافتتاحية: "إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أي بابا، وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد مّا الألم، سواء عامداًَ أو غير مكترثٍ. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضا أن تشفي الجراح". فهل اعتذر البابا؟
نقلت قناة (البي بي سي BCC) عبر موقعها الإلكتروني البيان الذي أصدره البابا (بينديكت) السادس عشر، والذي يقول فيه بالحرف الواحد: "إن البابا المقدس (آسفٌ جداً) أنّ بعض فقرات خطابه قد بدت وكأنها تهاجم مشاعر المسلمين". وعقّب قائلاً: "إنه يحترم الإسلام ويأمل أن يتفهم المسلمون المعنى الحقيقي لكلماته". لم يعتذر البابا، وإنما اتهمنا نحن بقلة الفهم؛ بل ويطالبنا أن نقبل بما قال! وذكر أنه يحترم الإسلام، ولكنه بالمقابل لم يذكر نبي الإسلام، أو يعتذر عما قاله في حقه ، بل تعمد تجاهل إهانته للنبي بكلماته الجارحة على مسمع من العالم أجمع، فأين هو الاعتذار؟
إن البابا يقول: إنه (آسفٌ جدَّاً) أن عباراته بدت وكأنها هجومية، ولكنه لم يعتذر عن هذه العبارات، أو يشرح لنا كيف يمكن ألا تكون هجومية؟! هو فقط آسف جداً لما حدث! فأين الاعتذار؟ ومن قال أننا - في هذا المقام -: نهتم لمشاعره، أو نعيرها أدنى اهـتمام؟! إن البـابا يسـتخدم حِـيل الإعـلام المعروفـة في التـهرب مـن مـواجـهـة النفس، أو مواجهة من أساء إليهم بطرق إعلامية ملتوية وعبارات فضفاضة، ولا يليق برجل دين في مكانته وقدره لمن يعتنقون دينه أن يفعل ذلك. إن كان قد أخطأ في وصف نبي الأمة الإسلامية بأنه لا يأتِ إلا بالشر، فلماذا لم يعتذر عن ذلك بوضوح؟ إنه يعالج الإهانة الأولى التي جرحت كرامة كل مسلم بإهانة ثانية تفترض في كل المسلمين الغباء أيضاً.
إن هذا الأمر متكرر في المواقف الغربية تجاه العالم الإسلامي. فبعد أزمة الرسوم المسيئة عن نبي الإسلام، ومطالبة الجميع لرئيس الوزراء الدانماركي بالاعتذار باسم الحكومة الدانماركية وعدم الإصرار على تصعيد الأزمة، حاور رئيس تحرير صحيفة (الأهرام ويكلي Ahram weekly) المصرية التي تصدر باللغة الإنجليزية رئيس الوزراء الدانماركي، وحثه على الاعتذار لإنهاء الأزمة، فما كان من رئيس الوزراء إلا أن رد قائلاً: "يسعدني أن أقدم هذا التصريح بشكل مكتوب إلى قرائكم، ولكنك تدرك بلا شـك أنه لا الحكومة ولا شعب الدانمارك يمكن اعتبارهم مسئولين عمّا تم نشره".
إننا لا يجب أن نستجدي أو نطالب ذلك الشخص أو هذا البابا أو غيرهم أن يعتذروا، فهم يتحدثون بما يجول في خاطرهم، ويؤكدون مواقفهم التي تكررت طوال الأعوام الماضية في الهجوم على الإسلام . إننا فقط نطالبهم ألا يستغفلوا أو يستهينوا بهذه الأمة، فهي تنهض من جديد، وهم يلعبون بالنار، ولن يشادَّ هذا الدين أحدٌ إلا غلبه، والله غالب على أمره، ولو كره البابا ومن هم على شاكلته.
إننا نطلب من قادة الغرب أيضاً، سواء من مفكرين أو علماء دين أو ساسة أو مثقفين، أنْ يكفوا شرورهم وألسنتهم عن أمتنا إن أرادوا لهذا العالم القليل الباقيَ من السلام والتعايش، أما استثارة هذه الأمة بهذا الشكل المتكرر فإن نتائجه ستكون وخيمة على الجميع، وأول من سيعاني منها هم من اختاروا الاستهزاء بنبي الأمة، رمز عزتها وطهارتها وحبها للسلام.

الفصل الثاني:
الصورة الذهنية عن الإسلام ونبيه 
"إن الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا به؛ ولكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقية بالإسلام، غُلِّفَتْ بالحقد والخوف من تنامي تأثير هذا الدين على أوروبا نفسها وعلى العالم أجمع".

الفصل الثاني
الصورة الذهنية عن الإسلام ونبيه 
تكونت الصورة النمطية عن نبي الإسلام من خلال الموقف الأوروبي التاريخي من الإسلام. إنها حصيلة الصور الذهنية التي ارتسمت في مخيلة مجتمعات أوروبا في ذلك الوقت عن الدين الجديد الذي يغزو العالم، ويعيد صياغة العلاقات ليس فقط بين المجتمعات، بل وبين البشر، وكذلك علاقة البشر بالخالق.
الصورة النمطية عن الإسلام:
ساهم المفكرون الأوروبيون الدينيون وغيرهم أيضاً في تحويل الإسلام إلى دين كريهٍ بغيض لدى العامة؛ لكي تحتفظ أوروبا بابتعادها عن الوقوع تحت سيطرة الدين الإسلامي, وقوته الأخلاقية والفكرية الآسرة. كان لا بد لذلك من تكوين صورة نمطية ذهنية بشعة عن الإسلام من ناحية ، وعن نبي الإسلام من ناحية أخرى لتحقيق ذلك.
يجب الفصل هنا بين رؤيتين - كما يرى المفكر هشام جعيط -: الأولى: هي رؤية العالم الشعبي، والثانية: هي رؤية العالم المدرسي scolastique. الأولى تغذت من الحروب الصليبية، والثانية من المواجهة الإسلامية - المسيحية في أسبانيا. واحدة انتشرت على المستوى الخيالي، والأخرى على المستوى العقلاني. في الأدب الشعبي، كان المسلمون وثنيين، ومحمد ساحراً، وشخصاً فاسداً، وزعيم شعب فاسد. و(أغنية رولاند) Roland التي تمثل من وجهة النظر الفرنسية ملحمة الصراع مع المسلمين، بدورها تقدم العرب على أنهم وثنيون، وهي تخلط الملحمي بالخيالي( ). بالمقابل في الرؤية المتبحرة هناك معرفة سابقة، ولكن الغطرسة والنوايا السيئة لم تفيدا في أن يكون التعبير عن هذه المعرفة منصفاً أو دقيقاً.
لقد استمر بناء هذه الصورة النمطية الكريهة عن الإسلام طوال الألف عام الماضية بشكل دؤوب ومستمر، لم ينقطع إلا في فترات محدودة للغاية، ولم تخالفه أو تعترض عليه إلا دوائر ثقافية وفكرية صغيرة وغير مؤثرة في الموقف الفكري الأوروبي.
لذلك يمكن القول: إن التصورات الغربية المعاصرة حول دين المسلمين، لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية، وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة، إذ إن سكان أوروبا المعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، التي كانت تتغير تدريجياً مظاهرها الخارجية فقط، تبعاً لتغير الظروف في أوروبا ذاتها، وتبعاً لطبيعة علاقاتها ومواقفها المستجدة نسبياً مع البلدان الإسلامية وثقافاتها الحديثة ( ) .
أما من ساهم بالتحديد في تشكيل هذه الصورة، فيتحدث عنه (د. أليكسي جورافيسكيس) في بحثه القيم عن الإسلام والمسيحية قائلاً: "إن أدب أوروبا في القرون الوسطى حول الإسلام وُضِعَ في غالبيته العظمى من طرف رجال الدين المسيحيين، الذين استندوا إلى مصادر شديدة التمايز والتباين، كالحكايات الشعبية، وقصص الأبطال والحُجاج والقديسين، والمؤلفات الجدلية - اللاهوتية الدفاعية للمسيحيين الشرقيين، وشهادات بعض المسلمين، وترجمات مفكريهم وعلمائهم. كانت المعلومة المقدمة تنتزع في معظم الحالات من سياقها الأصلي، ثم تقــدم إلى الـقارئ الأوروبي. وبهذا الشـكل شوهت الوقائع بصورة متعمدة - واعية أحياناً، أو بشكل غير واعٍ في أحيان أخرى - في إطار البحث الحماسي عن حل سريع لـ (مشكلة الإسلام) التي سيطرت في القرون الوسطى على الموضوعات الدينية - الأيديولوجية" ( ).
بشكل عام، تكونت في وعي الأوروبيين (في القرون الوسطى) ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: "إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، إنها ديانة العنف والقسوة. وانسجاماً مع هذا الموقف المعادي، فقد رُسِم الإسلام على هيئة نموذج قبيح سيئ، يتعارض ويتناقض كلية مع النموذج المثالي للمسيحية بوصفها ديانة الحقيقة، التي تتميز بالأخلاق الصارمة وروح السلام، وبأنها عقيدة تنتشر بالإقناع وليس بقوة السلاح"( ) .
لقد حاول هؤلاء أن يصدوا عموم الناس عن أي معنى طيب للإسلام أو عن نبي الإسـلام. أحـياناً كانـت تلك المحـاولات تبـدو بعيـدة كـل البعـد عـن الأصول العلمية أو الأخلاقية كذلك. انظر إلى ما ادّعاه المستشرق الأمريكي (ماكدونالد) تحت مادة (الله) في دائرة المعارف الإسلامية منكراً حتى احتمالية أن يكون من صفات الله في الإسلام صفة السلام، قائلاً: "ومن أسمائه أيضاً السلام، وهذه الصفة لم ترد إلاّ في الآية 23 من سورة الحشر. ومعناها شديد الغموض، ونكاد نقطع بأنها لا تعني (السلم). ويرى المفسّرون أن معناها (السلامة) أي: البراءة من النقائص والعيوب، وهو تفسير محتمل، وقد تكون هذه الصفة كلمة بقيت في ذاكرة محمد من العبارات التي تتلى في صلوات النصارى"( ). فصفة السلام شديدة الغموض، ولا يمكن أن تعني السلم! ولا ندري مصدر هذا القطع والتأكيد؟ أخيراً فليس من الممكن أن يهتدي نبي الرحمة محمد  إلى هذا المعنى إلا إذا وصله من النصارى! - كما يقول -.
إن التصور النمطي المشوه عن الإسلام، لم يتشكل بسبب ضعف معرفة الأوروبيين بهذا الدين وحسب، حيث يشير الدارسون (لتصورات القرون الوسطى عن الإسلام) إلى ثلاثة مكونات (عناصر بنيوية)، أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية، دون أن تتعارض فيما بينها، بل إنها تعايشت وتداخلت من التأثر والتأثير، وهذه المكونات: الميثولوجية، اللاهوتية، والعقلانية( ).
إن الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا به؛ ولكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقية بالإسلام، غُلِّفَت بالحقد والخوف من تنامي تأثير هذا الدين على أوروبا نفسها وعلى العالم أجمع.
الصورة النمطية عن نبي الإسلام:
أما الصورة النمطية عن نبي الإسلام فقد تكونت طوال أكثر من ألف عام، وتشكل معظمها من خرافات وأكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة، ولكنها تراكمت تاريخياً لتُكوِّن صورة قاتمة وظالمة عن خير خلق الله .
ومن أسوأ من كتب عن النبي  من مشاهير الفكر الأوروبي (دانتي). ولمن لا يعرف من هو (دانتي)، فهو (دانتي أليجييري) (1321 - 1265م)Dante Alighieri أعظم شعراء إيطاليا قاطبة من وجهة نظر الغرب، ومن مشاهير الأدب العالمي. خلد اسمه بملحمته الشعرية (الكوميديا الإلهية)، التي وصف فيها طبقات الجحيم والمطهر والفردوس في رحلة خيالية - ذهنية قام بها بقيادة (فيرجيليوس) وحبيبته (بياتريس). ترجمت الكوميديا إلى كثير من لغات العالم مرات عديدة في كل لغة، مثلاً: إلى الإنجليزية أكثر من 75 ترجمة جزئية وكاملة، وإلى الفرنسية أكثر من 22 ترجمة، والعدد نفسه إلى الألمانية، وترجمت 4 مرات إلى اللاتينية، وإلى أكثر من لهجة من لهجات إيطاليا المحلية. وفي القرن التاسع عشر وحده بلغ متوسط طبعات مؤلفات (دانتي) كاملة وجزئية، والمقالات والبحوث في الدوريات المختلفة أكثر من 200 في العام في إيطاليا والأراضي الناطقة بالإيطالية( ).
أما ما كتـبه عن خير خـلق الله فـهو مـن أسوأ ما كُتب عن النبي . فقد وضع نبي الله ، ومعه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، في الخندق التاسع من الحلقة الثامنة في الكوميديا الإلهية كما أسماها. وهذا الجزء من الجحيم، كما يدعي (دانتي): قد تم تخصيصه لمثيري الصدامات والانشقاقات الدينية والسياسية، و"من يزرعون الفتن فيحصدون الأوزار".
يصف الدكتور إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق ما كتبه (دانتي) - ونعتذر أننا نورده هنا بنصه - قائلاً: "يرسم (دانتي) صورة لـ (موميتو) (أي: محمد) تجسد تركيباً سلالياً متصلباً من الشرور، مع من يسميهم "ناشري الفضيحة والفتنة". وعقاب محمد، وهو أيضاً مصيره الأبدي، عقاب مثير للاشمئزاز من نمط فريد، فهو يبدأ بقطعه إلى نصفين من ذقنه إلى دبره، مثل برميل تمزق أضلاعه - كما يقول دانتي -. ولا يوفر شِعر (دانتي) على القارئ عند هذه النقطة أياً من تفاصيل يوم الحشر التي تؤدي إليها عقوبة فظيعة كهذه: فأمعاء محمد وبرازه يوصفان بدقة لا تنتهي!
يشرح محمد مسببات عقابه لدانتي، مشيراً كذلك إلى علي الذي يقدمه في صف الآثمين الذين يشقهم الشيطان الحارس إلى نصفين. كما يطلب محمد من (دانتي) أن يحذر رجلاً اسمه (فرادوليشينو)، وهو رجل دين من الشيس مرتد، دعا أصحابه إلى المشاركة الجماعية في النساء والممتلكات، واتهم بأنه كانت له خليلة، مما ينتظره من عذاب".
لا بد أن القارئ قد أدرك الآن - كما يقول إدوارد سعيد- أن: "(دانتي) رأى تطابقاً بين الشهوانية المقرفة لدى محمد و (دوليشينو)، وبين ادعائهما مكانة دينية بارزة كذلك، وبناء على ما تقدم تشكل تمييزات (دانتي) وإدراكه للإسلام مثلاً على الحتمية الخططية بل الكونية (كوزمولوجية) تقريباً، التي يصبح بها الإسلام وممثلوه المعنيون مخلوقاتٍ أنتجها الفهم الغربي الجغرافي والتاريخي، وفوق كل شيء، الأخلاقي، وهي رؤيا لا تقتصر بأي حال على الباحث المحترف؛ بل إنها مُلك مشترك لكل من فكر بالشرق في الغرب".
انتـشرت مـنذ ذلك الوقـت القصص الأسطورية المختلقة التي تتعمد إهانة النبي، أو التشكيك في نبوته أو دعوته، أو استحقاقه للاحترام والتقدير. وقد نشرت على نطاق واسع في أوروبا الحكاية الأسطورية القائلة: إن محمداً قد درب الحمامة لتنقر حبوب القمح من أذنه، وبذلك أقنع العرب، أن تلك الحمامة هي رسول الروح القدس، الذي كان يبلغه الوحي الإلهي. وعممت هذه الحكاية المختلفة إلى درجة أن الشاعر الإنكليزي (جون ليدهيت) - وهو من شعراء القرن الخامس عشر - عندما وضع سيرة لحياة محمد، سمى لون تلك الحمامة "حليبيا - أبيض"( ). كما ردد هذه القصة المضحكة مؤرخون أوروبيون. بل إننا نقرأ عن (شكسبير) ذاته في (هندي الرابع، الفصل الأول، المشهد الثاني) كيف أن الملك (كارل الثاني) يتوجه إلى (جان دارك) صارخاً: "ألم تلهم الحمامة محمداً؟... أما أنت، فإن النسر ربما ألهمك!".
كما كانت الصور النمطية تؤكد أن الإسلام دين يدعو إلى الشهوانية، وأن نبيه يجتذب الناس إلى دعوته من خلال ذلك. وجرى التركيز على وصف أن الإسلام هو دين البسطاء ومتوسطي الذكاء، وهو وصف لا يزال يتكرر في أدبيات الغرب المعاصرة. فمثلاً يؤكد (توما الأكويني) المزاعم القائلة أن محمداً أغوى كثيراً من الشعوب للدخول في عقيدته، من خلال تشجيعه إياهم على الحصول على الملذات والشهوات الحسية، وعن طريق الوعود التي قطعها لهم ضمن هذا التوجه الغرائزي. يتابع (الأكويني) السير في هذا المنحى المتحيز، مؤكداً أن محمداً أسس قواعده وأحكامه التشريعية، التي تتناسب مع قدرات وإمكانات العقل المتوسط وحسب( ). فهكذا كان يُقدَّم الإسلام لأبناء أوروبا في القرون الوسطى، وتشكلت من جراء ذلك الصور النمطية التي لا تزال عالقة في الفكر الأوروبي( ).
إن الصورة النمطية عن نبي الإسلام في الغرب هي صورة بشعة وليست إيجابية، رغم ما ينشر في العالم العربي مؤخراً من أقوال بعض المنصفين التي تُصوَّر وكأنها تمثل إجماعاً غربياً حول الموقـف من الرسول. هناك اختلاف حقيقي في الرؤية حول الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بين العالم الإسلامي وبين شعوب الغرب. إن الرسوم المسيئة عن نبي الإسلام التي نشرت في الدانمارك في بداية عام 2006م، وقوبلت بالغضب الشديد في العالم الإسلامي، أظهرت هذا الاختلاف الشديد في الرؤية.
إن الشعوب الغربية لم تتفهم سبب انفعال المسلمين لهذه الدرجة، ليس لانعدام حساسية تلك الشعوب تجاه العالم الإسلامي ومشاعر الغضب التي اشتعلت فيه؛ وإنما بسبب عدم حساسيتهم للهجوم على النبي ، والذي تقبلته عقولهم ونفوسهم دون أي حساسية عاطفية؛ بسبب تراكم الصور السلبية عن النبي في نفوسهم. إنها حقيقة مؤلمة، ولكن لن يتم إصلاح وتغيير الواقع الحالي إلا عندما ندرك هذه الحقيقة، ونحاول أن نعالجها بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين.
من يهاجم نبي الأمة؟
هناك أربع فئات رئيسة في العالم الغربي تهاجم نبي الإسلام بشكل متواصل ومنظم طوال الأعوام الأخيرة. إنهم رموز عدد من الكنائس الأوروبية والأمريكية الكبرى، والقادة السياسيون في الكثير من دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، والعديد من وسائل الإعلام الغربية (صحافة، تلفاز، سينما، كتب، إعلام إلكتروني،... إلخ)، وأخيراً الرموز الفكرية للتيارات العلمانية.
إذا نظرنا إلى هذه الفئات، نجد أنها تمثل بمجموعها نسبةً كبيرة من رجال الحراك الفكري والسياسي في العالم الغربي. أي أننا يمكننا القول بالإجمال: إنَّ تيار الهجوم على نبي الإسلام هو التيار الغالب في الحياة الفكرية الغربية في عالم اليوم. لا يعني هذا عدم وجود منصفين أو حتى متعاطفين مع رسالة خير خلق الله، ولكنهم في النهاية لا يشكلون كماً عددياً ملحوظاً، أو قوة فكرية مؤثرة، أو كياناً ضاغطاً يسمح بترشيد الرؤية الغربية في التعامل مع الإسلام، والعلاقة مع نبي الله .
وسنتناول بشيء من التفصيل في الفقرات القادمة موقف كل فئة من هذه الفئات من نبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام -، وأسباب ذلك الموقف، وأهم مظاهره التاريخية والمعاصرة.
مظاهر العداء الديني:
إن من العجيب في الكنائس الأوروبية والأمريكية أن تجد هذا الهوس والولع التاريخي والمتجدد بالهجوم على نبي الإسلام، إلى درجة أنْ تجد في العديد من الكنائس الأوروبية المعروفة رسومات ولوحات على أسقف هذه الكنائس، وتماثيل في أفنيتها، تهزأ من رسول الله ، أو تصوره وكأنه يعذب في نار جهنم، أو ما شابه ذلك. وفي بحث إعلامي حول هذا الموضوع، وجدنا العديد من تلك النماذج المقززة والملفتة للنظر أيضاً.
إن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا يهتم دينٌ مّا بالهجوم الشرس على نبي دين آخر إلى درجة أن يصوره وهو يعذب في جهنم - كما يدعون - في لوحات فنية تزين بها أسقف الكنائس والأديرة؟! إن هذه الظاهرة تنفرد بها المسيحية الأوروبية والأمريكية عن غيرها من ديانات العالم كما نظن. فلم يعرف في الإسلام مثلاً أدنى اهتمام أو ولع بالهجوم على رموز أية أديان أخرى إلى الدرجة التي تجعلنا نهتم بتصوير ذلك من خلال الفنون، وأن نحتفي به في المساجد أو أماكن العبادة، ولا ينتشر ذلك أيضاً في الديانات الشرقية بالعموم، وحتى بين الديانات غير السماوية التي يعتنقها الكثيرون في آسيا وشبه القارة الهندية.
لا شك أن هناك عداءً متوارثاً بين الكثير من الأديان، وهناك تنافس أيضاً على التأثير الفكري والديني والثقافي العالمي، ولكن أوروبا تمثل ظاهرة فريدة وجديرة بالفهم والتأمل في علاقتها بالإسلام، وبشكل أكثر تحديداً بنبي الإسلام - صلوات الله وسلامه عليه -.
من الأمثلة المخزية في هذا الشأن، لوحة توجد بكنيسة (سان بيرونيو) بمدينة (بولونيا) في وسط إيطاليا San Petronio basilica in Bologna، وهي عبارة عن رسم لشخص عارٍ ممدد أرضاً وهو يعذب في جهنم بشكل بشع، وقد كتب على جانبها بحروف واضحة اسم النبي - صلوات الله وسلامه عليه -. الرسم يرجع إلى عام 1415م، وقام به رسام معروف في ذلك الوقت، وهو (جيوفاني دو مودينا).
وتوقيراً لرسول الله فقد آثرنا عدم وضع نسخة مصورة من هذه اللوحة ضمن هذا الكتاب، رغم أننا حصلنا عليها للتأكد من دقة الوصف ولتوثيق المعلومات الواردة في هذا الكتاب. حيث إن تلك الصور المشينة والمخزية لشخص خير خلق الله  منشورة في أكثر من رابط إلكتروني, ونوصي بعدم الاطلاع عليها توقيراً لرسول الله  ما قلنا.
الغريب بالنسبة لهذه اللوحة هو رفض الكنيسة الكاثوليكية المتكررُ لطمسها أو حجِبها، أو حتى تغطيتها حرصاً على مشاعر العالم الإسلامي؛ رغم النداءات المتكررة من مسلمي أوروبا للفاتيكان بذلك. كما أن الشرطة الإيطالية قد أعلنت في العام الماضي أنها أحبطت محاولة من مسلحين إسلاميين - كما ذكرت الشرطة - حاولوا التخطيط لاقتحام الكنيسة للتعبير عن امتعاضهم من بقاء هذه اللوحة معروضة؛ بسبب ما تمثله من إهانة لا تقبل التفسير، خاصة لمن يدعون الرغبة في التسامح والحوار واحترام مشاعر الآخرين.
إننا بالتأكيد لا نقر استخدام العنف لحل مثل هذه القضايا، ولذلك نرى أن على الفاتيكان وعلى قادة كنائس أوروبا وأمريكا تحديداً أن يكونوا أكثر حساسية ولياقة في التعامل مع هذه التراكمات التاريخية غير المشرفة، والتي تعكس نظرة الكنيسة في فترة ما للعالم الإسلامي ورموزه الدينية. إن الإصرار على الإبقاء على هذه الرسومات والتماثيل الموجودة في العديد من الكنائس الأوروبية يمثل وصمة عار على جبين من ينادون باحترام الأديان السماوية.
من الأمثلة الأخرى في هذا الشأن تمثال يوجد في محراب أحد الكنائس الهامة، وهي كنيسة (سيدتنا العزيزة) Church of Our Dear Lady في مدينة (ديندرموند)، في بلجيكا. التمثال منحوت من الخشب في القرن السابع عشر بواسطة النحات الأوروبي (ماثيويس فان بيفرن)، ويظهر في أسفله صورة رسول الله ملقى على الأرض على وجهه وهو يحتضن القرآن، وتدوسه أقدام ملائكة يعبرون عن هزيمة وانكسار النبي، وعن انتصار المسيحية على الإسلام!
إن تاريخ العداء ضد نبي الإسلام قديم قِدم الاهتمام المسيحي الأوروبي بالإسلام. ففي الخطبة الشهيرة في مجمع (كليرمون) في فرنسا، طالب البابا (أوروباتس) الثاني في عام 1095م الملوك والحكام الأوروبيين باستعادة: (أراضينا) المقدسة من (قبيلة الفرس - الأتراك)، التي تخدم القوى الشيطانية على حد قوله، وقد وعدهم البابا بأن يحصلوا من هذه الحملات الصليبية المقدسة ليس على الخيرات المادية فقط من الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً، كما جاء في التوراة؛ وإنما أن يصبحوا على طريق الجسد المقدس، أي: على طريق الحجاج السائرين إلى القدس. وبذلك يخدمون الرب في الصراع مع (الكفار)، الذين يمنعون المسيحيين من القيام بالحج إلى الأراضي المقدسة( ).
رموز العداء الديني للنبي:
نورد فيما يلي بعض الشخصيات الأمريكية والأوروبية المعاصرة التي عرفت خلال الأعوام الماضية بعدائها للنبي ، ومجاهرتها بذلك إعلامياً وفكرياً.
جيري فالويل Jerry Falwell:
وهو قسيس إنجيلي معروف، ويقيم في مدينة (لينشبرج) Lynchburg في منطقة (فيرجينيا) بالولايات المتحدة الأمريكية، وله برنامج أسبوعي إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من 10 مليون منزل أسبوعياً. يملك كذلك جامعة خاصة أصولية تسمى جامعة الحرية Liberty University، ويهاجم النبي  من خلال وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، إضافة إلى موقعه الخاص على الإنترنتwww.falwell.com ، والذي يضع في صفحته الأولى تأريخاً زائفاً عن النبي . كما أنه يروج من خلال موقعه كتابَ (فلنتقدم إلى معركة هرمجدون March to Armageddon) وهي معركة نهاية التاريخ كما في معتقدات الإنجيليين.
ومن ضمن مواقفه المعلنة في الهجوم على النبي ما قاله على شبكات التلفاز الأمريكية ما نصه: "أنا أعتقد أن محمداً كان إرهابياً. لقد قرأت ما يكفي، من المسلمين وغير المسلمين، أنه كان رجل عنف، ورجل حروب."

بات روبرتسون Pat Robertson:
قسيس إنجيلي، معروف باهتماماته السياسية وتأييده المطلق لإسرائيل، ويمتلك عدداً من المؤسسات الإعلامية من بينها نادي الـ700، وهو برنامج تلفزيوني يصل إلى عشرات الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى 90 دولة في العالم بأكثر من 50 لغة مختلفة هي محطة (البث النصراني)Christian Broadcasting ، ومنها إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة في التنصير في منطقة العالم العربي.
كما سعى (بات روبرتسون) إلى الترشح لمنصب الرئيس الأمريكي في عام 1988م، ويقف خلف إنشاء أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري، وهو (التحالف النصراني Christian Coalition. )، وموقعه الإليكتروني هو www.patrobertson.com ويملك أيضاً جامعة أصولية هي جامعة (ريجنت) Regent University .
في هجومه على النبي  قال التالي: "كل ما عليك هو فقط أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن. إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين، إنه رجل متعصب إلى أقصى درجة، إنه كان لصاً وقاطع طريق"... " إن ما يدعو إليه هذا الرجل [محمد] في رأيي الشخصي ليس إلا خديعة وحيلة ضخمة. إن 80% من القرآن نُقِلَ من النصوص النصرانية واليهودية. ولقد ذكر موسى أكثر من 500 مرة في القرآن. أنا أقول: إن هذا القرآن ما هو إلا سرقة من المعتقدات اليهودية، ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى في المدينة. أنا أقصد: أن هذا الرجل [محمداً] كان قاتلاً [ سافكاً للدماء]".
فرانكلين جراهام Franklin Graham:
هو ابن القسيس الأمريكي المعروف (بيلي جراهام)، ويعيش في إحدى القرى حول مدينة (شارلوت) في ولاية (نورث كارولينا). وقد عمل والده قسيساً خاصاً للرؤساء الأمريكيين منذ عهد (ريتشارد نيكسون)، وحتى الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون).
يتولى ابنه (فرانكلين جراهام) الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب، وقام بالمراسم الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي (جورج بوش) إضافة إلى توليه كافة مسئوليات الكنيسة التي أنشأها أبوه والتي تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عدداً وتأثيراً، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من 450 حملة تنصيرية في مختلف بقاع العالم.
يقوم (فرانكلين جراهام) حالياً بنفس الدور من خلال هذه الكنيسة التي تصل بحملاتها إلى الملايين في كل عام. وموقعه على الإنترنت هو: www.samaritan.org ، وهو الموقع الخاص بالمؤسسة الإغاثية له، إضافة إلى موقع أبيه المعروف وهو: www.billygraham.org ، والموقع يشمل معلومات بست لغات، وموقع خاص للشباب، إضافة إلى مجلة أسبوعية.
أما (فرانكلين جراهام) فإنه هو الذي أدلى الأدعية الافتتاحية في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الحالي. وقد أدلى بتصريحات إعلامية ذكر فيها: أن الإرهاب جزء من (التيار العام) للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف).
وقد صدر كتاب جديد لـ (فرانكلين جرهام) يسمى (الاسم ) The Name، يحتوي على نصوص مسيئة بوضوح للديانة الإسلامية، ومنها ما يلي: "الإسلام ... أُسِّسَ بواسطة مجرد فرد بشري مقاتل، يسمى محمد، وفي تعاليمه ترى تكتيك (نشر الإسلام من خلال التوسع العسكري)، ومن خلال العنف إذا كان ضرورياً، من الواضح أن هدف الإسلام النهائي هو السيطرة على العالم".
في الصفحة رقم 72 يذكر الكتاب: "يحتوي القرآن على قصص أخذت وحرفت عن العهدين القديم والجديد. لم يكن للقرآن التأثير الواسع على الثقافتين الغربية والمتحضرة الذي كان للإنجيل. الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحي".

جيري فاينز Jerry Vines:
وهو راعي كنيسة في (جاكسون فيل فلوريدا)، يصل عدد أتباعها إلى 25 ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين الأمريكيين في المؤتمر السنوي للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر ديني يعقد في كل عام.
قام الرئيس الحالي والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم، وموقعه على الشبكة هو: www.fbcjax.com. أصدر هذا الرجل تصريحات مليئة بالكراهية والعداء للإسلام خلال الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية، والذي عقد عام 2001م في مدينة (سانت لويس) بولاية (ميسوري الأمريكية).
وخلال الاجتماع افترى (جيري فاينز) - الرئيس السابق للمؤتمر السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية - على الرسول محمد  واتهمه بأنه: "شاذ، يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة, آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات".
لقد رفض قادة الكنيسة المعمدانية الجنوبية إدانة تصريحات (فاينز)، وأعلنوا تأييدهم لـ (فاينز) وتصريحاته. وقد قام الرئيس الأمريكي بمخاطبة الحاضرين بالمؤتمر من خلال الأقمار الصناعية. ولم يصدر منه شخصياً أي تعليق على هذه الإهانات للنبي  من خلال منصة هذا المؤتمر السنوي؛ الذي يعد أكبر المؤتمرات الدينية الأمريكية.
البابا بينديكت السادس عشر:
تزعم البابا (بينديكيت) السادس عشر مؤخراً الهجوم على الإسلام من جديد، وهو أعلى رمز ديني في الغرب المسيحي. اختار البابا أن تكون مقدمة محاضرته التي ألقاها في جمعٍ من العلماء الألمان في جامعة (ريجينسبرج) يوم 12 من سبتمبر 2006م عبارة عن هجومٍ صريح على نبي الإسلام - نقلها عن غيره - قائلاً: "أَرِني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف".
المدهش أن المحاضرة كانت عن العلاقة بين (الإيمان والمنطق)، وأهمية الحوار بين الثقافات والأديان! فهل كان اختيار الهجوم على النبي مصادفة، أم خطأً غير مقصود من الرمز الغربي الأعلى للمسيحية المعاصرة؟
اختار البابا أن يقدم لمحاضرته باقتباسٍ طويل من أحد الكتب التاريخية، عن أهمية استخدام المنطق في التعرف على وجود الإله، ولم يكن الاقتباس إلا هجوماً غير مبرر عن النبي وعلى الإسلام. لقد قدم البابا محاضرته قائلاً العبارات التالية نقلاً عن النص الرسمي الصادر عن الفاتيكان للخطاب( ):
"لقد تذكرت ذلك [التفكير في العلاقة بين المنطق والإله] عندما كنت أقرأ مؤلَّف البروفيسور (ثيودور خوري)، الذي يتحدث في جزء منه عن الحوار الذي حدث ربما عام 1391م في الخنادق الشتوية بالقرب من أنقرة، بين الإمبراطور البيزنطي المفكر (عمانويل الثاني باليولوجس) وبين أحد المثقفين الفُرس عن موضوع المسيحية والإسلام، وحقيقة كلٍّ منهما.
من المحتمل أن الإمبراطور نفسه هو من رتب هذا الحوار خلال فترة حصار القسطنطينية بين عامي 1394م و1402م، ولعل ذلك ما يفسر أن نقاط الإمبراطور كانت أكثر تفصيلاً من ردود المثقف الفارسي. لقد دار الحوار بتوسع حول أسس الإيمان في كل من الإنجيل والقرآن، وتَرَكَّز خاصة حول صورة الإله وصورة الإنسان، مع العودة بشكلٍ متكرر إلى العلاقة بين (كتب التشريعات الثلاثة): العهد القديم، والعهد الجديد، والقرآن.
إنني في هذه المحاضرة أود أن أناقش نقطة واحدة - قد تكون هامشية بالنسبة إلى ذلك الحوار نفسه-؛ ولكنني وجدتها بالنسبة إلى موضوع (الإيمان والمنطق) مثيرة للاهتمام، ويمكن أن تفيد كنقطة بداية لتأملاتي حول هذا الموضوع.
ففي النقاش السابع والذي حرره البروفيسور (خوري)، يناقش الإمبراطور فكرة الجهاد (الحرب المقدسة). لا بد أن الإمبراطور كان يعرف السورة (2): الآية (256) التي تنص على: "لا إكراه في الدين". إنها واحدة من سُور الفترة الأولى [من الرسالة] عندما كان محمد بلا قوة وتحت التهديد. ولكن من الطبيعي أن الإمبراطور أيضاً كان يعرف التعاليم التي تكونت فيما بعد، والتي دُوِّنت في القرآن بخصوص الحرب المقدسة.
وبدون الانزلاق إلى التفصيلات - مثل اختلاف المعاملة الذي مُنِح لـ (أهل الكتاب) عن (الكفار)- فقد واجه الإمبراطور مُحاوِرَه بأسلوب مباشر وجاف -إلى حدٍّ ما- حول السؤال المحوري عن العلاقة بين الدين وبين العنف بوجهٍ عام من خلال هذه العبارات، وأنا أنقلها هنا.. وأنا أنقلها هنا: "أرِني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف". واستمر الإمبراطور يشرح بالتفصيل كيف أنَّ نشرَ الإيمان من خلال العنف أمرٌ غير منطقي. إن العنف لا يتناسب مع طبيعة الإله وكذلك طبيعة الروح. ويقول [الإمبراطور]: "إن الإله لا يفرح بإراقة الدماء، والتصرف بشكل غير منطقي هو مخالف لطبيعة الإله. إن الإيمان يولد من الروح، وليس من الجسد. إن من يدعو شخصاً ما إلى الإيمان يحتاج إلى القدرة على الحديث الجيد والتفكير المنطقي المقبول دون عنف أو تهديدات، لكي تقنع نفساً عاقلة، لا يحتاج الشخص إلى ذراع قوية، أو سلاح من أي نوع، أو أي وسيلة أخرى لتهديد شخصٍ ما بالموت...".
إن الفكرة الغالبة في هذا الحوار ضد التحول [إلى دين ما] بالعنف هي التالي: إن عدم التصرف طِبقاً للمنطق أمر مخالف لطبيعة الإله. ويلاحظ محرر الكتاب (ثيودور خوري): بالنسبة للإمبراطور البيزنطي الذي تَشكَّل فِكره من خلال الفلسفة اليونانية، فإن هذه العبارة تدلل على نفسها. أما بالنسبة للتعاليم المسلمة، فإن الإله (لا محدود). إن إرادته لا تحدها أي من تقسيماتنا، حتى في ما يتعلق بممارسة المنطق. وينقل هنا خوري عن الكاتب الفرنسي المهتم بالإسلام (أر. أرنالدز) إشارته إلى أن (ابن حزم) قد وصل إلى درجة القول: أن الإله لا تلزمه حتى وعوده هو، وليس هناك ما يجبره أن يوضح لنا الحقيقة. وإذا شاء الإله، فيمكن أن نُجبَر على ممارسة عبادة الأصنام".
انتهى هنا كلام البابا المتعلق بالإسلام ونبي الإسلام والجهاد، وهي عبارات أثارت حفيظة المسلمين في كل أنحاء العالم، ولكنه رفض أن يعتذر عنها بشكل صريح وواضح. إن مواقف هذا البابا من الإسلام معروفة مسبقاً، ولكن الأمة الإسلامية آثرت في السابق أن تعطي لهذا البابا فرصة إعادة النظر في تلك المواقف بعد أن تولى أعلى المناصب الدينية في العالم الغربي.
إن هذا البابا هو من عارض وبشدة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولم يتنازل عن هذا الموقف حتى الآن، وكان تفسيره لتلك المعارضة أن تركيا "تنتمي إلى دائرة ثقافية أخرى"، وأن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون"خطأ جسيماً يسير عكس أمواج التاريخ" فهل كان يشير إلى التاريخ الذي وقف فيه العثمانيون على أبواب فيينا؟ أم تاريخ الحروب الصليبية التي تسببت في قتل مئات الآلاف من المسلمين بدعوى نشر المسيحية؟ إن هذا البابا يبحث عن إحياء أوروبا المسيحية، ولا أتمنى أن يكون باحثاً في طياتها عن أوروبا الصليبية مرة أخرى. إنه ينقب دائماً في التاريخ عن ذلك، وينوي بعد كل ما قال أن يزور تركيا أيضاً في شهر نوفمبر القادم! وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
إن هذا البابا قد كتب في عام 1996م أن: "الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع العالم المتمدن"، فهل هذا هو احترام الإسلام الذي يقصده هذا البابا؟ إنه نفس البابا الذي هاجم في العام الماضي قيادات المسلمين في ألمانيا بدعوى أنهم قد فشلوا في "إبعاد أبنائهم عن ظلام البربرية الجديدة" ... حقاً إنه يحترم مشاعرنا!
وفي اجتماع سري عقد في مدينة (كاستيل جوندولوفو) الإيطالية بحضور البابا في سبتمبر من عام 2005م، وحضره أحد الأساقفة من (فلوريدا) بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأسقف (جوزيف فيسيو)، نقل هذا الأسقف أن البابا تحدث في الاجتماع المغلق عن الإسلام، وذكر أن البابا أعرب عن رأيه أن الإسلام: "بخلاف كل الأديان الأخرى لا يمكن إصلاحه، ولذلك فهو لن يتوافق أبداً مع الديمقراطية؛ لأن حدوث ذلك يقتضي إعادة تفسير جذرية للإسلام، وهذا مستحيل بسبب طبيعة القرآن نفسه وعلاقة المسلمين به". وعندما ناقشه أحد الأساقفة أن ذلك ما يزال ممكناً، اعترض البابا بوضوح كما ينقل عنه الأسقف (جوزيف فيسيو) قائلاً: إن البابا علق على ذلك بهدوء ووضوح قائلاً: "هناك مشكلة أساسية في هذا الرأي. أن الرؤية التاريخية الإسلامية تؤمن أن الله قد أنزل كلماته على محمد، وأنها كلمات باقية إلى نهاية الزمان؛ وهي ليست كلمات محمد، وبالمقابل فإن هناك منطقاً داخلياً للإنجيل المسيحي تسمح له وتطالبه أن يتغير ويتأقلم مع المواقف المتجددة".
وفي تعليق آخر على نفس الاجتماع، ذكر الباحث في الإسلام سمير خليل سمير، الذي حضر أيضاً الاجتماع المغلق إن البابا يرى إمكانية تغير الإسلام فقط إن أمكن "إعادة تفسير القرآن بشكل جذري وكامل، وإعادة النظر بالكامل في مبدأ عصمة الوحي". فهل الحوار مع الأديان الأخرى يمكن أن يتقدم من خلال تلك الرؤية السوداوية للإسلام؟ لماذا لا يكون البابا صريحاً وواضحاً في مواقفه بدلاً من محاولات الاستخفاف بالأمة بشكل مهين بعبارات من مثل "حزين جداً" التي لم تعد تنطلي على أحد؟
قام أحد الصحفيين بسؤال البابا بشكل مباشر ومفاجئ: إن كان يعتبر "الإسلام دين سلام؟" رفض البابا أن يصف الإسلام بدين السلام، وإنما قال بثقة: "إنني لا أرغب في استخدام الكلمات الكبيرة لوصف أمور عامة، إن الإسلام بالتأكيد يحتوي على عناصر يمكن أن تميل إلى السلام، ولكنه أيضاً يتكون من عناصر أخرى. ولا بد لنا أن نختار دائماً أفضل العناصر". إن البابا يريد لأمة الإسلام أن تكون انتقائية في تعاملها مع ما يأمر به هذا الدين، ولكنه في الوقت نفسه لا ينتقي من هذا الدين أفضل ما فيه لكي يتحدث عنه، ولكنه يكتفي بالهجوم غير المبرر والدائم والمتكرر على الإسلام وعلى رموز الإسلام.
وفي اليوم السابق لهذا التصريح الصحفي، قام البابا أيضاً بتوجيه النصيحة التالية للمسلمين: "ارفضوا طريق العنف الذي تسبب في معاناة ضخمة للسكان المدنيين، واعتنقوا بدلاً من ذلك سياسة السلام". لم يكلف البابا نفسه عناء توجيه نفس الرسالة إلى قادة الغرب الذين يقتلون باسم الديمقراطية عشرات أضعاف من يقتل ظلماً وزوراً باسم الإسلام، ولم يكلف البابا نفسه أيضاً عناء مخاطبة قادة الكيان الصهيوني أن يلجؤوا إلى السلام بدلاً من القتل اليومي والمتكرر لأبناء الأمة الإسلامية في فلسطين ولبنان.
هل تغير موقف الكنيسة الكاثوليكية؟
لقد حاولت الكنيسة الأوروبية الكاثوليكية في النصف الثاني من القرن الماضي أن تبدأ مرحلة جديدة من العلاقة مع العالم الإسلامي، تقوم على نوع من الاعتراف الضمني بالدين الإسلامي كدين موجود على الساحة العالمية في العقود الماضية، ولكن يبدو أن البابا الحالي قد قرر إعادة تعريف تلك العلاقة مرة أخرى.
يرصد الباحث الروسي (أليسكي جورافيسكيس) هذا التغير بدقة عندما يذكر: "بدأ ذلك في منتصف القرن الماضي بعد قرون طويلة من تعمد تجاهل الإسلام. لأول مرة في تاريخ الكنيسة ناقش المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965م) على مستوى مذهبي - عقائدي مشكلة العلاقة بين الكنيسة والديانات غير المسيحية. حيث خصص لهذه المسألة المهمة تصريح خاص حول علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية Nostra Aetate ، والذي نوقشت بعض جوانبه بصورة أو بأخرى في عدد من الوثائق الصادرة عن المجمع. كما أولى هذا المجمع اهتماماً خاص للإسلام. فللمرة الأولى منذ أربعة عشر قرناً من وجود المسيحية والإسلام، يتحدث مجمع مسكوني كاثوليكي بصورة إيجابية عن المسلمين، معترفاً بوضعهم الديني المتميز. لهذا شبهت المطبوعات الكاثوليكية التغيير الحاصل في موقف الكنيسة تجاه الإسلام بـ (الانقلاب الكوبرنيكي) "( ).
أما نص العبارات التي صدرت عن المجمع بعد المناقشات والحوارات المطولة حول الإسلام فكانت كالتالي: "إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء، خالق السماء والأرض وملك البشر. الذين [أي: المسلمين] يجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله غير المعلنة، كما خضع له إبراهيم، الذي يسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي. إنهم يُجِلَّون يسوع كنبي؛ وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون أمه مريم العذراء؛ بل إنهم بتقوى يتضرعون إليها أحياناً (!!). علاوة على ذلك فإنهم ينتظرون يوم الدين عندما يثيب الله كل البشر القائمين من الموت، ويعظمون الحياة الأخلاقية أيضاً، ويؤدون العبادة لله لاسيما بالصلاة والزكاة والصوم. وإذا كانت قد نشأت على مر القرون، منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجتمع المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا معاً العدالة الاجتماعية والخيارات الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة الناس جميعاً"( ).
لكننا اليوم نشهد تغيراً واضحاً في هذا الخط التسامحي، وعودة تيار التشدد داخل الكنيسة الكاثوليكية الأوروبية ممثلاً في البابا (بينديكيت) السادس عشر إلى صياغة العلاقة مع العالم الإسلامي.
لقد أقدم البابا مؤخراً على تغيير اسم (لجنة حوار الأديان) إلى (لجنة حوار الثقافات). وهذا تراجع عن نتائج المجمع الفاتيكاني 1962 - 1965م، والتي تضمنت اعترافاً بالديانات الإبراهيمية وشراكة معها، وحواراً تعارفيّاً مع الأديان الأخرى كما ذكرنا سابقاً. وكانت المجلة الفاتيكانية الشهيرة (إسلامو-كريستيانا) التي يصدرها الفاتيكان قد توقفت أيضاً. وكل ذلك لا يَعِد بخير وانفتاح وتواصل.
المشكلة كما يراها الباحث الدكتور رضوان السيد، ليست في رؤية البابا السلبية للإسلام بل في الانكماش والانطوائية والتوجس من الآخر، وإدخال هذا الدين العالمي الكبير في مشروع وهمي هو مشروع أوروبا المسيحية( ).
المواقف السياسية:
تناقل العالم مؤخراً وصف الرئيس الأمريكي (جورج بوش) للإسلام بالفاشية، وقبلها إعلانه عن الحرب الصليبية في مواجهة أحداث سبتمبر. وانتشرت العبارات الساخرة من المسلمين على ألسنة عدد من العاملين في الإدارة الأمريكية، رغم أنهم يحاولون دائماً التخفي تحت عبارة: إن الإسلام دين سلام.
وتنتشر في الغرب التصريحات المسيئة للإسلام والمسلمين على لسان السياسيين وصناع القرار. فمثلاً، شن (شارلي هاغن)، رئيس الحزب التقدمي النرويجي، هجوماً على المسلمين وشبههم بالنازيين، واتهم أعضاء من الحزب القومي البريطاني في التلفزيون الفاتحين المسلمين الأوائل بأنهم (قوم من المجانين والمعتوهين)، بل إن عضو الكونغرس الأمريكي (جون هوكس) شبه عمامات علماء المسلمين بحفاضات الأطفال‏. أما النائب العام السابق للولايات المتحدة (جون أش كروفت) فقد قال، طبقاً للتقارير الإعلامية عقب أحداث سبتمبر: "إن الإسلام هو الدين الذي فيه يطلب منك الله إرسال ابنٍ للموت من أجله، أما المسيحية فهي الدين الذي فيه يرسل الله ابنَه للموت من أجلك".
القائمة في ذلك تطول، وليس الهدف هنا جمع هذه الأقاويل أو رصدها، وإنما التأكيد أن نماذجها كثيرة وتعكس نوعاً من التوافق بين مختلف فئات المجتمع الغربي مؤخراً على الاستهزاء بالإسلام.
المواقف الإعلامية:
ويتبنى الإعلام الغربي حملة شديدة البشاعة على نبي الإسلام وعلى الدين الإسلامي بالعموم منذ أحداث سبتمبر. وكثرت الرسوم الكاريكاتورية التي تهزأ بنبي الإسلام، والمقالات التي تهدد بما لا يعقل أو يتصور ممن يطالبون العالم بنبذ العنف والجلوس إلى موائد الحوار.
على سبيل المثال، احتجت جمعيات إسلامية في إيطاليا على نشر مجلة (ستودي كاتوليكي)، القريبة من منظمة (أوبوس داي) المحافظة الكاثوليكية، رسماً يصور الرسول محمد  "في الجحيم". وكانت وكالة (أنسا) الإيطالية أول وسيلة إعلامية تحدثت عن هذا الرسم فأفادت: "إن مجلة (ستودي كاتوليكي) نشرت في عددها لشهر مارس 2006م رسماً يصور الشاعر الإيطالي (دانتي أليغييري) والشاعر الروماني (فرجيليوس) عند أطراف دائرة من النار ومن حولهما شياطين، بحسب وصف الوكالة، يسأل (فرجيليوس دانتي): "هذا الرجل المشطور إلى اثنين، أليس هو محمد؟" ويجيب (دانتي) بحسب (أنسا): "أجل، شُطر اثنين؛ لأنه زرع الشقاق في المجتمع". وقال مدير المجلة (سيزاري كافاليري) العضو في منظمة (أوبوس داي) للوكالة: "إن الرسم الساخر غير اللائق سياسياً يجدي نفعاً من وقت لآخر. وهذا ليس سوى تصوير لمقطع من الكوميديا الإلهية للشاعر (دانتي)".
وعقب أحداث سبتمبر 2001م، كانت هناك مناقشة جادة في (الزاوية) - وهي دائرة في النسخة الإلكترونية من مجلة National Review، إحدى مجلات الرأي الأمريكية الرئيسية - حول جدوى إسقاط القنابل النووية على مدن إسلامية وعربية معينة. والمدن الرئيسة التي تم اقتراحها للتدمير النووي هي طهران وبغداد ودمشق. كما تم أيضاً ذكرُ (رام الله) وغزة كهدفين محتملين في حال امتلكتْ الولايات المتحدة قنابل (نظيفة) بشكل لا يُحدِثُ دماراً في المنطقة المجاورة. وجرت مناقشة بين محرِّري National Review حول: ما إذا كان يجب تدمير مكة نفسها؟!( ) .
وهنا مرة أخرى يتضح أن الهجوم على الإسلام ليس فقط عملاً يقوم به بعض المتدينين غيرة على دينهم، أو بعض الساسة وصناع القرار من أجل مصالحهم؛ ولكنه أصبح سمتاً عاماً مقبولاً في المجتمع الغربي، وهذا ما تعبر عنه الكثير من التصريحات الإعلامية التي لو ذُكِرت في حق دين آخر لقامت الدنيا ولم تقعد!
مواقف التيار الليبرالي:
شهدت النهضة الأوروبية، في نهاية القرون الوسطى وبداية عصر الثورة الفرنسية وثورة التصنيع، انتشار الفكر الليبرالي العلماني الذي بدأ يكتسب شعبية كبيرة، وخصوصاً مع نجاح هذا التيار في تقليص دور الكنيسة في أوروبا في الحياة بوجه عام، وفي مجالات التأثير الفكري بوجه خاص.
ولكن العداء للدين - أيَّ دين - جعل رواد حركة التنوير الأوروبية يميلون أيضاً على التهجم على نبي الإسلام وعلى الإسلام بوصفهما يمثلان ديناً وهم يحاربون الأديان برمتها وفي كل أشكالها. كما أن الفكر العلماني الأوروبي استشعر بالخطر من القوة الفكرية للدين الإسلامي، ولذلك استمرت حملة الاستهزاء بنبي الإسلام والسخرية من دعوته بين رموز هذا التيار التنويري - الليبرالي - كما يحب أن يسمي نفسه.
وفي طليعة هؤلاء كان المفكر الفرنسي (فولتير). حيث لفتت نظره قبل كل شيء شخصية نبي الإسلام، الذي جعله البطل الرئيسي في المسرحية التراجيدية (ماهومت) أو (محمد) وكان اسم المسرحية هو (التعصب، أو النبي ماهومت). يفترض الباحثون المهتمون أن (فولتير) استخدم في تأليفه لهذا العمل التراجيدي بعض المؤلفات العلمية والأدبية، التي راجت في عصره، أما الأحداث والوقائع التاريخية الحقيقية في الجزيرة العربية، وكذلك المعطيات الثابتة في سيرة النبي محمد الشخصية، فقد أهملها الفيلسوف الفرنسي (فولتير) إهمالاً تاماً تقريباً. لقد رأى (فولتير) في شخص النبي محمدٍ نموذجاً للتعصب الديني، والطغيان الثيوقراطي، الذي يستغل مشاعر الناس البسطاء ومعتقداتهم الساذجة لأجل بلوغ غاياته الشريرة. وبهذا الصدد كتب (فولتير) إلى بعض أصدقائه قائلاً: "إنني أصور محمداً متعصباً، عنيفاً، ومحتالاً وعاراً على الجنس البشري، الذي تحول من تاجر ليصبح نبياً مشرعاً، وملكاً . محمد إنه يجسد خطر التعصب..."( ).
كان (فولتير) يهاجم من خلال الإسلام الدين بشكل عام، والمسيحية الرسمية خصوصاً. ولكن من وراء هذا المشروع العام يبرز تعمده لاختيار الإسلام كرمز للتعصب، وانعدام الإنسانية، ولإرادة القوة. إن الخصائص التي ألصق بها الإسلام ونبيه، تعبر عن نفور واضح تجاههما( ).
واستمرت الثقافة الفرنسية بالعموم في موقفها من احتقار الإسلام وتهميشه في الحياة الثقافية حتى الآن. إن الفلسفة الفرنسية لا تعير أي اهتمام للفلسفة العربية، وعندما تتعرض الكتب المدرسية لموضوع التوحيد فإنها بمجملها تقتصر على التقليد اليهودي - المسيحي. وحتى في قمة البحث، عندما يهتم باحث مثل (برغسون) بالصوفية الشرقية، فإنه يوجه نظرته المتسائلة والمتفهمة نحو الهند، وليس نحو الإسلام( ).
لقد اختارت العلمانية الأوروبية أن تجعل الاستهزاء من الإسلام ومن نبيه  أحد أهم وسائل تعبير هذا التيار عن نزعته المعادية للدين والتدين. لذلك قام هؤلاء المفكرون الذين يشار إليهم برموز التنوير باتهام الإسلام بالرجعية والتخلف، ومعاداته للتقدم في المجالات الفكرية والاجتماعية والثقافية. وأصبحت هذا الفكرة منذ نهايات القرن الثامن عشر الميلادي تمثل الفكرة السائدة والقالب النمطي عن الإسلام بين أنصار الفكر العلماني.
فهذا مثلاً المفكر المعروف (ليفي ستراوس) يناقش الإسلام بروح تحمل عداءاً ظاهراً، وتفتقد أيضاً لأبسط قواعد الإنصاف البحثي والعلمي. إنه "يبدأ تأملاً طويلاً لروح الإسلام ناقصاً في معلوماته، معادياً ومتحيزاً بشكل واضح. لكن هذا التأمل يبقى حدسياً وعميقاً بشكل مذهل. لقد قام الإسلام على النفي: نفي المرأة خارج جماعة الرجال، ونفي غير المؤمن خارج جماعة المؤمنين. ولذا فإن التسامح المعروف عند المسلمين إنما هو (انتصار مستمر على ذاتهم)، هو في نهاية المطاف تسامح كاذب. الإسلام محير لذاتية الفرد المسلم مع أنه يطور القدرة على العمل. إن الأخوة الإسلامية، لبنة الجماعة، هي فقط قاعدة ثقافية ودينية، أساسها منافق؛ لأنها تديم اللامساواة الصارخة. الإسلام منعوت أيضاً كدين عسكري، كدين (مسامح)، من هنا أتى الانحراف الجنسي الذي يميزه، والحديث عن فضائل الرجولة المرتبطة بالنفس العربية. هذه الفضائل من فخر وبطولة وغِيرة، ما هي غالباً إلا أشكال من التعويض للشعور بالنقص أمام الآخر الذي هو النقيصة الكبرى، ورعب الشخصية الإسلامية. ويقول عن الإسلام: "إنه دين كبير يقوم على العجز عن نسج علاقات في الخارج أكثر مما يقوم على بديهية وحي. وقبالة العطف العالمي للبوذية، والرغبة المسيحية في الحوار؛ يتبنى اللاتسامح الإسلامي شكلاً لا واعياً عند المسلمين؛ لأنهم وإن لم يسعوا دائماً، وبطريقة فجة، إلى جذب الآخر لتبني حقيقتهم؛ فإنهم مع ذلك - وهذا أخطر - عاجزون عن تحمل وجود الآخر كآخر. إن وسيلتهم الوحيدة للبقاء في مأمن من الشك والاحتقار هي في عملية إلغاء الآخر كشاهد على إيمان آخر وسلوك آخر"( ).
جاء تحت مادة (جبريل) في موسوعة المعارف الإسلامية، وهي النتاج الفكري لفريق الليبراليين من المستشرقين الذين أرادوا أن يعيدوا كتابة تاريخ الإسلام من خلال هذه الموسوعة بشكل يمتلئ بالاتهامات الباطلة والظالمة عن الدين الإسلامي، وعن نبي الرحمة - صلوات الله وسلامه عليه -. يقول المستشرق (كارادي فو) في هذه الموسوعة: "وقد اصطنع النبي القصة التي تقول: بأَن الرسول السماوي يتحدث إلى الأنبياء، واعتقد أنه تلقّى رسالته ووحيه منه، والظاهر أن النبي عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل، ولكنه لم يكن في مقدوره أن يعرف الإنجيل من غير وساطة، ولعلّه سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة، أو الباحثين في الأديان، أو من أحد الحنفية، وقد وصلهم الخبر مشوّهاً"( ).
ثم جاء الاستعمار الأوروبي ليجِد في ترسيخ فكرة رجعية الإسلام وسيلة هامة للضغط على الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي؛ التي كانت لا ترغب في التغيير والتقدم ومنافسة الغرب في المجالات المدنية والحضارية. لذلك رسخ الاستعمار الغربي أيضاً فكرة الإسلام كدين يدعو إلى الثبات والاستقرار وعدم التغير، وذلك لخدمة الأغراض الاستعمارية الأوروبية.
يذكر المفكر الغربي (إن. دانيال) هذه النقطة بإيجاز عندما يقرر أن: "الوعي الاجتماعي الأوروبي للربع الأخير من القرن التاسع عشر قد تكونت لديه صورة مزدوجة عن الإسلام؛ فمن جهة، تمَّ تصوره كتهديد معادٍ للمصالح الغربية دولاً وأفراداً، بما يمثله من النزوع إلى الرابطة أو الوحدة الإسلامية، وبصفته تعصباً للبرابرة المعادين لـ (رسالة أوروبا التحضيرية) الإنسانية - الكونية. من جهة أخرى رأت الدوائر الإستراتيجية الغربية في الإسلام (دين استقرار) وعامل تثبيت، يمكن استخدامه في إطار (إطاعة الحكام) و المحافظة على السلطات الصديقة"( ).

الفصل الثالث: الأصول الفكرية
لموقف الغرب من النبي 
"لقد كانت فترة ظهور البروتستانتية، هي فترة ازدهار لمن اهتموا بالهجوم على الإسلام وعلى نبي الإسلام. وأصبح الإسلام هو السبة أو الإهانة التي يمكن أن يوصف بها كل مخالف".

الفصل الثالث
الأصول الفكرية لموقف الغرب من النبي 
لكي ننجح في فهم علاقة الغرب فكرياً بنبي الإسلام ، فلا بد أن نبتعد قليلاً عن المواقف، وندرس المبادئ. إن المواقف ليست إلا تعبيرات واقعية عن الأفكار الكامنة في الشخصية الغربية، والتي تكونت عبر قرون طويلة من التأثير الفكري الذي كون قناعات راسخة لا تتزعزع داخل الشخصية الغربية فيما يتعلق بعلاقتها بالخالق، وعلاقتها بالكون والطبيعة والآخرين من البشر.
تتصادم هذه القناعات الغربية على المستوى الفكري بشدة مع ما جاء به النبي . كما أن تراكم الحقد والخوف الغربي من الإسلام ومن نبي الإسلام قد ساهم في نشأة العداء بين الطرفين، وليس من المتوقع أن يقل أو ينتهي هذا العداء في القريب.
وفي هذا الفصل مجموعة من الأسباب الفكرية التي ساهمت في تكون علاقة العداء بين الغرب وبين نبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام - على المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي.
مركزية التوحيد في مقابل مركزية الإنسان:
إن المشكلة الرئيسة في علاقة الغرب فكرياً بالعالم الإسلامي وعداء الغرب للنبي ، هي مركزية توحيد الله - تعالى- وعبادته لدى المسلمين، والتي تتجسد في دعوة محمد ، وفي دين الإسلام وفي واقع الأمة الإسلامية، بصرف النظر عن درجة تدين والتزام أفراد هذه الأمة. ينطلق الغرب فكرياً - وبكل فئات مجتمعاته وكل مفكريه - من فكرة مركزية الإنسان في الكون، وأن الفرد هو مركز الاهتمام الرئيس، وأن تطلعات الفرد وحقوقه وحرياته تُقدَّم على أي أمر آخر، وحتى أمور العبادة وعلاقة الفرد بالإله.
إن الغرب يرى أن محمداً  قد قدَّم مفهوماً يمكن أن يهدم الفكر الغربي من أساسه، وهو مركزية محبة وعبادة الله - تعالى - في حياة البشرية مقابل نظريات الغرب التي تقوم على مركزية الإنسان. اختار الغرب لذلك أن يجعل عداء الإسلام ضمن منظومة قِيَمه الرئيسة؛ لأنه يتمكن بهذه الطريقة من إبقاء الفرد مركزاً للكون في مواجهة دعوة محمد  التي حافظت على مكانة الخالق - جل وعلا - ومركزيتها في حياة البشر.
وحول ذلك تحدثت المؤلفة البريطانية (كارين أرمسترونج)، صاحبة كتاب (محمد) قائلة: "علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية، التي بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملات الصليبية، وهي بداية استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى. فالقرن الحادي عشر كان بداية لأوروبا الجديدة، وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة"( ).
بين محمد والمسيح:
تمحور الفكر الغربي حول شخصية المسيح - عليه السلام -. وتحولت شخصية المسيح بعد تحريف الدين المسيحي إلى تجسيد للفكر الغربي حول مركزية الفرد في الكون. فقد تحول الإله في نظر المتدينين إلى شخص، إله في صورة فرد، دفع دمه ثمناً مقدماً لجميع خطاياهم القادمة. وعندما سيطر الفكر النفعي على الشخصية الغربية، أصبح التعلق بشخص المسيح يمثل قمة النفعية لمن اختاروا التدين، فهو قد قام بدفع فاتورة خطاياهم حتى قبل أن يقعوا فيها، وأبقى لهم الحياة لكي يمارسوا فيها ما شاءوا من أفعال طالما أن محبة المسيح - كفرد وكإله - تسيطر على مشاعرهم. أما من تركوا الدين المسيحي بأكمله، وأصبحوا لا دينيين، أو ملحدين، فقد كان المسيح - بعد تحريف الدين - أيضاً مركزياً في مواقفهم الفكرية، فهو فرد، وبالتالي لا يمكن أن يختلف عن غيره من البشر، وبالتالي فليس هناك إله، بزعمهم. كما أن المسيح، بصورته التي قامت الكنيسة الغربية بتصويرها، رحيم منعزل عن حياة الناس، يقبل بكل معايير الحياة الإنسانية، ولا يدعو إلا إلى الحرية والمساواة، وهي أهم قيم العلمانية ولا تُصادِمُ من تركوا الدين، وبالتالي فلا حاجة إلى مصادمة المسيح.
أما العلاقة مع محمد فهي علاقة تصادمية مع كلٍ من التيار الديني والعلماني في الغرب على المستوى الفكري. فمحمد -  - حرص على أن يكون فرداً، إنساناً بكل معاني الإنسانية، ورفض أن يكون إلهاً في صورة إنسان، وبالتالي فهو يناقض فهم المتدينين من الغرب للإله الذي عرفوه، وبالتالي تكونت الكراهية والضيق من كل ما يمثله محمدٌ ، فهو ليس على شاكلة المسيح في نظرهم. هو يناقض أيضاً مشاعر ورغبات غير المتدينين؛ لأنه يطلب من البشر - كما أمره خالقه - بالكثير من العبادات والأعمال والالتزامات، ويقدم حرية المجتمع على حرية الفرد، ويضحي بالمساواة من أجل العدالة ومن أجل صلاح المجتمع. كل ذلك ساهم في تكوين صورة سلبية وقاسية عن نبي الإسلام.
كما عقدت المقارنة بين التوسع الإسلامي، ودخول المسلمين في معارك من أجل نشر الدين أو الدفاع عن المسلمين، مع الروح غير القتالية التي تصورها المسيحية الرومانية المحرفة عن حياة المسيح - عليه السلام -. فكما يذكر أحد الباحثين، فإن: "تصنيف الإسلام كدين حرب يستند أساساً إلى صورة المثال المسيحي. لقد ابتعد المسيح في تبشيره عن وسائل النجاح السياسية، حتى أن مجده يقوم على خسارته. إن الكنيسة لم تُقِم إمبراطورية، لقد مسحت الإمبراطورية القائمة، وتسللت إليها كما الدودة إلى الثمرة. دون شك؛ إنَّ التراث الديني اليهودي، بعد (الأسر)، جعل من التطلع إلى المسيح منقذاً هو بمثابة تعويض عن الخسارة في العالم"( ). أما الإسلام فلم يتبنَّ هذه الروح التي تميل إلى الخسارة في الدنيا من أجل تحقيق المجد في الآخرة، وهنا أيضاً استخدمت هذه المقارنة غير الصحيحة للطعن في الإسلام، ووصف نبي الإسلام أنه جاء بالسيف والعنف والعدوان.
يروى الكاتب العربي هشام جعيط في تحليله للشخصية الأوروبية كيف أنها نظرت للعالم الإسلامي ولدعوة النبي  فيقول: "يسير تاريخ الإسلام لا وفق ديناميكيته الخاصة، بل كانعكاس شاحب ومعكوس لتاريخ الغرب. لنأخذ مثلاً على ذلك: شخصية محمد، نلاحظ أنه ضمن كل تحليل لهذه الشخصية تنساب عملية مقارنة مع المسيح. إذا كان محمد غير صادق؛ فذلك لأن المسيح كان صادقاً، وإذا كان متعدد الزوجات وشهوانياً؛ فلأن المسيح كان عفيفاً، وإذا كان محمد محارباً وسياسياً؛ فذلك استناداً إلى أنَّ يسوعَ مسالم، مغلوب ومعذب"( ).
الحاجة إلى المعجزات:
إن المتدينين في الغرب - كما في الشرق أيضاً - يعشقون فكرة المعجزة؛ لأنها خلاص من مواجهة واقع يطحن أحلامهم، لذلك انتشر في التدين الغربي قصص المعجزات والخوارق وكرامات القديسين، وأصبح ذلك مكوناً رئيسياً من مكونات التدين الكاثوليكي الغربي. أما محمدٌ  فقد جسّد إمكانية انتصار الإنسان دون حاجة إلى المعجزات، لقد كانت حياة الرسول - في نظرهم - خالية من المعجزات، والحياة الغربية قاسية، والتدين فيها يسمح للفرد أن يحلم بالمعجزة للفرار من الواقع، ونبي الإسلام لا يعد بالمعجزات، وإنما بحياة مليئة بالجهد والجد والمعاناة من أجل آخرة يمكن فيها الاستمتاع بالجنة.
لقد نجح من حرفوا دين المسيح أن يقنعوا أنصار المسيح في الفكر الغربي، أن لهم أن يجمعوا بين كل متع الدنيا - فقد دفع ثمن ذلك المسيح -؛ وأن يجمعوا معها أيضاً النجاة في الآخرة؛ لأنهم أحبوا المسيح. وهكذا يتفرغ المتدين للحياة دون الحاجة الحقيقية للعمل؛ فإن محبة المسيح كافية لدخول الجنة. أما محمدٌ  فإن دينه ودعوته تطلب من الإنسان الكثير، ولا تعد بالمقابل إلا بأمل في رحمة الله. كيف إذن لمن يعتنق الفكر النفعي أن يحب محمداً؟
تجذر فكرة النبوة الكاذبة:
قامـت الكنـيسة الغربية تحديداً منذ بداية الإسلام بالطعن في صدق نبوة رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، ولا يزال هذا الموقف هو السمت المشترك لمعظم المفكرين المتدينين الغربيين، رغم أن بعضهم قد تنازل ووصف النبي ببعض الصفات الإيجابية كقائد سياسي، أو مصلح إنساني، أو إنسان طموح، ولكن ليس كنبي يوحى إليه. أخطأ كثير منا في فهم دلالة العبارات، والتي تطير بها وكالات الأنباء العربية والإسلامية، وكأنها تمثل تحولاً فكرياً في نظرة الغرب للنبي. فكم تغنينا بعبارة أن "العظماء مائة وأعظمهم محمد" وغيرها من العبارات التي يكثر تقديمها في هذا السياق.
رأى المسيحيون في شخص محمد - كما يروي أحد المفكرين الغربيين - رجلا مرتداً أو نبياً مزيفاً، لا يملك سوى الادعاءات والأضاليل، وفي تفسيراتهم الأقل تحفظاً صُوِّرَ محمد كساحر، معادٍ للمسيح، أو حتى أنه الشيطان ذاته، وصُوِّرَ الإسلام على أنه لون جديد من الهرطقة (اليهودية، أو المسيحية)، أو على أنه ضرب جديد من الوثنية( ).
كما يقول المستشرق (فنسنك): "إنّ محمداً كان قد اعتمد على اليهود في مكّة، فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطّة عداء، فلم يكن له بدٌّ من أن يلتمس غيرهم ناصراً. هناك هداه ذكاء مسدّد إلى شأنٍ جديد لأبي العرب إبراهيم، وبذلك استطاع أن يخلص من يهوديّة عصره ليصل حبله بيهوديّة إبراهيم".
أما (مارتن لوثر)، مؤسس المذهب البروتستانتي، فكان له رأي شبيه بذلك في الإسلام وفي نبيه - صلوات الله وسلامه عليه -، ولكنه كان يستغل هذا الرأي في الطعن في الكنيسة الكاثوليكية أيضاً. يعبر عن ذلك المفكر الغربي (عن. دانيال) قائلاً: "إن لوثر ذاته كان واحداً من أوائل الذين صاغوا نموذجاً جديداً كلياً للموقف من الإسلام، مستخدماً إياه كنموذج سلبي في جداله العنيف مع الكاثوليكية حيث يقول: "البابا والإسلام يشكلان - من حيث الجوهر- العدوين اللدودين للمسيح وللكنيسة المقدسة، ولكن إذا كان الإسلام يمثل جسد المسيح الدجال، فإن البابا هو رأسه"( ).
هكذا كان (لوثر) يرى الإسلام، ويصف النبي بأنه المسيح الدجال. لقد كانت فترة ظهور البروتستانتية، هي أيضاً فترة ازدهار لمن اهتموا بالهجوم على الإسلام وعلى نبي الإسلام. وأصبح الإسلام هو السبة أو الإهانة التي يمكن أن يوصف بها كل مخالف. وانتشر في ذلك الوقت تبادل هذا الاتهام بين كل من أنصار الكاثوليكية وأنصار البروتستانتية.
أصبح المفكرون المسيحيون في أوروبا كثيراً ما يعودون إلى مبادئ الإسلام في تلك الفترة، ليس بهدف المناظرة والمساجلة معه مباشرة؛ بل من أجل استخدام نموذجه كوسيلة في المجالات اللاهوتية والفلسفية المحتدمة. وهكذا، فإن اتهام بعضهم بعضاً بـ (الإسلامي) أصبح هو الموضة الرائجة بصورة عجيبة بين اللاهوتين البروتستانت والكاثوليك في القرن السادس عشر. لقد رأى البروتستانت في الإسلام، وبالتالي في الكاثوليكية "عملاً دون إيمان"، أما الكاثوليك بدورهم فقد اتهموا الإسلام في أثناء مجادلاتهم المضادة للبروتستانتية بأنه يجسد "الإيمان بلا عمل".
ساهمت الرؤية الفكرية الغربية بأن نبوة محمد  كاذبة في عقد مقارنات ظالمة مع المسيحية الرهبانية؛ بغرض تشويه صورة الإسلام وصورة نبيه. وهنا تتدخل رؤية للنفس المسلمة نابعة من شروط تطور فكرة النبوة الكاذبة. هذه الرؤية مفادها: إن سلوك نبي الإسلام هو نقيض سلوك القديس القائم على قمع الغرائز، وأن الإسلام شهواني ومادي في روحه وفي مفهومه للجنة، وأن شرائعه ومؤسساته لم تفعل سوى تطوير هذه الجرثومة القاتلة التي تعيبه من أساسه. فإذا كان مفهوم الجنة يبين أننا أمام دين خالٍ من الروحية، محصور في صورة اللذات المستقبلية، وتفوح منه رائحة الوثنية، فإن حياة النبي بدورها تبرهن على ضعف قيمتها الأخلاقية( ).
إعاقة تطور المسيحية والغرب أيضاً:
تسبب الموقف الديني والفكري الغربي الذي يدعي كذب نبوة محمد  في تكون فكرة مسيحية استقرت في أذهان الكثير من المفكرين الدينيين في الغرب. هذه الفكرة تتصور أن هذه النبوة الكاذبة في ظنهم قد أوقفت تطور الإنسانية باتجاه المسيحية. يقول أحدهم: "لقد أمكن لمحمدٍ أن يكوّن إمبراطورية سياسية ودينية على حساب موسى والمسيح".
يلحظ أحد المفكرين أن فكرة: أن النبي لم يكن نبياً حقيقياً صادقاً، قد تجذرت، دون أن يصدها أي ريب أو شك، أو حتى محاولة للتفهم الحقيقي للرسالة الإسلامية عند مفكرين عديدين من القرون الوسطى، أمثال (ريمون مارتن)، و(ريطولدو)، و(مارك دي تولاد)، و (روجيه بيكون). وتحولت دعوة الإسلام في نظر هؤلاء إلى رسالة (ناسوتية) أملتها مشاريع المصالح السوداء الدنيوية والشخصية. أما القرآن فليس سوى مجموعة من الخرافات مستعارة من التوراة وبشكل مشوه في نظر هؤلاء.
بالطبع هناك أسباب حقيقية للتخوف من أن يعيق الإسلام طريق انتشار المسيحية. ويشرح هذه الفكرة المفكر الغربي (مونتغمري واط) قائلاً: "إن الإسلام من وجهة نظر المسيحية الغربية يتسم بخلفية إشكالية لاهوتية عميقة. لقد ظهر في أوائل القرن السابع للميلاد في محيط تميز بتأثره الروحي بالتقاليد اليهودية - المسيحية، مؤكداً من ناحية وعبر التوحيدية الإبراهيمية صلته المبدئية بتلك التقاليد الشرقية اليهودية - المسيحية، ولكنه وضع نفسه من ناحية أخرى في خندق مضاد متعارض تماماً مع التقاليد الدينية المذكورة.
فمن خلال تعميم مطلق غير محدود للتوحيد، ألغى الإسلام في حقيقة الأمر أي مكان لتجسيد الطبيعة الإلهية، مع نفي تام لفكرة الثالوث المسيحية. وبذلك التوجه العقائدي حطـم الإسـلام النظام البنيوي - اللاهوتي، الذي كان مهيمناً في التصورات المسيحية - لا سيما في العصر الوسيط - حول التكوين الإلهي للتاريخ، وحول التقديس، وتجسيد الإله ذاته. هكذا كان ظهور الإسلام بالنسبة للديانتين اليهودية والمسيحية نوعاً من التحدي الديني - التاريخي"( ).
كما يرى بعض المفكرين الغربيين أن محمداً ورسالته قد تسببتا في منع انتشار المسيحية في الشرق الأقصى أو تفاعلها مع البوذية، وهي فكرة يعتنقها بعض المفكرين المتأثرين بالفكر النسوي الذي يرى أن العالم كان أقرب إلى روح الأنثى، إلى أن جاء الإسلام فجعله عالماً ذكورياً. ولذلك يقول أحدهم، وهو المفكر (ليفي ستراوس): "إن وجود الإسلام قد لعب دوراً مزعجاً، لقد قطع إلى نصفين عالماً كان يستعد للاتحاد، وتدخل بين (الهللينية) والشرق، وبين المسيحية والبوذية. لقد قام الإسلام بعملية أسلمة للغرب، ومنع المسيحية من أن تتعمق، وأن تكون ذاتها أكثر فأكثر بعملية تلاقح مع البوذية. لقد أصبح الغرب مسلماً، أي: قوياً محارباً رجولياً، عالماً منظماً، وفقد حظه في (البقاء امرأة) "( ).
يبقى الإسلام في نظر الغالبية العظمى من مفكري الغرب ديناً يعيق تقدم الغرب مهما بلغت نجاحاته. ليس مهماً أن يكون الإسلام أفضل أو أسوأ من الدين المسيحي الذي تركه معظم الشعب الأوروبي عملياً، ولكنه لا يزال يحرك معتقداته الفكرية في التعامل مع الآخرين بقوة. المهم أن الدين الإسلامي وسنة نبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام - يمثلان عائقاً حقيقياً أمام تطور المسيحية بالنسبة للمتدينين، والغرب عموماً بالنسبة إلى غير المتدينين. الإسلام - في نظرهم - هو حجر عثرة يعترض مسيرة الحضارة الغربية برمتها.
العنصرية الغربية:
تُغلَّف العنصرية الغربية تاريخياً بالكثير من الأغلفة الفكرية الخادعة. وقد اتخذ الفكر الغربي موقفاً معادياً من رسول الله؛ لأنه يمثل رمز المساواة الحقيقية بين البشر، وقدم النموذج العملي للتعايش بين البشر دون أفضلية لجنس على جنس إلا بالقرب والبعد من الإيمان والقرب من الله. أما الفوارق العرقية فقد تقلصت إلى حد بعيد في النموذج الحضاري الإسلامي الذي استمد تعاليمه - كما يعرف الغرب - من رسالة الإسلام وسنة النبي الكريم . لم يُرضِ ذلك المفكرين الغربيين بالتأكيد؛ لأنهم قدموا لشعوبهم وللعالم نموذجاً آخر يقوم على فكرة التمايز العرقي والعنصري.
يرى الباحث (أليكسي جورافيسكي) أن الكثير من الأيديولوجيين الأوروبيين ركزوا على مسألة التعارض المطلق بين الشرق والغرب. فالشعور بالعظمة والتفوق الحضاري قاد الشعوب الأوروبية إلى فكرة نمطية جامدة - كما يقول الباحث - شكلت التربة المناسبة لظهور نظريات تركز على التعارض التاريخي بين أوروبا وآسيا، وكأنه صراع أزلي لا حل له. وضمن هذا المنحى الأحادي صور التاريخ العالمي كصراع بين الغرب الدينامي؛ المتجدد والمبدع والحر، والشرق الاستبدادي؛ المتعصب والراكد والمتخلف. وفي بداية القرن العشرين كتب (ساندرسون) حول (الأزمة العظيمة في التاريخ العالمي)، معتقداً أنها تعود إلى الصراع ما بين الاستبداد الشرقي، والحرية الغربية، مع تأكيده الجازم أن: "الجنس الآري العظيم وحده فقط القادر على قيادة البشرية نحو طريق الحرية الدينية، والسياسية، والحرية الفكرية"( ).
العجز عن إيقاف نمو الإسلام:
جاء محمد - عليه الصلاة والسلام - برسالة سماوية تختلف عن المسيحية التي حرفت بعد المسيح - عليه السلام -. أكد محمد أن هذا الدين سيبقى ما بقي الليل والنهار، وثبت صدق ما قال، وأزعج ذلك الغرب العنصري إزعاجاً شديداً.
إن من المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الكنيسة الأوروبية منذ ظهور الإسلام هو عدم قدرة هذه الكنيسة على إيقاف نمو الإسلام. فالإسلام ينمو في كل الظروف، ومع كل الضغوط، وتحت كل التغيرات الاجتماعية المختلفة، وفي كل العصور، وهو بالتأكيد ينمو على حساب أنصار تلك الكنيسة التي تهتم اهتماماً كبيراً بالتنصير، ويستهدف نفس المجتمعات التي تحاول الكنيسة السيطرة عليها، وتحويلها إلى دينها.
لم يقتصر الأمر على رجال الدين فقط، بل إن المستشرقين أيضاً شعروا بالخوف من تنامي الإسلام. لذلك "يفتقد المرء الموضوعية في كتابات معظم المستشرقين عن الدين الإسلامي، في حين أنهم عندما يكتبون عن ديانات وضعية مثل البوذية والهندوكية وغيرهما يكونون موضوعيين في عرضهم لهذه الأديان . فالإسلام فقط من بين كل الديانات التي ظهرت في الشرق والغرب هو الذي يُهاجم. والمسلمون فقط من بين الشرقيين جميعاً هـم الذين يُوصَمون بشتى الأوصاف الدنيئة. ويتساءل المرء: لماذا؟ ولعل تفسير ذلك يعود إلى أن الإسلام كان يمثل بالنسبة لأوروبا صدمة مستمرة. فقد كان الخوف من الإسلام هو القاعدة. وحتى نهاية القرن السابع عشر كان (الخطر العثماني) رابضاً عند حدود أوروبا، ويمثل - في اعتقادهم - تهديداً مستمراً بالنسبة للمدنية النصرانية كلها . ومن هنا يمكن فهم ما يزعمه المستشرق (موير) Muir من أن: "سيف محمد والقرآن هما أكثر الأعداء الذين عرفهم العالم حتى الآن عناداً ضد الحضارة والحرية والحقيقة"، وما يدَّعيه (فونجر) و (نيباوم) من أن الإسلام ظاهرة فريدة لا مثيل لها في أي دين آخر أو حضارة أخرى، فهو دين غير إنساني وغير قادر على التطور والمعرفة الموضوعية. وهو دين غير خلاق وغير علمي"( ).
