إذا كانت الحقيقة رائد الجميع...لماذا التقريب بين المذاهب الاسلامية؟
إذا كانت الحقيقة رائد الجميع...لماذا التقريب بين المذاهب الاسلامية؟
محمد حسين فضل الله
هل هو عنوان ثقافي للوصول من خلاله إلى التبادل الفكري العلمي بين المسلمين ليعرف كل فريق فكر الفريق الآخر. ولتتحقق بذلك النتائج النفسية في نظر كل واحد منهما إلى الآخر في الحكم بإسلامه من خلال ارتكاز النظرية الكلامية والفقهية على قاعدة إسلامية قد تخطئ أو تصيب ولكنها لا تبتعد عن المنهج الاسلامي في الاجتهاد مما يجعل المجتهد المسلم معذوراً فيما أخطأ فيه في حيال حسن الظن به من قبل الآخر على أساس حركة الحجة في كلامه مما يوحي بأنه لا ينطلق من خلال هوى النفس أو التعصب للمذهب، بل ينطلق من الإخلاص في الوصول إلى الحقيقة.
وهذا هو كل شيء في المسألة، باعتبار: أن المشكلة التي كانت مطروحة هي: جهل المسلمين ببعضهم فيما يملكون من الرأي، أو يأخذون به من المذهب، وفقدان الوضوح في الرؤية في القاعدة الاجتهادية التي ينطلق منها هذا أو ذاك، ليكون الحكم المتبادل بينهم هو التكفير والتفسيق ونحو ذلك، الأمر الذي يجعل الاختلاف المذهبي في الوعي الاسلامي العام يساوي الاختلاف الديني، بل قد يكون أخطر تأثيراً على الواقع الاسلامي، لأنه يدخل ـ في الوجدان العام ـ في دائرة تخريب الاسلام من الداخل تماماً كما هو ((السم في الدسم)) مما يشكل خطورة على صفاء الاسلام ونقائه، وتكون النتيجة هي: المزيد من التمزق والانحلال والانطلاق في متاهات الجهل والتخلف الفكري والاجتماعي والسياسي.
أو أن التقريب حركة فكرية تنطلق من العنوان الثقافي من أجل إثارة علامات الاستفهام التي يطرحها فكر المسلم الآخر لدى صاحبه، ليجد فيها وجهة نظر تثير التفكير في الجانب الآخر من الفكرة، لتدفع إلى الحوار الذي يوضح الموقف ويبلور الرأي ويتجه بالرسالة المختلف عليها إلى المزيد من الوضوح لدى كل واحد من المذهبين في أسلوب علمي من التفاهم الفكري والانفتاح العلمي، لتكون النتيجة: التحرك من خلال المنطق الفكري نحو تقريب الأفكار بالتنازل عن الكثير من الهوامش المحيطة بالموقف والزوائد البعيدة عن الموضوع، ليقف الجميع وجهاً لوجه أمام العناصر الأساسية للعقدية أو للشريعة أو الخط الفكري أو الفقهي الممتد في خطوط الكتاب والسنة، فتضيق بذلك مساحة الخلاف، وتنفتح عناصر الوحدة الفكرية العقيدية والفقهية في ساحة الحوار، فيأخذ بها الجميع، ليكون الرأي واحداً فيما يختلفون فيه ما دامت الحقيقة هي رائدا لجميع؟
وبذلك يكون الهدف الأسمى من التقريب هو: الوصول إلى قاعدة الوحدة، لأن استمرار الخلاف بين المسلمين يحرك التعقيدات الذاتية والموضوعية في عملية إثارة دائمة تقود الجميع إلى الموقف الحاد الملتهب بالمزيد من الحساسيات الحادة والمشاعر المتوترة التي تجعل الوجدان في حالة دخانية تمتد إلى أكثر من موقع في الساحة، لتثير أكثر من مشكلة، وتحرك أكثر من فتنة على مستوى الواقع الاسلامي كله.
* فقيه ومفكر-لبنان
المصدر: موقع دار البلاغ