أزمة حقوق الإنسان : الأسباب والنتائج

أزمة حقوق الإنسان : الأسباب والنتائج

 

أ. محمد عبد الرزاق القمحاوي*

 

 

لعله من المفيد ابتدء ، الإشارة إلى أن " الأزمة في اللغة : تعني القحط والشدة والضيق .. كما أن البعض ينظر لمفهوم الأزمة باعتبارها " خللا يؤثر تأثيرا ماديا ومعنويا على النظام موضوع الأزمة ، كما أنه يهدد الافتراضات الرئيسة التي يقوم عليها هذا النظام" ..

 

وينظر أيضا آخرون للأزمة باعتبارها " نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات تؤثر على المقومات الرئيسة للنظام ؛ وتشكل تهديد صريح وواضح لبقاء النظام نفسه([1])" .. كما أنها تعني لدى البعض : " وصول عناصر الصراع في علاقة ما إلى مرحلة تهدد بحدوث تحول جذري في هذه العلاقة  ، كالتحول من السلم إلى الحرب أو التحول من الاقتناع إلى الرفض([2])".

وعلى ذلك سوف ننظر لأزمة حقوق الإنسان ـ سواء على المستوى العالمي أو المستوى الوطني ؛ باعتبارها نتيجة لتضافر جملة من العوامل تؤثر سلبا على تمتع الإنسان بحقوقه الإنسانية ، وتزعزع الثقة لدى الناس في المؤسسات القائمة على حراسة تلك الحقوق والدعاية لها .. مما يتطلب جدية البحث عن مجموعة من السبل البديلة والكفيلة لتفعيل منظومة القيم الراقية خلف حقوق الإنسان في دنيا الواقع .

والحقيقة والموضوعية تفرض علينا التأكيد بأن ثمة تفاوتا كبيرا في مظاهر تلك الأزمة وفي حدتها باختلاف المجتمعات ، وباختلاف  هوية الإنسان نفسه .. ؛ ففي المجتمعات الليبرالية المعاصرة حين يتحدثون عن حقوق الإنسان فإننا على الفور نفهم ونلاحظ ـ من خلال مواقفهم ومن خلال سياساتهم ـ أنهم يعنون بها حقوق الإنسان الأوروبي أو الأمريكي .. وليس مطلق الإنسان ، ومن ثم تنحصر مظاهر الأزمة بالنسبة لهذا الإنسان فيما تقتضيه وتفرضه طبيعة النظرة للحرية ، ولطبيعة العلاقة بين الفرد والجماعة داخل  هذه المجتمعات .. وفي المجتمعات النامية ؛ حين يتحدث ساستها بود عن حقوق الإنسان ؛ فإننا نفهم على الفور أننا أمام مراوغات قد أملتها ضغوط خارجية ، أو محض محاولة للتجمّل بغية تحقيق مصالح معينة ، دونما إيمان بهذه الحقوق ، ولا بالإنسان حاملها .. إذ كيف نُصَدّق منهم ذلك ، وهم يزورون إرادة شعوبهم ، ويعتقلون عقولهم ويصادرون ألسنتهم ، ويعيش السواد الأعظم من مواطنيهم يكابدون البؤس والفقر .. يدل على ذلك تقارير المنظمات المعنية بحقوق الإنسان غير الحكومية وحتى الحكومية منها في هذه المجتمعات .. ولذا فالبحث ينظر للأسباب الرئيسة التي أفضت بحقوق الإنسان لكي تغدو مأزومة على مستوى العالم كما يلي :

1 - التسلط واختراق القانون:

