الواقعية والمثالية في تحليل العلاقات الدولية

الواقعية والمثالية في تحليل العلاقات الدولية

د. عصام عبد الشافي*

 

توضح أدبيات العلاقات الدولية ـ فى إطارها الغربى ـ أن جهود التنظير حول طبيعة العلاقات بين الدول ترجع إلى عشرات القرون، فيرجع بعضها إلى النصوص القديمة فى الهند والصين، واليونان (أفلاطون وأرسطو) وإيطاليا (ميكافيللي)، كما يرجعها البعض إلى كتابات بيير دبوى فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وإيميرى كرييه فى القرنين السادس عشر والسابع عشر،  وديو دو سولى وسان بيير ووليام بن، وروسو وبنثام فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتؤكد الأدبيات الغربية على أنه فيما عدا هذه الكتابات لم تتطور نظرية العلاقات الدولية حتى الحرب العالمية الأولى.

وقد كانت القضايا التى تناولها هؤلاء المفكرون فى الفترة من 1648 (نشأة الدولة القومية) إلى 1914 (الحرب العالمية الأولى) انعكاسًا للأوضاع السائدة فى أوروبا، حيث ركزت الأدبيات على الدولة القومية ذات السيادة من حيث أصولها ووظائفها والقيود المفروضة على السلطة الحكومية، وتقرير المصير القومى والاستقلال، وارتبط الاهتمام بالدولة القومية بافتراضهم أن هيكل المجتمع الدولى غير متغير وأن تقسيم العالم إلى وحدات ذات سيادة أمر طبيعى وضرورى فى ذات الوقت.
وعلى الرغم من أن مساهمة هؤلاء المفكرين مازالت تلقى ضوءًا على المشاكل التى تواجهها الدول القومية فى الوقت المعاصر، إلا أن هدف هؤلاء المفكرين لم يكن تقديم تحليل عام للعلاقات بين الدول بقدر ما كان هدفهم إسداء النصح من أجل التوصل إلى أكثر الأشكال فعالية فى إدارة الدولة.
وبعد تأسيس علم العلاقات الدولية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وحتى الآن، هيمن عليه تصوران، أو منظوران رئيسان، تنازعا السيادة على دراسة وتحليل العلاقات الدولية، هما المنظور المثالي، والمنظور الواقعي، وفي ثناياهما تعددت المنظورات أو الرؤى أو الاتجاهات التحليلية الفرعية:
الأول: المنظور المثالي:
ساد فيما بين الحربين العالميتين (1914 ـ 1939) أى فى الحقبة نفسها التى تأسست فيها دراسة العلاقات الدولية بوصفها علماً متخصصاً مستقلاً. ونحا المثاليون بدراسة العلاقات الدولية إلى تأكيد مكانة العقل والأعراف والمؤسسات الدولية بوصفها أدوات لمنع الحروب والصراعات، ودعوا إلى عقد ولاء البشر لمصالح جماعية شاملة، كما شجبوا ما يسمى بسياسة الأمر الواقع، وسياسة توازن القوى التى لم تحل دون اندلاع الحروب الأوروبية، والحرب العالمية الأولى.
وكان من أبرز مفكري المثالية الرئيس الأمريكي الأسبق ودرو ويلسون صاحب اقتراح إنشاء عصبة الأمم، وألفريد زيمرن صاحب كتاب The League of Nations and The Rule of Law، الصادر فى 1936.
ويستمد أنصار هذا المنظور رؤيتهم للعلاقات الدولية من الأديان السماوية، والتعاليم والفلسفات الإنسانية التى تهتم بوضع الضوابط والمعايير الأخلاقية العامة للسلوك الإنساني، وتركز على مخاطبة عقل الإنسان وقلبه، واستثارة الجوانب الخيرة فى الطبيعة البشرية، بهدف الارتقاء بالسلوك الإنسانى، والعمل على أن يأتى هذا السلوك متمشيا مع القواعد الأخلاقية التى تحض على قيم التعاون بدلا من الصراع، وعلى السلام بدلا من الحرب، وعلى العدالة بدلا من الظلم، وعلى الحب والإخاء والكرم بدلا من الكراهية والحقد والأنانية. كما يستمدون بناءهم الفكرى من عدة روافد تمثلت فى أعمال عصر النهضة والتنوير وليبرالية القرن التاسع عشر، ومثالية الرئيس الأميركي ولسون فى القرن العشرين.