إن الخوف من قوة الإسلام المحركة الذي يأخذ في اللحظات الحماسية شكل الدفاع والصراع والمشاجرة، وهو أحد أكثر الأشكال الانفعالية في التاريخ، قد أبرز مفهوم الإسلام السياسي كتهديد متواتر، ومفهوم الدين السياسي كبنية تاريخية في أصول الإسلام. يقول (غولدزيهر): إن الإسلام قد جعل الدين دنيوياً، لقد أراد أن يبني حكماً لهذا العالم بوسائل هذا العالم( ).
إننا أمام منافسة شرسة بدأت منذ أكثر من ألف عام، وساحتها كانت في معظم الأحيان هي كل أنحاء المعمورة. ومع ظهور العولمة، وتزايد حركات الهجرة، ونقص العمالة اليدوية المدربة في أوروبا، وتناقص عدد السكان في كثير من دول شمال وغرب أوروبا، فقد تسـبب كل ذلك في عودة الوجود الإسلامي للظهور بقوة داخل أوروبا، وفي كل عـواصـمها وحواضرها بشكل أصبح يستفز كل من يسعى إلى الانتصار للكنيسة أو للغرب على حساب الإسلام.
لقد رأت الكنيسة الأوروبية تاريخياً - وحتى الآن على أغلب الظن - أن هناك خطورة من انتشار الإسلام في كل أنحاء المعمورة، وأن هذه الخطورة تمثل كارثة على المسيحية. لذلك فإن المواقف الفكرية المسيحية تنحى دائماً إلى الهجوم على الإسلام وعلى نبي الإسلام؛ إدراكاً منها للخطر الذي يواجه المسيحية الأوروبية عندما ينتشر الإسلام. إن رسالة البابا (بيوس) الثاني عشر (Fidei Donum)، الصادرة عام 1957م رأت في انتشار الإسلام في أفريقيا خطراً على الكنيسة. وقد نظر كتاب (تاريخ الإرساليات الكاثوليكية) الـمُؤَلَّف في المرحلة نفسها إلى نشاط الإسلام وفعاليته العالمية، ككارثة تضاهي خطر الشيوعية( ).
إن فكرة الفتوحات الإسلامية التي أتاحت للبشر التعرف على الإسلام فكرة أزعجت المفكرين الأوروبيين على مر التاريخ، حتى بين من أظهروا بعض التعاطف تجاه الإسلام في بعض أطروحاتهم. بالنسبة لـ (غولدزيهر) مثلاً فقد رأى أنه: "ينبغي البحث عن نبوة محمد في عملية قلب المثل الجاهلية. لقد استبدل الإسلام المروءة الجاهلية بالمثال الديني بأوسع أبعاده الدينية. لكن الإسلام قام بعملية جعل الدين دنيوياً: لقد أراد أن يبني حكماً لهذا العالم بوسائل هذا العالم. وهكذا أُدخِلت السياسة في الدين وأثرت عليه. لقد كان الإسلام ثورة أخلاقية في البداية، ثم أصبح ديناً محارباً في مرحلته المدنية. لكن هذا البعد القتالي الذي يحتويه ليس نتاجاً للتقلبات التاريخية التي سبقت انتصاره فقط، إنه يعكس أيضاً تأثير العقلية العدوانية التي هي العقلية العربية. كذلك إن الميزة العدوانية للدين الإسلامي الفاتح، الصارم في ثقته وفي حقيقته، ما هي إلا امتداد للفكر العربي، مع العلم أن (غولدزيهر) يقول: إن الإسلام في جوهره هو استسلام لإرادة الله، وهو خضوع وتبعية"( ).
إن الكنيسة الأوروبية أظهرت في مواقف متعددة عبر تاريخها كيف أنها لا تقبل بحرية الرأي إن كانت هذه الآراء دفاعاً عن الإسلام أو نبي الإسلام، بل يصل بها الأمر إلى طرد المبدعين من رحمة البابا؛ لأنهم تحدثوا بالخير عن أمة الإسلام.
ومن أشهر المبدعين الذين حرموا من رحمة البابا بسبب دفاعهم عن النبي محمد الأديبُ الروسي (تولستوي) الذي تسبب دفاعه عن محمد في حرمان البابا له من رحمة الله، بعد أن هاجم المستشرقين المتشددين بسبب التهم التي يحاولون إلصاقها بمحمد‏، فكتب مؤكداً أن محمداً رسولُ الله، من كبار المصلحين‏ الذين خدموا المجتمع خدمة جليلة‏. ‏
لقد انبهر (تولستوي) بشخصية النبي  وظهر ذلك واضحاً على أعماله، فيقول في مقالة له بعنوان: (من هو محمد؟): "إن محمداً هو مؤسس ورسول، كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتُؤْثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء و تقديم الضحايا البشرية ، وفتح لها طريق الرقي و المدنية , وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال"( ).
فهل يستحق من يقول هذا الكلام المتوازن الخروج من رحمة البابا؟ وهل هناك حقاً ما يمكن أن يسمى رحمة البابا؟! أعتقد أن سبب إخراج (تولستوي) وغيره من المبدعين من رحمة البابا هو أنهم قد اكتشفوا زيف هذه الرحمة عندما تعرفوا على الإسلام، وشخصية نبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام -. إن أهم التحديات التي يواجه الإسلام بها غيره من الحضارات والثقافات، هي قدرة هذا الدين على النمو المستمر، والتجدد الدائم تحت كل الظروف.
وخلاف كل الأديان الأخرى، فإن الإسلام يمكن أن ينتشر دون الحاجة إلى تغييره لملائمة زمان أو مكان مختلف، وهو ما يصادم وبعنف فكرة التطور (الداروني) التي انتشرت في الفكر الغربي.
إهدار قيمة كل مقدس:
تطور مشروع العلماني من: فصل الدين عن الدولة، إلى: إقصاء الدين عن الحياة، إلى: الهجوم على الدين للقضاء على ثبات القيم. واستتبع ذلك رغبة القائمين على هذا المشروع العلماني في القضاء على كل القيم الثابتة في المجتمعات، وتحويل فكرة القيم إلى موضوع نسبي متغير تبعاً للزمان والمكان وأمزجة الشعوب.
يقتضي تحقيق هذه الفكرة القضاء على ولع الشعوب وتقديرها للمقدس، بصرف النظر عن قيمة ذلك المقدس في حياتها أو مدى اعتزازها به. من أجل ذلك ظهرت حملة منظمة في الغرب طوال الأعوام الماضية للنيل من كل الأنبياء والصالحين، وليس نبي الإسلام وحده.
فقد ظهر في الإعلام الغربي مؤخراً العديد من الأفلام التي تهاجم المسيح - عليه السلام-، وكذلك نبي الله موسى. وكل ذلك يندرج - في ظنِّنا - ضمن مشروع علماني يهدف إلى تشويه صور كل رموز القيم الأخلاقية غير المتغيرة في العالم. ولعل ذلك يفسر أيضاً سبب تكرار الهجوم على نبي الإسلام من أنصار التيارات المتحررة والليبرالية في الغرب.
فشل تحجيم التأثير السياسي والدولي للإسلام:
إن التيارات العلمانية واللادينية التي تحكم الكثير من دول أوروبا، ولها تأثير قوي على السـياسة الأمريكية أيضاً لا تكـترث كثيراً لمسألة انتشار الإسـلام عددياً أو جغرافياً أو عقدياً في مواجهة المسيحية، أو أي ديانة أخرى. كثير من هؤلاء القادة السياسيين والإعلاميين والفكريين ممن ينتمون إلى التيار اللاديني أو العلماني لا يهتمون لموضوع الدين من ناحية علاقة الإنسان بخالقه، أو بمعبده أو كنيسته أو مسجده. ما يشغلهم بالتأكيد هو آثار التدين على مسيرة العالم الاقتصادية والليبرالية والحضارية بمفهومهم هم لهذه الحضارة السائدة.
وفي هذا السياق يبرز الإسلام كمصدر إزعاج رئيس؛ لأنه قوة محركة ومؤثرة، وتدفع بمعتنقيه إلى رفض الهمينة ومقاومة مشروعات الاستعمار الفكري والاقتصادي بنفس حدة وصلابة مقاومة الاستعمار المسلح. وهنا يكمن تفسير اتحاد التيارات الليبرالية العلمانية الغربية مع التيارات الدينية المتطرفة في بعض الكنائس الأوروبية من أجل تقليص تأثير الإسلام على العالم المعاصر. إنه تحالف لم يحدث في التاريخ من قبل بهذه الدرجة من الشمولية والتعقيد والانتشار الجغرافي أيضاً.
وهذا الاتحاد الفكري بدأ منذ القديم عن طريق المفكرين المسيحيين. يذكر أحد المفكرين الروس عن ذلك: "إننا لَواجدون عند كبار المفكرين المسيحيين بدءاً من (أوغسطين) وانتهاء بـ (توما الأكويني) فكرة عامة ملازمة تقول: إن تطور الإنسانية يجب أن يفضي حتماً إلى ملكوت المسيح، وهو تطور يجب أن يستوعب في داخله العالم كله، وفي الوقت ذاته... فإنَّ مُلكنا على حق، أما غير المسيحيين فهم ليسوا على حق" (أغنية رولان)" ( ).
الإرهاب وتحجيم عواطف المسلمين:
تُتهم الأمة العربية والإسلامية من قبل المحبين والخصوم على حد سواء بأنها أمة عاطفية. وقد أصبحت هذه التهمة هي أكثر ما يتكرر على الألسنة، خاصة بعد تكرار الهجوم على النبي  في الصحف الغربية، وما تلا ذلك من مظاهرات غاضبة عمت أرجاء العالم العربي والإسلامي. تعجب العالم من ردة فعل الأمة التي لا تتفق مع منطق الغرب في التعامل مع الحريات أو حتى في أسلوب الانفعال عندما تنتهك هذه الحريات.
المشكلة أن التفسير المنطقي الغربي قاصر، وتجاهل حقائق واقعية كثيرة أهمها أن الغرب كائن مريض، يعاني بشدة من مرض فقدان العاطفة. بدلاً من أن يسعى إلى مداواة نفسه؛ فإن الغرب يتهم كل الأصحاء بأنهم هم المرضى. العقل النفعي في الغرب أصبح يتحكم في أخلاق البشر، وتوارى القلب خلف ذلك العقل حتى لا يتهم الإنسان بجريمة هذا الزمان أنه:عاطفي.
لقد حاول الغرب أن يتخلص من العاطفة عبر قرون طويلة من العقلانية والنفعية، وأصبح الحب في الغرب - بعد قرون من الحرب عليه - عاطفة هامشية هشة لا تحرك الإنسان، ولا تدفعه للتضحية أو للعطاء. وبدلاً من أن يحاول الغرب علاج مرض فقدان العاطفة، فإنه أصبح يتحرك في العالم منادياً المحبين أن يتوقفوا عن مظاهر الحب؛ لأنها ليست عصرية، وليست عقلانية، وليست منطقية أيضاً. يريدوننا أن نتحاكم إلى منطقهم هم، وعقلانيتهم هم، وأن نقبل أن نقتدي بالمرضى.
وفي المقابل فإن لهيب العاطفة لا يزال مشتعلاً في الشرق، وتظهر معالم قوة هذه العاطفة الجياشة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بالدفاع عن أغلى من نحب - بعد الله - وهو نبي الأمة محمد  .
إننا نشهد اليوم مشروعاً تدريبياً مكثفاً يتعاون عليه العديد من وسائل الإعلام الأوروبية لتعويد الأمة على تهدئة مشاعر الحب، إنهم يريدوننا أن نبغض الحب. يسعى الإعلام الغربي إلى ترويض عاطفة الأمة اليوم تجاه نبيها - عليه الصلاة والسلام -. المؤسف أن الغرب لا يعرف حقيقة العلاقة التي تربطنا بنبي الإسلام ؛ بل بجميع الأنبياء. إنها علاقة حب حقيقية؛ وليست فقط علاقة إيمان، إننا أمة تعلمت أن أوثق وأعلى درجات الإيمان أن تحب في الله وأن تبغض أيضاً في الله. وأسمى درجات المحبة في الله أن تحب خير خلق الله. نعم نحن نؤمن برسالة النبي، ونراه قائداً وهادياً ورسولاً، ولكننا أيضاً وفوق كل ذلك نحبه حباً كبيراً ومختلفاً عن كل معاني الحب التي تربط الغربيين بحكامهم، أو حتى أنبيائهم.
بل إن العجيب في الأمر - والذي يؤكد مرض الغرب - أننا نحن المسلمين نحب أنبياءهم أكثر من حبهم هم لهم. فليس من الممكن أن تسمع مسلماً يهزأ بالمسيح - عليه السلام-، ولا يمكن أن تجد أي فرد من أفراد هذه الأمة العربية والإسلامية يسخر من نبي الله موسى -عليه السلام-. إنهم أنبياء نؤمن بهم ونوقرهم، والأهم في كل ذلك - في هذا السياق - أننا حقاً نحبهم. ليتهم في الغرب يعرفون: ماذا يعني هذا الحب؟ وكم هو جميل أن تكون محباً! وأن تحيا بالعاطفة، وليس بالمصلحة أو المنفعة!
لكن الحب يفرز أيضاً عاطفة مضادة وهي الكُره، وهنا يمكن أن نجد تفسيراً لحماس مفكري الغرب في الهجوم على ظاهرة حبنا الشديد لنبي الإسلام. فالحب عاطفة جياشة، وكأي عاطفة فإنها تحمل دائماً ضمن عناصرها نقيضَها وهو الكره. إن من يعرف كيف يحب، يتقن أيضاً كيف يكره.
إننا أمة نحاول دائماً أن نربط العاطفة بمعايير الدين والأخلاق، ونحاول كذلك أن نتحكم في الكراهية لكي تنضبط ضمن أطر الدين والقانون والأعراف، ولكننا لا نحاول أبداً أن نتخلص منهما. بل إن الدين الإسلامي الذي يحث على الانضباط والتقيد في الحب؛ هو نفسه الذي يرى أن الكره عاطفة بشرية لا يمكن القضاء عليها، ولكن يجب أن تقنن وتضبط ضمن قيم وقواعد المجتمعات الإسلامية.
أما الغرب فهو يريد أن يتخلص الناس، وخصوصاً هذه الأمة، من تلك العواطف الجياشة، حباً كانت أم كراهيــة، فكلاً منهما يساعد على تقوية النقيض؛ فمن يحب بشدة - حتى وإن انضبط بمعايير الشرع - يمكن أن يكره أيضاً بشدة ضمن نفس المعايير والضوابط. هناك في الغرب من يريد تركيع البشرية حتى لا يكره أفعاله أحد، حتى وإن قتل وعذب واستهزأ وهيمن وسيطر، لا بد إذن أن يقيد ويحجم الحب، وأن تقتل مشاعر البغض.
ليس هناك من تدريب أفضل على قتل العاطفة لهذه الأمة من أن يستهزأ بخير خلق الله، وأن تمنع الأمة من التعبير عن غضبها من الاستهزاء أو حبها للنبي. الغرب يريد أن يطوعنا أن نقبل أن يهان أغلى من نحب، وأن نمتنع عن إظهار العاطفة، وبالتالي سنمتنع أيضاً تلقائياً - في ظنهم - عن بغض أفعالهم.
لن تنجح محاولة تدريب الأمة أفراداً وجماعات على أن ننسى العاطفة، ولن يفلح من يحاول أن يكبت طاقات المحبين. قد يكون المطلوب - للبعض في الغرب- أن تفقد الأمة ثقتها في نفسها، وفي قيمة العاطفة، وبالتالي تلفظ الحب والكره معاً، وتتحول إلى كائن مطيع ينضم إلى القافلة المتحركة نحو نهاية التاريخ، عندما ينتصر الغرب؛ ولكنني أشك في إمكانية حدوث ذلك. إننا أمام معركة المستقبل بين العواطف والمصالح، بين الإنسان والآلة، بين سيادة القلب أو هيمنة العقل، من أجل ذلك لا بد أن نقبل خوض المعركة، وسلاحنا في تلك هو العاطفة، وهو تحدٍ عقلي وقلبي مع الغرب، ولكننا سننتصر بهما معاً.
هوس فكري:
إن كل تساؤل وانشغال كبير بالآخر إنما يعكس في طياته هوساً بهذا الآخر. وقد قدم الإسلام منذ ظهوره ذلك (الآخر) الذي عرفت أوروبا نفسها وطموحاتها من خلال مقابلته والمصادمـات مـعه. فرغم أن الإسـلام في بدايـة انتـشاره لم يولِ الغرب أي اهتمام - لتخلف الغرب حينها- إلا أن الإسلام وشخصية النبي محمد بوصفها تجسيداً للكمال الإنساني لدى أنصار الإسلام، قد أصبحا محور الهجوم المستمر لمفكري الغرب لتأكيد فكرة أن الغرب أفضل من الشرق.
وبشكل عام، فإنه خلافاً للموقف الإسلامي الهادئ وحتى اللامبالي، كان موقف المسيحيين الغربيين من الإسلام انفعالياً وغير متسامح روحياً؛ لأن الإسلام كان في تصورهم تحدياً تطلَّب رداً ومقاومة واهتماماً دائماً به، وإنه من أجل إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس الخصم القوي والخطير، لا بد من دراسته( ).
حقاً إن أوروبا قد تخلت عن الفكرة المسيحية؛ ولكنها لا تستطيع أن تتحرر مطلقاً من أثر الفكر المسيحي على شعوبها. وهذا الفكر المسيحي الغربي قد توحد عبر القرون الماضية حول فكرة معاداة الإسلام، وتقديم نموذج شخصية المسيح - عليه السلام - ، بعد تحريفها، في مواجهة شخصية النبي محمد ، وهو ما يفسر الهوس الغربي بالهجوم على النبي.
أما بالنسبة للاتجاه غير المتدين - كما يذكر أحد المفكرين العرب- الذي يُؤَّثر أكثر فأكثر في الحقيقة الاجتماعية الأوروبية بمرور الزمن؛ فمنذ أن تحررت الفكرة العلمانية من الضغط المسيحي على التأمل العقلاني وعلى الممارسة السياسية، انفتحت نظرة جديدة للكون. هذه النظرة الجديدة مكنت من رؤية الإسلام بعمق، كجزء متمم وهام من الحياة الإنسانية، ولكنه أيضاً خصم سياسي وعسكري عنيد تمثل في ذلك الوقت في الإمبراطورية العثمانية.
لذلك استمر العداء رغم اختلاف القوى المحركة له، واستمر الهوس بالعالم الإسلامي. وظهرت الانتقائية الفكرية الغربية التي ترى أن الإمبريالية ليست إلا مهمة حضارية للارتقاء بشعوب الأرض، وأن مقاومتها من قبل المسلمين الذين يتمثلون شخصية نبيهم ليسوا إلا برابرة يجب القضاء عليهم؛ من أجل استمرار المهمة الحضارية نحو هدفها في تنقية الجنس البشري من كل أنواع البرابرة، وعلى رأسهم أنصار محمد.
إن أوروبا لم ترَ وحدتها أو معناها الحضاري إلا من خلال توحدها ضد الإسلام. إن الإسلام قد أعطى لأوروبا معنى ورسالة، ولذلك فلا غرابة أن يبقى الهوس المتعلق بالإسلام حياً في الفكر الغربي حتى الآن. يؤكد هذا المعنى أحد المفكرين العرب عندما يقرر أن: "الأمة المسيحية Chretiente حقيقة غربية محضة، وهي ليست مجرد جماعة دينية، بل شاءت أن تكون جسماً سياسياً وكان لها ذلك إلى حد بعيد. من هذا العالم خرجت أوروبا الحديثة، وهذا ليس بالشيء القليل، لكن ذلك يعني أن الأمر الرئيس هو استقلاليتها، وليس درجة ثقافتها التي كانت غير متقنة في البداية. إلا أن هذه الاستقلالية لم يكن لها من معنى في العصور الوسطى إلا بالنسبة إلى الإسلام"( ).
مرآة داكنة لواقع الغرب:
يرى البعض في الغرب في شخصية النبي  نموذجاً متكاملاً لنوع من الكمال الإنساني الذي لا يمكن للغرب بأفكاره ونظرياته وممارساته أن يصل لها. وعند هذا الفريق من الغربيين، يصبح القضاء على هذا النموذج هماً حقيقياً بذاته.
فكأن حياة النبي محمد  تمثل ذلك الضمير الذي يوخز الغرب في جنباته، وكأنه مرآة داكنة تُوَضِّح لهم بالدليل الواقعي مدى التردي الذي وصل إليه حال الشخصية الغربية نتيجة لابتعادها عن النموذج المحمدي.
قد يعترض بعض المفكرين العرب؛ بل والمسلمين على تصوير واقع الشخصية الغربية بهذا الشكل المأساوي، ولكن الحقيقة أن هناك فراغاً روحياً ضخماً في الغرب بالعموم، ويظهر ذلك من ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان والانتحار وانتشار الرذائل، بل وتصديرها إلى كل أنحاء العالم. وفي المقابل تظهر الشخصية المسلمة التي يمثلها النبي  كمقابل جاد في مواجهته لتلك الشخصية الغربية. ومن هنا نجد الهجوم الشديد والمتكرر على شخص النبي .
المركزية التاريخية للإسلام:
يرى العديد من المفكرين الغربيين أن أوروبا عرفت نفسها ككيان موحد فقط عندما ظهر الإسلام، وأن الكنيسة الغربية قدمت الإسلام كخطر يجب أن تزول معه كل الخلافات بين الفرق والمذاهب الدينية المتناحرة في أوروبا. بل إن بعض المفكرين الغربيين يذهب إلى أن الإسلام يمثل مركزية تاريخية تتحدد من حولها ومن خلالها علاقات العالم، ومستقبله أيضاً. كما أن النبي  يمثل مركزاً هاماً ونموذجاً يحتذى لكل من يتبع الإسلام، أو يتأثر به. لذلك فإن مركزية الإسلام تستتبع ظهور مركزية فكرية لنبي الإسلام في واقع العالم. وأدى هذا إلى نوع من النفور الغربي تجاه تقبل هذه الفكرة التي فرضت نفسها جغرافياً وحضارياً طوال القرون الماضية.
فـ (ألبرت حوراني) مثلاً يرى أن: "كل الشعوب المعروفة قد استيقظت أو دخلت في التاريخ عبر اتصال ما مع الإسلام؛ فالهند قد تزعزعت بفتح قتيبة بن مسلم، وفيما بعد مع محمود الغزنوي. أما بالنسبة للعالم الأفريقي المجهول والمعزول فإن دخوله النسبي المتردد في التاريخ قد تم أيضاً بواسطة الإسلام. وماذا نقول عن الروس وبلغار الفولجا والشعوب التركمانية؟ كم من الشعوب البرية قد تعلمت الحضارية بعبورها الإسلام دون شك على حساب تماسكه كقوة سياسية، جاعلة أيضاً من الإسلام - الحضارة - عملها المشترك؟ إذا كانت أوروبا ذلك الرأس لآسيا قد عاشت واستمرت، أليس ذلك لأنها تمتعت ألف سنة من السلام منذ نهاية الغزوات الهنغارية حتى تضحيات حرب الثلاثين سنة (1914- 1945م)؟ إلى الإسلام يعود الفضل في القيام بهذا الدور (دور الشاشة الواقية ضد التدفقات الكبرى). إنه الإسلام الذي امتَصَّ كسمٍ قاتل سنة 1258م الصدمة المغولية وهو الذي صد في مرحلة ثانية الهجمة التيمورلنكية، وهي هجمة هدامة مثل الأولى أو أكثر"( ).
كما يذكر المفكر (هودجسون) في كتابه عن مغامرات الإسلام: " إنه من الصحيح أيضاً أنه في عام 1600م، وبعد قرن من النهضة الأوروبية - وهي ظاهرة يمكن رؤيتها أيضاً كفتح محلي صغير - كان القسم الغالب من الإنسانية قد صار ضمن دائرة المساحة الإسلامية، وأن المعمورة بدت وكأنها محاصرة من كل الجهات بالإسلام. إسلام يحتل مكاناً مركزياً؛ لأنه الوحيد من بين كل أقرانه في العالم، الذي عنده علاقات مستمرة مع كل واحد منهم. إن الغرب المائل غرباً المضغوط على ذاته في وضعية شبه جزيرية، ويتحرك ضمن مساحته لا يمكن أن يكون في علاقته مع الخارج إلا تحديداً بواسطة الإسلام أو بيزنطة. كذلك بلاد الصين، التي يلتف حول نواتها الحضارية القسم الأكبر من الشرق الأقصى لم تكن لها علاقة خارجية إلا مع الهند والإسلام"( ).
مشروع موازٍ للغرب:
إن أحد مشكلات عداء الغرب التاريخي للنبي ، هو أنه جاء بنظام سياسي وفكري متكامل، ينازع الغرب في المسلَّمات الأساسية، وكذلك في طرق التنظيم والإدارة وسياسة المجتمعات، وأخيراً في نمط العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، وبين المجتمعات المختلفة. إنه ببساطة نظام متكامل موازٍ للنظام الغربي، ولا يلتقي معه، وإنما يقدم بديلاً قوياً وخطيراً له.
وكما يذكر أحد المفكرين العرب فإن: "الخوف من قوة الإسلام المحركة يأخذ في اللحظات التراجيدية شكل الدفاع والصراع والمشاجرة، أحد أكثر الأشكال الانفعالية في التاريخ. لقد أُبرِزَ مفهوم الإسلام السياسي كتهديد متواتر، ومفهوم الدين السياسي كبنية تاريخية في أصول الإسلام. يقول غولدزيهر: إن الإسلام قد جعل الدين دنيوياً، لقد أراد أن يبني حكماً لهذا العالم بوسائل هذا العالم"( ).
لذلك هاجم المفكرون الغربيون بشدة المشروع الحضاري الإسلامي، واعتبروه خطراً كبيراً يهدد سيادة الفكر الغربي وانتصار الحضارة الغربية، ونهاية التاريخ. ولم يبدأ هذا الأمر مع أحداث سبتمبر، أو مع نشوء فكرة صدام الحضارات أو نظرية نهاية التاريخ، وإنما سبق ذلك بقرون عديدة، واستمر يغذي الشخصية الغربية بمبررات العداء للعالم الإسلامي ولشخصية النبي محمد .
انظر إلى أحدهم عندما يقول منذ أكثر من قرنين من الزمان: "يجب القول: إن من بين كل الذين تجرؤوا على سن القوانين للشعوب، لم يكن واحد منهم أجـهل من محمد. وبين كل الإبداعات الخرقاء للفكر الإنساني، لم يكن هناك أتعس من كتابه. وما يحدث في آسيا منذ ألف ومائتي سنة يمكن أن يكون البرهان، لأننا لو أردنا الانتقال من موضوع خاص إلى ملاحظات عامة، لكان من السهل البرهان أن الاضطرابات في الدول، وجهل الشعوب في هذه المنطقة من العالم إنما هو تأثير مباشر، إلى حد ما، للقرآن ولأخلاقه"( ).
ومن الواضح أن ثمة تناقضاً بين القيم التي تشكل ثقافة الإسلام والقيم التي تشكل ثقافة الغرب، - فمثلاً - تسود في الإسلام قيمة (الإنسانية) ومن ثمارها الإخاء والمساواة، بينما تسود في الغرب (العنصرية)؛ وجوهرها النزعة المركزية الغربية، وتسود في الإسلام (الجماعية)؛ وجوهرها العمل الصالح لمنفعة الناس أو الآخرين، بينما تسود في الغرب (الفردية أو الأنانية)؛ وجوهرها طلب النجاح الفردي ولو على حساب الآخرين، وتسود في الإسلام (العدالة) في كل مجال وحتى مع الأعداء، بينما يسود في الغرب الجري وراء (الربح) بأي ثمن.
باختصار، فإن ثقافة الإسلام هي ثقافة (التعاون)، أما ثقافة الغرب فهي ثقافة (العداء)، ومن المفيد هنا تسجيل شهادة للمستشرق المعروف (برنارد لويس)، وهو المستشار البارز في البيت الأبيض الأمريكي، إذ يقول: "إننا نواجه مزاجاً وتحركاً سيرفعان إلى حد كبير من وتيرة القضايا والسياسات التي تنتهجها الحكومات، وهذا ليس صدام حضارات، قد يكون ذلك هو رد الفعل الغير عقلاني بل التاريخي لخصم قديم، على تراثنا اليهودي المسيحي، وحاضرنا العلماني، وانتشارهما على نطاق عالمي"( ).
إحياء فكرة المواجهة:
يرى الكثير من المفكرين الغربيين أن محمداً  هو من تسبب في إحياء روح المقاومة والمواجهة في حياة العرب والمسلمين، وأن الدين الإسلامي هو المحرك الرئيس لجميع أفكار المقاومة الموجودة في أفكار وتصرفات الشعوب الإسلامية. والمقاومة هنا - ليست فقط فكرة مقاومة العدوان - وإنما كل أشكال الانتصار على النفس وعلى الآخر.
يرى المفكرون الغربيون أن رسالة محمد، وأفكار محمد، ودعوة محمد هي تقديمُ الرصيد الفكري والنفسي والعقدي لجهد المسلم في الانتصار على نفسه، وعدم التسليم لشهوات الحياة ومتع الدنيا التي يتفنن الغرب في محاولة تقديمها للأمة. كما أن المقاومة تمتد لتمنع الكثير من محاولات الهيمنة الفكرية والثقافية على الحياة الإسلامية والعربية من قبل الغرب.
والعجيب أن هذه القوة في الإسلام قد فسرها بعض مفكري القرون الوسطى أنها تدل على زيف الإسلام. يقول (إن دانيال): "إن استعمال القوة، كان تقريباً معتبراً بالإجماع كخاصية كبيرة وأساسية للدين الإسلامي، وبالتالي فهو دلالة بديهية على ضلال الإسلام"( ).
ورغم كل ذلك تظهر المقاومة في شكل تضحيات إنسانية ضخمة لا يقدمها شعب آخر أو أمة أخرى في سبيل الحفاظ على أرضها ومقدساتها، والرغبة في الدفاع عن أراضيها، وهو ما يصادم الفكر الغربي الذي يعلي من شأن الحياة الدنيا. إن الأعمال الاستشهادية وكل صور المقاومة الأخرى - حتى وإن لم تكن موفقة أو شرعية - تشكل إشكالاً فكرياً عميقاً يصادم الفكر الغربي بقوة، ويقدح في مسلَّماته الأساسية، ويلقي مفكرو الغرب باللائمة على محمد  في ذلك.
إن الفكر الغربي المعاصر غير قادر على تقديم أي تفسير مادي أو عقلاني للمقاومة الفلسطينية، أو للعمليات الاستشهادية أو المسلحة في العراق، أو إصرار الشعوب العربية، التي تظهر أنها ضعيفة ومتخلفة، على رفض النموذج الغربي للحياة بإصرار يتزايد مع الوقت دون تفسير مقنع؛ إلا بإلقاء اللوم والحقد على محمد - صلوات الله وسلامه عليه -. إن النجاحات المتتالية لمشروع المقاومة تستنفر في الغالب موجات جـديدة مـن الهجوم على شخص النبي، وهو ما يفهم على المستوى الفكري، ولا يُقبل بأي حال من الأحوال أو يُبَرَّر.

الفصل الرابع: تغيير نظرة الغرب للنبي
"إننا لا نردُّ بالضرورة الإساءة بمثلها، ونجنح إلى السلم في معظم مواقفنا، ولكننا لا نتردد في استخدام كل ما نملك من وسائل دفاع شرعية للذب عن كرامة نبينا، والحوار هو أحد هذه الوسائل؛ ولكنه ليس الطريق الوحيد بلا شك".

الفصل الرابع
تغيير نظرة الغرب للنبي
إن السؤال المحوري في هذه المرحلة يجب أن يكون: ما هي السبل السلمية الرادعة لمنع تكرار هذه الإهانات؟ ويعني ذلك المضي قدماً على محورين متوزاين معاً: المحور الأول: هو العمل على تغيير النظرة السلبية عن نبي الإسلام لدى الغربيين. أما المحور الثاني - وهو لا يقل أهمية عن المحور الأول -: فهو إيقاف الاعتداء على كرامة النبي، ومواجهة من يعلنون معاداته، والدعوة العالمية إلى معاقبة كل من تصدر منه إساءة إلى الأنبياء كائناً من كان.
قد لا أملك تحديد كل هذه الوسائل؛ ولكنني على يقين أننا نملك الكثير منها، وأذكر بعضها هنا كمقدمة للتفكير في هذا المجال، وأدعو علماء ومفكري الأمة إلى التحرك نحو سياسة أكثر قوة ووضوحاً في مواجهة من يهاجمون رموز الإسلام.
إن هذا الجزء من الدراسة هو دعوة لأن نتسلح بآليات ووسائل المواجهة الحضارية كأحد طرق الدفاع عن الأمة، وكي ندفع بالبشرية إلى الأمام في طريق أفضل دون أن نتنازل في ذلك عن محبتنا لنبينا أو قدرتنا العملية في الدفاع عنه، وإيقاف مسلسل الإساءة إليه. المواجهة الفكرية والحضارية - وليس الحوار - ستكون هي الطريق الأقصر، والوسيلة الأفضل لتحقيق ذلك بعون الله.
التعريف لا يكفي:
في كل مرة تصدر من الغرب إهانة لنبي الأمة، يسارع المفكرون والمثقفون والدعاة العرب إلى القول: إننا في حاجة إلى التعريف بنبينا. وأصبحت هذه العبارة بمثابة مقدمة لجلد الذات في كل مرة، والاعتذار للغرب عن أفعالهم الإجرامية بدعوى أن كل ذلك يحدث لأننا مقصرون في التعريف برسول الله ، وهذا لا شك فيه؛ ولكنه ليس سبب تكرر الإساءة أو الإهانة لنبي الله من الغرب. إن الإهانات تتكرر؛ لأن مواجهتها ليست كافية؛ ولأننا لا نواجه من يقومون بها، أو من يدعون إليها، أو يبررونها بالقوة الفكرية الكافية.
ما المانع أن نواجه هؤلاء دينياً وفكرياً وإعلامياً وسياسياً وثقافياً، بدلاً من أن نكتفي بالدفاع عن نبينا أو التعريف به؟ لماذا لا نفضح للعالم مؤامرات وجرائم من يدعون أنهم رموز التسامح المعاصر؟ إن (الدفاع فقط) قد لا يكون هو الوسيلة المثلى (للدفاع) في الواقع الفكري الغربي الذي ينحى نحو الصدام مع الأمة على كل المستويات.
من المهم أن نتبنى سياسة مختلفة في التعامل مع هذه الأزمة المتكررة، سياسة سلمية بلا شك، فالعنف لن يوقف هذه الحماقات الغربية؛ ولكنها يجب أن تكون سياسة قوية تنطلق من ديننا ولا تخالفه، سياسة رادعة تتوحد عليها الأمة وتشترك في تحقيقها، سياسة مختلفة عما فعلناه سابقاً في محاولة إيقاف من يهاجمون نبي الإسلام عند حدودهم.
إن الحديث عن الحوار والتسامح مهم، ولكنه في هذه المرحلة في غير مكانه، وفي غير وقته، ومع من لا يستحقونه. إنني أدعو إلى الحوار ولكن من منطلق الاحترام، وإلا فما جدواه أو الداعي له؟ كيف يقوم هؤلاء بإهانة رموز الأمة ومقدساتها ثم يدعونها إلى موائد الحوار؟!
هل نجلس إلى موائد الحوار في حياتنا العامة مع من يسبون آباءنا أو أمهاتنا مثلاً؟ فهل نحاور عندما يُهانُ رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - ظلماً وزوراً بهتاناً، وهو أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين؟ ثم يأبى من يفعل ذلك أن يعتذر عمّا بدر منه، أو يسارع إلى تصحيح الخطأ.
إن هؤلاء يعلمون علم اليقين أننا لسنا قادرين على أن نقابل الإساءة إلى نبينا بالإساءة إلى نبيهم. فنحن نحب نبي الله عيسى كما نحب جميع أنبياء الله - تعالى - ورسله، لا نفرق بين أحد منهم، ولذلك يشعر من يهاجمون نبي الإسلام بالأمان المطلق من هذه الناحية وهم محقون.
الحوار في هذه المرحلة:
لقد فشلت العديد من لقاءات الحوار الحضاري التي أجريت خلال العقود الماضية، ومرجع ذلك كان عدم الجدية حيناً، أو انعدام الحرص على الحوار المتوازن بين الأطراف المتحاورة، وأحياناً أخرى لعدم وجود حسن النية المتبادل بين المتحاورين.
إن من واجبنا كممثلي حضارة إسلامية إنسانية منفتحة على الغير أن نعمل على فتح أبواب الأمل والرجاء للالتقاء على نقاط وجوانب مشتركة مع كل الحضارات والثقافات. ولكي يتحقق هذا الهدف فلا بد أولاً: أن تحدد صفات من يشاركون في هذه الحـوارات، ويُقـصى عنـها - عن طريـق المواجـهة الفـكرية - كل المخدوعين في الغرب أو الجاهلون بالإسلام، وكذا الجاهلون بمفاهيم الغرب وقيمه المعاصرة.
إن إساءة البابا - بينديكت - التي حدثت مؤخراً في حق خير خلق الله، تؤكد بلا شك أن التمسك بالثوابت وعدم التنازل عن المبادئ مع المرونة في المناقشة، تقتضي من طرفنا توفر القدرة على المواجهة، عندما تصبح هذه المواجهة هي الخيار الأنسب للنجاح في الحوار الحضاري.
إن الحوار يجدي فقط عندما تتوفر الرغبة الجادة في احترام الآخر، والنية الصادقة في البحث عن مساحات التفاهم والالتقاء. ما قاله البابا، ومواقف الكنيسة الأوروبية، ومواقف السياسيين الغربيين بالعموم لا تدل على الاهتمام بالحوار إطلاقاً.
إن عـبارات الـبابا التـي أطلـقها قبـل شـهر رمـضان مـن العـام الهــجـري 1427هـ - سبتمبر 2006م، واختياراته؛ قد تعكس رغبة في العودة إلى أعماق الصراع التاريخي الديني، الذي كان أبطاله القساوسة والمنشغلين بالفكر والاعتقاد من طرف، ويدعمهم في ذلك السياسيون بأطماعهم والعسكر بسلاحهم من طرف آخر، ولعل ذلك ما يبرر عودة البابا إلى عبارات أحد ملوك بيزنطة في عداء نبي الإسلام لينقلها البابا - وهو كبير قساوسة ورموز الدين في الغرب - إلى المسلمين وغيرهم من أبناء عالم القرن الواحد والعشرين.
ليس من الممكن لمن يختار هذه العبارات - والتي ذكرت سابقاً في هذا الكتاب - أن يكون من دعاة الحوار. وليس لكل الساسة الغربيين والأمريكيين الذين سارعوا بالاعتذار لهذا البابا، وإلقاء تهمة عدم الفهم على الأمة الإسلامية أن يطالبوا أمة بالحوار في هذه المرحلة التي اختاروا فيها مصادمة الأمة فكرياً وحضارياً، وفي بعض الأحيان عسكرياً أيضاً. إننا لا نرد بالضرورة الإساءة بمثلها، ونجنح إلى السلم في معظم مواقفنا، ولكننا لا نتردد في استخدام كل ما نملك من وسائل دفاع شرعية للذب عن كرامة نبينا، والحوار هو أحد هذه الوسائل، ولكنه ليس الطريق الوحيد بلا شك.
المصادمة الفكرية أولوية:
يعتقد البعض أن تجنب المصادمة الفكرية مع الغرب هو الخيار الصحيح والأفضل للنجاح في إدارة العلاقة بين العالم الإسلامي وبين القوى الغربية المختلفة. وقد أثبتت الأحداث التي مرت بها الأمة خلال الفترة الماضية أن هذا الاعتقاد يحتاج إلى مراجعة.
إن الإسلام يقدم خياراً مختلفاً تماماً عن الخيار الغربي فيما يتعلق بإدارة شؤون هذا العالم الذي نحيا فيه. والغرب يُعجب دائماً بمن يصرُّ على مواقفه، ويضحّي من أجلها، ويحب أن تُمارس ضغوطاً مستمرة عليه من أجل أن يحصل أي منافس على ما يريد منه.
لذلك أصبح الضغط السياسي هو إحدى أهم وسائل التأثير في صناعة القرار الأوروبي والغربي بالعموم، ولا يتم ذلك إلا بالتصادم بين الأفكار من أجل أن تظهر الأفكار الصحيحة والمفيدة للجميع. الشخص الغربي بطبيعته ينفر من أن يعطي دون مقابل، أو أن يعطي وهو مجبر؛ ولكنه يحب أن يشعر أن الطرف الآخر قد بذل كل ما يستطيع من أجل أن يحصل على ما يريد.
إن الإصرار والضغط المستمر هما سمتان واضحتان في التعامل بين الأمريكيين والأوروبيين ، وكذلك فَهُم يتوقعون من غيرهم أن يمارس الطريقة نفسها للوصول إليهم والتأثير فيهم. أما أن يُتوقع من الأمريكي أو الأوروبي أن يستجيب تلقائياً لما تريده لمجرد أنك ترى أنك صاحب حق؛ فهذا مخالف لما دأبت عليه الحياة الغربية.