يترادف مفهوم التسلط هنا مع مفهوم الاستبداد ، فكلاهما يسلب الإنسان حريته ، فماذا يقصد بالتسلط أو الاستبداد  Despotism؟ إن كلمة المستبد Despot مشتقة من الكلمة اليونانية Despotes .. وهي تعني رب الأسرة أو سيد المنزل ، أو السيد على عبيده، ثم خرجت من هذا النطاق الأسري إلى عالم السياسة لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم المطلق الذي تكون فيه سلطة الحاكم على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة أو السيد على عبيده([3]) .. وهو ما عبر عنه "ماكس فيبر" بمصطلح النظام الأبوى أو السلطة الأبوية  patriachalism ، حيث يمارس أصحاب تلك السلطة سلطتهم بصيغة إلزامية ، مفترضين في أنفسهم امتلاك الخبرة الكافية لتدبير الأمور([4]) .. مع نسبة عالية من التوقع لديهم بوجوب طاعة الآخرين ـ ممن يقعوا تحت سلطتهم ـ لما يصدرونه لهم من أوامر وتعليمات، ومن ثم فأية خروج عن تلك الطاعة يعتبر في عرفهم مماثلا لخروج الأبناء عن طاعة أبيهم  ؛ ولذا نراهم غالبا ما يلجأون إلى أساليب القسر والشدة للعودة بهم مرة اخرى إلى حظيرة الطاعة.

وفي هذا السياق، لابد من التفرقة بين السلطة Authority كمفهوم ، وبين القوة power  كآلية يمارسها البعض دون سلطة ، فالسلطة والقوة أمران مختلفان تماما ، حيث إن القوة هي التي بواسطتها تستطيع أن تجبر الآخرين على طاعتك ، في حين أن السلطة هي الحق في أن توجه الآخرين أو أن تأمرهم بالاستماع إليك وطاعتك ، والسلطة تتطلب قوة، غير أن ممارسة القوة بلا سلطة يعد استبداد وتسلط ، بينما السلطة تعني الحق ومشروعية استخدام القوة([5]) .. وعلى هذا فالسلطة الحقة هي تلك التي أمسكت مقاليد الحكم بطريقة شرعية ، عبر إرادة حرة لمواطنيها من خلال صناديق اقتراع شفافة ، و تمارس قوتها منضبطة بما رسمه لها القانون وحدده لها في إطار الحقوق والواجبات دون إفراط أو تفريط.

ولسوء الحظ ، فكما يشير تقرير مجلة The Economist  البريطانية ـ الصادرة في 29 / أكتوبر 2008 ، بشأن أوضاع الديمقراطية في العالم  .. فما مجمله 51 دولة على مستوى العالم وبما يشكله سكانها من 34.9 % من عدد سكان العالم يعيشون تحت أنظمة حكم استبدادية ، في حين يعيش ما نسبته 15.2 % من عدد سكان العالم في 36 دولة أخرى تحت أنظمة للحكم توصف بأنها مختلطة ، أي تجمع بين التسلط والديمقراطية .. وأن من يعيشون تحت أنظمة كاملة الديمقراطية ، وتحت أنظمة ديمقراطية منقوصة يشكلون معا ما جملته 80 دولة بنسبة سكانية تبلغ 49.9 % من إجمالي سكان العالم([6]).