وفي هذا السياق يقول المفكر "هانز كينج": أراد الرئيس "ودرو ولسون" بطرحه نقاطه "الأربعة عشر" تحقيق "سلام عادل" ومنح حق تقرير المصير للأمم، دون أن تُلْحَق هذه الحقوق، بمطالبات بتعويضات كما أراد البعض في الكونجرس. ولكن منع الفرنسي كليمنصو والبريطاني لويد جورج بموجب معاهدة فرساي التحقيق الفوري لمقولات ولسون. وبدلاً من تحقيق السلام العادل جاء فرض السلام بالإملاء، ولم يكن للأمم المهزومة دور فيه. وجاءت عواقب هذا التوجه معروفة لدى الجميع، فكانت الفاشية والنازية هي الأخطاء الرجعية الكارثية التي أدت بعد عقدين من أفكار ولسون إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي كانت أسوأ بكثير من أي حرب سابقة في التاريخ".
واستلهاما لهذه القيم طرح عدد من مفكري رؤى أو نظريات عن الحرب والسلام، أو اتخذوا مواقف مناهضة للاستعمار أو للنظم العنصرية، أو غير ذلك من ظواهر العلاقات الدولية المختلفة، ولم يتردد عدد من الأساقفة وعلماء اللاهوت من التنديد بالاستعمار، وتفنيد الأسس التى يقوم عليها من منظور ديني. بل وذهبت بعض المجالس الملية الكنسية إلى حد تقديم مساعدات مادية ومعنوية لدعم حركات التحرر فى أمريكا اللاتينية. وفى المقابل، برزت رؤى ومواقف مماثلة مستوحاة من تعاليم الدين الإسلامى أو اليهودى أو من التراث الثقافى والأخلاقى لديانات غير سماوية أو حتى لفلسفات إنسانية عامة.
وهنا يرى البعض أن رؤية وتوجهات هذا المنظور لا تعنى أن رجال الدين وقفوا دائما ـ وفى كل العصور ـ موقفا منحازا إلى جانب القضايا العادلة، أو أن الأديان والأخلاق ساهمت دائماً ـ وفى كل الأحوال ـ فى التخفيف من حدة الصراعات الدولية، أو فى دفع مسار العلاقات الدولية نحو التعاون ونبذ الحروب. فقد شهد التاريخ عددا من الحروب والصراعات التى تدثرت بعباءة الدين، فاختلاف الأديان، بل واختلاف المذاهب داخل الدين الواحد، واختلاف المعايير الأخلاقية عموما جعلت من الصعب الاتفاق على نظام أخلاقى عام، وقابل للتطبيق، أو يوصف بالعالمية ينضوى تحت لوائه المتدينون وغير المتدينين، المؤمنون والملحدون، أهل الشرق وأهل الغرب، أو أهل الشمال وأهل الجنوب.
الثاني: المنظور الواقعي:
انهارت آمال المثاليين باندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 – 1944)، وظهور نظريات مناقضة بدأت التأسيس الجديد للمذهب الواقعي. وكان ظهور كتاب "السياسة بين الأمم: الصراع من اجل القوة والسلم"، لهانز مورجنثو، بمنزلة البداية الصلبة لتأسيس نظريات جديدة هيمنت على دراسة العلاقات الدولية، وأثرت تأثيراً بالغا فى مؤسسات صنع قرارات السياسة الخارجية فى الدول الغربية كافة.
ومنذ ذلك الوقت وحتى بداية الستينيات من القرن العشرين، هيمن المدخل الواقعى، وأصبحت أية دراسة ذات مغزى تنطلق من أرضية الواقعيين وتستلهم مسلماتهم الأولى، ولا مانع من التجديد، حتى وإن بدا فى شكل انتقال نظرى، كالذى قام به "كينيث والتز" الذى أسس مبدأ الواقعية الجديدة أو الواقعية البنيوية، فى كتابه "نظرية السياسة الدولية".