ولذلك يصطدم العرب والمسلمون دائماً بأن غيرهم يمارس ضغوطاً كبيرة على الغرب ويحصلون على كل ما يريدون، ونحن في المقابل نرى أن الحق واضح، ولذلك فلا حاجة إلى الضغط من أجل الحصول عليه، بل نترفع أحياناً عن ذلك! ونخسر كثيراً؛ لأننا لم نفهم الشخصية الغربية، ولم ندرك كيف نتعامل معها.
تقديم صورة متوازنة : لا نعبد محمداً:
من الصور النمطية التي استقرت في أذهان الكثير من الغربيين، وخصوصاً المحافظين منهم أن المسلمين يؤلهون محمداً كما يؤلهون هم المسيح، تعالى الله عمَّا يقولون. وعندما تُظهِر وسائل الإعلام الغربية صور المسلمين وهم يتظاهرون من أجل الدفاع عن نبيهم، مستعدين للتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل ذلك، يتبادر إلى أذهان الكثير منهم أن سبب ذلك هو عبادة المسلمين لمحمد، والعياذ بالله.
لقد استُخدِم اسم (المحمديون) لوصف المسلمين في أوروبا لقرون عديدة. لذلك من المهم أن تركز حملات تغيير الصورة النمطية في الغرب عن نبي الإسلام على برامج تعرف بطبيعة العلاقة بين المسلمين وبين نبيهم.
منع الصور السلبية قبل تقديم الصور الإيجابية:
إن تأثير الصور السلبية أكثر رسوخاً في الذاكرة من الصور الإيجابية. لذلك فلا يكفي أن نهتم بالتعريف فقط بنبينا. الأهم في هذه المرحلة أن نوقف مسلسل الإهانات الذي انتشر في وسائل الإعلام الغربية والعالمية.
من أجل ذلك نوصي أن تنصب الجهود الإعلامية في التصدي لحملات التشويه، وإيقافها فور حدوثها، وعدم الاكتفاء بالرد عليها بحملات إيجابية فقط. وسيتم التعرض إلى بعض تلك الوسائل في الفصل القادم من الكتاب.
دعم المنصفين:
إن بالغرب عدداً من المفكرين والمثقفين من المتعاطفين مع العالم الإسلامي لأسباب فكرية ونفعية متعددة. وهؤلاء المفكرون لا يجدون في الغرب من يساندهم أو يدعم أعمالهم، أو يساهم في التعريف بها في ظل تنامي موجة الهجوم على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب. ونحن بحاجة إلى جهود هؤلاء في خدمة المشروع الإسلامي، وفي الدفاع عن نبي الأمة. والأمثلة على أهمية أعمال هؤلاء المفكرين الفكرية كثيرة، وأسوق هنا أحد هذه الأمثلة لبيان أهمية تبني هذه الجهود.
أحد الأمثلة المهمة على ذلك - كما يذكر الباحث (أنطوني سوليفان) - هو كتاب للبروفيسور
(بيتر كريفت) هو (الجهاد العالمي) الذي صَدَرَ عن دار Ignatius في العام 1996م. في هذا الكتاب يتغلغل (كريفت) تغلغلاً لافتاً في الحساسية الداخلية للإسلام. فمن خلال حوار متخيَّل في العصر الحديث، بين النبي محمد و(كريفت) نفسه، يعرض المؤلِّف ارتباطاً دينيّاً بالإسلام قد يكون نادراً في نظر غربي غير مسلم، ويبدأ الحوار في كتاب (كريفت) عندما يقول (بوذا) لـ (كريفت) في نهاية النقاش معه: "هذا الرجل سيعلِّمك الدين أكثر من (كونفوشيوس)، إنه سيعلِّمك قلب الدين الأكثر حقيقة وروحه". فيعترف (كريفت) أنه: صُعِقَ بعدما تبيَّن أن ذلك الرجل هو النبي محمد. ويقول (كريفت):
لذا سألت محمداً: ما هو قلب أكثر الأديان حقيقة وروحه؟، وجاء الجواب بكلمة واحدة من محمد: الإسلام، التسليم، والسلام الذي يصدر عن الخضوع، السلام الذي لا يمكن للعالم أن يمنحه، بل الذي يجيء فقط من التسليم لإرادة الله. هذا هو قلب الدين الحقيقي وروحه، الخطوة الأولى الحقيقية هي العبادة، السجود بالجسد والسجود بالروح: الإسلام.
يمضي الحوار إلى أن يقول (كريفت): لكننا أُمِرْنا أن نحب أعداءنا، لا أن نشنَّ الحرب؟ محمد: نحن نحب أعداءنا الإنسانيين، ونشنُّ الحرب ضد أعدائنا الروحيين. (كريفت): أليس المسلمون مشهورين بالخلط بين الأمرين، وبشنِّ حروب مقدسة لا تميِّز بينهما؟ محمد: البعض منهم. إذ يعتقد حوالي ثلاثة في المائة من المسلمين في العالم أن الجهاد يعني حرباً مادية وقتل الكفار؛ لكن القرآن يوضح أن هذه الحرب هي أولاً وقبل كلِّ شيء، موجهة إلى داخل المرء وضد خطاياه وخياناته.
(كريفت): لكن شعبك - العرب - مشهور في العالم بالعنف؟ محمد: وهل هم بخلاف شعبك في أيرلندا الشمالية؟! (كريفت): ولكن تاريخكم كلَّه مليء بالـ...، محمد: بالحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والإكراه في الدين، ومعاداة السامية، والحروب الدينية؟! (كريفت): أدركت بسرعة أن منطقي يراوح مكانه، وأنه سينفجر في وجهي.
عند هذه النقطة، يقول (كريفت): تابع محمد كلامه في لطف. محمد: دعني أحاول أن أشرح لك. الإسلام والجهاد مرتبطان في جوهرهما. فالإسلام لا يعني التسليم فقط، وإنما السلام أيضاً، السلام الذي لا يمكن للعالم أن يمنحه، السلام الذي يمنحه الله فقط، عندما نسلم له وجهنا. وهذا التسليم يتطلب جهاداً داخليّاً، حرباً على حربنا ضد الله.
من هنا نصل إلى مفارقة أن السلام (الإسلام) يتم إحرازه فقط من خلال الحرب (الجهاد)، وأن هذا السلام يقود أيضاً إلى الحرب؛ لأن الخضوع الذي يتطلب هذا السلام، يتطلب منَّا أن نطيع إرادة الله؛ وإرادة الله تطلب منَّا أن نصير محاربين روحيين ضد الشر( ).
ملخص الفصل الرابع: تغيير نظرة الغرب للنبي
يوضح هذا الفصل السبل السلمية الرادعة لمنع تكرار الإهانات. يعني ذلك المضي قدماً على محورين متوازيين معاً: المحور الأول: هو العمل على تغيير النظرة السلبية عن نبي الإسلام لدى الغربيين. أما المحور الثاني – وهو لا يقل أهمية عن المحور الأول –: فهو إيقاف الاعتداء على كرامة النبي، ومواجهة من يعلنون معاداته.
إن الإهانات تتكرر؛ لأن مواجهتها ليست كافية؛ ولأننا لا نواجه من يقومون بها، أو من يدعون إليها، أو يبررونها بالقوة الفكرية الكافية. من المهم أن نتبنى سياسة مختلفة في التعامل مع هذه الأزمة المتكررة، سياسة سلمية بلا شك، فالعنف لن يوقف هذه الحماقات الغربية، ولكنها يجب أن تكون سياسة قوية تنطلق من ديننا ولا تخالفه.
كما أن من واجبنا كممثلي حضارة إسلامية إنسانية منفتحة على الغير أن نعمل على فتح أبواب الأمل والرجاء للالتقاء على نقاط وجوانب مشتركة مع كل الحضارات والثقافات. ونحن نرحب بالحوار مع الجميع، ولكن الحوار يجدي فقط عندما تتوفر الرغبة الجادة في احترام الآخر، والنية الصادقة في البحث عن مساحات التفاهم والالتقاء. ما قاله البابا، ومواقف الكنيسة الأوروبية، ومواقف السياسيين الغربيين بالعموم لا تدل على الاهتمام بالحوار إطلاقاً.
إن بالغرب عدداً من المفكرين والمثقفين من المتعاطفين مع العالم الإسلامي لأسباب فكرية ونفـعية متعـددة. وهـؤلاء المفـكرون لا يجدون في الغرب من يساندهم، أو يدعم أعمالهم، أو يساهم في التعريف بها في ظل تنامي موجة الهجوم على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب. ونحن بحاجة إلى جهود هؤلاء في خدمة المشروع الإسلامي، وفي الدفاع عن نبي الأمة.
الفصل الخامس: مشروعات مقترحة
"مشروع (وقف النبي) وقف مقترح بقيمة 1.5 مليار يورو، مقسمة إلى 1.5 مليار سهم؛ لحث كل مسلم على وجه الأرض بالمساهمة بيورو واحد؛ من أجل نصرة نبي الإسلام في وجه حملات التشويه والإساءة غير المنصفة".
الفصل الخامس
مشروعات مقترحة
وقـــف الـنـبـــي:
يـورو مـن كـل مـسـلــم لـنـصــرة نـبــي الـلــه 
[ وقف بقيمة 1.5 مليار يورو ]:
إن الأمة الإسلامية في حاجة إلى مشروع متكامل لمواجهة تنامِ الإساءة إلى النبي  في العالم الغربي، والتصدي لحملات تشويه الصورة الذهنية عن نبي الإسلام  لدى الكثير من غير المسلمين؛ بسبب الحملات الإعلامية المسيئة، وتكاتف بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين من ذوي الميول المعادية للإسلام على تشويه صورة النبي  في كتاباتهم وأبحاثهم.
إن فكرة (وقف النبي) المقترحة في الصفحات القادمة يمكن أن تكون الإطار الذي يجمع هذه الجهود من أجل القيام بحملة عالمية مستمرة لتقديم صورة صادقة وحقيقية ومنصفة عن دين الإسلام، وعن سيرة خير ولد آدم، والمبعوث رحمة للعالمين من خلال مشروعات عالمية متميزة.
مشروع (وقف النبي) هو وقف مقترح بقيمة 1.5 مليار يورو، مقسمة إلى 1.5 مليار سهم بقيمة يورو واحد لكل سهم، وهو وقف يهدف إلى حث كل مسلم على وجه الأرض بالمساهمة بقيمة لا تقل عن يورو واحد من أجل قيام هذا الوقف، الذي سيخصص للقيام بمجموعة من المشروعات العالمية الهامة الهادفة إلى نصرة نبي الإسلام في وجه حملات التشويه والإساءة غير المنصفة عن خير خلق الله - صلوات الله وسلامه عليه -.
تجمع أهداف الوقف بين تصحيح الصورة المشوهة عن النبي بين غير المسلمين، وتقديم صورة صحيحة وصادقة وإيجابية عن نبينا محمد ، من خلال العديد من البرامج العلمية والإعلامية والفكرية، وكذلك التصدي لأية إساءة توجه للنبي من أي جهة إعلامية أو دينية أو فكرية، وأخيراً المساهمة في الحث على سن تشريعات دولية تكفل حماية رموز الأديان من التشويه والإساءة لها.
من المقترح أيضاً أن يتبنى مشروع (وقف النبي) عدداً من المشروعات الطموحة في المجالات الإعلامية والفكرية والبحثية. تركز هذه المشروعات على الجوانب الإيجابية والإبداعية في الدفاع عن النبي، واستخدام أحدث ما وصل إليه التقدم البشري من تقنيات ووسائل علمية وإعلامية في تحقيق ذلك، مع الالتزام بالمنهج الدعوي الرصين الذي أجمعت عليه الأمة في حسن تقديم دينها، والوسطية في التعامل مع قضاياها، والعدل مع البشرية، والحرص على صالح الإنسان.
من المقترح أن يكون لـ (وقف النبي) مجلس أمناء من علماء الأمة ومفكريها وإعلامييها، إضافة إلى نخبة من أهل الحل والعقد من رجال الأعمال وقيادات المجتمع المدني الإسلامي، إضافة إلى الشخصيات الرسمية والدولية. كما ستكون للمشروع لجنة تنفيذية فاعلة من خيرة أبناء الأمة الإسلامية في مختلف مجالات اهتمام وأنشطة الوقف. يبدأ الوقف، فور الإعلان عنه وتكوين مجلس الأمناء واللجنة التنفيذية له، في دعوة المسلمين من كافة أقطار الأرض إلى المساهمة في قيام الوقف بحد أدنى يورو لكل مسلم لنصرة النبي.
نأمل أن يكون هذا الوقف بادرة خير لجمع جهود الأمة حول مشروع فعال إيجابي؛ للتعريف بدينها وحفظ كرامة نبيها، والتحول من الدفاع السلبي عن الإسلام ورموزه ونبيه إلى تقديم برامج إيجابية وعملية معاصرة ومتنوعة للتعريف بالإسلام، وإتاحة الفرصة للبشرية لتتعرف - بشكل صحيح ومنصف - على خير البشر نبي هذه الأمة رسولنا .
مشروعات عملية مقترحة:
• جائزة المصطفى العالمية: جائزة سنوية ذات قيمة مالية ومعنوية عالية، تمنح في كل عام لشخصية إسلامية وأخرى غير إسلامية. تمنح الجائزة للشخصية التي تمتاز بالأخلاق الكريمة التي تحاكي وتقترب من أخلاق خير البشر.
• مسابقة سنوية بحثية عالمية، حول جانب من جوانب حياة الرسول . تكون المسابقة بعدد من اللغات العالمية الهامة، وذات جوائز قيمة توزع في مهرجان عالمي يخصص لذلك.
• إنشاء المركز الدولي لدراسات السيرة؛ ليكون مركزاً فكرياً وبحثياً عالمياً يعنى بالسيرة وتعريف غير المسلمين بالإسلام ونبي الأمة.
• رعاية ودعم عدد من الكراسي الأكاديمية في مجموعة من الجامعات العالمية الهامة حول الدراسات في السيرة والتعريف بنبي الإسلام.
• تكوين آليات للضغط الدولي المستمر؛ من أجل سن تشريعات وقوانين دولية تمنع الإساءة إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - رأسهم نبي الأمة.
• إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية والسينمائية والتلفزيونية العالمية عن حياة النبي ، وسيرته ودعوته وجهاده. يراعى أن تكون الأفلام على مستوى عالمي وبعدد من اللغات.
• إنشاء قناة المصطفى الفضائية؛ لتكون قناة فضائية عالمية تبث بعدد من اللغات، وتصل إلى معظم أنحاء الأرض بتغطيتها، وتهدف للتعريف بالإسلام وسيرة النبي، وجوانب الخير المتعددة في الأمة الإسلامية ووسطيتها.
• آليات الدفاع عن المصطفى: وضع برامج عملية لتفعيل آليات متعددة إعلامية وشعبية؛ للرد على أية إساءة إعلامية أو فكرية تمس بالإسلام أو القرآن أو نبي الأمة، من خلال وسائل ضغط سياسي واقتصادي وشعبي، تجتمع عليها الأمة أفراداً ومؤسسات ودولاً إسلامية.
• المؤتمر العالمي للسيرة النبوية؛ بحيث يكون مؤتمراً عالمياً سنوياً يعقد في أحد الدول غير المسلمة، ويخصص للحديث عن علوم السيرة وحياة المصطفى.
• إطلاق موقع (المصطفى) الإلكتروني؛ ليكون واجهة إعلامية إليكترونية متعددة اللغات، للتعريف بالنبي من خلال شبكة الإنترنت.
• تنظيم حملات صحفية وإعلامية عالمية [ إعلانات وكتابات مدفوعة ] بشكل مستمر في المجلات، والصحف، والمواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية عن سيرة وأخلاق نبي الإسلام.
• استكتاب مجموعة من المستشرقين والمفكرين والباحثين الغربيين لتقديم كتب ودراسات ومقالات منصفة عن النبي .
• إصدار مجلة عالمية باللغة الإنجليزية بعنوان (الإسلام)؛ لتكون منبراً إعلامياً للتعريف بالإسلام ونبيه وأمته.
• مكتبة المصطفى: وهي مجموعة من الكتب والأشرطة والأقراص تهدى إلى 10.000 مكتبة عامة في جميع أنحاء العالم، وتحتوي على كتب عن حياة النبي وصفاته وسيرته، وأفلاماً وثائقية بلغات متعددة حول نفس الموضوع.
• قافلة شباب الإسلام: وهو برنامج للحوار والتعارف بين شباب الإسلام، وبين مجموعات شبابية من مختلف أنحاء العالم، تهدف إلى التعريف بالإسلام والعالم الإسلامي، وتبادل الأفكار والحوار حول مستقبل الأديان ودورها في حاضر أفضل للبشرية.
• الندوات والحلقات النقاشية: تبنى عددٌ من الندوات وورش العمل والحلقات النقاشية المختلفة في جميع أنحاء العالم، بالتعاون مع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني للتأكيد على القيم والأخلاق الكريمة التي تمثلت في شخصية النبي الكريم.
• التعاون مع المؤسسات الإسلامية والعربية الدولية؛ من أجل تحقيق أفضل نتائج من البرامج والمشروعات المشتركة، وتقديم صورة مشرفة عن توحيد الجهود والتكامل بينها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

الفصل السادس: خلاصة وتوصيات
"لقد قدم رسول الله  نموذجاً متكاملاً لحياة موازية للغرب، لا تلتقي معه اضطراراً، ولا تتنازل له خوفاً. والأهم من كل ذلك أنه محبوب من المسلمين، معروف لكل العالم، نجح بكل المعايير الغربية؛ ولكنه رفض كل مفاهيم الغرب. هو نموذج يرى البعض ضرورة القضاء عليه، ويبدو أن ذلك غير ممكن؛ لأن إرادة الخالق أقوى من عبث المخلوقين".

الفصل السادس
خلاصة وتوصيات
يقول الكاتب البريطاني المعروف (توماس كارلايل) في كتابه (الأبطال) مدافعاً عن نبي الإسلام : "من العار أن يصغي أي إنسان متمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين بأن: دين الإسلام كذب، وأن محمداً لم يكن على حق. لقد آنَ لنا أنْ نحارب هذه الإدعاءات السخيفة المخجلة، فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمان لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذبة، أو خديعة مخادع ؟! لو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج، لأصبحت الحياة سخفاً وعبثاً، وكان الأجدر بها ألا توجد! هل رأيتم رجلاً كاذباً يستطيع أن يخلق ديناً، ثم يتعهده بالنشر بهذه الصورة؟!".
إن هدف هذا الكتاب لم يركز فقط على بيان الأصول الفكرية لموقف الغرب من نبي الإسلام. الأهم من ذلك هو وضع تصورات عملية لتغيير ذلك الموقف إلى موقف أكثر إيجابية وعدالة وإنصافاً. إننا في حاجة إلى أن نتعامل مع العداء الذي يواجهه خير خلق الله في الفكر الغربي بشكل عملي وعاجل. ونختتم هذه الدراسة بمجموعة من التوصيات التي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: هي مَطالِبُ من الأمة الإسلامية، والقسم الثاني: هو عبارة عن المطالب التي ينادي الغرب أن يلتزم بها.
التعامل مع العداء:
إن عداء الغرب للنبي محمد  هو عداء مفهوم من المنطلقات الفكرية، وإن كان غير مقبول على الإطلاق تحت أي مبرر أو تفسير. كان هدف هذه الدراسة هو توضيح أهم المعالم الفكرية لمشكلة الغرب مع نبي الإسلام. فرسول - الله صلوات الله وسلامه عليه - قد جـسّد صـورة مخالفة تماماً للإنسان عن الصورة التي ارتبط بها المسيحيون مع المسيح - عليه السلام - كما يصورونه. إنه جسّد إمكانية انتصار الإنسان دون الحاجة لمعجزات، بينما الفكر المسيحي المعاصر في الغرب يرى أهمية المعجزة للهروب من مواجهة الكثير من مصاعب الحياة في الغرب.
إن الأمـة الإسـلامية تدرك أن الاختلاف سنة كونية، وأن التدافع والتنافس بين الشـعوب والأمم يسـمح للبشرية بدفع عجلة التقدم إلى الأمام. ومع ذلك فإن الاختلاف ليس مبرراً للتخاصم بين الشعوب، وإنما هو حافز للتعرف على الآخر، والتكامل معه لما فيه خير الإنسانية. وعندما يتعدى البعض ويتجاوز حدود التعارف إلى الاعتداء أو الرغبة في الهيمنة، فإن الأمة الإسلامية تتعاون مع الآخرين من العقلاء للدفاع عن مصالحها، وحماية أمتها، والانتصار لرموزها ومقدساتها، ولتحجيم مخاطر الاعتداء، وحفظ الاستقرار والسلام بين شعوب العالم، ومقاومة أسباب الإرهاب وليس فقط مظاهره، ولذلك سميت الأمة الإسلامية - بفضل خالقها ورحمته - أمة وسطاً.