 أي أن أكثر من نصف عدد دول العالم ، وما يقارب من نصف عدد سكان الأرض يتعرضون للاستبداد والتسلط من قِبل الأنظمة الحاكمة .. بما يعنيه ذلك من عيشهم تحت القوانين الاستثنائية ، والمحاكمات العسكرية ، وتزوير نتائج الانتخابات ، وتقييد حرية المعارضين بالاعتقال الذي ربما يصاحبه التعذيب أو حتى التصفية الجسدية، وبما يعنيه أيضا من غياب ضمانات حقوق الإنسان وعلى رأسها عدم استقلال القضاء ، ومن ثم اختراق القانون ذاته وتفسيره أو تعطيله بالكلية حسب درجة نفوذ المتحاكمين إليه ، وتشيع في المجتمع المعاملات التميزية، وتنتشر أعمال الواسطة والمحسوبية .. وتفسد أخلاق الناس ، علاوة على غياب ضمان الفصل بين السلطات ؛ فتغدو السلطة مركزية وتكون خيوطها بالكامل في يد الحاكم ..  وبما يعنيه أيضا ، من السيطرة التامة على وسائل التربية و الإعلام ، وقصف العقول وتشكيلها بما يشاء المستبد،  فيتحول الاستبداد ذاته إلى نمط ثقافي في المجتمع، بحيث يغدو كل فرد في المجتمع قاهرا ومقهورا في ذات الوقت ، متغطرسا ومستبدا على من هم دونه في السلطة ، ومقهورا ومتذللا أمام من هم أعلى منه في السلطة .. وبحيث يشيع أيضا الجمود والانغلاق الفكري والتعصب، ومن ثم نفي الآخر وغياب التسامح .. ويكون من العبث في ظل كل ذلك مجرد التخيل أن للإنسان تحت هذه الأنظمة حقوقا تُبقِي على إنسانيته.

2 - سياسة الكيل بمكيالين على المستوى الدولي:

لعل أول ما تُنبئنا به عبارة الكيل بمكيالين هو غياب العدالة ، وانعدام المساواة ، وشيوع التمييز في المعاملة ، وأن المعايير القانونية لا تطبق على الجميع بنفس الصرامة .. ولئن كان طبيعيا القول أن تلك سمات تتصف بها الأنظمة الاستبدادية ، ورغم أن ذلك شيئا مقيتا وضد حقوق الإنسان ؛ إلا أن الأشد مقتا من ذلك وبشاعة هو أن نرى كبار الديمقراطيين داخل بلادهم هم عتاة المستبدين على المستوى الدولي .. الذين يضربون بالمبادئ الديمقراطية عرض الحائط ، ولا يقيمون لها وزنا حين تتعارض ومصالحهم ، أو حين تتعلق بمصالح المستضعفين من شعوب العالم .

 وليس أدل على ذلك ـ على سبيل المثال ـ من موقف الولايات المتحدة الرافض للانضمام لاتفاقية " كيوتو "  1997  للحد من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ، رغم مسؤوليتها كدولة صناعية كبرى عن نسبة كبيرة من هذه الانبعاثات التي سيدفع الفقراء حول العالم فاتورتها .. وحتى عندما قضت المحكمة العليا الأمريكية بخطأ الإدارة الأمريكية بهذا الشأن في إبريل عام 2007 .. لم تحترم إدارة الرئيس السابق " دبليو بوش " أحكام القضاء ، بدعوى أن ذلك سوف يؤثر على الاقتصاد الأمريكي(7) ..  فكيف والحال كذلك الدعوة للإيمان بالديمقراطية  ؟ التي تعني فيما تعني أن يكون الإنسان مسئولا عن أفعاله ! ؛  وأن لا يتحمل  غيره نتائجها .. كيف نلوم على حكومات مستبدة تتجاهل أحكام القضاء ، وأمريكا المثال تفعله ؟! ثم أليس من العبث أن تتحدث الشرعية الدولية لحقوق الإنسان عن جيل ثالث من الحقوق تعبر عنه بالحق في بيئة نقية ، والحق في التنمية ..في ظل تجاهل القوة الأكبر عالميا لاتفاقية تحاول الحفاظ على بيئة الأرض بأكملها ؟

ولو افترضنا مجرد فرض ، قيام الفقراء على مستوى العالم الذين يتجاوز عددهم المليار من البشر ، بمظاهرة سلمية للاعتراض على موقف الولايات المتحدة من اتفاقية كيوتو ، وهم يعتقدون أن الديمقراطية تعني النزول على رغبة الأغلبية ؛ وأن للإنسان الحق في الحياة ،  ثم انعقد مجلس الأمن لاتخاذ قرار بهذا الصدد .. فسوف يفاجئهم المندوب الدائم ! للولايات المتحدة الأمريكية برفع يده معترضا بموجب حق " الفيتو " الممنوح لبلاده .. لينفض المجلس مبقيا على الأمور كما هي .. فهل يبقى للمساواة والعدالة والكرامة والحرية الإنسانية من باقية في ظل هكذا سياسات تهدد الحق في الحياة ذاته ؟

