المذهبية سلاح الشيطان
المذهبية سلاح الشيطان
الشيخ حسن فرحان المالكي
التعصب المذهبي من أمضى الأسلحة التي استطاع الشيطان إيجادها في الأمة؛ بغض النظر عن النسبية في الخطأ والصواب، والتعصب المذهبي غير التمذهب المدرسي الاضطراري فنحن لا نطالب العامة باجتهاد ولكن طلبة العلم يجب عليهم الانتصار للنص الشرعي والتعصب له.
ولكن للأسف أن طلبة العلم من سائر الطوائف - بغض النظر عن النسبية في التمذهب - قد أججوا الصراع والكراهية بين المسلمين؛ لأن العامة تبع لهم، ونحن نرى أن العامة أصبحت مستعدة للحرب الأهلية في كل بلد؛ بسبب هذا التحريض المتواصل؛ مع عظيم حرمة دم المسالم والمعاهد فضلا عن المسلم. هذا الاستعداد النفسي للحرب الأهلية فيها كل المفاسد الدينية والدنيوية؛ فقد نسي المحرضون عظمة سفك الدم الحرام التي عظمها القرآن الكريم.
ومن الشرك أن يكون المذهب والشيخ - من أي مذهب - أولى بالاتباع من القرآن الكريم وهؤلاء المتقاتلون والمحرضون سيضل عنهم ما كانوا يفترون.
نعم أنا من دعاة حرية الرأي والتعبير والاختلاف ولنختلف ولو بحدة؛ ولكن لنتعلم من الغرب على الأقل كيف أن الخلاف مهما احتد إلا أن الدم محرم، بل عند الغرب كل الحقوق محرمة قانونيا وعرفيا حتى أصبح نظاما عاما يلتزم به الأفراد عن طواعية تامة؛ وهذا بخلاف واقع المسلمين للأسف.
لقد أسفت وأنا أرى نائبا عربيا يشهر المسدس على أخيه في المواطنة بمجرد اختلاف في الرأي فهذه فضيحة بكل المقاييس ولذلك النائب نظائر وأشباه.. متى نتعلم أن من الدين أن نصبر على الأذى حتى لو كنا مظلومين؛ فكيف لا نصبر ونحن ظالمون؟! والواجب هو التفهم وهي مرحلة فوق مرحلة الصبر.
كل الأمم توقفت حروبها إلا نحن! توقفت الحروب بين الأمم الأوروبية والهندية والصينية والأفريقية أما نحن فلم تتوقف لماذا؟!
إن من الكذب على الله أن نزعم أن تقاتلتا وكراهياتنا وأحقادنا وتعصباتنا هي بأمر الله الرحمن الرحيم! هذا كذب على الله؛ وهو أعظم الذنوب. ولنتذكر أن الكذب على الله هو مهمة إبليس الثالثة كما في الآية: «إنما يأمركم 1 - بالسوء 2 - والفحشاء 3 - وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون».
فهذه المهمة الإبليسية الثالثة ﴿ أن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾ تتجلى في من يزعم استحلال دم خارج العقوبة الشرعية؛ وللأسف نجح إبليس هنا، فيأتي إبليس القوي سنيا كان أوشيعيا ويحرضه على قتل أخيه كما حرض ابن آدم على قتل أخيه؛ ويشعره بأن الله سيرضى عنه بهذه الجريمة الموبقة، وما يزال الرجل في فسحة وأمل ما لم يصب دماً حراماً؛ وقد يصيب دماً حراماً بالقتل او التحريض أو حتى مجرد الرضا وسأفصل لكن الرضا وهو أقلها.
فالرضا بالجريمة يظنها بعض الناس هينة؛ ولها الإثم نفسه تقريبا؛ لأدلة قرآنية وحديثية فانصتوا إليها جيدا فأنا لكم ناصح سنة وشيعة.. إذا رضي السني بقتل الشيعي فهو كالفاعل وإذا رضي الشيعي بقتل السني فهو كالفاعل فما الدليل؟! اكتفي بدليلين قرآنيين وواحد حديثي.
أما الدليل القرآني الأول فقوله تعالى مخاطبا اليهود في عهد النبي ﴿ فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ﴾ فجعلهم الله من القتلة! مع أنهم لم يقتلوا أنبياء مباشرة لكنهم راضون بفعل من قتل الأنبياء والراضي بالذنب كفاعله لأن الله يريد تطهير قلوبنا من الداخل، ولا يكتفي الله بالظاهر وإنما يحاسب على النيات أيضا وإذا لم تصدقوا فاسمعوا قول ربكم ﴿ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ﴾.
فمن رضي بقتل أو ظلم من لم يستحق شرعا هذا القتل أو هذا الظلم فقد شارك القاتل والظالم في جريمته وإثمه فلا تغتروا مع وجود قول الله الصريح، ولذلك فالشيطان يدفعك لتكون قاتلاً وأنت على فراشك! وتموت وأنت مطمئن مخدوع بأنك لم تسفك ولم تظلم وأنت في الحقيقة قد شاركت القتلة والظالمين، فتأتي يوم القيامة وتتفاجأ بأنك قد شاركت في دماء مئات الأبرياء وشاركت في ظلم آلاف المظلومين لانك غفلت عن كتاب ربك فهل ستجد عذرا؟!
وجدت بعض الشيعة يرتاحون للقتل والظلم الذي حدث للسنة في مواطن وأعرف بعض السنة يفرحون للقتل والظلم الذي حصل للشيعة في مواطن أخرى وهذا كله من خداع الشيطان للفريقين ليشركهم في جريمتين لم يشاركوا فيهما الأولى: المشاركة في الإثم الثانية: الكذب على الله بأن هذا شرع.
والغريب ان الدعاة والعلماء والخطباء من سائر المذاهب لا يكشفون للعامة هذه الحقائق مع أن القرآن قد نطق بها! فيهلكون أنفسهم بالكتمان أيضا، والكتمان موجب للعنة من الله كما في قوله تعالى ﴿ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ﴾!
نعم للأسف لقد كتموا قوله تعالى ﴿ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ﴾ فضلوا وأضلوا، والواجب على المسلم إن سمع بمذبحة أو تفجير أو أي دم يسفك أن يقول «اللهم إني أبرأ إليك من كل دم سفك حراما؛ وأنت يارب أعلم مني فتحمل عني».
كنت ذات يوم في عام 1426 مع رجل بيننا صلة رحم؛ ومتدين؛ فرأينا في الأخبار قصة تفجير في العراق في سوق ورأينا الجثث مختلطة بالبضائع فقال: يستاهلوا الشيعة! فقلت له: اتق الله؛ أنت جالس في بيتك؛ ونجاك الله من هذه الجريمة فساقها إليك الشيطان برضاك بها؛ وحبك لها استغفر.. وشرحت له متى يباح الدم في كتاب الله وشرعه وأن الله لا يتبع بشرعه رغباتنا وإنما يجب أن يكون هو انا تبعا لشرعه وأن هؤلاء معصومو الدم، وأن الشيطان غرك بزعمه أنهم شيعة بينما هم خليط في الظاهر مع حرمة دم الشيعي والسني والكافر المسالم وقد حدد الله من يجب قتله في كتابه.
وبعد حوار طويل وشبهات طويلة عريضة استغفر صاحبي وندم ولكن كم من الناس على نموذج صاحبي؟! إنهم بالملايين للأسف ولا ينبههم أحد! وكذلك بعض من هم في الطرف الآخر قد يفرحون بحصول قتل أو مجزرة ضد خصومهم من السلفية في بلد من البلدان وهذا منكر كسابقه يجب البراءة منه.
أما الدليل الحديثي فالحديث المشهور «القاتل والمقتول في النار» وكانت العلة في عقوبة المقتول «لأنه كان حريصا على قتل صاحبه»! انظر النية، هنا عذبه الله بالنية فكيف تطمع أن تكون معذورا بفرحك بقتل برئ والله لا يعذر مقتولا للسبب نفسه «فساد النية» فلا تنتظر من يعظك من الوعاظ، بادر بالتوبة من كل دم فرحت بسفكه وأنت لا تعلم أستحقاقه للقتل شرعا ولا تنتظر الوعاظ لينبهوك فكفى بكتاب الله واعظا وقد رأيت الآيات بعينيك، لا عذر لك يوم القيامة بإفساد نيتك وحبك للجرائم ولن ينفعك يومئذ لا المحرضون ولا الوعاظ ولا السياسيون ولا الخطباء نصيحة لوجه الله وأنت حر.
لا تصدقوا من يزعم أن هذه الآية أو تلك منسوخة بهذ الحديث أو ذاك اتقوا الله فقد سبق أن قلنا لكم أن الحديث لا تأمن ضعفه فلا تترك آية لحديث. احذروا هذا الالتفاف الشيطاني على القرآن الكريم بالأحاديث الناسخة والعقائد الموضوعة والأحكام المذهبية عضوا على القرآن بالنواجذ! هو حجتكم.
هذا الالتفاف الشيطاني احذروه وقولوا: يارب وجدنا في كتابك كذا واتبعناه ولم نثق في تلك الروايات التي تبطل معاني الآيات ثقتنا بكلامك أكبر.