وقد ورث الواقعيون نزعة الشك لدى مكيافيللى، وهوبز، وروسو، الذين تصوروا أن حالة عدم الثقة هى الحالة التى تسود بين الدول، فلا أحد يثق بالآخر، ومن ثم فلابد أن يأخذ كل طرف احتياطاته تحرزاً لأى خطر أو هجوم من الآخرين، سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء. ولا يمكن، والحال كذلك، أن يثق حتى بإمكانية وفاء الآخرين ممن تدخل الدولة معهم فى أحلاف أو مواثيق مكتوبة.
ويؤكد الواقعيون أن هذا هو جوهر العلاقات الدولية، منذ تأسست الدولة القومية الحديثة بعد صلح وستفاليا (1648م) الذى وضع حداً للحروب الدينية الأوربية. وعلى الرغم من أن تجربة العلاقات الدولية التى ينطبق عليها ذلك المثال، هى تجربة أوربية، حيث لم تنضم إليها الدول الشرقية، وكذا الولايات المتحدة، إلا حديثاً، ولم تكن تلك الدول سوى مجرد هوامش وملحقات للمركز الأوربي، إلا أن أنصار المنظور الواقعى جعلوا من تلك التجربة نموذجاً للواقع الإنسانى قاطبة.
حيث يرى مورجانثو إن السياسة الدولية هى صراع فى سبيل القوة، لأن القوة سبيل كل أمة من أجل البقاء والنمو، وتوازن القوى هو السبيل لإدامة السلم، وأنه لا سبيل إلى تطبيق القوانين والمثل الخلقية فى ساحة العلاقات الدولية، وذلك فيما عدا ما يتطابق من تلك القوانين والمثل مع مصالح الطرف الأقوى. ولذلك فإن  على قادة الدول أن يركزوا على الاعتبارات الأمنية التى تصون مستقبل بلدانهم لا على مجرد المطالب والقيم القانونية والأخلاقية، كما يجب التمييز بين "الحقيقة" التى هى "القوة"، و"القيم" التى هى مجرد مثل يوتوبية، والاعتراف لكل أمة بمحصول قوتها فقط لا بمحصولها القيمى والدينى والفكرى.
وقد أعطى موضوع "القوة" هذا التقدير الكبير بسبب ملاحظة الواقعيين غياب الحاكمية العالمية العليا التى يمكن أن تقوم بكبح الفوضى، حتى جاء "كينيث والتز" بنظرية النظام الدولى، والتى تقوم على أن شكل النظام الدولى يختلف اختلافاً بيناً عن شكل النظام الداخلى للدولة القومية. فالنظام الدولى يقوم على وحدات ومؤسسات مستقلة لا تربط بينها علاقات رئيس ومرؤوس، ولا تحتكم إلى منظومة واضحة من القوانين ذات القوة النافذة، ولذلك فإن كل دولة تعتمد على نفسها فى تحقيق أمنها فى حالة شيوع الفوضى فى العالم.
ويعتقد الواقعيون أن وحدة التعامل على المستوى الدولى هى الدولة القومية فقط، وقد ظلت كذلك منذ نهاية الحروب الصليبية الأوربية، بحرب الثلاثين عاما التى تمخضت عنها اتفاقية صلح وستفاليا عام 1648م، التى أنهت وجود الإمبراطورية الرومانية، وقوضت السلطة العالمية التى كانت متجسدة فى سلطان البابا الذى كان أشبه بحكومة عالمية على مستوى أوربا، كما أنهت شتات "دول المدينة"، والمقاطعات الصغيرة التى تناثرت بالمئات على الجغرافيا الأوربية، وكان من نتائج تلك التحولات ظهور الدولة القومية ذات السيادة بوصفها وحدة سياسية ذات فاعلية على المستوى القومى الداخلى وعلى المستوى الدولى كذلك.
فالمؤثر الأكبر فى اتجاهات العلاقات الدولية هى الدولة القومية، ولا يعتبر قادة تلك الدول إلا مجرد ممثلين لدولهم، ولا ينظر للمنظمات الدولية إلا على أنها تكوينات صورية تستمد قوتها من اشتراك الدول فى تسيير شئونها، فالدولة هى الكيان الوحيد المستقل الذى يملك المشروعية القانونية كما يملك مصادر القوة التى تمكنه من تنفيذ إرادته.