وإذا كان التسامح وحقوق الإنسان والديمقراطية يقتضوا أن تحل قوة المنطق محل منطق القوة ،.. إلا أن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة قد فعل العكس ، واستبدل قوة المنطق بمنطق القوة العسكرية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول تارة باسم الحرب على الإرهاب ، وتارة بدعوى حماية حقوق الإنسان .. والتقرير السنوي الشهير لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في العالم  سيفا مسلطا على رقاب الأنظمة التي لا تلبي مصالح الولايات المتحدة ، أو تبدي اعتراضا عليها .. فأي إنسان يقصدون ؟ إنه وبكل تأكيد ليس مطلق الإنسان .. بل الإنسان الغربي في المقام الأول .. وإلا فمن يدلنا على فارق ـ من منظور الحق الطبيعي على الأقل ـ بين إنسان فلسطين لتعتبره الولايات المتحدة والعالم الغربي حين يقاوم احتلال إسرائيل لبلاده إرهابيا ـ متجاهلين كل التراث القانوني الدولي في إقرار مشروعية الكفاح المسلح في سبيل التحرير وتقرير المصير للشعوب ـ  وبين إنسان إسرائيل الذي ينال الدعم والمباركة  الأمريكية والغربية ، واصفين دولته مغتصبة الأرض بأنها دولة ديمقراطية .. فإن لم يكن ذاك هو التمييز والعنصرية فماذا يكون  ؟!

لقد حركت القوى العالمية بقيادة الولايات المتحدة مجلس الأمن ، وباسم الشرعية الدولية ، وبقرارات أممية تم حصار العراق سنوات طوال ـ قبل غزوه ـ  .. فكم من الأطفال فقدوا حق الحياة جراء ذلك ؟ وكم من البشر قُتلوا هناك في الحرب التي ساقت لها الولايات المتحدة مبررات عدة أثبتت الأيام كلها تهافتها وبطلانها ؟ وقل مثل ذلك في أفغانستان ، وفلسطين .. وهكذا ؛ وبمثل هذه السياسات التميزية تتجلى أعمق مظاهر الأزمة لحقوق الإنسان على مستوى العالم ، ممثلة في فقدان الإيمان بالقيم الكامنة خلفها ، وبالمؤسسات الدولية التي تقوم على حراستها والدعاية لها ، إذ غدت ألعوبة في أيدي القوى العالمية .

3 – الفقر والفساد:

يأتي الفقر في مقدمة العوامل الاقتصادية الدالة على تدني جودة السياسات الاقتصادية المتبعة في بقاع عديدة من العالم ، وقد أتت الأزمة المالية العالمية الجديدة التي تضرب اقتصاديات العالم بأسره الآن ؛ لتدل بصورة أكثر وضوحا على تدني جودة السياسات الاقتصادية العالمية ذاتها  ـ الليبرالية الاقتصادية ـ و أن " فوكوياما "حين كتب مقاله " نهاية التاريخ " لم يحالفه التوفيق .. فربما كانت تلك الأزمة ، والأصوات المتعالية في الغرب الرأسمالي ذاته لعلاجها بمبادئ الاقتصاد الإسلامي .. هي بداية التاريخ .