إن الأمة الإسلامية لا تعتدي ابتداء، ولكنها أحياناً تُعادى من قبل قلة من الآخر الذي يسعى إلى إقصاء الأمة وتهميشها؛ بل وإلغائها في بعض الأحيان. لذلك تنتفض الأمة لتقاوم وتدافع عن هويتها، وتحفظ دينها وكرامة رموزها. ولا تخشى الأمة من مواجهة الاعتداء، ولكنها ترغب دائماً في السلام وتجنح إليه، وترفض التظالم مع دول العالم وجميع الأمم والشعوب.
مطالب من الأمة:
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية الفعالة لتغيير واقع النظرة الغربية عن نبي الإسلام، والتصدي للهجمة الإعلامية والفكرية التي تستهدف إهانته . ومن الوسائل التي يمكن اقتراحها في هذا المجال:
• وصف ما يحدث من البعض في الغرب من هجوم على الإسلام ورموزه بـ (التطرف الغربي الديني)، وبيان مظاهر هذا التطرف وأدلته، ورموزه الفكرية والعقدية، وكيفية التصدي له.
• إيجاد وسائل ضغط شعبي وإعلامي مستمر وفعال لمواجهة هذه الإهانات، والرد عليها بما يناسبها.
• تكوين مؤسسات للمجتمع المدني تتولى التنسيق بين الدول وبين العلماء وبين الشعوب في إدارة هذه الحملات، والتعاون بين الجميع من أجل نجاحها. فرسول الله  ليس فقط نبي الشعوب، ولكنه رمز عزة الأمة أجمعها؛ بقادتها وسياسيها ومفكريها وعلمائها وشعوبها. ومن المهم السعي نحو الإعلان عن هذا التكاتف بين الجميع في مواجهة من يسيئون إلى نبي الأمة.
• توحيد الجهود الدبلوماسية في حال تبني القادة السياسيين في دولة ما إهانة رموز الإسلام، ويتدرج ذلك من إعلان المواقف الموحدة من دول العالم الإسلامي (57 دولة)، إلى البيانات العامة، ثم استدعاء السفراء، وطرد البعثات الدبلوماسية، وكذلك التهديد بقطع العلاقات، وغيرها من الإجراءات الدبلوماسية المعروفة في هذا الشأن.
• تفعيل لجان علمية وفكرية تتخصص في بيان ودراسة أسباب تكرار هذه الحملات العدائية والخلفيات التي تحركها، وإتاحة ذلك لمن يتولون الرد على الإساءات.
• الامتناع عن المشاركة في جلسات الحوار أو التفاوض مع كل من يثبت إساءته للإسلام، أو رموزه، أو مقدساته.
• منع من يتورط في إهانة خير خلق الله من زيارة أي دولة من الدول الإسلامية، والدول المتعاطفة معها، والإعلان عن أنهم شخصيات غير مرغوب فيها في العالم الإسلامي.
• إعداد قائمة سوداء بأسماء وخلفيات من يعرفون بالهجوم على رموز الإسلام تعمداً وتكراراً، ومقاطعتهم على كافة المستويات الفكرية والإعلامية والسياسية.
• إعداد دراسات فكرية وسياسية عن جوانب الضعف والخلل في الخلفيات الدينية والعقدية لمن يهاجمون رموز الإسلام، ونشر ذلك عالمياً باللغات المتعددة، وليس باللغة العربية فقط.
• استخدام المقاطعة الاقتصادية والثقافية الشعبية كأحد وسائل الضغط العملي، واقتران ذلك بمواقف حكومية ورسمية مشابهة، ضمن ما تسمح به القوانين والاتفاقات الدولية في هذا الشأن.
• ‌التصدي للإعلام المضاد بشكل مستمر ومؤثر، والرد على ما يثار من شبهات عن ديننا ونبينا محمد  .
• تبني كل من يتصف بالإنصاف من مفكري الغرب ومثقفيه ممن يهتمون بأمور العالم الإسلامي، ودعمهم في جهودهم للتصدي للتطرف الديني الغربي المعاصر.
• إعداد برامج وثائقية عن تاريخ التطرف الديني في الغرب، ومقارنة ذلك بسماحة العالم الإسلامي تاريخياً وعملياً مع مخالفيه.
قائمة الأفكار يمكن أن تكون أطول من ذلك وأكثر فعالية ونضوجاً، ولعل هذه المبادرة أن تكون حافزاً للدعاة والمفكرين والعلماء، ولكل من يحب رسول الله  إلى تجديد فكر المواجهة، واختيار الوسائل المناسبة لذلك، ضمن ما تقره الشريعة الإسلامية، وتغلب فيه المصالح على المفاسد، ويصب في خدمة الأمة والدفاع عن نبيها.
إن الغرب يستخدم معظم هذه الوسائل التي ذكرت أعلاه ضمن حملاته الفكرية والسياسية في مواجهة الأمة الإسلامية ونهضتها المعاصرة. لذلك لا يمكن أن يحتج أحد أن هذه الوسائل غير مقبولة عالمياً أو غير متفقة مع الأعراف الدولية. إننا هنا لا نبحث بالضرورة عن الصواب أو الخطأ من منظور السياسات الدولية، ولكننا فقط نلزم المخالف بما يعتقد وما يمارس.
الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب لديهم قوائم سوداء بمن لا يرحبون بهم في دولهم، وتمارس عدد من دول الغرب الضغوط الاقتصادية على كل من لا يوافقهم في مشروعاتهم للهيمنة، وتعمل المراكز الفكرية الغربية على تشويه كل من يخالف نظم الغرب أو مشروعاته أو تصوراته لمستقبل الإنسانية. إن ما ذكر سابقاً لا يخرج عن هذه الوسائل، وبالتالي فهي وسائل مشروعة دولياً. ونحن نعاني من ممارستها ضدنا بشكل علني، فلِمَ لا نمارسها نحن بالمثل ضد كل من يهاجمون رموز الأمة؟
مطالب من الغرب:
إن الغرب يتحدث كثيراً في الآونة الأخيرة عن التعايش والحوار، وأهمية تفهم الآخر ونبذ الحلول غير السلمية في العلاقة معه. ونحن نوافق الغرب على ذلك شريطة أن يقترن هذا الحديث بتصرفات وأفعال من قادة ومفكري الغرب تعكس التزامهم أولاً بما يطالبون الأمة به. من أجل ذلك نوصي أن تكون رسالتنا إلى الغرب هي كالتالي:
• إننا نريد أن يتفهم الغرب أن الأمة الإسلامية تنتصر دائماً لدينها، ولا تقبل إهانة الأنبياء جميعهم, وأهمهم - في نظر الأمة - نبيها . إننا ندعو شعوب العالم أن تشاركنا المناداة بضرورة إيجاد صياغة دولية ومفهوم مشترك ملزم للجميع في مسألة العلاقات بين السياسة الدولية وحريات التعبير واحترام المقدسات.
• نريد من الغرب ألا يتخوف من الإسلام أو من أهله، وأن يعي بالمقابل مصادر قوة الأمة الإسلامية الحضارية والعقدية والفكرية التي تستمدها من كتاب الله وسنة النبي . إننا ندعو العالم أن يشاركنا العدل وإنصاف الآخر ومحبته وتقديره حقاً، وكما يقول أحد علماء الأمة الأجلاء: فلم يوجد في القرآن سورة لخديجة زوج محمد، ولا فاطمة بنت محمد، ولكن وجدت سورة لمريم، وسورة لأسرة المسيح؛ هي سورة آل عمران، وعمران هذا هو والد مريم {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
• نطلب من الغرب أن يترك للمسلمين حريتهم وحقهم في أن يحكموا أنفسهم وفق عقائدهم التي آمنوا بها، ولا يفرض عليهم نظاماً لا يرضونه. فالاختلاف حق للجميع، والتسامح والحوار ليس مدعاة لفرض المعتقدات على الآخر، أو إجباره على القبول بقواعد ونظم تخالف ما ارتضته الشعوب لنفسها من دين وشريعة. إننا لا نقبل من الغرب النظرة الأحادية التي لا تستوعب هذه الأمة الإسلامية، ولا تسمح للشعوب بفسحة التنوع والاختلاف، ولا تسمح بالتعددية الإنسانية.
• نعي أن الفهم والتعاون بين الدول والشعوب يجب أن يكون متبادلاً ومشتركاً. بمعنى أنه في الوقت الذي نسعى فيه إلى توضيح صورة الإسلام الحضارية الحقيقية للأمم والشعوب الأخرى، فإننا نطمح ألا يكون ذلك على حساب التنازل عن استحقاقاتنا ولا التفريط في استقلالنا. الحوار لا يكون إملاءً من طرف قوي على طرف ضعيف لا يسمح له بالاختلاف، فليس هذا حواراً. إنـنا نؤمـن بالحـوار الجــاد، والتـفـاوض مـع الغرب في حـال الاختـلاف، ولكن لا نسمح لأنفسنا كذلك أن نجلس على موائد حوار لا نكون فيها نداً مفاوضاً قوياً، ونسعى إلى تقوية أمتنا لتكون أهلاً للجلوس على موائد الحوار الجاد. ونؤمن أن الحوار يجب أن يتركز على نقاط الاختلاف، وليس فقط على عناصر الاتفاق.
• نريد من الغرب أن يساهم معنا في محاربة ظواهر الإرهاب المعاصر، إرهاب الأفراد وإرهاب الدول أيضاً، أعمال الإرهاب ومظاهره، وكذلك أسبابه الحقيقية من ظلم واعتداء على الشعوب. يجب أن تدان كل صور الإرهاب المعاصر، وخصوصاً ما ترتكبه دول عظمى في حق الشعوب، أو كيانات دخيلة في حق شعوب محتلة. ونطلب من العالم أجمع أن يشاركنا في تجريم قتل الأبرياء العُزَّل الآمنين سواءً من خلال أفعال فردية لا تتفق مع الأديان، أو أعمال عسكرية تخالف قوانين العالم والمعاهدات.
• نريد من الغرب أن يتعاون معنا من أجل أن يكون الإعلام العالمي إعلاماً صادقاً موضوعياً، وألا يتحول الإسلام والمسلمون إلى (أعداء) للعالم من أجل إرضاء قلة من المعادين. يجب أن يتكاتف العالم من أجل ألا توصم الشعوب بصور نمطية كريهة، تحمل معاني العداء وبغض الآخر. يجب أن يتعاون الجميع من أجل أن تسود روح العدل بين الشعوب. إن الأمة المسلمة أمة مسالمة، وهي أيضاً أمة قوية بمعتقدها وشعوبها وثرواتها، وهي تمثل شخصاً من بين كل خمسة أشخاص يعيشون في عالم اليوم. فهل يعقل أن يكون 20% من عالم اليوم من دعاة الإرهاب، كما يصورنا البعض؟!
• إننا ندعو الغرب إلى نبذ فكرة (صراع الحضارات)، وإلى نبذ فكرة الصراع ابتداء بين الأمم والشعوب، واستبدال ذلك بالمسابقة إلى الخيرات، والتدافع والتنافس الشريف من أجل إسعاد البشرية وسلامتها واستقرارها. إننا لا نوافق على صراع الحضارات ليس لأننا ضعفاء أو نخشى الانهزام، فهذه الحضارة الإسلامية باقية منتصرة ما بقي الليل والنهار؛ ولكننا لا نوافق على صراع الحضارات ولا نسعى إليه؛ رفقاً بشعوب العالم، ورحمة بالإنسانية من أن تُجرَّ إلى حروب لا نهاية لها. نحن نريد أن يفهم العالم أننا دعاة سلام من منطلق قوة داخلية لا ينضب، وتأييد رباني لا شك فيه، لسنا دعاة سلام من منطلق ضعف أو مهانة. إن شواهد الأعوام الأخيرة – وكثير منها مؤلم – يقطع أن الصراع مع أمة الإسلام مكلف ومرهق للجميع.
• نريد من عقلاء العالم أن يتحدوا في وقف الاعتداءات على الشعوب المسلمة والمسالمة، وإعطاء الحقوق لأهلها في فلسطين والعراق وكشمير وغيرها من شعوب الأمة. لقد تسامحت الأمة الإسلامية مع من هاجمها من قبل، ونريد من الغرب - كما يدعو علماء الأمة - أن يتحرر من عقدة الحقد القديمة الموروثة من الحروب التي سماها الغرب (صليبية) ولم نسمها نحن كذلك. نريد من الغرب أن يتخلى عن نظرة الاستعلاء تجاه هذه الأمة – فالأيام دول – والشرق عائد إلى سيادة الكون، ولا نقبل أن تكون النظرة التي ينظر بها الغرب إلى العالم نظرة السيد إلى عبده.
• إذا كان الغرب لا يريد أن نحاكمه بأفعال القلة الطائشة منه، كما يطلب منا مؤخراً في شأن الإساءة إلى نبي الأمة، فيجب أيضاً ألا نُجرَّم نحن بأفعال القلة منا أيضاً التي تخالف إجماع الأمة سواء في الغلو والتطرف، أو في الإفراط والتفريط. إن هذه الأمة ليست أمة من الغلاة، وليست أيضاً أمة من الضعفاء. ومن يحكم عليها بأيهما، فهو فاقد للرؤية الصحيحة والثاقبة لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي. ومن يتهمنا اليوم بالغلو تسبب بالأمس القريب في معظم فظائع وكوارث القتل والحروب في عالمنا المعاصر، والتي حصدت عشرات الملايين من البشر، وسعت إلى إبادة المخالف في أفران الغاز، ولم يفعل ذلك مسلم على مر التاريخ.
• نريد من الغرب أن يساهم معنا في مستقبل أفضل للبشرية، وندعو الغرب إلى التعاون معنا حول الأهداف المشتركة. إننا لا نريد - ولا نقبل - للبشرية مستقبلاً سوداوياً لا يقوم إلا على مبدأ الصراع؛ ولذلك فإن من أهداف أمتنا أن تستبدل ذهنية الصراع التي تسيطر على واقع اليوم وأحلام - بل كوابيس - الكثيرين في الغد، إلى واقع يجمع بين التناغم والتوازن والسلام:
أن يتحول الصراع مع الكون إلى التناغم مع الكون
أن يتحول الصراع مع الآخر إلى التوازن مع الآخر
أن يتحول الصراع مع النفس إلى السلام مع النفس

نؤكد تحديداً للغرب والشرق والآخر بالعموم أننا نريد أن يعرف العالم أجمع كيف نحب رسولنا ، وأن يتعلم منا كيف أن حرية التعبير لا تتعارض مع احترام مشاعر الآخرين، نريد من الغرب أن يعرف أننا نعشق الحرية الحقة؛ حرية أن نُحِبَّ وأن نُحَبَّ... حرية أن نحترم الآخر وأن يحترمنا الجميع. إن الحرية الحقة أن تلزم نفسك باحترام حريات ومشاعر الآخرين، وهو ما ندعو إليه في عالم اليوم.
• ندعو الغرب وباقي العالم غير الإسلامي إلى الوقوف معاً لمواجهة أعداء الإيمان بالأديان، ودعاة الإلحاد في العقيدة والإباحية في السلوك. ندعوهم أن نقف جبهة واحدة، ضد هؤلاء الذين يريدون دمار البشرية، بدعاواهم المضللة، وسلوكياتهم الغاوية .{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً {43} أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [ الفرقان: 43].
• ندرك أن الكثير من أبناء الغرب، ومن أبناء الأمة الإسلامية أيضاً يريدون أن تكون التصورات والقناعات التي تخرج عن الأمة الإسلامية مُرْضيةً للخارج، وهو ما نتفهمه، ولكن الأهم – في نظرنا – أن تكون هذه القناعات حقيقية وليست متكلفة أو مجاملة، أو منعزلة عن الواقع الثقافي والفكري للأمة الإسلامية. إن إرضاء الغرب بهذا الشكل خداع لا يليق بالأمة، وهو يفسر أيضاً عدم جدوى الحوارات وتوصيات المؤتمرات العديدة السابقة، التي اهتمت بالصياغة المناسبة للآخر على حساب الحقائق على أرض الواقع. إن الواقع يجب أن يعبر عن سماحة ديننا، ويجب أن نسعى إلى تغييره لا إلى تزيينه للآخر، حتى لو اضطرت الأمة إلى الانتظار قليلاً أو كثيراً إلى أن يتم إصلاح واقعها حتى نقول ما نفعل، ونفعل ما نقول.

الخلاصة:
إننا نتوجه اليوم نحو مواجهة بين الحضارات لم يسبق لها مثيل في التاريخ. إن قوى الجذب والمصالح التي تجمع حول محورها الخاص التجمعات البشرية الكبرى سوف تلجأ إلى المذهبيات الحديثة وإلى التبلورات القديمة. وكلما توحد العالم أكثر، كلما تعرض للتمايز، للبينية وللتمفصل حول أقطاب مسيطرة( ).
إن محمداً  قد أحيا فكرة القوة وعدم الخوف من المواجهة، وهي فكرة خطيرة في نظر أصحاب مشروعات الهيمنة والسيطرة على واقع الأمة الإسلامية وثرواتها ومستقبلها. إن محمداً قد حارب من أجل أن ينتصر الإنسان على ذاته، لا أن يخضع لها، وهذا الأمر يحارب ويصادم تحويل كل شيء في الكون إلى سلعة، وتحويل كل فرد إلى مستهلك.
إنّ الإسلام يبقى قبل كل شيء - كما قال (هيجل) -: حب الواحد الأحد، الأكثر صفاء وتجريداً، والأكثر تسامياً. إنه عودة جدية إلى الله عندما يعصف عنف الحياة، إنه سلام كما يوحى بذلك اسمه. تلك هي نواته الصلبة. إنّ محاولة جعله مسيحياً أو بوذياً معناها تذويبه للقضاء عليه فيما بعد. لكن يمكننا التشديد على بُعْدِ الرحمة، الذي هو البُعْدُ الإسلامي الخاص للمحبة( ).
إن أصوات العقلاء في العالم تنادي المسلمين أن يحافظوا على هويتهم وعلى نقاء عقيدتهم؛ لأنها تمثل الخلاص الحقيقي من اغتراب العالم وفقدانه لمعاني السعادة والرضى الإنسـانيَيْن، والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي تسمو لها النفس الإنسانية. "إن الإسلام لا يمكنه مضاهاة الغرب في قدرته التكنولوجية وفي علمه وقوته، ولن نقول حينئذ: ليتخلَّ الإسلام عن السباق، بل نقول: لا يضيعن نفسه فيه. ليحفظْ ويحرث ويصقل حصته الكبيرة مما هو إنساني. إن التألم الداخلي للغرب يأتي من كون حداثته قد التهمت ثقافته"( ).
لقد قدم رسول الله  نموذجاً متكاملاً لحياة موازية للغرب، لا تلتقي معه اضطراراً، ولا تتنازل له خوفاً. والأهم من كل ذلك أنه محبوب بشدة من المسلمين، معروف لكل العالم، نجح بكل المعايير الغربية؛ ولكنه رفض كل مفاهيم الغرب. هو نموذج يرى البعض ضرورة القضاء عليه، ويبدو أن ذلك غير ممكن؛ لأن إرادة الخالق أقوى من عبث المخلوقين.
ملخص الكتاب
شهدت الفترة الماضية ارتفاع نبرة المواجهة مرة أخرى بين العالم الإسلامي من ناحية، وبين أوروبا وأمريكا من ناحية أخرى فيما يتعلق بالهجوم على شخص النبي محمد . يؤكد الكتاب - من خلال الأدلة التاريخية والفكرية - أن الموقف الغربي من النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يتغير بالمجمل، وأنه كان دائماً موقفاً يغلب عليه صبغة العداء والاستهزاء، وإن اختلفت صور التعبير عن هذا الموقف بين فئات المجتمع الغربي المختلفة.
يهدف البحث إلى التعرف على الأسباب الفكرية لهذا الموقف الغربي، وكيف يمكن مقاومة هذا الموقف عملياً للدفاع عن رموز الأمة الإسلامية؟ ينقسم الكتاب إلى ستة فصول. يناقش الفصل الأول موقف الفكر الغربي من نبي الإسلام. أما الفصل الثاني فيوضح الصورة النمطية الموجودة بالغرب عن الإسلام كدين، وعن رسول الله  كرسول وكفرد وكرمز للأمة الإسلامية.
يركز الكتاب في الفصل الثالث على الأصول الفكرية للمواقف الغربية من نبي الإسلام. أما الفصل الرابع فيناقش آليات تغيير النظرة الغربية النمطية عن النبي . وفي الفصل الخامس مجموعة من المشروعات المقترحة للتعريف بالنبي في الغرب والدفاع عنه في وجه حملات التشويه والإهانة. أما الفصل السادس والأخير فيجمع باقة من المقترحات والتوصيات.
يرى المؤلف أن ظاهرة العداء الغربي لنبي الإسلام هي ظاهرة مرضية، ويتساءل: إن كان لهذه الأمة ولنبيها  عدوٌ من المجرمين في زماننا هذا - كما أخبرت آيات القرآن الكريم - فمن يمكن أن يكون هذا العدو غير الغرب ؟!

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك