فضاء الدعوة أم فضاء السلام

فضاء الدعوة أم فضاء السلام

 

د.محمد العبدة

 

 

إن الحديث عن شيء اسمه (السلام العالمي) ربما يكون حديثا جميلا، وتتمناه شعوب كثيرة تعبت من هذا الصراع الطويل الذي فرضه الغرب على شعوب آسيا وأفريقيا، أو على الأقل لعله يكون فرصة ولو مؤقتة لكي تأخذ هذا الشعوب فترة للانشغال بالداخل وبالتنمية، وبالنسبة للمسلم قد يكون ذلك فرصة للدعوة والتنقل في أرجاء الأرض مبشرا بالإسلام داعيا الناس للدخول في هذا الدين، لينقذهم من النار وليعيشوا قوانين الإسلام في كل تفاصيل الحياة. ولكن هذه الأحلام العاطفية التي ينادي بها البعض ويظنها واقعا، قد نادى بها بعض الفلاسفة قديما وحديثا وبقيت أحلاما ولم تقو على التطبيق الواقعي وإذا طبقت في فترة قصيرة فإنما لاستعداد للصراع القادم.

 

 

ملاحظات على مؤتمر ماردين

 

عقد في مدينة ماردين في تركيا مؤتمر فقهي حضره عدد من الفقهاء والدعاة لمناقشة فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل ماردين حول دار الحرب ودار الإسلام.

 

ليس هذا المقال لمناقشة موضوع (دار الحرب- دار الإسلام) أكاديميا وتاريخيا وأقوال العلماء فيها، وتوصيفها وأحكامها، كما هو مقرر في كتب الفقه عند المذاهب الأربعة، ولكن اهتمام المؤتمر بالمواثيق الدولية وبالسلام العالمي هو الذي دعاني للتعليق على شعار المؤتمر (فضاء السلام) والمواثيق الدولية التي ليست في صالح المسلمين عادة (ونتمنى أن تكون عادلة لجميع الأمم).

 

وقبل الحديث عن فكرة السلام أود توضيح النقاط التالية:

 

الكل يعلم أنني ضد الغلو والعنف الذي يمارس منذ سنين، وما جاء إلا بالخراب والدمار النفسي والمعنوي للدعوة الإسلامية.

 

إن أصحاب الغلو والعنف الذي يرفضه الإسلام لا يعتمدون في تبرير أفعالهم على هذا المصطلح (دار حرب - دار إسلام) فقط ولكن عندهم أمور كثيرة يبررون فيها تصرفاتهم.

 

هذا التقسيم (دار حرب - دار إسلام ) هو تقسيم شرعي وان كان ضمن معطيات خاصة، وعلاقات خاصة بالمسلمين مع غيرهم ولا مانع من تغير الفتوى بتغير المكان والزمان والأشخاص كما هو معلوم. وللعالم المتمكن من مقاصد الشريعة وأهداف الإسلام أن يفتي بما يراه صوابا مع البعد عن الأهواء والتأثير الخارجي.

 

وأعود للتعليق على (فضاء السلام)

 

إن الحديث عن شيء اسمه (السلام العالمي) ربما يكون حديثا جميلا، وتتمناه شعوب كثيرة تعبت من هذا الصراع الطويل الذي فرضه الغرب على شعوب آسيا وأفريقيا، أو على الأقل لعله يكون فرصة ولو مؤقتة لكي تأخذ هذا الشعوب فترة للانشغال بالداخل وبالتنمية، وبالنسبة للمسلم قد يكون ذلك فرصة للدعوة والتنقل في أرجاء الأرض مبشرا بالإسلام داعيا الناس للدخول في هذا الدين، لينقذهم من النار وليعيشوا قوانين الإسلام في كل تفاصيل الحياة. ولكن هذه الأحلام العاطفية التي ينادي بها البعض ويظنها واقعا، قد نادى بها بعض الفلاسفة قديما وحديثا وبقيت أحلاما ولم تقو على التطبيق الواقعي وإذا طبقت في فترة قصيرة فإنما لاستعداد للصراع القادم. ذلك لان هذه الأحلام لا تقوم على دراسة مستفيضة ومحايدة للنفس البشرية ولسنن الله سبحانه في الكون، سنن الصراع- ولو كان سلميا حضاريا- لأنه ما دام هناك حق وباطل وخير وشر، وما دام هناك استعلاء وعنصرية وإهانة واحتقار لشعوب بعينها ونهب لخيراتها فسيبقى الصراع مستمراً. يقول المستشار طارق البشري "لأن الغرب برمته لا يتصور تجربة في الحياة خارج إطار حضارته، ومن يرى غير هذا فهو متخلف، وعندما يصف المسلم بأنه متخلف فهو يُكفّره حضاريا.."(1) ويقول وزير خارجية الجزائر سابقا أحمد طالب الإبراهيمي: "إن الحوار لا يكون إلا بين حضارات متكافئة، وهذا الحوار غير ممكن ما دامت الحضارة الغربية هي اللاعب الوحيد على مسرح العالم. نعم يسمح للحضارات الأخرى بأن تصرخ في منابر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمحافل التي يصنع فيها القرار، فهناك تتم عملية إقصاء الحضارات الأخرى.."(2)