ومن الجدير بالذكر أن ثمة تعددا بالرؤى في النظر إلى مفهوم الفقر .. فعلى سبيل المثال ؛ ينظر مجلس وزارة الجماعة الأوروبية للفقر باعتباره  " الحالة التي تقل فيها موارد الأفراد أو الأسر إلى الدرجة التي تبعدهم عن الحد الأدنى المقبول للحياة في الدولة التي يعيشون فيها " .. ويرى برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) أن الفقر الإنساني هو أكثر من مجرد فقر الدخل ، إنه إنكار أو رفض الاختيارات والفرص للعيش في حياة مقبولة أو محتملة ؛ أي أن القبول بالظروف السيئة المحيطة بالفرد هو الفقر سواء كانت هذه الظروف سياسية ، أو اقتصادية، أو اجتماعية ، أو صحية ، أو تعليمية(8) .

وعلى ذلك ؛ فهناك من ينظر إلى الفقر على أنه فقر الدخل الذي يقود إلى عدم كفاية الموارد لتأمين الحد الأدنى لمستوى المعيشة اللائق ، بما يشمله من السكن والتغذية  والرعاية الصحية .. مما يعنى انغماس هؤلاء الفقراء في البؤس ؛ الذي يعتبر إهانة للكرامة البشرية وانتهاكا لطائفة واسعة من حقوق الإنسان .. وأيضا ؛ هناك من ينظر إلى الفقر على أنه فقر القدرة الذي ينصرف إلى تدني في مستوى قدرات الإنسان وعجزه عن المشاركة في عملية التنمية أو المطالبة بالتغيير لإحداثها ومن ثم جني ثمارها .

وإذا ما علمنا أن أحدث تقديرات البنك الدولي World Bank تشير إلى أن عدد الفقراء فقرا مدقعا في العالم بلغ 1.4 مليار نسمة .. وهم فئة البشر الذين يعيشون على ما قيمته أقل من  1.25 دولار يوميا حسب أسعار عام 2005([7]) .. أدركنا أن ما يقارب ربع سكان الأرض تخرج عن مجال التمتع بحقوق الإنسان جزئيا أو كليا ؛ فعلاوة على الحقوق الاقتصادية ( الحق في العمل والحق في الحصول على أجر عادل ) والاجتماعية ( الحق في الضمان الاجتماعي ) والثقافية (الحق في التعليم ) التي يغتالها الفقر .. فكذلك أيضا ، يصبح الحق في الرعاية الصحية حلما بعيد المنال بالنسبة لهؤلاء الفقراء .. مما يهدد الحق في الحياة ذاته ..  كما لا يمكن تخيل أن مثل هكذا بؤس يمكن أن يمنح الإنسان الفقير القدرة أو الوعي لأن يعرف أو يطالب بحقوقه المدنية أو السياسية ؛ خاصة وأن هذه الفئة من الفقراء تتركز في الدول النامية .. حيث شيوع الاستبداد ، والنتيجة النهائية أنهم في حد ذاتهم يمثلون الوقود اللازم لاستمرار جذوة الاستبداد مشتعلة .

ويرتبط بالفقر كسبب له أو كنتيجة عنه ، ظاهرة في غاية الخطورة وهي ظاهرة الفساد .. الذي تنظر له منظمة الشفافية الدولية (¨) Transparency International Organization على أن المقصود به : " إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب شخصية " (10) .. ؛ فعلى سبيل المثال ، وبحسب تقارير (11) تلك المنظمة فإن الفساد منتشر على مستوى العالم .. في قطاع الرعاية الصحية حسب تقرير عام 2006 ، و في النظام القضائي حسب تقرير عام 2007، وفي قطاع المياه حسب تقريرها لعام 2008.. وهو ما يعني أن محاولات البشر تجري على قدم وساق لاختراق القانون والتحايل عليه واستغفاله ، وفي مثل هكذا أوضاع تنتشر أنماط من السلوكيات من قبيل : تقديم الرشاوى والعمولات للحصول على بعض التسهيلات والامتيازات ولتمرير المخالفات ولتحقيق بعض المصالح والخدمات ، بالإضافة إلى ظاهرة المحاباة والمحسوبية ، وهناك أيضا جرائم الاختلاس واستغلال المنصب العام لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية ضيقة ، فضلا عن الحيل المتعددة لتبديد المال العام .. أي أن الفساد بحد ذاته يمثل فجوة استنزاف للثروات التي يكون قطاع التعليم والصحة والبنية الأساسية في أمس الحاجة إليها .. مما يعني تأثر طائفة واسعة جدا من حقوق الإنسان جراء انتشار الفساد في المجتمع .. والنتيجة العامة لمثل هذه الأجواء الأخلاقية الفاسدة هي معايشة الناس ، بل تآلفهم مع قيم مضادة لقيم حقوق الإنسان ..حيث تهدر المساواة ، والحرية والكرامة والعدل .. وتصبح عملية الإصلاح وإعادة البناء لتلك القيم محاطة بالعديد من الصعوبات .. فمقاومة الإصلاح ستكون مزدوجة.. من جانب الذين يتقوتون على الفساد وهؤلاء الذين تآلفوا معه .

و نخرج من كل ما سبق ، أن أزمة حقوق الإنسان في المقام الأول هي أزمة أخلاقية، فالاستبداد والفقر  والفساد والسياسات التمييزية العالمية .. ما كان لكل ذلك أن يكون لو كان للقيم الأخلاقية ترتيبا متقدما على سلم الوعي العقلي بمضمونها وجوهرها ، وترتيبا متقدما على سلم الانفعال الوجداني بما وعاه العقل منها .. فحتما كنا سنجني كبشر أوضاعا أفضل مما نحن عليه الآن بشأن أزمة حقوق الإنسان .

  • الهوامش :

([1]) بدر عبد المحسن آل الشيخ ( 2008 ) : مدى جاهزية إدارات الأمن والسلامة لمواجهة الأزمات والكوارث
( دراسة مسحية على العاملين بإدارات الأمن والسلامة بالهيئة الملكية للجبيل وينبع ) ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الدراسات العليا ، قسم العلوم الإدارية ، الرياض : جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، ص ص 10 – 12 .

(2) علي حسن آل سالم ( 2008 ) : مدى الجاهزية لإدارة الأزمات والكوارث " دراسة مسحية على ضباط الأجهزة الأمنية بمنطقة نجران " ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الدراسات العليا ، قسم العلوم الإدارية ، الرياض : جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، ص 9 .

(3) إمام عبد الفتاح إمام (1997) : الطاغية ، ط 3 ، القاهرة : مكتبة مدبولي ، ص90 .

(4) عبد الله محمد عبد الرحمن (1981) : السلطة والتنظيم بين ماكس فيبر والاتجاهات الحديثة ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية ، ص31 .

(5) إمام عبد الفتاح إمام : الطاغية ، مرجع سابق ، ص 56 .

(6) The Economist Intelligence Unit's Index of Democracy 2008, p.2 : available at

http://www.economist.com/markets/rankings/displaystory.cfm?story_id=12499352

(7) أعلى محكمة أمريكية تنتصر لكيوتو وتدين بوش : متاح على : 

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1175008831490&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout

(8) محمد شمس الدين زين العابدين (2001): تأثير الفقر على مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية دراسة تحليلية ميدانية، مجلة البحث في التربية وعلم النفس، مجـ 15،ع الأول، جامعة المنيا ، ص ص 300 ـ 301 .

(9)  Chen, Shaohua; Ravallion, Martin ( 2008 ) : The Developing World Is Poorer Than We Thought , But No Less Successful in the Fight against Poverty, Washington : Development Research Group, World Bank , p.19

(¨) منظمة غير حكومية تكرس جهودها لدعم مساءلة الحكومات والحد من الفساد على المستويين الدولي والمحلي.

 (10) تقرير الفساد العالمي لعام 2007 ، منظمة الشفافية الدولية ، متاح على : http://www.transparency.org/publications/gcr/gcr_2007#download

 (11) www.transparency.org

 المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1059

الأكثر مشاركة في الفيس بوك