وتمثل نظرية "ميزان القوى" أهم نظريات الواقعين، وتشير فى شكلها الكلاسيكى إلى أن توازن القوى هو ضمانة لتحقيق السلم، فإذا اختل الميزان لصالح دولة ما فإنها هى التى تتجه إلى إعلان الحرب، وتشير فى شكلها المعاصر إلى أن هناك صلة قوية بين معدل النمو الاقتصادى والقوة والحرب، فطبيعة النمو الاقتصادى وسرعته يزيدان من مقدرات الدول، وذلك من شأنه أن يؤدى إلى وقوع الصراع ونشوب الحرب بين الدول.
ويرى الواقعيون أن الحرب هى قدر الإنسان الأبدي، فالسلام مطلوب دائما، ولكنه مطلب عسير التحقيق، لأن حالة الحرب هى الوضع الطبيعى، فبدلا من شجب الحرب وبيان أضرارها بالجنس البشري، وبدلا من صرف الجهود فى الدعوة إلى السلام، يجب التركيز على دراسة ظاهرة الحرب للخروج بقوانين موضوعية عامة عن قضايا القوة النسبية، والتحالفات الدولية والاحتواء، والأداء الدبلوماسي، وأسباب اندلاع الحروب ومحاولة التنبؤ بلحظات اندلاعها وبما يعقبها من تسويات وأوضاع.
ولذلك يهمش الواقعيون القانون الدولي، ويجردون العلاقات الدولية من كل مضمون أخلاقى أو اعتبار قيمى، لأن الحرب والسعى إلى اكتساب القوة لا يعرفان أيا من تلك الاعتبارات، فالأخلاق عملة فاسدة فى هذا المجال؛ وبتعبير كيسنجر: "فإن الأخلاق لا حساب لها هنا".
ومن هنا يمكن القول أن هذا المنظور كان أكثر صراحة من غيره فى تناوله لحقائق السياسة الدولية فقد أراد أن ينزع عن السلوك الدولى كل الأقنعة، ليضعه فى دائرة الضوء ويكشف عنه كل دوافعه المحركة، ويردها إلى حقيقة أساسية هى القوة فى علاقتها بالمصلحة القومية مهما كانت المسميات التى تطلق عليها.
وفي محاولة لاحتواء الانتقادات التى تعرض لها المنظوران "المثالي والواقعي"، ظهر "المنظور العالمى"، وكانت بدايته الفعلية الكتاب الذى حرره كل من روبرت كوهين وجوزيف ناى بعنوان "Transnational Relations and World Politics"، والذى ضم مجموعة من المقالات التنظيرية لنخبة فكرية جديدة (ضمت: ستانلى هوفمان، وريتشارد مانسباش، وبيل فيرجسون، ودونالد لامبتر، وغيرهم) تصدت لمواجهة المدخل الواقعى بتقاليده البحثية العتيدة، ومقولاته الصلبة، فضلاً عن مسلماته الفلسفية الأولى عن حالة الطبيعة الإنسانية.
ويؤكد أنصار المنظور العالمى على أن مناخ العلاقات الدولية هو أقرب إلى حالة الاعتماد المشترك منه إلى حالة الفوضى والحرب، فهناك نوع من النظام الدولى آخذ فى الاتساع والتكامل، وهو فى طريقه إلى أن يفرض نفسه بوصفه نوعاً من العرف والقانون الدولى المقبول طواعية من جميع الدول، فمعظم اهتمامات الدول فى سياستها الخارجية أصبحت تنصب على قضايا التطور التقنى والاقتصادى، وذلك على حساب القضايا الأمنية، مما أدى إلى بروز مناخ من التفاهم والتعاون بين الدول، وعلى التخفيف من حدة الاستقطاب والاستعداء فيما بينها.
وتبدو حالة الاعتماد المشترك أكثر ما تبدو على  الصعيد العسكري، متمثلة فى حالة الردع النووى المشترك، حيث تعتمد كل دولة من الدول النووية على الأخريات لترسيخ حالة منع استخدام القوى النووية، وتلك غاية استراتيجية مشتركة بين كل الدول التى تمتلك السلاح النووي، تدعو إلى انتهاج سياسة مشتركة باتجاه تقليص ميزانيات الصرف العسكرى وخفض سباق التسلح.
ومثل تلك الحالة، على الصعيد الاقتصادى، يمكن أن تتحقق مع تواصل التطور التقنى فى وسائل الإنتاج والاتصال، الأمر الذى سيقود إلى تشابك حقيقى فى المصالح الدولية، وانفتاح كامل للأسواق القومية لتجارة الدول الأخرى وبضائعها، ويقلل بالتالى من دواعى التوتر واحتمالات اندلاع الحروب.
ويعتقدون أن التقدم الاقتصادى حتى لو ساد العالم بأكمله، لا يمكن أن يقوم تلقائياً ببسط السلام، ولا يمنع الانفجارات العسكرية الخطرة، ولكن يمكن توطيد أسس السلام ببذل مزيد من الجهد تجاه ضبط التسلح، وتشييد مزيد من مؤسسات التعاون على المستوى الدولى، ووضع مجموعات من الإجراءات والقوانين الكفيلة بحسم النزاعات، ورصد طويل الأمد لمصادر مالية ضخمة بغرض مساعدة الدول الصغيرة اقتصادياً، وتأمين أوضاعها عسكرياً.
فالمطلوب هو إخضاع السياسة العالمية لإطار مؤسسي، وإعطاء المؤسسات المنبثقة عنه نفوذاً أكبر لقيادة العالم نحو آفاق الاعتدال والتعاون والسلم والرفاهية، ويرون أنه يمكن البدء بتشييد النظام الدولى، وأن الوقت الحالى هو الوقت الأنسب، بسبب ما انتهى إليه وضع العالم فعلاً من مستوى معقول من الاعتماد المشترك.
ويرى أنصار المنظور العالمى أن الاتجاه نحو مزيد من التعاون الدولى والاعتماد المشترك، ينفى مقولة أن الدولة القومية هى وحدها وحدة التعامل، فإذا كانت الدولة القومية ستستمر فاعلا أساسيا فى العلاقات الدولية، فإن ثمة تطورات عظمى جعلت نفوذها يتناقص إلى حد بعيد، وكثير من الأحداث العالمية زعزعت مفهوم سيادة الدولة واستقلالها بصنع قراراتها.
أما عن المشكلات الرئيسية فى العلاقات الدولية فيرى أنصار المنظور العالمى أنها تتمثل فى تلك التى تواجه الجنس البشرى بأسره، التى يحدثها ويزيد من خطورة وقعها تسارع التقدم التقنى الحديث، مثل مشكلات عدم التوازن البيئى الذى يهدد مستقبل العيش على الكوكب الأرضي، ومشكلات تناقص موارد الطاقة بسبب الاستنزاف المتواصل لتلك الموارد المحدودة ومشكلات نقص الغذاء مع تزايد السكان، وتفاقم المجاعات، هذا فضلا عن مشكلات حقوق الإنسان التى يتواصل انتهاكها فى كثير من الأقطار ويمتنع العالم عن التصدى لها بسبب تمتع حكومات الدول القومية بحق السيادة، الذى يخولها أن تفعل بمواطنيها ما تشاء.
وإذا كان هذا عن المنظورات الرئيسية التى ظهرت فى إطار العلاقات الدولية، فإن هناك عدد من الأطر المعرفية التى لم تحقق الانتشار الواسع الذى حققته هذه المنظورات، كالمنظور الفلسفي، والمنظور القانونى والمنظور الاقتصادي ومنظور التبعية، هذا مع مراعاة أن اختلاف المنظورات، وإن كان يعكس إشكالات نظرية يعاني منها علم العلاقات الدولية، فإنه في الوقت نفسه يعكس اتساع آفاق هذا العلم، واستحالة الإحاطة بأبعاده وقضاياه وتفسير جدلياته وفق منظور أو إطار منهجي واحد، وهو ما يمكن التغلب عليه من خلال التكامل المنهجي القائم على الجمع بين أكثر من منظور أو أكثر من اقتراب منهاجي أو تحليلي، عند التعاطي بموضوعية مع هذه الأبعاد وتلك القضايا والجدالات.
 

 

• أكاديمي، ومحلل سياسي مصري.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=295

الأكثر مشاركة في الفيس بوك