 

ما دام الغرب يحمل نفسية "الاستعمار"، وقد فعلها في احتلال العراق، وتحطيم التراث الإسلامي وغير الإسلامي في بغداد ما دام هو كذلك فإنه والإسلام ضدان لا يلتقيان، فالإسلام دين الحرية والتحرير و"الاستعمار" دين العبودية والاستعباد. يتهيأ لبعض الناس أن يعضلوا أنفسهم ويعيشون في الأوهام، ويطرحون شعارات يظنون أنها ترد عدوا أو تهدئ من شروره، وإذا قيل إن المسلم يستفيد من الهدوء والسلام في هذه الأوقات بالذات، فهذا صحيح ولكن هل الغرب يقبل بهذا، وهو الذي لم يتركنا منذ خمسمائة عام، حين بدا بالالتفاف حول العالم الإسلامي ثم (عقد الأنشوطة) كما عبر المؤرخ (توينبي) وما زال يتدخل في أخص خصوصياتنا، وما مؤتمر بكين حول المرأة عنا ببعيد، وكذلك ما تطلبه الأمم المتحدة من المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بل أكثر من ذلك مما يخجل الإنسان السوي من ذكره،وهو في الحقيقة ضد المرأة نفسها لو كانوا يعقلون.

 

هذه المنظمة (الأمم المتحدة) " التي سميت بغير اسمها وحلّيت بغير صفتها" كما يقول العلامة البشير الإبراهيمي تريد التدخل في ديننا وعقيدتنا وحضارتنا.

 

هل يتركوننا بسلام؟ وهم يساعدون أعتى الحكومات الظالمة في العالم الإسلامي، ويرصدون أي دعوة إسلامية ولو كانت تمثل الاعتدال وتنتقد العنف الذي يمارسه الغلاة.

 

لماذا لا تعقد المؤتمرات التي تقول للغرب: اتركنا وشأننا نحن ندبر أنفسنا، وستكون العلاقات ندية وتبادلية في الاقتصاد أو العلاقات الثقافية أو اتفاقيات عدم التدخل في شؤون الآخر...نستفيد مما عندك وتستفيد مما عندنا، ولا نقبل منك مساعدة ومناصرة الاحتلال الصهيوني أو احتلال البلاد الإسلامية.

 

لماذا لا تعقد المؤتمرات التي تناصر قضايا العدل وقضايا الشعوب المقهورة المظلومة. لقد رفع العرب شعار الحل السلمي مع العدو الصهيوني واعتبروه الخيار الوحيد ولكن العدو لم يأبه لهذا الخيار بينما نرى أن تجربة جنوب إفريقيا كانت ناجحة لأنها لم تنه المواجهة وفي الوقت نفسه حاصرت العنصرية البيضاء سلميا.

 

هل القضية في المصطلحات؟ مع أن اجتهاد ابن تيمية عليه الرحمة والرضوان في جوابه لأهل ماردين يدل على فقهه وأنه تنشأ ظروف لا تنطبق عليه هذه المصطلحات (دار حرب –دار إسلام) وإنما هو وضع جديد ونوع ثالث مركب من المعنيين ومع أن هذا المصطلح هو مصطلح شرعي نشأ من فهم آيات الكتاب ومعاملة الناس حسب سلمهم أو عداوتهم أو حيادهم. لماذا لا نسمي حالنا اليوم (دار دعوة) للظروف التي يعيشها المسلمون، وهذا هو الأصل، الدعوة بكل الوسائل السلمية إلا إذا اعتدى على المسلمين.

 

الأصل هو الكتاب، وقد فتحت المدينة بالقرآن، السلام الحقيقي يستفيد منه المسلمون، ولكن قرارات الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية التي تحابي الكبار لا يستفيد منها المسلمون. والذي يرى الخضوع لهذه المواثيق لماذا لا يطالب بكرسي دائم للمسلمين وهم من هم في العدد في العالم ومن الذي أعطى الغرب هذا الحق (الفيتو) وهو فرض العقوبات على أي دولة في العالم.

 

إذا كان السلام مطلوبا في فترة من الفترات، لكن هل يستمر؟! والصراع سنة من سنن الله سواء أكان سلميا أم غير ذلك، قال تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) الأرض تفسد إذا لم يدافع أهل الحق أهل الباطل، "والإنسانية لن تكون بمنأى عن عوامل التنافس بين الأفراد والمجتمعات والأمم المتدافعة على سطح المعمورة" (3)

 

إن التدافع مثل النهر المتدفق، يزيل ما يعترضه حتى يستقر على مجرى هادئ فيه منافع للناس. يقول الفيلسوف (هوايتهد): "إن صراع العقائد والمذاهب ليس كارثة بل فرصة.." وفي هذا الصراع الفكري والحضاري لا بد من الحد الأدنى من الثقة بالنفس ولا بد من القول: إن الإسلام هو الميزان وليس هو الموزون، وهو معيار الحكم وليس هو المحكوم.

 

ــــــــــــــــــــــــــ

1- الوطن العربي 3/10/1997

2- مجلة العربي العدد 477 /1998

3- فهمي جدعان: الطريق إلى المستقبل /

 

المصدر: المختصر

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك